تصطاد الحيوانات آكلة اللحوم وتقتل فريستها للبقاء على قيد الحياة في البرية، لكن نتيجة أكل بعض لحوم الحيوانات الأخرى قد تصاب بالعديد من الأمراض، وأكثرها شيوعاً الإصابة بالطفيليات، ومع ذلك تستمر بأكل لحم طرائدها نِيئاً؛ وذلك لأنَّها تتحرك تبعاً لغريزتها، فهي لا تملك شهوة التذوق كما البشر، فاللحم بالنسبة إلى النمر مثلاً لا يختلف طعمه فيما لو كان لحم حمار أو غزال أو جاموس؛ لذا فاعتقادنا السائد بأنَّها لا تمرض من أكلها اللحوم النِيئة هو خاطئٌ بعض الشيء.
القول إنَّ الحيوانات تستطيع أكل اللحوم النيئة لا يعني بالضرورة الطازجة فقط منها؛ بل كذلك لحوم الجيف التي بدأت بالتعفن والتحلل أيضاً، لكن بالنسبة إلى بعضهم فإنَّ اللحوم الطازجة أخف على جهازهم الهضمي من لحوم الجيف، كما أنَّه لا يمكن لجميع الحيوانات اللاحمة أكل البروتين الحيواني المتحلل؛ وذلك لأنَّ أجهزتها الهضمية ليست مخصصةً لاستقبال وهضم هذا النوع من الغذاء.
6 أسباب تجعل الحيوانات قادرة على أكل اللحوم النِيئة:
لقد أثبتنا أنَّ الحيوانات تأكل اللحوم النِيئة، والآن دعونا نلقي نظرةً فاحصةً على أسباب قدرتها على ذلك؛ إذ تستطيع الحيوانات أكل اللحوم النِيئة لعوامل مختلفةٍ وهي:
1. اللحم النيء يؤكل وهو طازج:
إحدى الأسباب الحاسمة التي تجعل الحيوانات قادرةً على أكل اللحوم النِيئة هي أنَّها تأكلها وهي طازجةٌ، وبالطبع توجد استثناءاتٌ لهذه القاعدة كما نرى مع النسور القمَّامة التي تأكل الجيف المتعفنة والمتحللة، وعلى عكس البشر تأكل الحيوانات البرية فرائسها مباشرةً بعد قتلها ولا تقوم بمعالجتها أو تبريدها وتخزينها لاستهلاكها لاحقاً، ويضمن تناولها لفريستها بعد قتلها مباشرةً للحم أن يبقى طازجاً وألا يتعفن بسرعة، وبعبارةٍ أخرى لم تنمُ البكتيريا وتتكاثر فيه بعد.
2. أجهزة هضمية متكيفة جيداً:
تستطيع الحيوانات أكل اللحوم النِيئة؛ وذلك لأنَّها تملك أجهزةً هضميةً جيدة التكيف، فمعدتها تفرز أحماضاً أعلى تركيزاً من معدة البشر، ولدى بطنها وجهازها الهضمي آليةٌ داخليةٌ تعمل على طرد اللحوم السامة من نظامها، والأحماض الحيوية في جهازها الهضمي تقتل البكتيريا أكثر بكثيرٍ مقارنةً بالجهاز الهضمي لدى الإنسان.
3. تنوع الأجهزة الهضمية لدى الحيوانات:
اكتشف العلماء أنَّ بعض الحيوانات تقاوم البكتيريا، بينما يصاب بعضها الآخر ممن يتبعون نفس النظام الغذائي بالعدوى والمرض؛ ونتيجةً لذلك يختلف الأمر باختلاف الأنواع، ولا يمكن لجميع أنواع الحيوانات النجاة من تناول اللحوم النِيئة، ولا تستطيع العديد من الحيوانات العيش حتى مرحلة النضج نتيجةً لنفوقها بسبب الطفيليات أو الالتهابات البكتيرية التي يسببها تناولها للحوم النِيئة.
4. جهاز مناعة قوي:
تستطيع الحيوانات في البرية أكل اللحوم النِيئة بسبب قوة نظام مناعتها، فجهاز المناعة عند الحيوانات البرية قادر على أن يمنحها القدرة على مقاومة العديد من الالتهابات التي قد تصاب بها نتيجة البكتيريا المتنوعة التي تتعرض لها باستمرارٍ بفعل نظامها الغذائي.
5. حواس عالية المستوى:
إحدى الأسباب التي تجعل الحيوانات تأكل اللحوم النِيئة هي حاسة شمها القوية، فقد تسأل ما هي علاقة حاسة الشم لديها بقدرتها على أكل اللحوم النِيئة؟ تساعدها حاسة الشم القوية على تحديد ما إذا كان نوع اللحم الذي ستتناوله جيداً أم سيئاً، وتتيح لها الحكم على نوع اللحوم التي يجب تناولها أو عدم تناولها، والطازج منها أو المتعفن.
6. الحاجة وضرورة البقاء:
لا تختار الحيوانات وخاصةً البرية منها أكل اللحوم النِيئة، لكن تستهلكها لأنَّ هذا هو المتاح لها، ولا تستطيع اختيار إعداد لحومها ويموت معظمها دون تذوق البروتين المطبوخ، ولا يمكن قول الشيء نفسه عن الحيوانات الأليفة التي تعيش مع البشر أو مقارنتها بها، فالحيوانات المنزلية لا تأكل سوى اللحوم المطبوخة والجاهزة؛ لذا تعيش أكثر وتقل نسبة إصابتها بالأمراض عن الحيوانات التي تعيش في البرية.
هل تستطيع الحيوانات أكل اللحوم الفاسدة؟
يُعَدُّ اللحم الفاسد "الجيف" في معظم النظم البيئية ضرورياً للحيوانات آكلة اللحوم، بصرف النظر عن حقيقة أنَّ اللحوم الفاسدة ضارةٌ بصحة الإنسان، فهي بالعموم ذات طعمٍ سيئ وغير مستساغ أبداً، وبالنسبة إلينا نحن البشر، من الأفضل لنا تناول الطعام الطازج لتجنب مشكلات ومضاعفات المعدة والأمعاء، ومن ناحيةٍ أخرى، تتكيف بعض الحيوانات جيداً مع تناول اللحوم الفاسدة.
من الهام التأكيد على أنَّه ليست جميع الحيوانات قادرةً على أكل اللحوم الفاسدة، وتُعرَف تلك الحيوانات التي تأكلها باسم الحيوانات القمَّامة أو "الزبَّالين"، ومن الأمثلة عنها النسور والدببة والسلاحف والضباع، وتستطيع هذه الحيوانات أكل اللحوم في مراحل مختلفةٍ ومتفاوتةٍ من التعفن، والحيوانات القمَّامة لا تقتل أو تصطاد طرائدها، وبدلاً من ذلك ينتظرون الحيوانات الأخرى لتقتل الفريسة وتأكلها ثم تأتي هذه القمَّامة وتأكل بقايا الجثة الباقية.
النسور على سبيل المثال، تستطيع أكل اللحوم المتحللة؛ وذلك لأنَّ جهازها الهضمي يحتوي على مجموعةٍ فريدةٍ من الأحماض والأنزيمات الهاضمة عالية التركيز، وفي بعض الحالات تأكل النسور أقرانها من النسور الميتة الأخرى إذا شعرت بالجوع ولم تجد طعاماً آخر يسد جوعها.
كما تتعرض معظم الحيوانات للتسمم عن طريق تناول اللحوم الفاسدة بانتظامٍ، ومن ناحيةٍ أخرى يبدو أنَّ النسور لديها أحماض معدية قوية للغاية، كما تملك جراثيم "فلورا" معويةً قويةً تسمح لها بتناول وجبات الجيف والاستفادة منها كما لو أنَّها وجبةٌ فاخرةٌ.
قبل التفكير في الحيوانات القمَّامة الكبيرة كالنسور والدببة، يجب التفكير في الحيوانات الأصغر كالحشرات؛ إذ تملك معظم الحشرات أجهزةً هضميةً أقوى من البشر والحيوانات الأخرى مصممةً لمعالجة وتفكيك مستويات أعدادٍ عاليةٍ من البكتيريا دون التسبب بأي ضررٍ لها.
لماذا لا تمرض الحيوانات بعد تناول اللحوم النِيئة؟
الافتراضات بأنَّ الحيوانات لا تمرض بعد أكل اللحوم النِيئة غير صحيحةٍ، فمنها من يمرض أحياناً ومنها من يموت أيضاً في سنٍ مبكرةٍ جداً، كما يمكن القول إنَّ الحيوانات تتفاوت في قدرتها على التأقلم مع أكل اللحوم النِيئة؛ إذ تمتلك الحيوانات آكلة اللحوم النقية أجهزةً هضميةً مختلفةً تماماً عن الحيوانات الأخرى، فمسالكها الهضمية بسيطةٌ جداً وقصيرةٌ، على عكس الحيوانات العاشبة والحيوانات اللاحمة غير النقية الأخرى؛ إذ تستطيع هذه الحيوانات هضم البكتيريا المسبِّبة للأمراض.
يقضي الطعام وقتاً قصيراً نسبياً في أمعائها البسيطة والقصيرة، ويمر عبرها بشكلٍ أسرعٍ، وتفرز أحماضاً شديدة التركيز كما ذكرنا آنفاً، فلنفترض أنَّنا قارنَّا عينةً من المستعمرات البكتيرية المأخوذة من الخضار المشتراة من المتجر مع عينةٍ من المستعمرات البكتيرية المأخوذة من لحم غزالٍ مقتولٍ حديثاً، سنجد في هذه الحالة أنَّ لحم الغزال أقل ضرراً وتلوثاً؛ هذا لأنَّه لم يُكشَف ويتعرض للهواء لفترةٍ طويلةٍ، وفرصة نمو البكتيريا المسبِّبة للأمراض عليه ضئيلةٌ للغاية.
هل يستطيع البشر أكل اللحوم النِيئة؟
الإجابة عن هذا السؤال هي: نعم، يمكن للبشر أكل اللحوم النِيئة، على الرغم من أنَّه ليس بهذه البساطة وبلا تعقيداتٍ وبسهولةٍ كقول هذه الإجابة؛ إذ كان تناول اللحوم النِيئة ممارسةً شائعةً في العديد من الثقافات في جميع أنحاء العالم ولفترة طويلة من الزمن، في حين أنَّ هذه الممارسة ما تزال مستمرةً ومنتشرةً، إلا أنَّه يجب مراعاة الكثير من الأسس والضوابط قبل ممارستها.
فالحيوانات آكلة اللحوم مثل الذئاب والأسود لها أسنانٌ ضخمةٌ مصممةٌ لتقطيع وتمزيق عضلات الحيوانات المرنة كالمقص، على عكس أسنان البشر التي تعمل دور المِدَقَّة التي تطحن وتكسِّر الطعام بدلاً من تمزيقه.
وفقاً للأبحاث، لا يمكن للأسنان البشرية تكسير اللحوم النِيئة بشكلٍ كافٍ بسبب سطحها المسطح، كما صرح الباحثون أنَّ البشر الأوائل على الأرجح استخدموا الأدوات الحجرية لدق وطحن اللحوم النِيئة لجعلها صالحةً للأكل لأنَّ مضغها كما هي ليس بالأمر السهل.
بعد ذلك اكتشف الإنسان النار والطهي وبدأ بطهي طعامه وتخلى عن أكل اللحوم النِيئة، فالطهي يلين اللحوم ويعقمها ويقتل جراثيمها ويسهل عملية مضغها وهضمها؛ وهذا يساعد الجسم على امتصاص المزيد من العناصر الغذائية الموجودة فيه.
لقد أشارت الأبحاث التي أجراها العلماء إلى أنَّ اتباع نظامٍ غذائيٍ يحتوي على اللحوم النِيئة ممكنٌ للغاية، ونرى أنَّ العديد من المطاعم الراقية تقدم في قائمتها أطباقاً من اللحوم النِيئة، كالسوشي وشرائح لحم التارتار والسيفينتشي والكارباشيو بيف وغيرها، وكلها أطباقٌ مكونةٌ من لحومٍ نِيئةٍ وصالحةٍ للأكل، إلا أنَّها ليست آمنةً تماماً إن لم تكن خاضعةً لأعلى معايير الصحة والنوعية والجودة وضوابط السلامة والفحوصات الصحية.
على الرغم من هذا كله، يمكن أن يتعرض متناولها لخطر الإصابة بنوع ما من الالتهابات البكتيرية أيضاً؛ لذا يجب توخي الحذر وعدم أكلها إلا من مصادر موثوقةٍ للغاية.
وفقاً لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، قد تحتوي اللحوم النِيئة على السالمونيلا والإيشريكيا القولونية (E. Coli) وطفيلياتٍ أخرى كالدودة الشريطية وغيرها، والطريقة الوحيدة لقتل هذه الكائنات والتخلص منها هي طهي اللحوم جيداً؛ إذ تعيش البكتيريا وتتكاثر في درجات حرارةٍ تتراوح من 4 إلى 60 درجةً مئويةً؛ لذلك يجب طهي اللحوم بحرارةٍ تصل إلى 65 درجة وأكثر، فهذا يساعد على تكسير الخلايا البكتيرية ومنعها من التكاثر مجدداً.
قد تتساءلون عما إذا كان هذا صحيحاً أم لا، فكيف نجا البشر من تناولهم لحوم الأسماك النيئة طوال القرون السابقة؟ وأيضاً ماذا عن الأسماك النِيئة في أطباق السوشي؟ الإجابة هي أنَّ الأسماك البحرية تعيش في المياه المالحة، فهذا الماء بالإضافة إلى درجات حرارته يُحدث فرقاً كبيراً، فهو يعقم ويقضي على الكثير من البكتيريا والطفيليات مقارنةً بالمياه العذبة.
لذا تُعَدُّ أسماك المياه المالحة أكثر أماناً للاستهلاك من أسماك المياه العذبة، بالإضافة إلى أنَّ معظم البكتيريا لا تستطيع النمو في درجات حرارةٍ أقل من 4 درجاتٍ مئويةٍ؛ لذلك عادةً ما يتم تناول أطباق سمك السوشي والساشيمي غير مطبوخةٍ لكن بعد أن يتم تجميدها؛ وذلك للمساعدة على قتل أيَّة بكتيريا قد تكون ما تزال باقية فيها.
في الختام:
عادةً ما يكون استهلاك اللحوم النِيئة أكثر شيوعاً في النظم الغذائية الحيوانية؛ وذلك لأنَّها تتكيف جسمياً جيداً مع هذا النوع من التغذية، حتى البشر يستطيعون استهلاكها في حال خضوعها لضوابط ومعايير صحيةٍ شديدةٍ، إلا أنَّ الحذر واجب، والطهي أفضل وأشد صحةً ونظافةً.
كنا معكم في هذا المقال لنعرِّفكم إلى الأسباب التي تفسر قدرة الحيوانات على أكل اللحوم النِيئة، وتحدَّثنا عن عدم مرضها في حال أكلها له، وأجبنا عن سؤال إذا ما كان البشر يستطيعون أكل اللحوم النِيئة أيضاً، على أمل تحقيقه للفائدة المرجوة منه.
أضف تعليقاً