يوم العمال العالمي وسبب الاحتفال به

تحتفل العديد من الدول حول العالم بعيد العمال أو يوم العمال العالمي، والذي يُصادف الأول من شهر مايو (أيار) من كل عام، ويعد هذا اليوم بمثابة تكريم وتقدير للطبقة العاملة، والتي يعود لها الدور الأكبر في دفع عجلة الاقتصاد العالمي والمساهمة في ازدهار الوضع الاجتماعي والاقتصادي في العديد من دول العالم. لكن ما القصة الكامنة خلف الاحتفال بهذا اليوم؟ ولماذا يحتفل في الأول من مايو (أيار) بعيد العمال؟



أهمية يوم العمال العالمي:

يوم العمال العالمي هو مناسبة هامة ومميزة في تقويم العالم، حيث يتم الاحتفال به في الأول من مايو من كل عام. حيث يعد هذا اليوم فرصة لتكريم وتقدير العمال والعاملات في جميع أنحاء العالم، وتسليط الضوء على الدور المهم الذي يلعبونه في تقدم المجتمعات وتطورها.

وتأتي أهمية يوم العمال العالمي من خلال عدة جوانب:

  • يمثل هذا اليوم فرصة للتضامن والوحدة بين العمال والعاملات من كافة القطاعات والمهن. ففي هذا اليوم، يتجمع العمال والنقابات والمنظمات العمالية للتعبير عن مطالبهم المشروعة والدفاع عن حقوقهم. وبالتالي، يتحقق تعزيز الوعي الاجتماعي بأهمية العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية.
  • يعمل يوم العمال العالمي على تذكير المجتمع بأهمية حقوق العمال وسلامتهم في مكان العمل، فتقديم بيئة عمل آمنة وصحية يساهم في زيادة الإنتاجية وتحسين جودة الحياة للعمال. ومن خلال تسليط الضوء على هذه القضايا في يوم العمال العالمي، يتم تعزيز الوعي بأهمية تطبيق السياسات والقوانين التي تحمي حقوق العمال وتضمن سلامتهم.
  • يمثل يوم العمال العالمي فرصة للاحتفال بإسهامات العمال والعاملات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فالعمل هو المحرك الرئيسي للتقدم والازدهار، وبدون جهود العمال لا يمكن تحقيق النمو والازدهار الشامل. لذا، يعتبر يوم العمال العالمي مناسبة لتقدير واحترام العمل الشاق والتضحيات التي يقوم بها العمال والعاملات في مختلف القطاعات.

باختصار، يوم العمال العالمي يمثل مناسبة للاعتراف بأهمية العمل وتقدير العمال والعاملات في جميع أنحاء العالم. إنه يوم للتضامن والوحدة، ولتذكير المجتمع بأهمية حقوق العمال وسلامتهم، بالإضافة إلى الاحتفال بإسهاماتهم في التنمية الشاملة.

البداية التاريخية ليوم العمال:

تعود قصة عيد العمال -أو يوم العمال العالمي- في جذورها إلى منتصف القرن التاسع عشر، وتحديداً في أستراليا، حيث كانت أستراليا أول دولة في العالم تبتدع فكرة الاحتفال بعيد العمال، وذلك يوم 21 أبريل/نيسان من عام 1856، وكانت المطالب تدور حول تحديد ساعات العمل وتقليلها إلى ثماني ساعات، ثم انتقلت بعدها إلى كندا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث بدأت الأصوات تتعالى للمطالبة بتحديد ساعات العمل.

ولكن لنعود للوراء قليلاً، وبالتحديد إلى نيوزيلاندا، حيث يخفى على الكثير منا أن أول العمال حصولاً على حقوقهم، وبشكل خاص فيما يتعلق بحقوق العمل لـ 8 ساعات يومياً، بدأت من هناك؛ وقد تحقق هذا المطلب في عام 1840 عندما تمكن النجار (صامويل بارنيل) من الحصول على هذا الحق في العاصمة النيوزيلنديَّة ولينغتون.

إلا أن نيوزيلندا حددت يوم 28 أكتوبر(تشرين الأول) من عام 1890 يوماً للاحتفال بأول عيد عمال، ثمَّ عدل إلى رابع يوم اثنين من أكتوبر(تشرين الأول) من كل عام.

حركة التسع ساعات في كندا:

تعد حركة "التسع ساعات"، والتي بدأت في كندا في عام 1872، أول محاولة وطنية لحركة عمالية حقيقية في كندا، والتي انطلقت من هاميلتون - أونتاريو، حيث بدأت المُطالبات من أجل تقليص ساعات العمل إلى تسع ساعات.

وعلى الرغم من هزيمة هذه الحركة نتيجة أسباب عديدة منها: المحاربة الكبيرة التي لاقتها من قبل الحكومة، إلا أن نضالها آتى ثماره بعد سن قانون الاتحاد التجاري، والذي أعطى الصفة القانونية للعمال ووفر الحماية لنشاط الاتحاد عام 1872.

في عام 1882 أُعلِنَ يوم الخامس من سبتمبر(أيلول) عيداً للعمال في كندا.

قام زعيم العمال الأمريكيين (بيتر ماكغواير Peter McGuire) بنقل هذه الفكرة إلى الولايات المتحدة، بعد حضوره احتفالاً بعيد العمال في تورنتو خلال أحد زياراته إلى كندا، إلا أن تلك الفكرة لاقت اعتراضاً من قبل الحكومة الأمريكية لاعتماد هذه الفكرة على تقليص ساعات العمل، وهذا ما لاتريده الحكومة. فأعلن اتحاد العمال الأمريكيين تاريخ الأول من مايو عام 1886م يوماً للإضراب عن العمل.

أوضاع العمل والعمال في أمريكا قبل الإضرابات:

شهدت الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب الأهلية وبعد فترة طويلة من الكساد توسعاً كبيراً في مجال الإنتاج الصناعي، وكانت مدينة شيكاغو من أهم المراكز الصناعية الأمريكية في تلك الفترة، حيث يعمل العمال -غالبيتهم من أصول ألمانية- بمعدل ساعات عمل لا يقل عن العشر ساعات يومياً لـ 6 أيام في الأسبوع، ويتقاضون أجراً لا يزيد على 1.5 دولار يومياً؛ لذلك أصبحت المدينة مركزاً لنشاطات ومحاولات عديدة لتنظيم وتحسين ظروف العمل.

إلا أن الصراع بين العمال وأرباب العمل زاد، وجاء رد أرباب العمل على العمال قاسياً، حيث قاموا بطرد العمال من أعمالهم، ووضعوا أسماء من انتسب إلى نقابات العمال في قوائم سوداء لمنع تشغيلهم، كما قاموا بتعيين عناصر لمكافحة المضربين عن العمل، وتوظيف جواسيس لصالحهم وبلطجية وقوات أمن خاصة، بالإضافة إلى تقسيم العمال وتفريقهم من خلال إشعال الخلافات العرقية بين العمال.

إقرأ أيضاً: اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف

أحداث (هايماركت) وبداية النضال:

بدأت نقابات العمال الأميركية تستعد لتنظيم إضراب عام دعماً لتحديد ساعات العمل بـ 8 ساعات، وفي تاريخ 1 مايو (أيار) شهدت العديد من المدن الأمريكية إضراباً عاماً ومسيرات شارك فيها مئات الآلاف من العمال الأمريكيين، للمطالبة بيوم عملٍ لمدة ثماني ساعات، وكان شعارهم "8 ساعات للعمل - 8 ساعات راحة - 8 ساعات للنوم"، وقدرت أعداد العمال المشاركين في المسيرات والإضراب العام بين 300 و500 ألف عامل، من بينهم ما بين 30 و40 ألف عامل في شيكاغو وحدها، بينما كان يجوب في شوارع المدينة أكثر من ضعفي هؤلاء في مسيرات عمالية.

وفي الحقيقة لاقى هذا الاحتجاج صدى خارج الولايات المتحدة الأمريكية في الدول الأوروبية، والتي شهدت بدورها احتجاجات تطالب أيضاً بتخفيض عدد ساعات العمل.

التقى العمال المضربون في 3 مايو/أيار، وبالتحديد في شيكاغو، في مصنع شركة ماكورميك لمعدَّات الحصاد، حيث منع عمال اللحام من دخول المصنع منذ فبراير (شباط)، فيما سمح لأولئك الذين رفضوا هذا الإضراب بالعمل بشكل طبيعي، وسط معارضة من العمال المضربين.

وقد حاولت مجموعة من العمال المضربين في ذلك اليوم وعند انتهاء ساعات العمل الاعتداء على العمال غير المضربين، فقامت الشرطة بإطلاق النار على المضربين، ما أسفر عن مقتل عاملين، وفي روايات أخرى 6 عمال.

في 4 مايو (أيار) 1886، تجمعت مسيرة عمالية بالقرب من ميدان (هايماركت) في شيكاغو، شارك فيها قيادات عمالية نقابية ونحو 3000 عامل، بالإضافة إلى حضور عمدة شيكاغو الذي غادر بعد دقائق، وأعدادٍ كبيرةٍ من عناصر الشرطة الذين حاولوا فض هذا الاحتجاج، إلا أن القيادي العمالي البريطاني (صامويل فيلدن) أصر على أن الاحتجاج سلمي، وسرعان ما انقلبت هذه الاحتجاجات إلى حالة من الفوضى وأعمال الشغب بعد أن قام شخص بإلقاء قنبلة يدوية الصنع بين الحشود راح ضحيتها 12 شخصاً، من بينهم 7 من رجال الشرطة.

على إثر تلك الحادثة قامت السلطات الأميركية باعتقال 8 أشخاص من قيادات العمال، واتهمتهم بالتآمر، وأصدرت حكماً بالإعدام على 7 منهم، بينما حكم على الثامن بالسجن 15 عاماً، وأصدر قرار من قبَل حاكم إلينوي بتخفيض الحكم إلى السجن المؤبد على 2 من المحكومين بالإعدام، بينما انتحر ثالث وهو في السجن، وبذلك فقد جرى إعدام الأربعة الآخرين شنقاً في الحادي عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1887.

وفي أثناء تنفيذ حكم الإعدام قامت زوجة (أوجست سبايز) - وهو أحد العمال المحكوم عليهم بالإعدام- بقراءة خطاب كتبه زوجها لابنه الصغير جيم: "ولدي الصغير، عندما تكبر وتصبح شاباً وتحقق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت، ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أنني بريء، وأموت من أجل قضية شريفة؛ ولهذا لا أخاف الموت، وعندما تكبر ستفخر بأبيك وتحكي قصته لأصدقائك".

إقرأ أيضاً: في اليوم العالمي للغة العربية: تعريفها، وأهميتها، وخصائصها، وعلومها

سبب الاحتفال بالأول من مايو (أيار) بعيد العمال:

يمكن القول أن أصل الاحتفال بيوم العمال العالمي في الأول من مايو (أيار) يعود بشكلٍ أو بآخر إلى أحداث قضية هايماركت، حيث لاقت هذه القضية صدى كبيراً جاوز الولايات المتحدة الأمريكية إلى عمال العالم أجمع. ففي عام 1889 قام المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية بإحياء ذكراها في العاصمة الفرنسية باريس، وفي عام 1890 دُعِيَ إلى مظاهرات دولية لإحياء ذكرى هايماركت، وفي عام 1891 اعترفت الأممية الاشتراكية في مؤتمرها الثاني بعيد العمال حدثاً سنوياً.

في عام 1904 دعا اجتماع مؤتمر الاشتراكية الدولية في أمستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية، وخاصةً الاشتراكية منها، في جميع أنحاء العالم إلى عدم العمل في الأول من مايو (أيار) من كل عام، وسعي إلى جعله يوم إجازة رسمية في عشرات الدول.

عدَّ الكونغرس الأميركي اليوم الأول من مايو (أيار) يوم وفاءٍ لذكرى هايماركت، خصوصاً بعد أن حظي بالتقدير من دول عديدة على رأسها الاتحاد السوفياتي، فيما ظلت تحتفل في أول يوم اثنين من شهر سبتمبر من كل عام بعيد العمال، وكذلك الأمر في كندا.

واليوم تحتفل العديد من الدول حول العالم -ما يقرب 100 دولة- في اليوم الأول من مايو (أيار) بيوم العمال العالمي، أو عيد العمال، ويعد يوم إجازة رسمية فيها، فيما اختارت عدد من الدول تواريخ خاصة بها للاحتفال بهذا اليوم.

مستقبل العمل والتحديات التي تواجه العمال:

كان أمام قادة العمال الكثير ليتعاملوا معه، بدءاً من التأقلم مع العمل عن بعد وحتى الصعود السريع للتقنيات الرقمية الجديدة، حيث شهدنا بعد انتشار جائحة كورونا تزايد الابتكارات والاستثمارات التكنولوجية مما أدى حتماً إلى تغيير أماكن العمل وكيفية العمل.

وبناء على ظروف التطور السريع يوجد العديد من التحديات التي تواجه العمال، فيما يلي أبرزها:

1. التكيف مع الأتمتة والذكاء الاصطناعي:

يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي والأتمتة يهددان الوظائف. ومع ذلك، يعتقد البعض الآخر أنها فرصة لتطوير الموظفين للاستفادة من تحسين المهارات وإعادة التدريب للتكيف مع التقنيات الجديدة.

والتحدي الذي يواجه القادة هو مواكبة التغيير وضمان التدريب والدعم المناسبين لفرقهم مع خلق ثقافة تحتضن وتسمح للناس بتجربة أشياء جديدة.

على سبيل المثال، يمكن لأدوات الدردشة الآلية دعم الموظفين من خلال المهام والإجابة على الاستفسارات بناءً على معلومات هائلة.

2. إعادة تأهيل القوى العاملة المستقبلية وتحسين مهاراتها:

يؤدي التحول الرقمي السريع إلى زيادة حاجة الموظفين إلى تعلم مهارات جديدة للمساعدة في التكيف مع الحياة العملية المتغيرة، حيث أظهر تقرير مستقبل الوظائف أن أصحاب العمل يتوقعون تقديم إعادة صقل المهارات وتحسين المهارات لما يزيد قليلاً عن 70% من موظفيهم بحلول عام 2025.

ويجب أن يحدث التحول الرقمي وإعادة صقل المهارات وتحسين المهارات حتى يتمكن الموظفون من اغتنام الفرص، ويجب التركيز على بناء الهدف.

3. أماكن عمل متنوعة وشاملة:

بينما نتحدث عن مستقبل العمل وبعض التحديات التي يواجهها العمال اليوم، يعد هذا أحد أهم التحديات حيث هناك العديد من العوامل التي تجعل ترتيبات العمل عن بعد أو الهجين مفيدة للصحة العقلية.

كما يوفر العمل عن بعد مزيداً من التحكم في الجداول الزمنية، ويجلب المرونة ويحسن التوازن بين العمل والحياة المنزلية. كما أنه يساعد على تقليل التوتر، بما في ذلك التنقل أو القلق الاجتماعي، ويسمح للأشخاص باستكشاف الأدوار الأكثر ملاءمة لظروفهم والتزاماتهم الشخصية.

على سبيل المثال، الأشخاص ذوو الإعاقة أو مسؤوليات الرعاية، مما يؤدي إلى مجموعة أكبر من المواهب المتنوعة التي لم يكن من الممكن استغلالها بشكل كافٍ لولا ذلك.

إقرأ أيضاً: 19 أغسطس من كل عام اليوم العالمي للعمل الإنساني

في الختام:

يظهر يوم العمال العالمي بأهميته الكبيرة في تعزيز الوعي بأهمية العمل وحماية حقوق العمال وسلامتهم، حيث يعمل هذا اليوم على توحيد العمال والعاملات في جميع أنحاء العالم، وتعزيز التضامن والوحدة بينهم. إن تكريم العمال والاحتفال بإسهاماتهم يعكس الاعتراف بدورهم الحاسم في تقدم المجتمعات وتحقيق التنمية الشاملة. لذا، يجب علينا أن نستغل هذه المناسبة للعمل على تعزيز حقوق العمال وتحسين ظروفهم في مكان العمل، وذلك من خلال تبني سياسات وقوانين تحميهم وتضمن سلامتهم.




مقالات مرتبطة