هل ما زالت هناك حاجة إلى الموارد البشرية؟

تُعَدُّ أقسام الموارد البشرية آخر ما تنتبه له الشركات سريعة النمو؛ ففي السباق من أجل أن يصبح المديرون التنفيذيون في صناعات التكنولوجيا آلاتٍ رشيقةً فائقة النمو، يرى العديد منهم أنَّ الموارد البشرية - بكل سهولة - شيءٌ لطيفٌ في أحسن الأحوال، هذا إن لم يروها مجرد رمزٍ لثقافة الشركة التي يريدون تجنبها.



على الرغم من أنَّه أصبح من الشائع البدء من دون قسم موارد بشرية، إلا أنَّنا بتنا نرى الآن شركات سريعة النمو تتجاوز خط الخمسين موظفاً من دون أيِّ موارد بشرية رسمية في الأفق.

مع انتشار أدوات تكنولوجيا الموارد البشرية، تختار العديد من الشركات بدلاً من قسم الموارد البشرية، الحلول التي ستهتم بكل شيء من التوظيف وتأهيل الموظفين، إلى كشوف المرتبات والقيادة والتطوير (L&D). تلك ليست مجرد نزعة تتبناها الشركات الناشئة، فقد بدأت الشركات الكبرى الآن باستعمال أدوات الموارد البشرية لإضفاء اللامركزية على العديد من العمليات، ووضعها في أيدي المديرين والمستخدمين أنفسهم.

هل هذه نهاية مهنة الموارد البشرية؟ وهل نتجه نحو عصرٍ يمكن استبدال التكنولوجيا فيه بالموارد البشرية بالكامل؟

نحتاج إلى الموارد البشرية الآن، وأكثر من أيِّ وقتٍ مضى:

إنَّ الجواب هو "لا"، والجواب الآن "لا" أكثر من أيِّ وقتٍ سابق. وإنَّ قوة عمل جيل الألفية أكثر تطلباً من أيِّ جيلٍ آخر. وما هو أكثر من ذلك، أنَّ احتمال بقائهم أقل إن لم تُلبَّ احتياجاتهم.

تقول شركة "غالوب" (Gallup) إنَّ جيل الألفية هم الجيل الأقل تفاعلاً في مكان العمل، والأكثر احتمالاً أن يغيروا وظائفهم؛ إذ قال 6 من كل 10 إنَّهم سيكونون منفتحين على فرص عملٍ جديدة؛ وهذا يعني أنَّ أرباب العمل بحاجةٍ إلى اكتساب المزيد من الخبرة الفريدة للحفاظ على مشاركة المواهب الشابة بدءاً من يوم وصولهم. ويتضمن ذلك تنظيم الأدوات ودمجها في عملياتٍ مخصصةٍ لجعلها أكثر كفاءةً وتركيزاً على الموظف، وكي تعكس العلامة التجارية الفريدة لرب العمل في الشركة.

في النهاية، إنَّ الأدوات التقنية عبارةٌ عن أدوات تسهيل وليست حلولاً، ومهمة الموارد البشرية الآن هي تصميم نوعٍ جديدٍ من المنظمات التي تلبِّي احتياجات موظفيها. وفيما يأتي أربع طرائق سيتغير بها دور الموارد البشرية بسبب ظهور تكنولوجيا الموارد البشرية:

شاهد بالفيديو: أهم مهارات مدير الموارد البشريّة

1. خلق تجربةٍ للموظف:

على مدار السنوات القليلة الماضية، اعتُرِفَ بإنشاء تجربة الموظف النهائية كمفتاحٍ لجذب المواهب والاحتفاظ بها واستثمارها في تقارير اتجاهات رأس المال البشري لشركة "ديلويت" (Deloitte)؛ لذا ينبغي ألَّا يكون برنامج التجربة لأيِّ موظفٍ مطابقاً لغيره.

من الضروري أيضاً إنشاء علامة تجاريةٍ فريدةٍ لرب العمل، ليس لجذب المواهب فحسب؛ بل لجذب المواهب المناسبة؛ فمع ظهور مواقع الويب مثل "غلاس دور" (Glassdoor)، كلما زاد الوقت الذي يقضيه قسم الموارد البشرية في خلق تجربةٍ رائعةٍ للموظفين الحاليين، زاد احتمال أن يصبحوا سفراء للعلامة التجارية للشركة.

وبالمثل، فإنَّ موظفيك مختلفون، فامنحهم الخيارات، ولكن ليس الكثير منها. من أهم الأدوار التي توقعَتها شركة "ديلويت" (Deloitte) في تقريرها لعام 2016، كانت الحاجة إلى أن يصبح قسم الموارد البشرية مشرفاً على المؤسسة، ويختار الأدوات والتطبيقات المناسبة لتعزيز الإنتاجية والتعاون، مع توفير تجربة مستخدمٍ إيجابيةٍ أيضاً.

إقرأ أيضاً: 3 تقنيات لتحسين تجربة الموظفين

2. إعادة تأهيل عمليات الموارد البشرية:

يتمثل أحد الجوانب الرئيسة الأخرى لإنشاء تجربة الموظف النهائية في إعادة ابتكار وإعادة تأهيل العمليات التي مضى عليها عقود، والتي لا يثق بها الموظفون؛ بل حتى يكرهونها؛ إذ يُعَدُّ تقييم الأداء السنوي من أكثر التقييمات كرهاً. والأكثر شيوعاً الآن، هو إعادة بنائه من قِبل المؤسسات الكبرى والصغرى.

بدأت العديد من أقسام الموارد البشرية اليوم عملية إعادة تأهيل إدارة الأداء من خلال التخلص من هذه العملية، أو إعادة بنائها لجعلها أكثر تركيزاً على نمو الموظفين وتطويرهم. يُستعاض عن المراجعات السنوية بالتفاعل المتكرر بين الموظف والمدير، ومحادثات الكوتشينغ الأكثر تكراراً، وحتى فرصة الحصول على تغذية راجعة صاعدة.

شاهد بالفديو: مهام الموارد البشرية

3. غرس قيم الثقافة التنظيمية:

تملك كل شركةٍ ثقافتها التنظيمية الفريدة؛ أمَّا عمَّا إذا كانت تعكس ما يتصوره المديرون التنفيذيون، فهذا سؤالٌ آخر.

ليس بالضرورة أن تكون وظيفة الموارد البشرية تتمثل في خلق ثقافة للشركة، ولكن أن تأخذ القيم والرسالة وتبثها في جميع أقسام المنظمة. غالباً ما توصف القيم الأساسية للشركة على أنَّها بوصلةٌ أخلاقية، كما تُظهِر العديد من الحالات الأخيرة، أنَّه لا ينبغي الاستخفاف بذلك.

ما يجب تذكُّره هو أنَّ الكلمات والواقع يمكن أن يكونا شيئين مختلفين. قد تعلن قيادتك العليا عن قيم الشركة، لكنَّك تحتاج إلى تعزيزٍ مستمرٍ لتلك القيم في كل مستوىً من مستويات المنظمة لضمان اتباعها حقاً.

إنَّ جعل الموارد البشرية مسؤولةً عن تعزيز وغرس القيم (بدعمٍ كاملٍ من القيادة العليا) هي أفضل طريقةٍ لضمان اندماجها بالكامل في ثقافتك.

إقرأ أيضاً: مسار بديل للثقافة التنظيمية التي تدعو الموظفين ليكونوا متاحين دائماً

4. تحليل بيانات الموظفين:

ليست تجربة الموظف شيئاً يمكن تصميمه وتطبيقه مدى الحياة؛ وتماماً مثل الشركات التي لا تبتكر منتجاتها باستمرار، فإنَّ الشركات التي لا تبتكر تجربة موظفيها ستخسر في سوق المواهب؛ لهذا السبب يجب على الموارد البشرية إنشاء ثقافة الإدماج من خلال القياس والتحليل بشكلٍ متكرر.

يمكن أن تعلمك الاستطلاعات عندما تكون مستويات التفاعل منخفضةً، ولكنَّها لا تستطيع إعلامك بجذر المشكلة. وهذا هو الموضع الذي يمكن للموارد البشرية الاستفادة فيه من بيانات الموظفين لتحديد الأسباب ومن ثم تطوير الحلول.

وبالقدر نفسه من الأهمية، ستدفع تحليلات الموظفين الموارد البشرية إلى اتخاذ دورٍ أكثر استراتيجيةً بكثير؛ وهذا يُمكِّنها من تحديد المشكلات المستقبلية واتخاذ الإجراءات قبل أن تتأثر الإنتاجية.

الشيء العظيم في ظهور تكنولوجيا الموارد البشرية هو أنَّه يؤدي المزيد من المهام الإدارية التي كان على الموارد البشرية التعامل معها في الماضي، ويترك للمهنيين المزيد من الوقت لتحويل مؤسساتهم إلى أماكن رائعةٍ للعمل.

يتمثل التحدي الذي سيواجهه قسم الموارد البشرية في تبنِّي طريقةٍ جديدةٍ للتفكير في المهنة وفي دورها، وتسليح أنفسهم بالأدوات التي سيحتاجون إليها لدفع إدارتهم وشركتهم قدماً نحو الأمام في المستقبل.

المصدر




مقالات مرتبطة