هل تصلح نصائح كتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" لعصرنا الحالي؟

سألني أحد قرائي: "لقد انتهيت للتو من قراءة كتاب الكاتب الأمريكي ديل كارنيجي (Dale Carnegie) "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" (How To Win Friends and Influence People)، وأردت أن أسأل عن تجربتك مع هذا الكتاب؛ لأنَّني أريد معرفة كيفية تحسين مهاراتي الاجتماعية، فأنا في العشرين من عمري وأريد حقاً تكوين صداقات، والقلق الاجتماعي شيء أعانيه في حياتي؛ لكنَّني أتطلع فعلاً إلى تجاوزه".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويخبرنا فيه عن تجربته في الاستفادة من كتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" للكاتب "ديل كارنيجي" (Dale Carnegie).

نُشِرَ كتاب ديل كارنيجي عام 1936؛ أي منذ أكثر من 80 عاماً، وقد أُعيد إصداره وتعديله على مر السنين، لكن بقي المحتوى نفسه تقريباً؛ فهل ما تزال نصائح هذا الكتاب القديم ذات فائدة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتعدد المهام والضغط الاجتماعي؟

قبل أن أشارك تجربتي في الاستفادة من النصائح الموجودة في هذا الكتاب أودُّ أن أشدِّد على أهمية هذا الكتاب، وأنَّه يستحق القراءة بكل تأكيد؛ لكنَّه يحتوي أيضاً على بعض النصائح التي عفا عليها الزمن، لا سيَّما في قسم "ست طرائق لكسب محبة الناس" (Six Ways to Make People Like You)، وسأدرجها لكم وأكشف ما هي النصائح المُجدية وغير المُجدية في يومنا هذا:

1. اهتم بالآخرين:

"يمكنك تكوين كثيرٍ من الصداقات في مدة شهرين من خلال زيادة الاهتمام بالناس، بدلاً من سنتين تحاول خلالهما أن تجعلهم يهتمون بك".

سترغب عند تكوين الصداقات في التقرب من الأشخاص الذين يشاركونك الاهتمامات والهوايات والشغف والقيم نفسها؛ وإلَّا ما هو الهدف من تكوين هذه الصداقات؟ فمن الأفضل معاملة الأشخاص الذين يفضلون الأشياء التي تفضلها نفسها ولا يُضطَرون إلى التظاهر بذلك.

لكن إذا كنت ممَّن يحبون التواصل الاجتماعي فالأمر مختلف؛ إذ يمكن للأشخاص ذوي الاهتمامات المختلفة أن يكونوا في مجال عملك نفسه، وربَّما يعمل كلاكما في التسويق الرقمي، ويحبُّ أحدكما الركض في حين يكره الآخر ذلك ويفضِّل لعب الجولف بدلاً منه؛ لكنَّ هذا لا يعني أنَّكما لا تسطيعان إقامة علاقة عمل متبادلة المنفعة مع بعضكما؛ إذ ليس عليك إجبار نفسك على لعب الجولف فقط كي تتواصل مع هذا الشخص، فقط كن على طبيعتك ولا تحاول إرضاء الآخرين.

تذكَّر أنَّ معظم الناس يهتمون بأنفسهم فقط، وإذا قابلت هذه الأنواع من الأشخاص فلا داعٍ للاهتمام بهم، ومن واقع خبرتي من الأفضل إنفاق طاقتك على الأشخاص المهتمين بك أيضاً.

2. ابتسم:

"الأفعال أبلغ من الكلمات، والابتسامة تعني الإعجاب والسعادة برؤية هذا الشخص، فتأثير الابتسامة قوي جداً".

مؤكد أنَّه من الرائع أن تبتسم، لكن يمكنك أيضاً تكوين صداقات دون أن تبتسم طوال الوقت، وهذه هي النقطة التي لم يستطع الكتاب إقناعي بها؛ ففي مجال الأعمال من الجيد أن تكون مهذباً وودوداً، لكن يجب أن تعلم الآن أنَّ رواد الأعمال الجادين لا يهتمون بالمظاهر الخارجية؛ وإنَّما بما هو أعمق من ذلك.

فهم يهتمون أكثر ويسألون عن أشياء مثل: "كفاءة هذا الشخص، وإمكانية الثقة به، وما يستطيع أن يقدم من نتائج فعلية في عمله"؛ لذا ركز على تلك الأشياء بدلاً من التركيز على الابتسامة واللطف طوال الوقت.

شاهد بالفديو: أقوال الحكماء والفلاسفة عن الصداقة

3. كن مستمعاً جيداً وشجع الآخرين على التحدث عن أنفسهم:

"أسهل طريقة لتصبح متحدثاً جيداً هي أن تكون مستمعاً جيداً".

مرةً أخرى تُعَدُّ هذه نقطة جيدة من الكتاب؛ إذ ينطبق هذا الأمر على الأصدقاء والعائلة والعملاء وشركاء العمل، لكن في عصر وسائل التواصل الاجتماعي وقصر مدة التركيز والانتباه، ينشغل الناس في الحديث عن أنفسهم لدرجة أنَّ قليلاً منهم فقط يعرف كيف يصغي باهتمام إلى الآخرين.

يختارك العميل أو المستثمر من بين الآخرين إذا أظهرت أنَّك تفهم احتياجاته وتوضح ما يمكنك فعله حيال ذلك، وبالمثل يمكنك جعل الأصدقاء يشعرون بالود عندما تصغي إلى قصصهم باهتمامٍ كاملٍ.

4. تحدث عمَّا يهتم به الطرف الآخر:

"الطريق الصحيح إلى قلب شخص ما هو التحدث عن الأشياء التي يُقدِّرها أكثر من غيرها".

عندما تتحدث إلى عميل أو مستثمر محتمل، فإنَّ الأمر كله يتعلق بما يحتاجه وما هي أولوياته، ويفشل مندوبو المبيعات في بيع منتجاتهم؛ لأنَّهم يواصلون الحديث عمَّا يمكن أن يفعله منتجهم أو ما هي ميزاته، لكن لا أحد يهتم بهذه الأمور؛ لذا دع الآخرين يتحدثون عن اهتماماتهم واحتياجاتهم ومخاوفهم، وأصغِ بتمعن، ثمَّ ركز على إعلامهم بالطريقة التي يمكن فيها لمنتجك أو خدمتك تقديم المساعدة لهم.

هذا أيضاً هو مفتاح تكوين الصداقات؛ لأنَّك بطبيعة الحال أكثر ميلاً نحو الأشخاص الذين يستمتعون بالأشياء نفسها التي تستمتع بها، لكن يمكنك محاولة توسيع دائرتك الاجتماعية وتكوين صداقات مع الأشخاص المهتمين بأشياء أخرى، شرط ألَّا تتكلف، وإلَّا ستبدو كما لو أنَّك تبذل جهداً كبيراً لتكون مثلهم وتهتم بما يهتمون.

5. اجعل الشخص الآخر يشعر بأهميته وافعل ذلك بصدق:

"القاعدة الذهبية هي معاملة الآخرين بالطريقة التي نود أن نُعامل بها".

عندما يشجعك الناس على إنجازك وتقدمك تصبح أكثر اندفاعاً لتحقيق أهدافك؛ إذ يمكن للأشخاص الذين يسلكون المسار نفسه ويتوافقون بالآراء والاهتمامات مساعدتنا على تحمُّل مسؤولية تقدُّمنا، كما أنَّهم يوفرون إحساساً بالأهمية من خلال تشجيعهم؛ هذه هي قوة التعاون الجماعي.

إقرأ أيضاً: 12 طريقة تجعل منك شخصاً اجتماعياً في كل الأوقات

لا يتعلق كسب الأصدقاء والتأثير في الناس بالآخرين دائماً:

كما ترى إنَّ معظم النصائح الواردة في كتاب "كيفية كسب الأصدقاء والتأثير في الناس" ما تزال صالحة وذات فاعلية، والشيء الوحيد الذي عليك إدراكه هو ألَّا تسعى فقط لإرضاء الآخرين؛ إذ لا يوجد فضلٌ في ذلك؛ فعظم الناس في الواقع لا يحبون ذلك عندما تحاول جاهداً إرضاءهم، ويمكن أن يكون أمراً مزعجاً بالنسبة إليهم.

ستلاحظ أيضاً أنَّ الكتاب يركز على الشخص الآخر كثيراً؛ بل الأمر كله يتعلق باهتمامات الشخص الآخر وهواياته ومخاوفه؛ لكنَّ العلاقات السليمة هي طريق ذو اتجاهين؛ إذ لا يمكنك دائماً أن تكون المستمع أو الشخص الذي يحاول الفهم، فهذا ما لم يشدد عليه الكتاب بما فيه الكفاية، لكن عليك أن تجعل الطرف الآخر ينصت لك أيضاً، وإذا لم يعجبه ذلك فليكن.

وإذا كان أصدقاؤك مهتمين فقط بالتحدث عن أنفسهم وعمَّا يحلو لهم، فأقترح أن تبحث عن أصدقاء جدد؛ فيوجد الكثير ممَّن يهتمون بما تريد قوله والنقيض من ذلك صحيح.

في الختام:

إذا كنت تريد التأثير في شخص ما وإقناعه بطريقة تفكيرك فلا يمكنك فعل ذلك بمجرد الإصغاء؛ بل عليك أيضاً إبداء رأيك وسرد قصتك ومشاركة أفكارك بطريقة فاعلة ومؤثرة.

المصدر




مقالات مرتبطة