هل الخروج من منطقة الراحة هام حقاً؟

أنا أحبُّ منطقة الراحة خاصَّتي فأشعرُ أنَّ السحر الحقيقيَّ يحدثُ فيها؛ إذ تحتوي على كلِّ ما أحبُّه من عائلتي وأصدقائي وعملي والموسيقى والأفلام التي أحبُّها والكتب التي أفضِّل قراءتها ودرَّاجتي التي أعشق ركوبَها وصالة الألعاب الرياضية التي أمارس فيها تمريناتي والمُتنزَّه الذي أحب زيارته من وقت إلى آخر، فأكون أكثرَ انفتاحاً واستعداداً لتجربة أشياء جديدة والمُجازَفة والمُغامَرة في ذلك المكان الآمن في حياتي المُسمَّى منطقة الراحة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن حقيقة منطقة الراحة ودورها في تحقيق الإنجازات.

لم أؤمن أبداً بفكرة أنَّ الخروج من منطقة الراحة يضمن النجاح، حيث يكمن السِّحر كله، فمن غير المنطقي الاعتقادُ بأنَّ النجاح لا يتحقق إلَّا عندما تخطو خارجَ منطقة الراحة الخاصة بك، ولا أعلم حقاً السببَ الذي يدعونا إلى التظاهر بأنَّ منطقة الراحة سيئة وفاشلة.

بالطبع أنا من مؤيِّدي دفع النفس لتحقيق المزيد من الإنجازات، وتجربة أشياء جديدة، وإحراز التقدم والتطور وغيره؛ لكنَّني لا أظن أنَّ منطقة الراحة أمرٌ سيئ بخلاف العديد من الأشخاص الذين يعملون في مجال المساعدة الذاتية، ولا أهتمُّ بمَن يدعوني متشائماً؛ فالأهمُّ من ذلك كلِّه أنَّني لست إلَّا شخصاً عملياً يتَّبع المنطق.

من الناحية العملية والمنطقية لا ينبغي عليك أن تُقدِمَ على قفزةٍ كبيرة خارج منطقة راحتك دفعةً واحدة؛ بل يجب أن تؤمن بضرورة التقدُّم ببطءٍ في طريقك نحو تحقيق النجاح والمعجزات في حياتك.

السحر الذي يتحدث عنه الجميع:

لقد اكتشفتُ أنَّني أتمكن من أداء عملي على أكمل وجه حين لا أقلق بشأن المال أو كسب أصدقاء جدد أو اعتياد بيئة العمل الجديدة أو أي شيءٍ آخر له علاقة بالتنقل الدائم، ولا أريدك أن تسيء فهمي أو تظنَّ أنَّني أفضِّل أن يلزَم المرءُ مكانَه دون تطوُّر أو تحقيق أي إنجاز؛ بل إنَّ الركود هو بمنزلة عقوبة إعدامٍ بالنسبة إلي.

أنا أؤمن بأنَّ للحياة مراحل مختلفة، وأحياناً ما نأخذ الأمور بروية ونعمل على تحسين مهاراتنا وشخصياتنا كي نستثمر في أنفسنا ونعلِّق الآمال عليها، في حين نخرُج إلى مُعترَك الحياة في أحيانٍ أخرى ونجازف ونخوض التجارب والمغامرات لاعتقادنا بأنَّ الحياة قصيرةٌ للغاية ولا وقتَ لتضييعه في الجُبن والضعف؛ لكنَّ هذَين الأمرَين مترابطان للغاية؛ فإن لم تعملْ على تطوير نفسك ولم تثِقْ بها لن تتمكن أبداً من المُجازفة وخوض المُغامرات.

لقد رغبتُ بفعل ما أفعله اليوم لمدَّة سنوات؛ لكنَّني بدأتُ بمواجهة تحديات جديدة وأكبرَ كلَّ يوم على نحوٍ بطيء بدلاً من القفز بصورة مفاجئة خارج منطقة راحتي الذي كان أمراً مُخيفاً بالنسبة إلي؛ فقد حصلْتُ في البداية على شهادتَين جامعيَّتَين في إدارة الأعمال، ومن ثمَّ أسَّستُ في عام 2010 عملاً تجارياً بالتعاون مع والدي، وبعد ممارسته لمدَّة سنتَين بمُعدَّل ستة أو سبعة أيام أسبوعياً، بدأتُ بالعمل في مجال التسويق عملاً مستقلاً.

بعد بضع سنواتٍ من العمل المستقل والبدء بمشاريع تجارية أخرى وحدي دون مساعدةٍ من أحد والفشل فيها، حصلتُ على وظيفةٍ في شركة استشارية للأبحاث وعملتُ فيها لمدَّة سنةٍ ونصف؛ لأنَّني أردتُ معرفةَ طبيعة العمل في شركةٍ كُبرى، ومن ثمَّ قرَّرتُ منذ فترة الكتابةَ والتحدثَ عن الإنتاجية والمهن وريادة الأعمال على الإنترنت.

بحلول ذلك الوقت كنتُ قد مارستُ الأعمال التي أكتبُ عنها لِما يزيد عن عشر سنوات؛ لكنَّني على الرغم من ذلك لا أملك إجاباتٍ عن جميع التساؤلات التي تخصُّ مجال الأعمال؛ بل إنَّني أشارك فقط الأمور التي تعلَّمتُها بناءً على خبرتي وتجاربي؛ لذا سيكون من غير المنطقي أن أؤيد الأشخاص الذين يدعونك إلى الخروج من منطقة راحتك مباشرةً وعلى الفور إن كنتَ تريد أن تكون ناجحاً.

فذلك الهراء كله عن منطقة الراحة ما هو إلَّا روايةٌ مُلفَّقة، وربَّما يكون عاملاً محفِّزاً يحثُّ بعضَ الناس على اتخاذ إجراءاتٍ مُعيَّنةٍ نحو التطور؛ لكنَّك على الرغم من ذلك لست مُجبَراً على تصديقه إن لم ترغبْ بذلك، وهو مشابهٌ تماماً لادِّعاء بعضهم بأنَّ عليك أن تستيقظ مبكراً إن أردتَ النجاح؛ إذ لا يوجد دليلٌ أو إثباتٌ لذلك وإنَّما مُجرَّد أقاويل وخرافات.

لكنَّني أؤمن بأمرٍ واحد فحسب؛ وهو أنَّك ستجدُ فقط المزيد من العمل والتعب بانتظارك حين تخرج من منطقة راحتك، وهو ليس بالأمر الجميل أو المميز ولا علاقةَ له بالسحر أبداً؛ بل يتضمن مزيداً من التعب والشقاء.

شاهد بالفديو: كيف تتجاوز منطقة الراحة؟

العملُ باجتهادٍ في بيئة مُريحة طريقك نحو النجاح:

أظنُّ أنَّ مُعظَم الأشخاص الذين يقرؤون مقالاتٍ كمقالي هذا يرغبون بتحقيق إنجازٍ ما في حياتهم، فربَّما ترغب مثلاً بالاستقالة من عملك الذي لا تحبه والبدء بمشروع تجاري جديد أو تطوير تجارتك أو امتهان الفن أو نشر كتابٍ ما أو أي شيءٍ آخر، كما أنَّك على الأرجح تعلم أنَّ ذلك ليس بالأمر السهل؛ لذا لا داعي لتصعيب الأمور على نفسِك من خلال زيادة التعقيدات المزعِجة وغير المريحة في حياتك؛ بل أنصحك بالبدء من الصفر بدلاً من ذلك وبناء أساسٍ قوي لنفسك والشعور بالراحة والاطمئنان قبل البدء بفعل الأمور المُخيفة وتحقيق الإنجازات العظيمة.

إقرأ أيضاً: العمل بجد وبذكاء: 4 عادات يومية يجب تطبيقها في حياتك

الأساس الذي ينبغي أن نبنيه لأنفسنا قبل تحقيق الإنجازات:

إن كنتَ ترغب بعيش حياةٍ خاليةٍ من الضغط النفسي والهموم فأنتَ بحاجةٍ إلى ما يكفي من المال في حسابك حتَّى تتمكن من العيش لمدة ستة أشهر في حال فشلت مُخطَّطاتك، فينبغي أن تنظرَ إلى الأمر على أنَّه نظامٌ احتياطيٌّ بديل.

إذاً عليك إجراء بعضُ الحسابات ومعرفة كمية المال الكافية بالنسبة إليك خلال المدة السابقة، ولا تفكِّر حتَّى في المُجازفة والمغامرة في أي شيء قبل أن تضمن وجود ذلك المال في حسابك التوفيريِّ.

كما ينبغي عليك أيضاً تطوير مجموعة مهارات ذات قيمة لديك؛ فأحد الأسباب التي تدفعُني إلى عدم الاهتمام بالمال هو ثقتي في قدرتي على إيجاد العمل الذي أرغب به في أي وقتٍ أريده؛ فحتَّى إن أفلستُ غداً سأجد طريقةً للعودة إلى العمل في اليوم الذي يليه، فقد سخَّرتُ سنواتٍ من حياتي واستثمرتُ مئات الآلاف من الدولارات في التحصيل العلمي والتدرُّب.

لذا عليك أن تسأل نفسَك عن المهارة التي تتمتع بها، والطريقةِ التي يمكنك من خلالها إضفاء قيمةٍ إلى عالمك الذي تعيش فيه، والمشكلات التي يمكنك حلُّها للمساهمة في ذلك، وتجدر الإشارة إلى وجود أشياء أخرى تكمِّل الأساسَ الذي بنيتَه وهي:

  1. العائلة: فحتَّى إن لم يكُن لديك أسرة أنشِئ لنفسك واحدةً.
  2. الأصدقاء: لا يمكنك أن تصبحَ صديقاً للجميع؛ لذا كُن مُخلِصاً لبضعة أشخاصٍ مُخلصين لك ويقفون إلى جانبك.
  3. نفسُك أو ذاتُك: اسعَ دوماً إلى تحسين جسدِك وعقلك بصورة واعية كي تخلدَ إلى النوم كلَّ ليلةٍ أكثرَ قوةً وحكمةً بقليل من اليوم الذي يسبقه.

لا تحاوِلْ أن تتحول إلى شخصٍ آخر لا يشبهك؛ فإن كنتَ شخصاً انطوائياً لا تتظاهَرْ أنَّك تستطيع العمل في غرفةٍ مليئة بالناس مُحاطاً بالعديد من الضغوطات، وكذلك في حال كنتَ شخصاً اجتماعياً ومُنفتحاً لا تدَّعي القدرةَ على العمل وحيداً؛ فلا فائدةَ من الضغط على نفسك بقسوةٍ لدرجة أن تصبح حياتك تعيسةً وكئيبة.

إقرأ أيضاً: المسؤولية: 10 خطوات لتحقيق الإنجازات

في الختام:

جميعُنا بحاجةٍ إلى الراحة التي تُعَدُّ واحدةً من احتياجاتنا الأساسية بوصفنا كائنات بشرية؛ لكنَّنا بحاجةٍ إلى النمو والتطوُّر أيضاً؛ لذا أيَّاً كان الذي تفعلُه لا تبقَ في منطقة راحتك لفترة طويلة، وحاوِلْ إحراز التقدُّم والتطوُّر يومياً حتَّى وإن كان بخطواتٍ صغيرةٍ للغاية، فلا وجود للسحر؛ لذا اعتمِدْ مجهودك وإنجازاتك الذاتية فقط.




مقالات مرتبطة