أعلم أنَّه يوجد موظفون لا يفكرون في ذلك، ولكن إذا لم يفعلوا ذلك، فإنَّهم متوهِّمون وبعيدون عن الواقع؛ فالحقيقة هي أنَّ كل فرد في القوة العاملة عُرضة للتسريح في أي وقت، ولا يخجل أرباب العمل من إخبار الموظفين بذلك.
لقد أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" (The New York Times) إلى ذلك في الفترة الأخيرة: يشعر معظم الموظفين - بصرف النظر عن عدد السنوات التي قضوها في الشركة أو مقدار الموهبة والعمل الجاد الذي يقومون به - بإمكانية تسريحهم في أي لحظة، ومعظم أرباب العمل لا يُجرون كثيراً من الإجراءات لإيقاف هذا الشعور".
هل الاحتفاظ بالموظفين أمر هام؟
تضيف صحيفة التايمز أنَّه "مع تحسُّن الاقتصاد، أصبحت الشركات أكثر اهتماماً بالاحتفاظ بالعاملين الجيدين على الأمد الطويل"؛ إذ أصبح الاحتفاظ بهم أمراً هاماً، لكنَّني أتساءل: هل الاحتفاظ يمثِّل مصدر قلق للشركات، أم أنَّهم يتحدثون عنه فقط لأنَّهم يشعرون أنَّهم يحتاجون إلى ذلك؟
إذا تعمَّقتَ في مقال صحيفة "نيويورك تايمز"، فستحصل على نظرة ثاقبة من صديقي القديم "جوش بيرسين" (Josh Bersin)، عن البحث الذي أجرته شركة "ديلويت" (Deloitte) لأكثر من 3000 من قادة الأعمال والموارد البشرية في جميع أنحاء العالم، الذي وجد أنَّ الثقافة والمشاركة أو الاحتفاظ بالموظفين هو التحدي الأكثر أهمية بالنسبة إليهم.
وكما قال "جوش بيرسين" أحد مؤلفي التقارير لصحيفة "التايمز": "من واقع خبرتي بهذا العمل لمدة 15 عاماً، هذه هي المرة الأولى التي يُناقَش فيها هذا الموضوع على نطاق واسع"، ولا أشك فيما يقوله "جوش" للحظة، وفي الحقيقة، هناك قلة من الخبراء ممن لديهم البصيرة والمنظور عن هذا النوع من الأشياء التي يفعلها.
ومع ذلك، أتذكر آخر مرة في حياتي رأيت فيها أرباب العمل قلقين بشأن الاحتفاظ بالموظفين؛ إذ كانت طفرة الإنترنت "دوت كوم" (dotcom) بين عامي 1998 - 2001، ومن الواضح لي أنَّ قلق أرباب العمل اليوم بشأن الاحتفاظ بالموظفين لا يضاهي تلك الفترة.
الحقبة التي كان فيها الاحتفاظ بالموظفين مصدر قلق:
في ذلك الوقت، وظَّفَتني شركة "بيتس دوت كوم" (Pets.com)، وعملتُ طوال فترة وجودها نائبَ رئيس التحرير وناشراً في مجلة الشركة، ومع أنَّ لدي كثيراً من القصص الرائعة عن عملي في هذه الشركة، إلا أنَّ أكثر ما أتذكره عن تلك الفترة هو النضال المستمر الذي واجهناه للاحتفاظ بالموظفين.
وفي ذلك الوقت، كان الاقتصاد - خاصة التكنولوجيا - مزدهراً، وكانت معظم الشركات تنمو وتبحث عن المواهب؛ فكان العثور على موظفين، كما كنت أفعله باستمرار في شركة تقنية ناشئة، بمنزلة صراع، وكان التمسك بهم أكثر صعوبة؛ وذلك لأنَّ الجميع كان يحاول الحصول عليهم.
أنا شخصياً تلقَّيت مكالمة هاتفية واحدة على الأقل مع عرض عمل في كل أسبوع كنت أعمل فيه في شركة "بيتس دوت كوم" (Pets.com)، وكان التوظيف والاحتفاظ بهم صراعاً مستمراً فكَّر فيه كلُّ فرد في إدارة الشركة طوال الوقت، وسمعت نفس الشيء من الأصدقاء والأقران في جميع أنواع الصناعات في جميع أنحاء البلاد؛ وذلك لأنَّهم كانوا دائماً تحت الضغط نفسه، وتعرَّضوا لخسارة الموظفين لمصلحة أي شخص آخر كان يحاول النمو ويحتاج إلى موظفين، وهذا ما يبدو عليه الأمر عندما تكون الشركات قلقة بشأن الاحتفاظ بالموظفين.
شاهد بالفيديو: طرق تعامل المدير الناجح مع الموظفين
عدم مصداقية معدلات التوظيف الشهرية:
إنَّ عدم مصداقية معدلات التوظيف الشهرية هو السبب أيضاً في أنَّني لا آخذ الأرقام الحكومية الشهرية المتعلقة بالبطالة على محمل الجد، فقد يقولون إنَّ معدل البطالة بنسبة 5%، لكنَّ مكتب إحصاءات العمل متأخر تأخراً مؤسفاً في مراجعة كيفية قياسه للبطالة، وحتى يتمكن من التحقق من جميع الأشخاص الذين توقفوا عن البحث عن عمل أو الذين يعانون من نقص العمالة أو المتعاقدين المستقلين أو العاملين بدوام جزئي؛ فإنَّ أرقام قسم العمل (Labor Department) الشهرية هي أكثر بقليل من الدعاية الحكومية.
وإذا كنت لا توافق على هذا الكلام، فاسأل نفسك هذا السؤال: إذا كان الاحتفاظ بالموظفين يمثِّل مصدر قلق كبير لأرباب العمل، فلماذا ما يزال العمال يحصلون على زيادات متواضعة في الأجور السنوية بنسبة 3%؟ وإذا كان الاحتفاظ بالموظفين مصدر قلق حقيقي، فسيشهد العمال قفزة في رواتبهم أكثر بكثير للمساعدة على إبقائهم في عملهم، بدلاً من جعلها ثابتة على الرغم من كل هذا الكلام.
إذاً، لن آخذ كل حديث الاحتفاظ بالموظفين على محمل الجد حتى أرى بعض الإجراءات الحقيقية التي يتخذها رب العمل، مثل دفع مزيدٍ من الأموال للموظفين لمنعهم من المغادرة، وبعد ذلك، وعندها فقط، سنتمكن من القول أخيراً إنَّ الاحتفاظ بالموظفين هو مصدر قلق كبير لأرباب العمل.
أضف تعليقاً