يقول عالم الفيزياء "ألبرت أينشتاين" ( Albert Einstein): "إذا كان لدي ساعة لحل مشكلة تتوقف عليها حياتي كلها، فإنَّني سأقضي أول 55 دقيقة في تحديد السؤال الذي يجب أن أطرحه؛ لأنَّه بمجرد أن أعرف السؤال المناسب يمكنني حل المشكلة في أقل من 5 دقائق".
يستغرق السفر من بورتلاند (Portland) إلى سياتل (Seattle) حوالي ثلاث ساعات بالسيارة، وأربع ساعات ونصف بالقطار، أمَّا على متن الطائرة فلا تستغرق الرحلة أكثر من 45 دقيقة، ولكن كم كان يستغرق السفر من بورتلاند إلى سياتل في عام 1899؟ كان يستغرق يوماً واحداً على الأقل، وبالطبع كنت ستمتطي حصانك الذي يجب أن تطعمه كثيراً خلال هذه الرحلة.
بالطبع كانت السيارة موجودة في ذلك الوقت؛ لكنَّها لم تكن عملية ولا قوية وكانت تكلفتها باهظة جداً، ثمَّ في عام 1908 أُنتِجَت أول سيارة "فورد موديل تي" وسرعان ما أصبح السفر أسهل بكثير؛ ولكن بقيت السيارات مكلفة جداً إلى أن اخترع هنري فورد (Henry Ford) خط التجميع الذي مكَّن من صناعة سيارات بتكلفة مقبولة وجودة عالية.
في حين كان الآخرون سعداء لكون الأثرياء وحدهم من يستطيعون ركوب السيارات لأنَّها تقنية غير عملية، كان فورد يتساءل "ما تكلفة السيارة إذا جزأتها إلى أبسط مكوناتها ووجدت طريقة أفضل لتجميع هذه المكونات؟"، وقد غيَّرت الإجابة عن هذا السؤال واقع التنقُّل الشخصي للأفراد إلى الأبد؛ فنحن نرى الآن سهولة شراء السيارات وإلى أي مدى هي وسائل عملية.
لكن عندما أراد فورد العثور على إجابة لجأ إلى نوع من الاستفسار النقدي الذي يُعرف بالمبادئ الأولى للتفكير، وليس فورد الوحيد الذي لجأ إلى هذا الأسلوب من التفكير؛ بل تقريباً لجأ إليه جميع المخترعين العظماء عبر التاريخ لحل المشكلات التي بدت مستحيلة، ويمكنك أنت أيضاً أن تطبق هذا الأسلوب من التفكير في حياتك لتصبح أكثر إبداعاً وقادراً على حل المشكلات المعقدة.
كيف يجعلك أسلوب مبادئ التفكير الأولى أكثر إبداعية؟
من المؤكد أنَّك مثل معظم الناس عندما تواجه شيئاً لا تعرف القيام به فإنَّك تلجأ مباشرة إلى الإنترنت، فقد تقرأ بعض المقالات التعليمية أو تشاهد بعض مقاطع الفيديو على يوتيوب (Youtube) وهذه الطريقة تنجح أحياناً، وأحياناً أخرى لا تنجح.
من المؤكَّد أنَّك في بعض المرات التي لجأت فيها إلى الإنترنت ولم تجد ما تريده فكرت قائلاً: "تطبيق ما شاهدته أو قرأته يتطلب كثيراً من العمل"، أو "ليس هذا هو الحل الذي أريده".
ما حدث هو أنَّك أُصبت بالإحباط؛ لأنَّك اعتمدت أسلوب التفكير بالقياس الذي يدور حول مشاهدة طريقة لفعل شيء ما ومن ثم تكرارها، ولكن هذا لم ينل إعجابك.
التفكير بالقياس هو طريقة مختصرة ومفيدة؛ لكنَّه مجرد طريق مختصر؛ أي إنَّه لا يساعدك على فهم ما تفعله حقاً فكل ما هنالك أنَّك تراقب ما فعله شخص آخر وتقوم بتقليده، طبعاً مع ما يرافق طريقة هذا الشخص من عيوب ومشكلات وتقنيات مختصرة تحقق الفائدة؛ لكنَّها تجعل تكلفة إنجاز المهمة باهظة للغاية أو صعبة أو تستغرق وقتاً طويلاً وغير ذلك من النتائج غير المُرضية.
لكن عندما تلجأ إلى أسلوب التفكير بالمبادئ الأولى فإنَّك لا تتلقى معرفة جاهزة من غيرك؛ إنَّما تستكشف بنفسك؛ أي إنَّك تتساءل عن كل شيء تظن أنَّك تعرفه إلى أن تصل إلى "المبدأ الأول"، وهذا المبدأ الذي توصلت إليه بعد عدة استكشافات يصبح حقيقة مطلقة لا تحتاج إلى شرح من الآخرين.
من خلال تطبيق هذه الطريقة في التفكير مراراً وتكراراً تحصل على المكونات الأساسية للمشكلة التي تواجهها دون أي أخطاء تنتج عن الأحكام المسبقة والأساليب المختصرة التي تؤدي إلى حلول سهلة.
عندما تفهم جوهر المشكلة تصبح قادراً على إيجاد حلول حقيقية فريدة تماماً مثلما فعل هنري فورد باختراعه لخط التجميع لجعل السيارات وسيلة نقل عملية.
شاهد بالفيديو: 5 نصائح لاكتساب مهارة حل المشكلات
طرائق عملية لاستخدام أسلوب مبادئ التفكير الأولى في حياتك اليومية:
إذا كنت تريد حل مشكلة معقدة أو تحسين شيء ما فعليك الانطلاق من المبادئ الأولى؛ فالطرق المختصرة لا تحقق لك النتائج نفسها؛ لذلك سنقدِّم بعض الطرائق العملية لمبادئ التفكير الأولى التي تجعلك شخصاً أكثر تأثيراً وذكاءً:
- إذا كنت تبدأ نشاطاً تجارياً فستحتاج إلى المبادئ الأولى؛ من أجل تصنيع منتج أو تقديم خدمة تتفوق على المنتجات أو الخدمات المنافسة.
- إذا واجهت يوماً حافلاً جداً بالمهام فستساعدك مبادئ التفكير الأولى على إنجاز كل شيء في أقل وقت وجهد ممكنين.
- إذا كنت تريد تحسين صحتك فسيساعدك هذا النمط من التفكير على إنشاء روتين مناسب لهذه الغاية أكثر من المعاناة في محاولة تطبيق حميات غذائية أو ممارسة تمارين رياضية لا تحبها.
يمكنك حل أي مشكلة مهما كانت معقدة من خلال استراتيجية مبادئ التفكير الأولى؛ لأنَّها تجنِّبك سوء الفهم أو التقدير، ومن المؤكَّد أنَّك عندما تفهم المبادئ فستكون قادراً على إحراز التقدُّم، وقد تكون هذه الطريقة في التفكير أصعب من غيرها؛ لكنَّ نتائجها أفضل بكثير.
مع ذلك فإنَّ عملية التفكير هذه سهلة من حيث التطبيق، وهي تتطلب فقط وضع المُسلَّمات موضع التساؤل، وما نعنيه هنا هو أن تسأل نفسك _ عندما تظن أنَّك تعرف شيئاً ما _ "هل ما أظنه صحيح؟" وإذا وجدت أنَّ معرفتك مستندة إلى مجرد افتراض فيجب أن تستمر بطرح الأسئلة إلى أن تصل إلى معرفة مُثبتة بالبرهان، ومن هذه النقطة يمكنك الانطلاق لإيجاد حل للمشكلة.
اتبع أسلوب مبادئ التفكير الأولى حالاً:
تمهَّل لبعض الوقت وفكِّر في مشكلة كنت تكافح لإيجاد حل لها سابقاً، ودوِّن جميع الأسباب التي تعتقد أنَّها تجعل المشكلة معقدة، وبعد ذلك تحقق من صحة كل سبب من هذه الأسباب، واستمر في طرح الأسئلة حتى تصل إلى معرفة لا جدال فيها، واستخدم هذه المعرفة كقاعدة للانطلاق في إيجاد الحل.
ربما لن تتمكن من حل للمشكلة من المحاولة الأولى، ولكن من خلال التفكير بهذا الأسلوب مراراً وتكراراً فستجد حلولاً أفضل بكثير ممَّا كنت تظن وعلى نحو أسرع، وعندما تجد النتائج بعد عملية التفكير الممتعة قد تصبح مدمناً على طريقة التفكير هذه، ومهما كانت المشكلة بسيطة فإنَّك لن تقبل بالحلول الجاهزة؛ بل ستفضِّل الحلول الصعبة ولكن في الوقت نفسه الأكثر فاعلية.
أضف تعليقاً