استمرت بعدها رحلة البحث عن أشكال أخرى للطاقة، وتُعَدُّ الطاقة من أهم المقادير الفيزيائية الرئيسة التي تتميز بتنوع وتعدد أشكالها وإمكانية تحوُّلها من شكل لآخر، وقد أقبل الإنسان منذ القدم على استخدامها كما بات واضحاً، ومع الوقت تزايدت قدرته على ابتكار طرائق جديدة لاستثمارها والاستفادة منها، وفي المقال الآتي سنتعرف إلى أنواع الطاقة ومصادرها وكيفية الحفاظ عليها.
ما هي أنواع الطاقة:
تُصنَّف الطاقة ضمن نوعين أساسيين هما:
- الطاقة الحركية: وتعني طاقة الأجسام المتحركة مثل طاقة الرياح.
- الطاقة الكامنة: وهي الطاقة المخزَّنة في جسم ما؛ أي طاقة الأجسام في وضع السكون مثل الطاقة الكيميائية والطاقة النووية وطاقة الجاذبية.
فيما يأتي سنتعرف بالتفصيل إلى كل نوع من أنواع الطاقة سواء كانت طاقة حركية أم طاقة كامنة.
1. الطاقة الحركية:
تطبيق قوة ما على جسم تنقله من حالة السكون إلى حالة الحركة، ومن ثمَّ يكتسب الجسم طاقة حركية؛ فالطاقة الحركية إذاً هي الطاقة التي تنتج عن حركة الأجسام، وتختلف طبعاً الطاقة الحركية التي يمتلكها كل جسم تبعاً للعديد من العوامل منها الكتلة، فالطاقة الحركية التي تملكها شاحنة أكبر من الطاقة الحركية التي تملكها سيارة إذا كان لهما السرعة ذاتها.
ويعود الفرق بالطاقة الحركية إلى فرق الكتلة بين السيارة والشاحنة، وأيضاً سرعة الجسم تؤثر في طاقته الحركية، ومن الأمثلة عن ذلك، عند اصطدام سيارة ذات سرعة كبيرة بصندوق، فإنَّها ستحرِّك الصندوق لمسافة أطول من السيارة ذاتها في حال كانت سرعتها أقل.
2. الطاقة الكامنة:
هي الطاقة التي يمتلكها جسم ما مخزَّنة داخله مثل الطاقة الموجودة في المياه المحتجزة خلف حاجز مثل مياه السد، ومن أشكال الطاقة الكامنة:
- الطاقة الكامنة الثقالية؛ وهي الطاقة التي يختزنها جسم ما عند رفعه إلى ارتفاع معين عن سطح الأرض
- الطاقة الكامنة المرونية؛ وهي الطاقة التي يختزنها جسم ما عند تطبيق قوة عليه أدَّت إلى تغيُّر شكله، كالطاقة التي يمتلكها الوتر المشدود، وقد استغل الإنسان هذا النوع من الطاقة عندما اخترع القوس والنشَّاب واستفاد منه في الصيد والحروب وغيرها.
- الطاقة الكيميائية أيضاً من أنواع الطاقة الكامنة وهي الطاقة المختزنة في الروابط بين الذرات والجزيئات، وتنطلق الطاقة الكيميائية عند حدوث التفاعلات الكيميائية، وكثيراً ما نلاحظ ظهور الحرارة كنتيجة ثانوية للتفاعلات الكيميائية التي تسمى في هذه الحالة التفاعلات طاردة الحرارة، وتوجد عدة أمثلة عن الطاقة الكيميائية ومنها: عملية هضم الطعام؛ إذ تتحرر الطاقة الكيميائية التي يخزنها الطعام وتتحول المواد الغذائية إلى مركبات أخرى يمتصها الجسم تسهم في نموه وتدفئته.
3. الطاقة الميكانيكية:
وهي الطاقة الحركية والكامنة التي يمتلكها جسم ما، ومن الجدير بالذكر أنَّ الطاقة الميكانيكية الناتجة عن الطاقتين الحركية والكامنة تساوي مجموع الطاقتين دون زيادة أو نقصان، وتحقيقاً لمبدأ مصونية الطاقة الذي ينص على أنَّ "الطاقة لا تفنى ولا تُخلَق من العدم؛ بل تتحول من شكل إلى آخر دون زيادة أو نقصان".
4. الطاقة الكهربائية:
تنتج عن تدفق الشحنات الكهربائية؛ أي الإلكترونات من الطرف الموجب إلى الثابت داخل موصل، وكلما زادت سرعة هذه الإلكترونات زادت الطاقة الكهربائية، وهي نوع من أنواع الطاقة الحركية لأنَّها تنشأ عن حركة الإلكترونات.
التيار الكهربائي نوعان: مستمر مثل التيار في مقبس الكهرباء، وتيار ثابت مثل التيار الخارج من البطارية؛ إذ يتم توليد الكهرباء بطرائق متعددة ومختلفة ومن هذه الطرائق: احتراق الغاز الطبيعي، واحتراق الفحم، واحتراق البترول، والانشطار النووي، وتدفق المياه، وضوء الشمس، والرياح، وحرارة باطن الأرض.
5. الطاقة الحرارية:
تنتج الطاقة الحرارية عن اصطدام الجزيئات والذرات ببعضها بعضاً في أثناء تحركها بسرعة عالية داخل جسم ما، وكلما زادت حركة الجزيئات زادت الحرارة؛ أي زادت الطاقة الحرارية للجسم؛ فتنتقل الطاقة الحرارية من جسم إلى آخر من خلال التلامس الجسدي، وهذه الطريقة تسمى التوصيل؛ إذ تنتقل الطاقة بسبب اصطدام الجزيئات ببعضها بعضاً وحركة الإلكترونات.
ليست هذه الطريقة الوحيدة لانتقال الطاقة الحرارية، فقد تنتقل أيضاً عن طريق الحمل الحراري؛ أي انتقال الحرارة بسبب حركة الموائع مثل الغازات والسوائل، وتنتقل الطاقة هذه أيضاً بالإشعاع؛ وهو انتقال الطاقة على شكل جسيمات أو موجات إلى الوسط المحيط: ونستطيع ملاحظة استخدام الطاقة الحرارية ببساطة شديدة خلال حياتنا اليومية؛ فمثلاً احتراق الشمعة وذوبان الثلج.
6. الطاقة المغناطيسية:
يُعرف المغناطيس بأنَّه قطعة معدنية تمتلك القدرة على جذب بعض أنواع المعادن مثل الحديد والنيكل؛ وهذا يؤدي إلى نشوء مجال مغناطيسي، والطاقة المخزَّنة في هذا المجال هي الطاقة المغناطيسية؛ إذ تتولد الطاقة المغناطيسية من خلال ثلاثة مصادر منها كما ذكرنا المغناطيس الدائم، ومن استخدامات هذا النوع إبرة البوصلة.
تنشأ الطاقة المغناطيسية أيضاً في المجال المغناطيسي الذي ينشأ عن المغناطيس الكهربائي، والمغناطيس الكهربائي عبارة عن قالب حديد يُلف حوله سلك وموصلات التيار الكهربائي المغناطيسية، ويرجع ذلك إلى المجال المغناطيسي المتشكل حول السلك، وللمجال المغناطيسي العديد من الاستخدامات ومنها تشغيل المولدات الكهربائية.
7. الطاقة النووية:
وهي الطاقة التي تنتج عن انشطار الذرة أو اتحادها، ولا يمكن استخراج الطاقة النووية من أي نوع ذرات؛ بل يجب أن تكون تحديداً من ذرات العناصر المشعة كاليورانيوم؛ إذ تنبعث الطاقة النووية بكميات كبيرة جداً، ولا تتشابه أبداً مع التفاعلات العادية التي تحدث بين الجزيئات والذرات، ويتم الحصول على الطاقة النووية من خلال أجهزة تسمى المفاعلات النووية التي تعتمد إما على الانشطار النووي أو الاندماج النووي.
8. الطاقة الإشعاعية:
تنتقل هذه الطاقة عن طريق الإشعاع الكهرومغناطيسي، وهي عبارة عن حزم صغيرة هي الفوتونات وكل فوتون يحمل كمية من الطاقة، وكل ما نستطيع رؤيته من الطاقة المشعة بعض الفوتونات الموجودة في مجال صغير جداً؛ وهذا ما يُعرف بالضوء المرئي.
9. الطاقة الصوتية:
تنتج الموجات الصوتية بسبب تطبيق قوة على جزيئات مادة أو وسط ما؛ وهذا يجعلها تهتز، والصوت هو حركة الطاقة ضمن مادة، وتنتقل الأصوات في المواد الصلبة والسائلة والغازية على شكل موجات صوتية.
10. الطاقة الموجية:
هي طاقة أمواج البحر التي تُستخدم في توليد الكهرباء من خلال دفع توربينات التوليد، وهي ذات كثافة عالية مقارنة بأنواع الطاقات الأخرى، ويمكنها الاحتفاظ بطاقتها المختزنة لمئات الكيلومترات.
11. الطاقة الإسموزية:
ظهرت هذه الطاقة حديثاً، وتنشأ عن الفرق في تركيز الملح بين مياه النهر والبحر.
ما هي مصادر الطاقة؟
تتعدد مصادر الطاقة، ويمكن حصرها ضمن ثلاث فئات رئيسة:
1. الوقود الأحفوري:
تتشكل هذه الفئة من خلال تعرُّض النباتات والحيوانات الميتة منذ ملايين السنين لحرارة وضغط شديدين، وهي من الطاقات غير المتجددة والقابلة للنفاد والتي تحتاج الطبيعة إلى ملايين السنين لإعادة تجديدها، ومنها:
- النفط: لإيجاد النفط يبحث المتخصصون عما يسمى بالمصيدة التي يُعَدُّ وجودها دليلاً على وجود النفط في مكان ما، فحتى يتم تشكُّل النفط، لا بد من تجمع المواد العضوية في صخور رسوبية تسمى صخور المصدر، وأيضاً يجب وجود صخور تحتوي على مسامات عالية حتى تحفظ النفط، ويجب أن يكون فوقها صخور غير نافذة حتى لا ينفذ النفط إلى السطح.
- الفحم: الكربون أحد مصادر الطاقة الرئيسة؛ كون الكربون موجوداً في الفحم بوصفه عنصراً أساسياً، أصبح الفحم مصدراً من مصادر الطاقة؛ إذ يتشكل الفحم عندما تتعرض النباتات الموجودة تحت الأرض لضغط شديد يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارتها وتحولها إلى فحم.
- الصخر الزيتي: تحتوي بعض الصخور الرسوبية والمواد الصلبة على مواد عضوية، يُعزَل الأوكسجين عنها وتُعرَّض لدرجة حرارة عالية جداً تفوق 575 درجة مئوية؛ وهذا يؤدي إلى تحولها من شكل إلى آخر وتكوُّن النفط الخام الصناعي أو الزيت الصخري، ويُفضل عدم استخدام هذا النوع من الطاقة؛ وذلك نظراً للأضرار الكبيرة التي تسببها للبيئة.
2. الطاقة المتجددة:
أي الطاقة التي لا تنفد والموجودة في الطبيعة بشكل دائم ومستمر، وهي طاقة آمنة ونظيفة ولا تسبب تلوث البيئة، ومنها:
- الطاقة الحرارية: هي الطاقة الناتجة عن التحلل الإشعاعي للصخور الموجودة في باطن الأرض؛ إذ تخرج هذه الطاقة إلى سطح الأرض على شكل ينابيع حارة يتم الاستفادة منها في تدوير الآلات الثقيلة.
- الطاقة الشمسية: للطاقة الشمسية ميزات عديدة جداً، فهي طاقة موجودة بشكل دائم وغير معرضة للنفاد، وطاقة نظيفة تماماً يمكن تخزينها وتحويلها من شكل إلى آخر بسهولة ودون الحاجة إلى آلات وأجهزة معقدة.
- الطاقة الكهرومائية: من أبرز مصادر الطاقة المتجددة، ويُطلق عليها أيضاً اسم طاقة المياه، ويتم فيها تحويل الطاقة الحركية للماء إلى شكل آخر للطاقة مثل الطاقة الكهربائية.
- طاقة الرياح: الرياح هي انتقال الهواء من مكان إلى آخر، وقد تم الاعتماد على هذه الحركة المستمرة للهواء والتبادل الحاصل بين الهواء الساخن والبارد في توليد الطاقة؛ إذ يصعد الهواء الساخن إلى أعلى ليحل محله البارد الذي يسخن ويصعد مرة أخرى إلى أعلى وهذه الحركة لا نهائية وتُنتج طاقة لا منتهية، فيتم تحويل الطاقة الحركية للرياح إلى طاقة كهربائية من خلال استغلال طاقة الرياح في تحريك توربينات الرياح.
3. الطاقة البديلة:
وهي طاقة غير مشتقة من الوقود الأحفوري ولكنَّها ليست متجددة مثل:
الطاقة النووية: تحدَّثنا فيما سبق عن الطاقة الهائلة الناتجة عن تكسر الروابط في نواة الذرة؛ إذ يتم الاستفادة من هذه الطاقة بتحويلها إلى شكل آخر، مثل الطاقة الكهربائية والطاقة الحرارية، والجدير بالذكر أنَّ الاستخدام الخاطئ لهذه الطاقة الهائلة قد يسبب كوارث على مستوى العالم، فمن منا يستطيع أن ينسى ما حصل في "هيروشيما" و"ناكازاكي" نتيجة إلقاء قنبلة نووية عليهما خلال الحرب العالمية الثانية؟
كيف نحافظ على مصادر الطاقة؟
المحافظة على الطاقة ومصادرها يتعلق تعلقاً كبيراً بالممارسات والعادات والسلوكات اليومية للأشخاص، ومن ثمَّ فإنَّ ضبط هذه السلوكات والتصرفات سيساعد كثيراً على ترشيد استهلاك الطاقة والحفاظ عليها.
وللحفاظ على مصادر الطاقة يجب أن تضع في الحسبان ما يأتي:
- من الخطأ إنارة مصابيح المنزل بالكامل ليلاً، ويجب الاقتصار على إنارة الغرفة التي نشغلها، وأيضاً لا يجب الاعتماد بالكامل على المكيفات لتعديل درجة الحرارة؛ بل يجب استخدام الشمس لتدفئة المنازل في الشتاء، ومن الأفضل الاعتماد على طاقة الشمس في تدفئة المنازل لأنَّها من أنواع الطاقة المتجددة والآمنة، وعند استخدام المكيفات يجب ضبطها على درجة الحرارة المناسبة.
- استخدام الأكياس الورقية بدلاً من أكياس النايلون، والبطاريات القابلة للشحن.
- استخدام الأجهزة الموفِّرة للطاقة التي أصبحت موجودة بكثرة في الأسواق.
- يجب على الحكومات إعداد الكثير من البرامج التي تهدف إلى تثقيف المجتمع وتوعيته بشأن أهمية ترشيد استهلاك الطاقة وتعريفه بأضرار ومخاطر الاستهلاك غير المدروس لها.
في الختام:
بعد أن تعرَّفنا إلى أنواع الطاقة ومصادرها، أصبح واضحاً تماماً أنَّ الحفاظ على مواردها غير المتجددة واجب علينا، والأسباب التي تدفعنا لذلك كثيرة تتعدى المستوى الشخصي الذي يتعلق بتوفير المال من خلال خفض قيمة فاتورة الكهرباء وغيرها، إلى سبب آخر أهم وأسمى وعلى مستوى الكرة الأرضية بكاملها، فالحفاظ على مصادر الطاقة يؤدي إلى تخفيف الضغط الكبير الواقع على البيئة؛ وهذا يجنبنا الكثير من المشكلات البيئية التي يصعب التعامل معها.
أضف تعليقاً