هل النرجسيون أكثر جمالاً من غيرهم؟

النرجسيَّة هي سمة شخصية تتميَّز بإحساس متزايد بأهمية الذات، ورغبة قوية في الإعجاب، ونقص في التعاطف مع الآخرين، ويعتقد كثير من الناس أنَّ أولئك الذين يمتلكون هذه السمة هم أجمل من غيرهم لأنَّ لديهم مستوى عالياً من الثقة والطمأنينة التي تجذب الآخرين، ومع ذلك، هل هذا الاعتقاد دقيق؟



ما هي أهمية النرجسيَّة من وجهة علم النفس التطوري؟

يقترح علم النفس التطوري أنَّ النرجسيَّة ربما أدت دوراً هاماً في التطور البشري، وأحد التفسيرات المحتملة هو أنَّ الأفراد النرجسيين ربما كانوا أكثر نجاحاً في جذب الشركاء والتكاثر.

في بيئات الأجداد، قد يكون الأفراد الذين أظهروا سمات مثل الثقة والسيطرة والحزم أكثر نجاحاً في تأمين الموارد وجذب الأصدقاء، وقد تكون السمات النرجسيَّة، مثل الشعور القوي بأهمية الذات والرغبة في الإعجاب، مفيدة في هذه السياقات.

مع ذلك، من الهام ملاحظة أنَّ المزايا التطورية للنرجسيَّة من المحتمل أن تعتمد على السياق وقد لا تكون قابلة للتعميم، في المجتمع الحديث، على سبيل المثال، قد يكون التركيز المفرط على الذات والافتقار إلى التعاطف المرتبط بالنرجسيَّة سمة سيئة تجعل صاحبها غير قادر على التكيُّف بل ويضر بالأفراد والمجتمع ككل.

تؤدي النرجسيَّة دوراً هاماً في التطور البشري، إلا أنَّ أهميتها وقابليتها للتطبيق في السياقات الحديثة تظل موضوعاً للبحث والنقاش المستمر.

السمات النرجسيَّة موجودة أيضاً عند الحيوانات:

توجد عدة أمثلة في عالم الحيوان يمكن بواسطتها ملاحظة السِّمات المرتبطة بالنرجسيَّة:

1. الطاووس:

يعرض ذَكَرُ الطاووس ريش ذيله المتقن والملون من أجل جذب زملائه، ويمكن أن يكون هذا العرض للجمال والثقة شكلاً من أشكال النرجسيَّة.

2. الغوريلا:

الغوريلا الفضية معروفة بسلوكها المهيمن والحازم، فهم يعرضون قوتهم البدنية وحجمهم لتخويف المنافسين وجذب زملائهم.

3. طيور الجنة:

تعرض ذكور طيور الجنة مجموعة من الريش الملون وتؤدي رقصات متقنة لجذب الإناث، ويمكن أن يكون عرضهم للثقة بالنفس شكلاً من أشكال النرجسيَّة.

4. الأسود:

تُظهر ذكور الأسود هيمنتها من خلال الزئير بصوت عالٍ، وتحديد أراضيها، ومحاربة الذكور الأخرى، ويمكن أن يكون عرضهم للثقة والعدوانية شكلاً من أشكال النرجسيَّة.

توضح هذه الأمثلة كيف يمكن ملاحظة السمات المرتبطة بالنرجسيَّة في أنواع مختلفة من الحيوانات، ويمكن أن تؤدي دوراً هاماً في جذب الشركاء وتأمين الموارد، ومع ذلك، من الهام ملاحظة أنَّ هذه السلوكات تتشكل من خلال الضغوطات التطورية، وليست بالضرورة مؤشراً على اضطرابات الشخصية الشبيهة بالإنسان.

شاهد بالفديو: 8 صفات يتفرَّد بها الشخص النرجسي

ما هو موقف أبيقور من النرجسيَّة؟

كان أبيقور فيلسوفاً عاش في اليونان القديمة من 341 إلى 270 قبل الميلاد، وكان يعتقد أنَّ الهدف النهائي للحياة البشرية هو تحقيق السعادة والسلام الداخلي، ووفقاً لأبيقور، يمكن تحقيق السعادة الحقيقية من خلال حياة الاعتدال والبساطة.

يعتقد أبيقور أنَّ اللذة والألم هما الدافعان الأساسيان للسلوك البشري، وأنَّه من الهام البحث عن ملذات غير ضارة على الأمد الطويل، ولقد علم أنَّ السعي وراء الثروة والسلطة والشهرة كان في النهاية فارغاً وغير مجدٍ، وأنَّ السعادة الحقيقية لا يمكن العثور عليها إلا من خلال السلام الداخلي والرضى.

لقد أكدت فلسفة أبيقور على أهمية عيش حياة بسيطة ومعتدلة، والبحث عن ملذات غير ضارة على الأمد الطويل، وإيجاد السلام والرضى الداخليَين.

إقرأ أيضاً: 5 علامات تدل على الإصابة باضطرابات الشخصيّة

هل النرجسيون أكثر جمالاً من غيرهم؟

أجرى عديد من الباحثين عدة دراسات لمعرفة إن كان هنالك علاقة تربط بين النرجسيَّة والجمال، ولم يتم تناول موضوع الجمال بوصفه مفهوماً واحداً، فقد قسَّموه إلى أنواع، مثل الجمال الطبيعي أو الجمال المكتسب وغيرها، وذلك لأنَّ النرجسيين كان من المعروف عنهم الاهتمام المبالغ به بالمظهر الخارجي من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الاهتمام.

توصلت هذه الدراسات إلى نتائج متقاربة، فقد تراوحت النتائج بين وجود علاقة ضعيفة بين الجمال بمختلف أنواعه والنرجسيَّة أو عدم وجود علاقة أبداً، وهذا أمر منطقي نوعاً ما، فالنرجسي يعتمد على الكاريزما والكلام المنمَّق من أجل الإيقاع بالآخرين والحصول على اهتمامهم، أكثر من اعتماده على الجمال، بعد أن كانت بعض توجهات بعض خبراء علم النفس التطوري تعتقد أنَّ جينات النرجسيَّة تأتي مصاحبة لجينات الجمال، ويحدث بينهما علاقة تآزرية تساعدهما على البقاء والانتقال من جيل إلى آخر.

لماذا نُفتتن بالنرجسي؟

تؤكد عدة دراسات أنَّ النرجسي يتمتع بقدرة كبيرة على الإقناع، فيُقنع من حوله أنَّه قادر على إنجاز كثير من الأعمال الهامة والوصول إلى أعلى المراتب، هذا ما يُضفي عليه هالة من الجاذبية والقوة في عيون من حوله، وبسبب خوف النرجسي من الفشل فإنَّه يبتعد عن المحاولة، ما يعزز صورة الناجح الذي لا يفشل، هذا ما يزيده جاذبيته في عيون الناس.

مَن هو النرجسي الأكثر جاذبية؟

قد يقول بعضكم إنَّ صفات الجمال والجاذبية تتناقض مع صورة النرجسي الكريهة التي لا بد أنَّنا تعاملنا معها في يوم من الأيام، وهي صورة سلبية في كثير من جوانبها.

للإجابة عن هذا التساؤل المنطقي يقسم العلماء الشخصيات النرجسيَّة إلى نوعين أساسيين، توجد أنواع أخرى طبعاً، ولكن سنتناول الأكثر شيوعاً والأهم:

1. النرجسي التقديري:

الذي يسعى إلى جمع التقديرات الإيجابية أو التوكيدات أو الإعجابات أو المديح من خلال تشجيع من حوله وتحفيزهم للانطلاق نحو الأمام بما ينعكس إيجاباً على مشاعرهم وحياتهم وحالتهم العاطفية تجاهه؛ ما يدفعهم إلى تغذية حب الذات الموجود في داخله، ويوصف هذا النمط بالجذاب ويجده الناس كاريزماتياً ويكون محبوباً من قبل جميع من حوله أو أغلبهم.

2. النرجسي الدفاعي:

الذي يلجأ إلى الدفاع عن ذاته من خلال مهاجمة الآخرين أو السخرية منهم أو احتقارهم أو الاستعلاء عليهم، وذلك بهدف الحفاظ على مرتبته التي يعدُّها أعلى من الجميع لا بسبب الجهد أو العلم أو المال، فقط لأنَّه هو، ولا شيء آخر، هذا النمط من الشخصيات النرجسيَّة يكون محط نفور من قبل محيطه، ومن ثم يكون أقل جاذبية؛ أي أقل كاريزماتية من النمط الأول.

ما تزال علاقة النرجسيَّة بالكاريزما محل جدل وأخذ ورد في الأوساط العلمية والفلسفية، فما يزال بعض الخبراء يرون أنَّ الكاريزما في شكلها تُغذي الميول النرجسيَّة، بينما يرى بعضهم الآخر أنَّ النرجسيين يملكون مهارات الكاريزما والجذب ويطورونها مع الوقت لأنَّها تُغذي حبَّ الظهور ورغبتهم في أن يكونوا محور اهتمام من حولهم.

شاهد بالفديو: 6 نصائح للتعامل مع الشخص النرجسي

كيف تنظر الشخصية النرجسيَّة إلى العلاقات العاطفية؟

تشير العديد من الدراسات إلى أنَّ أغلب أصحاب الشخصية النرجسيَّة يميلون إلى العلاقات العابرة أو حتى تعدد الشركاء أكثر من بقية الناس، فلا ينظرون إلى الشريك على أنَّه مصدر للحب والعاطفة الحقيقية، وإنَّما يعدُّونه مجرد وسيلة تساعدهم على إرضاء أنفسهم وجعلهم يشعرون بمشاعر جيدة حيال ذواتهم.

عادةً ما يميل النرجسي إلى انتقاء شريك يستطيع الاستفادة منه بطريقة ما لتحقيق أهدافه الشخصية سواء المادية أم غير المادية، فقد ينتقي الشريك الذي يستطيع من خلاله الوصول إلى منصب معين أو إنجاز مشروعه الشخصي، أو قد يختار شريكه لمجرد أنَّه الشريك الأجمل أو الأصعب، فيُصر على الحصول عليه من أجل أن يثبت لنفسه أنَّه ما يزال محبوباً وقادراً على الحصول على أي شيء أو أي شخص يرغب به، أو قد يكون طامعاً باستغلال الهالة التي تحيط بالشريك الجميل من أجل جذب أكبر قدر ممكن من الانتباه والاهتمام الذي يغذي نرجسيته.

هل نستطيع حقاً اكتشاف النرجسي؟

يقول الباحثون والخبراء إنَّ قدرات الإنسان على اكتشاف الشخص النرجسي أو تمييزه تزداد بعد البلوغ، أي إنَّ صغار السن أو قليلي الخبرة في الحياة والعلاقات الاجتماعية هم الأكثر وقوعاً في شباك الشخصية النرجسيَّة.

قد يُعجب كثير من الأشخاص بالشخصية النرجسيَّة على الأمد القصير، ولكن مع تقدُّم علاقتهم بهذا النمط السيئ من الشخصية سينفرون منه، ويصبحون أكثر قدرة على تمييز النرجسي والابتعاد عنه فوراً.

إقرأ أيضاً: 9 معلومات هامة عن مرض اضطراب تبدد الشخصية

فاشل جداً وناجح جداً في العلاقات العاطفية:

يقول الباحثون إنَّ الشخصية النرجسيَّة ناجحة في العلاقات العاطفية السريعة أو قصيرة الأمد، أما في العلاقات الجدية أو طويلة الأمد أو العلاقات التي تتطلب التزاماً ومسؤوليات فهو فاشل جداً.

إذا كنتَ أنت وصديقك النرجسي تفكران بالارتباط بنفس الشريك، فإنَّك لن تقدر على مجاراته أو التغلب عليه، بسبب ما يتمتع به من صفات الثقة بالنفس والكاريزما الجذابة، ولكن يمكنك الانتظار جانباً لبعض الوقت لأنَّ علاقتهما لن تستمر طويلاً، بعدها يمكنك المحاولة.

كأنَّنا نقول إنَّ الشخصية النرجسيَّة ناجحة جداً وفاشلة جداً في العلاقات العاطفية، هذا يعود إلى وجود محورين أساسيين تتسم بهما الشخصية النرجسيَّة، الأول هو المحور التقديري الذي يسعى إلى فعل ما من شأنه زيادة تقدير الذات، متضمناً الاهتمام والرعاية وما يجلبه من مديح أو ثناء.

لكن على الأمد الطويل تخفت أهمية هذا المديح، ما قد يؤدي إلى تفعيل المحور الثاني وهو "التنافسي" الذي يتسم بالعدوانية أحياناً، وبناء التميز الذاتي على حساب الآخر، وذلك عبر الانتقاص منه والتقليل من قيمة الشريك، إضافة إلى ازدياد الالتزام والمسؤوليات مع مرور الوقت في العلاقة، وهذا أمر لا يتوافق مع شخصية النرجسي ولا يتناسب مع احتياجاته، فهو لا يعود عليه بالنفع، أي لا يؤدي إلى تعاظم إحساسه بالقوة والعظمة والتميز.

في الختام:

إنَّ الاعتقاد بأنَّ النرجسيين أجمل من غيرهم ليس صحيحاً بالضرورة، فعلى الرغم من أنَّهم قد يتمتعون بمستوى معين من الثقة والطمأنينة الذاتية، إلا أنَّ سلوكهم قد يكون غير مرغوب فيه وغير جذاب للآخرين، إضافة إلى ذلك، فإنَّ الجمال الجسدي هو أمر شخصي ويختلف من شخص لآخر؛ لذا من الهام أن ندرك أنَّ الجمال الحقيقي يأتي من الداخل، وأنَّ شخصية الشخص وأفعاله أكثر أهمية بكثير من مظهره الجسدي.




مقالات مرتبطة