هل تستبعد التكنولوجيا دور الإنسان من الموارد البشرية؟

في إحدى المرات كانت قاعات الاجتماعات تمتلئ بأصوات التفاؤل المحموم، وكانت البرامج التي جرى شراؤها مؤخراً لتسهيل الوظائف المتعلقة بالموارد البشرية داخل المنظمة تحقق نتائج إيجابية. هدأ الجميع عندما دخل الرئيس التنفيذي الغرفة مع مدير الموارد البشرية لمخاطبة كبار المديرين، وأوحى التعبير الجاد على وجهه بأخبار غير مرحَّب بها، ثم قال: "لقد تلقيت للتو نتائج آخر استطلاع للموظفين، وهو يشير إلى أنَّنا ننظر إلى التكنولوجيا كعامل مقيِّد لعلاقات الموظفين".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المؤلف "مراد سلمان ميرزا" (Murad Salman Mirza)، ويُحدِّثُنا فيه عن تجربته حول أهمية كلٍّ من "العامل التقني" و"العامل البشري" في عمل الشركات.

أجاب أحد أعضاء الفريق: "لكنَّنا نعمل باستمرار على تحسين أداء أعمالنا وتحقيق الأهداف التشغيلية"، فأجاب الرئيس التنفيذي: "هذا صحيح، إنَّ نظرتنا قصيرة الأمد إيجابية؛ ومع ذلك، فإنَّ غالبية موظفينا يملكون تحفظات حول تغلُّب ضرورة استعمال الآلة على المخاوف الإنسانية؛ إذ إنَّهم يشعرون بأنَّنا نفقد قدرتنا على البقاء متَّحدين كمنظمة متماسكة مرتبطة بقيم ثقافية مترابطة، وتُختبَر مستويات تفاعلهم بشدة؛ لأنَّ الكفاءة تتفوق على التعاطف؛ إذاً، هذا السؤال موجه لنا، هل بالغنا في استعمال التقنية؟".

التحدي:

إنَّ هذا السيناريو هو انعكاس للمعضلة التي تواجهها الشركات في جميع أنحاء العالم؛ إذ أدى تبنِّي التقنية كميزة تنافسية - دون إجراء العناية الواجبة اللازمة لجميع آثارها - إلى زيادة افتتان المنظمات بالأرباح على حساب قوَّتها العاملة، ومن ثم، أوجد ذلك الحاجة إلى ممارسات إدارة المواهب المصممة من أجل "التكيف مع المخاطر" للحد من هروب المواهب فيما لو قارناها بـ "التخفيف من المخاطر" الذي يعزز إدماج المواهب.

لقد انتهى عصر ولاء الموظفين منذ فترةٍ طويلة؛ ومع ذلك، فإنَّ مفهوم "شراكة الموظفين" الذي بُنِي على أنقاض الولاء التنظيمي يتعرَّض أيضاً إلى التهديد. وتخضع الوظائف المهنية إلى أهواء أرباح الشركات ومخاوف المساهمين النشيطين على نحو متزايد؛ وهذا يؤدي إلى تراجع في "العقد النفسي" (Psychological contract).

يبدو أنَّ التنظيم الجديد هو إحدى طرائق إرضاء الموظفين؛ إذ تُخصَّص حزم الأجور الجذابة لتكون بمنزلة تقييد للمواهب ومنعهم من المغادرة طالما أنَّ المنظمة ترى عائد استثمار صحي في الاحتفاظ بهم كجزء من قوَّتها العاملة.

من العوامل التي تفاقمت في تعزيز علاقات الموظفين الجيدة هو الاستعمال الواسع للمقاييس في تحليل كفاءة وفاعلية الأداء.

تُتخَذ القرارات التنفيذية بشكل متزايد بشأن البيانات التي تظهر في العروض المبهرة للوحات معلومات الموارد البشرية دون أخذ العامل البشري في الحسبان، ويوجد جانب آخر وهو التصنيف والتصفية اللامباليين اللتين تقوم بهما "أنظمة تتبع المتقدمين" (Applicant tracking systems).

إنَّ القضية الأكثر رسوخاً هي ملاءمة أنظمة إدارة الأداء عبر الإنترنت وتأثير ذلك في التدريب والتطوير ومبادرات تخطيط التعاقب المرتبطة بها؛ ونتيجة لذلك، يكون التقدم الوظيفي للمواهب الواعدة عرضة إلى الركود بناءً على نموذج تقييم الأداء على الإنترنت الذي يقدمه المشرف المتعب أو الانتقامي أو المضغوط أو المستعجل.

شاهد بالفيديو: 7 أدوات ضرورية للعمل من المنزل

هرم تآزري:

توجد أدلة كثيرة تُظهِر فوائد التكنولوجيا في تسهيل عمليات الموارد البشرية وتمكين اتخاذ القرار في الوقت المناسب. ومع ذلك، يجب أن يكون فن القيادة متوازناً مع علم التكنولوجيا. بينما تعزز التكنولوجيا كفاءة الإدارة "الجانب غير البشري للعمليات التجارية"، يجب توخي الحذر عند معالجة الاهتمامات الإنسانية "الجانب البشري"، ويجب ألَّا تتلاشى روح المنظمة في جهودها بغاية أن تصبح أكثر ذكاءً في التغلب على تحديات الأعمال.

أقترح أن تنظر المنظمات التقدمية في "هرم التميز المؤسسي" الآتي:

يعترف الهرم بأنَّه لا توجد حدود واضحة بين الجانبين البشري وغير البشري للمؤسسة، كما أنَّه يقلل من التفاعلات التي تحدث بين عناصر الهرم بصرف النظر عن الركائز الخمس التي لا يقترن بعضها ببعض. بُنِي الهرم مع التركيز في إعطاء القدر نفسه من الاهتمام للجانبين البشري وغير البشري الموجودين داخل المنظمة.

إقرأ أيضاً: كيف تساعد التكنولوجيا على تحسين الإنتاجية؟

الجانب البشري:

يشير ذلك إلى مجموعة العناصر الهامة التي تبث روحاً نابضة بالحياة داخل المنظمة؛ وهي الطريقة التي تتخذ بها المنظمة خصائصها الإنسانية وتصبح تجسيداً لوجود روحي، وتشمل الجوانب الآتية:

  1. القيم الأساسية المتأصلة.
  2. الثقافة التنظيمية التفاعلية.
  3. التركيز في الرؤية والرسالة.
  4. الميل إلى سبر الأغوار والتغيير.
  5. التبني الواضح لممارسات التنوع والإدماج.
  6. الإدارة غير المقيِّدة للعدالة التنظيمية.
  7. القوة العاملة الكفء والمتحمسة والملتزمة.
  8. التفاني الذي لا يتزعزع فيما يخص الخط السفلي الثلاثي.
إقرأ أيضاً: كيف غيرت التكنولوجيا الحديثة التواصل في ميدان العمل؟

الجانب غير البشري:

يشير ذلك إلى مجموعة العناصر الهامة التي تعزز أساس الوظائف المختلفة داخل المنظمة؛ وهي الطريقة التي تعمل بها المنظمة، وتشمل الجوانب التالية:

  1. نظم إدارة قوية.
  2. تسهيل العمليات التجارية.
  3. الإجراءات والسياسات المنطقية.
  4. الاستعمال الأمثل للتكنولوجيا.
  5. الاستجابة للضغوطات التنافسية.
  6. انتشار الانضباط التنظيمي.
  7. تراكم المعرفة والحفاظ عليها.

تتحدد أسس الهرم المذكور آنفاً في الركائز الخمس التالية:

  1. الأنظمة: تركز في التكامل السلس للاستراتيجية والعمليات التجارية.
  2. التكنولوجيا: تركز في التشغيل الفعال للعمليات.
  3. البيئة: تركز في إدارة المخاطر للتأثيرات الداخلية والخارجية في الاستراتيجية ونُهُج وعمليات الأعمال.
  4. الموهبة: تركز في المجالات الرئيسة المتعلقة بإدارة المواهب.
  5. القيم: تركز في غرس ثقافة متماسكة.

توفر هذه الركائز القوة والدعم لعناصر الهرم؛ وذلك لأنَّها تتفاعل مع بعضها بعضاً، وتبلغ ذروتها في نهاية المطاف للوصول إلى التميز التنظيمي.

إقرأ أيضاً: 3 تقنيات لتحسين تجربة الموظفين

في الختام:

إنَّ هذا المقال ليس لائحة اتهام بشأن الاستعمال المفرط للتكنولوجيا؛ بل هو تأكيدٌ على فاعليتها في تمكين المنظمات التقدمية من تحقيق أهدافها التشغيلية. ومع ذلك، ينبغي النظر في المبادرات التقنية في ضوء العامل البشري الذي يُعَدُّ المحرك الحقيقي للنجاح على الأمد الطويل.

يتحمل الأشخاص - وليس التكنولوجيا - مسؤولية ضمان التقدم المطرد للاقتراب من هدف تحقيق التميز التنظيمي في جو يتمتع برؤية لامعة ومهمة قوية.

المصدر




مقالات مرتبطة