هل أنت قادر على صنع طفل صالح؟

تعدُّ تربية الأطفال إحدى أكبر التحديات في عصرنا اليوم؛ حيث تتطلب عملية خلق طفل صالح أخلاقياً ونفسياً؛ الكثير من الوعي والصبر والالتزام، ومن جهة أخرى، يعدُّ الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي أحد أكبر العوائق أمام تحقيق مهمَّة التربية المقدسة؛ حيث تتأثَّر المعايير الأخلاقية لدى الأطفال، كما تتشوَّه نظرتهم إلى الحياة بفعل ما يشاهدونه من مظاهر وقيم غريبة على صفحات التواصل الاجتماعي، ومن هنا تأتي الأهمية المطلقة لدور الأبوين في حماية وحراسة أولادهم وتعزيز شخصيتهم وتطلُّعاتهم.



يأتي هنا السؤال الأهم: "كم عدد الأهالي اليوم القادرين على تنشئة جيل صحي نفسياً وعقلياً وأخلاقياً؟"، فبينما يعيش نسبة كبيرة من الأهالي في حالة من المراهقة المتأخرة، وفي مرحلة من التعلق المرضي بالأشياء والممتلكات، وفي مستوى من التقديس الأعمى للمظاهر والصورة الزائفة؛ تبقى صناعة جيل أخلاقي وواعٍ من الأمور المطعون في إمكانية تحقيقها على أرض الواقع؛ فكيف نجعل أطفالنا صالحين؟ هذا مدار حديثنا خلال هذا المقال.

كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في منظومة القيم لدى الأطفال؟

  • تؤثر أغلب وسائل التواصل الاجتماعي في أطفالنا تأثيراً سلبياً؛ فبينما يتعلَّم الأطفال التعبير عن مشاعرهم من خلف الشاشات، وبينما يعتادون على إظهار عكس ما يشعرون به من مشاعر- كأن يعلِّقون بالإيجاب على منشور لأحد أصدقائهم في حين أنَّهم لا يشعرون بالداخل بمشاعر إيجابية إزاء المكتوب أو المرئي - تجدهم فيما بعد غير قادرين على التعبير الصادق عن النفس، كما تتقلَّص قدرتهم على التواصل البصري مع الآخر.
  • من جهة أخرى، تختلف المعايير الأخلاقية لدى الأطفال، فبدلاً من التركيز على القيم الحميدة للإنسان؛ تحتفل معظم وسائل التواصل الاجتماعي بذلك الإنسان المشهور والثري والمتمكِّن اجتماعياً بغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء ثروته، وتعطي الأولوية للمظاهر والمال على حساب القيم والإنسانية، وكأنَّ الغاية السامية للإنسان هي الوصول إلى أكبر رصيد بنكي ممكن، وإلى أضخم عدد من الممتلكات والأصول.
  • تُضخِّم وسائل التواصل الاجتماعي قيمة الأخذ على حساب قيمة العطاء؛ حيث تعزز ثقافة الاستهلاك والطمع من خلال ما تنشره من مظاهر الرفاهية والتفاصيل المبالغ فيها، وتقلل من أهمية ثقافة الإحساس بالآخر، والميل إلى الإنسانية ومساعدة الآخر.
إقرأ أيضاً: إيجابيات وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي وكيف نحمي الأطفال منها

كيف أصنع طفلاً صالحاً؟

1. الاستماع:

تعدُّ مهارة الاستماع من أكثر المهارات المفقودة في العائلات العربية، اسأل نفسك: "هل تستمع إلى حديث ابنك بانتباه وحب، أم أنَّك تسيطر على كامل الحديث وترهق أذنيه بكم النصائح والأوامر التي لا تنتهي؟".

يكمن السؤال هنا: "هل يحتاج أولادنا إلى الأوامر أم أنَّهم يحتاجون إلى المزيد من الاحتواء والتفهُّم؟".

نحن لا نعطي أولادنا المجال للتعبير عن مشاعرهم ومكنوناتهم، ونُسقط عليهم تجربتنا الخاصة في الحياة، دون احترام نظرتهم الشخصية للأمور ومحاكمتهم العقلية المختلفة عن محاكمتنا.

كفى إعطاء نصائح، فيحتاج أولادنا إلى المزيد من الاستماع فقط، وإلى الكثير من التعاطف والمحاولات الجادة لفهم احتياجاتهم ودوافعهم الداخلية.

2. القدوة:

يتعلَّم الطفل من خلال المحاكاة؛ لذلك علينا الانتباه إلى أدق تفاصيلنا في أثناء التعامل مع الأطفال، فلا يجوز للأب أن ينادي بأهمية الصدق ومنفعته للإنسان بينما يقوم بأفعال معاكسة لقيمة الصدق تماماً، على سبيل المثال: كأن يطلب الأب من طفله عدم قول الحقيقة والمراوغة على صديق والده المتصل، وذلك بادعاء غياب والده عن المنزل في حين أنَّ الوالد يجلس بقربه.

3. التبيان:

لا يعتمد معظم الآباء ثقافة التبيان في أثناء تعاملاتهم مع الأطفال؛ حيث يميل الأب أو الأم إلى فرض الأمر على طفلهم، بدلاً من شرح الموقف له وتبيان إيجابياته وسلبياته، كما ينزع الأب والأم إلى سياسة الإكراه والإجبار بدلاً من سياسة الإقناع والإيضاح.

4. فصل السلوك عن الفعل:

تعدُّ مسألة الجمع ما بين الفاعل والسلوك من أهم عراقيل التربية؛ فعلى سبيل المثال عندما يقوم الطفل بفعل سلبي ما ومن ثمَّ يبدأ والداه بتوجيه الانتقادات اللاذعة إليه مثل: "غبي"، "لا تفهم"، "لا يُعتمَد عليك"، مسقطين فعله على شخصه، مزعزعين ثقة الطفل بنفسه، ومساهمين في خلق طفل عنيد وقاسٍ، في حين يجب على الأهل فصل الفعل عن الفاعل، كأن يقول الأب لطفله: "أنت طفل رائع، وأنا أحبك، ولكن تصرفك في ذلك الموقف لم يكن لائقاً، وأنا واثق من أنَّك قادر على حسن التصرف في المرات القادمة".

5. الابتعاد عن الأنانية:

على الأهالي أن يزرعوا ثقافة العمل الجماعي في عقول أطفالهم، وأن يبنوا حب الذات لديهم، ولكن بعيداً عن الأنانية والتملك والغيرة الشديدة، ومن جهة أخرى، على الأهالي أن يزرعوا النية السليمة في قلوب أطفالهم، بحيث يحسنوا الظن بالآخر مع وجود الحذر الواجب، لكيلا ينصدموا ويتعبوا نفسياً بالواقع وأشخاصه.

6. زراعة القيم:

على الأهالي السعي إلى زراعة القيم في نفوس أطفالهم عن طريق تكرار جمل قصيرة وواضحة وتحمل قيماً ثابتة، مثل: "الصلاة هي أهم شيء في الحياة"، "يتحقق رُقيَّك من خلال أخلاقك"، "أنت غني بصدقك".

إقرأ أيضاً: القيم الأخلاقيّة في الإسلام، ونصائح مهمة لغرسها في أطفالنا

7. الحب غير المشروط:

على الأهالي بناء سياسة الحب غير المشروط مع أولادهم، بحيث يقدِّرونهم ويحبونهم في جميع الحالات، ومهما كانت الظروف؛ فيسبب اتباع تقنيات الحب المشروط مشاعر من عدم الثقة والحزن لدى الطفل، فعندما يقول الأب لطفله على سبيل المثال: "لن أرضى عنك إلى أن تحقق المجموع الكامل في جميع المقررات الدراسية"، سيشعر الطفل حينها بأنَّ والده رافض له كلياً إلى حين تحقق شرط "المجموع الكامل"، الأمر الذي يضرب ثقة الطفل بذاته، بحيث يعد أنَّ الدرجات العلمية هي التي تحدد قيمته في الحياة، وليس ما يملك من قيم وأخلاق وأفكار خلَّاقة.

8. الأسلوب القصصي:

يستطيع الأهالي إيصال ما يريدونه إلى أطفالهم باتباع الأسلوب القصصي؛ حيث ترسخ المعلومة في ذهن الطفل عن طريق الصور والشخصيات الكرتونية، فيستطيع الأب على سبيل المثال زراعة قيمة "السعي" في عقل طفله من خلال قصة "النملة النشيطة" مع عرض الصور التي تدعم قصته.

9. تحمُّل المسؤولية:

على الأهالي زراعة قيمة "المسؤولية" في نفس طفلهم، من خلال جعله يتحمَّل مسؤولية التصرف السلبي الذي قام به؛ كأن يقول الأب لطفله الذي تهاون في دراسته: "ابني حبيبي، أنا أحبك ولكن عليك تحمُّل مسؤولية إهمال واجباتك المدرسية، وستَمتنع عن الخروج في نزهة يوم الجمعة مع أصدقائك كنتيجة لإهمالك ذاك".

في الختام:

تعدُّ صناعة طفل صالح من أرقى الصناعات على وجه الأرض، لذلك أعطِ هذه الصناعة حقها من خلال البحث الحقيقي عن وسائل التربية الأكثر فاعلية، والسعي إلى تطبيقها على أرض الواقع، والمراقبة الصارمة لأفعالك أمام أطفالك، والاستماع إليهم بقلبك وليس بأذنك.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة