هل الزمن كفيل بحل كل المشكلات العالقة أم أنها خرافة؟

يتهرب معظم الناس من إيجاد حل جذري لمشكلاتهم بمقولة "لا تقلق، فالزمن كفيل بحلها، دعها للزمن"، ويستمرون في تبنِّي تلك المقولة إلى أن يفقدوا مهارة حل المشكلات، وتسيطر سياسة التجاهل المؤذي على حياتهم، فبدلاً من مواجهة المشكلة والاعتراف بها؛ يلجؤون إلى تسليمها للزمن لإيجاد الحل المناسب لها، ولكن هل يوجد حالات معينة ينبغي فيها تسليم الراية إلى الزمن لقيادتها، أم أنَّ تسليم كل أمر للزمن ما هو إلَّا هروب من مواجهة الواقع؟



وماذا عن الوعي؟ هل نظلم وعينا عندما نقول إنَّ الزمن هو مَن قام بحل المعضلة، في حين أنَّها مسألة وعي وإدراك ليس أكثر؟

وماذا عن سياسة الندم، هل بالفعل لو عاد بك الزمن إلى الوراء لتصرَّفت بغير تلك الطريقة، ولاتَّخذت غير تلك القرارات، أم أنَّ هذه مجرد افتراضات لا أساس لها من الصحة، لأنَّك محكوم بلحظة الوعي وليس بالزمن؟

كل هذا سنناقشه من خلال هذا المقال.

ما هو الزمن؟

يقول علماء الفيزياء الحديثة أنَّ إحساسنا بمراحل الزمن المختلفة من ماضٍ وحاضر ومستقبل؛ ما هو إلَّا وهم، فلا يوجد حاضر وماضٍ ومستقبل واحد في الكون؛ بل يوجد حواضر ومواضٍ ومستقبلات مختلفة، تبعاً لآلية الإسناد المرجعية خاصتها، فما هو حاضر لديك قد يكون ماض لغيرك، فالزمن مندمج مع الكون ضمن نسيج واحد، ولا يلعب دور المراقب الخارجي في الكون.

فما القمر الذي نشاهده ولا الشمس التي تمنحنا الدفء إلا صوراً عن القمر والشمس الحقيقيين، فنحن لا نرى الجسم إلَّا من خلال الضوء، إذاً الزمن الذي يستغرقه الضوء الصادر من الجسم للوصول إلينا هو زمن هام جداً، ويُحسَب من حاصل قسمة المسافة على السرعة؛ حيث يبتعد عنا القمر 400 ألف كم، إذاً يحتاج ضوء القمر ثانية وثلث الثانية للوصول إلينا (على حساب سرعة الضوء تساوي 300 ألف كم/ثا أي 300 مليون م/ثا وتُقدَّر المسافة بيننا والقمر ب 400 مليون م)، أي أنَّنا نرى القمر بعد ثانية وثلث الثانية، فما نراه إذاً هو صورة القمر وليس هو؛ وذلك لأنَّ القمر قد تحرَّك خلال الثانية وثلث الثانية إلى نقطة أخرى.

أي أنَّنا في اللحظة الحالية ولكن القمر والشمس في الماضي، فحاضرنا هو ماضٍ لغيرنا، ومن جهة أخرى، نحن لا نملك الوقت الحاضر، فما أن نقول كلمة: "يا فلان" حتى تتحول إلى ماضٍ، فيبدو أنَّ الحاضر هارب منَّا ولا نستطيع امتلاكه وكذلك المستقبل والماضي، إذاً، ما يحكمنا هو سرعة معالجتنا للسيالة العصبية التي تأتي من الدماغ، فكلما زادت سرعة وعيك وإداركك للأمور؛ اختلف واقعك واستطعت العيش في المستقبل في حين أنَّ غيرك ما زال في الماضي.

ما هي المشكلة؟

عندما تواجهنا مشكلة ما؛ نعتقد أنَّنا أضعف من أن نحلها، ونوكل مهمة علاجها إلى الزمن، معتقدين أنَّنا محكومون بالزمن في حين أنَّنا محكومون بالوعي.

علينا بداية أن نعرف كلاً من المشكلة والأزمة والفوضى، فالمشكلة هي كل حدث سلبي ناتج عن سبب واحد بعينه، في حين أنَّ الأزمة عبارة عن مجموعة من الأسباب المتنوعة، أمَّا الفوضى فهي عبارة عن أزمات متشعبة.

على سبيل المثال: لدي عدم رغبة في الذهاب إلى العمل؛ فإن كان السبب في ذلك هو غياب وجود علاقة ودية مع المدير؛ فهذا يعني أنَّها مشكلة، أمَّا في حال تعدد الأسباب الكامنة وراء عدم رغبتي تلك، مثل العلاقة السيئة مع المدير والأصدقاء وعدم القدرة على التعامل مع طبيعة العمل؛ فهذا يعني أنَّها أزمة، أمَّا في حال تشعُّب الأزمات، كأن يكون لدي أزمة في العمل، وفي المنزل، وفي العلاقات الاجتماعية؛ فهذا يعني أنَّني في فوضى.

دورة حياة المشكلة:

تقسم دورة حياة المشكلة إلى:

1. مرحلة نشوء المشكلة:

وهي المرحلة الأكثر سهولة في حل المشكلات؛ حيث لايزال الأمر قيد السيطرة، ولا توجد عقبات خطيرة، على سبيل المثال: كأن تكتشف عدم التزامك بحضور الحلقات الدراسية، وتستدرك الأمر مبكراً قبل الوصول إلى نتائج غير إيجابية.

2. مرحلة اكتمال المشكلة:

وهي المرحلة التي تصبح فيها المشكلة أكبر من مجرد انزعاج بسيط، على سبيل المثال: كأن تستمر فترة استهتارك في حضور الحلقات الدراسية أشهراً عديدة، الأمر الذي يُنذر بنتائج سلبية.

3. مرحلة ذروة المشكلة:

تستدعي هذه المرحلة حل المشكلة بأسرع وقت ممكن وإلَّا سنصل إلى نتائج كارثية تهدد حياة الشخص أو المنظمة.

أساليب حل المشكلات:

تتنوع النظريات فيما يخص أسلوب حل المشكلات، فهناك النظريات التي تركز على المشكلة بحد ذاتها إلى حين الوصول إلى الحل المناسب لها، معتمدة على الخطوات التالية:

1. التعرف إلى المشكلة:

حدد المعايير التي من المفترض وجودها في الحالة الإيجابية، ومن ثمَّ قارِن ما بين وضعك الحالي والمعايير المطلوبة، فإن كانت الفجوة بينهما كبيرة، فهذا يعني أنَّك في مشكلة حقيقية.

2. تحليل المشكلة:

اسأل نفسك: كيف حدثت المشكلة، ومتى، ومَن المسؤول؟ وما هي الآثار السلبية المترتبة عليها.

إقرأ أيضاً: 7 تقنيات مذهلة لحل أي مشكلة من جذورها

3. وصف المشكلة:

عليك أن تقوم بتلخيص المشكلة في جمل محددة ومركزة، فإن لم تستطع كتابة المشكلة كتابة واضحة وصريحة؛ فلن تستطيع بناء حلول مناسبة لها.

4. البحث عن الجذور الأساسية للمشكلة:

يضيِّع أغلب الناس وقتهم في حل أعراض المشكلة بدلاً من معالجة الجذر الأساسي لها، الأمر الذي يُعالِج المشكلة بطريقة مؤقتة ويجعلها قابلة للتكرار دوماً؛ لذا عليك البحث عن الأسباب الكامنة وراء المشكلة؛ هل خسرت الوظيفة بسبب إهمالك، أم بسبب عدم تناسبها مع شغفك وطموحك، أم بسبب رغبتك الضمنية غير المُصرَّح عنها في بناء مشروعك الخاص؟

شاهد بالفديو: 5 نصائح لاكتساب مهارة حل المشكلات

5. إيجاد حلول للمشكلة:

عليك البحث الآن عن حلول لمشكلتك على أن يكون ذلك بطريقة ابتكارية، ومبدعة.

على سبيل المثال: وقع الأب في حيرة من أمره عندما حاول الوصول إلى حل يرضي ابنتاه؛ حيث أرادت الأولى قطعة الكعك الأكبر لكونها الفتاة الأكبر سناً، في حين طالبت الفتاة الصغيرة بالقطعة الأكبر لكونها تستحق ذلك فقد قامت بكل ما طلبته منها والدتها من أعمال منزلية؛ فكَّر الأب ملياً واستنتج حلاً مثالياً يعزز علاقة (مكسب - مكسب) بين الأختين، حيث قال لهما: "سأرمي قطعة نقدية في الهواء، وعليكما أن تخمِّنا أي من وجهي العملة سيظهر لحظة استقرار القطعة النقدية على الأرض"، وتابع القول: "ومَن سيكون تخمينها صائباً، ستحصل على قطعتها الحلوى أولاً، أمَّا الأخرى فستقطع الحلوى إلى قطعتين".

ستحرص كلتا الطفلتين في هذه الحالة على التقطيع المتساوي لقطعة الحلوى، وبذلك وصل الأب إلى ما يريد مع المحافظة على رضا الفتاتين.

6. تنفيذ القرار:

بعد وضع حلول للمشكلة؛ عليك تنفيذ القرار، وهنا عليك أن تتحلى بالثقة والقوة والحكمة، والشخص الناجح هو مَن يسأل ذاته: "ما الخطأ الذي من الممكن أن يحدث في حال نفَّذتُ هذا القرار؟"، "وفي حال حدوث خطأ ما؛ ماذا عليَّ أن أتصرف؟" ومن ثم يبني استراتيجيات للتعامل مع الأخطاء المحتملة.

7. قياس النتائج:

يُقيِّم الشخص الناجح مدى فاعلية قراراته واستراتيجياته، من خلال قياس نتائج قراراته على أرض الواقع، مثل قياس الإيرادات، ومستوى أداء الموظفين، وسوية بيئة العمل، وسمعة الشركة، أو كأن يقيس على سبيل المثال مدى تحسُّن حالته النفسية في حال معالجته لمشكلة شخصية.

وفي حال عدم الوصول إلى النتيجة المطلوبة؛ على الشخص تعديل وتقويم قراراته المتَّخذة.

الأسلوب الثاني لحل المشكلات:

يضرب هذا الأسلوب بالنظرية السابقة لحل المشكلات، على أنَّها تُضيِّع الكثير من الوقت في التفكير في المشكلة، الأمر الذي يصيب الإنسان بالإحباط والتوتر الدائمَين، ويزيد من عواقب المشكلة السلبية؛ وذلك لأنَّ كل ما تركِّز عليه يزداد ويكبر، ويتبنَّى هذا الأسلوب قضية التركيز على الهدف بدلاً من التركيز على الخلاص من المشكلة.

علينا بداية جمع المعلومات حول المشكلة والوضع الذي نحن فيه، ويجب أن نكون موضوعيين، ونبتعد عن الحكم السريع على الموضوع، أو إسقاط تجربتنا الماضية عليه، ومن ثمَّ علينا السعي إلى تحديد الهدف الذي نطمح للوصول إليه، وهنا سيتحفَّز عقلك على توليد كل الأفكار الإيجابية والمبدعة القادرة على التعامل مع كل المشكلة ومحوها تماماً.

على سبيل المثال: إن كنت في حالة نفسية قاسية، بدلاً من إضاعة الوقت في الغوص الكبير في المشكلة؛ تستطيع التركيز على بلوغ حالة نفسية إيجابية، أي تسأل نفسك "كيف أصل إلى حالة نفسية جيدة؟" وهنا سيولِّد عقلك الكثير من الأفكار الرائعة التي ستفيدك في مسعاك.

ستفيدك خطوة التركيز على الهدف في البحث عن الجذر الأساسي للمشكلة؛ لأنَّك في أثناء سعيك إلى الأفضل، لا بدَّ لك من التمعن بحياتك، ومراقبة أفعالك وأفكارك بغية اكتشاف مكامن الخلل الأساسية ومن ثمَّ تقويمها وتحسينها.

تساعدك معرفتك لعواقب استمرار المشكلة في الإسراع في حلها جذرياً، على سبيل المثال: إنَّ معرفتك لاحتمالية الإصابة بالاكتئاب من جراء إدمان البقاء وحيداً، والانعزال الشديد عن الناس؛ تدعوك إلى التفكير ملياً لإنقاذ نفسك من فخ الاكتئاب والوصول إلى الإيجابية المنشودة.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات تُسهّل عليك حل مشكلاتك

الخلاصة:

إن تحدَّثتَ إلى شخص ما وشعرت أنَّه يسبقك بمراحل وكأنَّه يعيش مستقبلك، في حين أنَّك ما تزال في الماضي؛ فاعلم أنَّ اختلاف الوعي هو الفارق، وليس اختلاف العمر أو الزمن أو الحظ، فنحن محكومون بلحظات الوعي فقط؛ لذلك اسعَ إلى تطوير ذاتك على الدوام، من أجل أن تصنع لك لحظات أفضل وأنضج وأرقى.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة