هل أنا والد سيئ؟ كيف تتخلص من عقدة الذنب؟

يتحدث عدد لا يحصى من الآباء ويقولون: "لا أعرف كيف أجعل طفلي يتصرف بسلوك جيد، فهو خارج عن السيطرة ويلومني الناس على سلوكه، وأشعر بالذنب والخجل معظم الوقت وبوحدة شديدة، وهو أسوأ شعور في العالم".



الحقيقة هي أنَّه ليس من المفترض أن تعرف كل شيء عن كونك أباً، فالأبوة مهارة عليك أن تتعلمها تماماً مثل أي شيء آخر، وعلى الرغم من عدم وجود طريقة واحدة مثلى وموحدة لتصبح أباً، لكن توجد طرائق أكثر فاعلية للتعامل مع سلوك طفلك، فتعال معنا لنتعرف معاً.

تربية الأبناء:

يُعَدُّ مفهوم تربية الأبناء مفهوماً نسبياً ومتغيراً وغير متشابه بين العائلات؛ إذ تختلف طرائق التربية بين الناس، فكلٌّ يربي بالطريقة التي يراها مناسبة، ولا يمكننا تحديد أو حصر أساليبها بكتاب واحد وتعميمه على الجميع؛ ونتيجة لهذه الفروقات والاختلافات نرى أشكالاً متعددةً من السلوكات المتفاوتة لدى الأطفال، فنرى اللطيف ونرى المتنمر والغضبان والنشيط والطائش والذكي والمثابر وغيرهم الكثير.

تبدأ رحلة المقارنات بين سلوك كل طفل وآخر وبين طريقة تربية كل أهل ومقارنتها بتربية الآخرين، وعندها يظهر الشعور بالفخر والفرح إن كان سلوك الطفل جيداً، ويظهر الشعور بالذنب والخجل إن كان سلوك الطفل سيئاً، وهذا هو المحور الذي سنتكلم فيه الآن، فتابعوا معنا.

يحاول الآباء بذل قصارى جهدهم:

يتعرض الآباء والأمهات لشتى أنواع جلد الذات والشعور بالذنب إن كان لديهم طفل خارج عن السيطرة؛ إذ تحاول الغالبية العظمى بذل قصارى جهدهم بوصفهم آباء، ولكنَّهم يواجهون صعوبات مع أطفالهم مثل اضطرابات السلوك وتقلبات المزاج والضغوطات الأخرى في المنزل.

من الصعب عليهم تجاوز اللوم والعار والذنب حين يكون لدى أطفالهم تاريخ طويل من السلوك المتهور، لكن مع مرور الوقت يجب أن يتعلم هؤلاء الآباء التوقف عن التعامل مع سلوك أطفالهم بشكل شخصي واستخدام الأساليب التي تؤكد على المسؤولية والمساءلة.

إقرأ أيضاً: عقدة الذنب: مفهومها وطرق التخلص منها

الشعور بالعار لا يحسن من سلوك طفلك:

إذا كان لديك طفل سيئ السلوك فمن الشائع أن تشعر بالخجل العميق من سلوكه؛ إذ يبدو الأمر كما لو أنَّك فشلت بصفتك والداً ولكنَّ مشاعر الخزي هذه لا تساعد أحداً فهي لن تساعدك ولن تساعد طفلك، ولا يهم على من يقع اللوم، فما يهم هو العمل على أن تصبح أكثر فاعلية، وما يهم هو ما يمكنك القيام به بشكل مختلف لمساعدة طفلك على تغيير سلوكه، وبعد كل شيء لا يتعلق الأمر بمن يقع عليه الخطأ؛ بل يتعلق بمن هو على استعداد لتحمل المسؤولية.

لا أحد يستطيع أن يحكم عليك إلا إذا كان مكانك:

الشعور بالحكم واللوم من قِبل الآخرين أمر مزعج، لكن استمر في تذكير نفسك بأنَّهم ليسوا مكانك وهم ليسوا بقضاةٍ عليك، وأنت تعلم أنَّك تحاول بذل قصارى جهدك، وفي الواقع لا يستيقظ أي والد في الصباح ويقول: "أعتقد أنَّني سأحاول إفساد طفلي اليوم"؛ لذا امنح نفسك استراحة من اللوم والشعور بالذنب وأحكام الآخرين، وبدلاً من ذلك ركز على ما يمكنك فعله لتغيير الموقف.

شاهد بالفديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

عدم تحمُّل مسؤولية سلوك طفلك:

عندما يسيء طفلك التصرف قد يصبح من المعتاد أن تقول لنفسك أشياء مثل:

  1. "إنَّه خطئي أنَّه يكذب، لقد دللته كثيراً وسمحت له بالتملص من المسؤولية عندما كان أصغر سناً".
  2. "إنَّه خطئي أنَّه وقح مع أجداده، لم أتمكن من تعليمه الأخلاق الحميدة".
  3. "إنَّه خطئي أنَّ درجاته متدنية، كان يجب أن أعمل بجد معه كل ليلة".
  4. "إنَّه خطئي أنَّه يتأخر على الموعد المحدد للعودة إلى المنزل، لقد سمحت له بحرية كبيرة بعد طلاقنا ووالدته لأنَّني شعرت بالذنب حيال تفكك الأسرة".

في حين أنَّه من الشائع الوقوع في فخ الشعور بالذنب، فإنَّ شعورك بالذنب لن يجعلك أو طفلك تصلان إلى أيَّة نتيجة، فافهم أنَّك عندما تلوم نفسك فأنت تتحمل مسؤولية سلوك طفلك بدلاً من تحميله المسؤولية عن سلوكه، ومن الهام أن تعي أنَّ طفلك مسؤول عن سلوكه وليس أنت، ولسوء الحظ فإنَّ شعورك بالذنب يرسل رسالة إلى طفلك بأنَّك على استعداد لتحمل مسؤولية سلوكه، فلا تفعل ذلك فهذا ليس جيداً لك ولطفلك.

لا بأس أن تدع طفلك يكافح:

لماذا ندخل في هذه الأنماط مع أطفالنا؟ ببساطة من المؤلم أن نرى أطفالنا يكافحون ويعانون، فتذكر أنَّ الهدف هو السلوك والتصرف المناسب بصرف النظر عن شعور الطفل، ومثلما واجهت صعوبات في النضج وتعلمت كيفية تحمل المسؤولية سيحتاج طفلك أيضاً إلى تعلم نفس الدروس، وعلى طول الطريق سيواجه طفلك بعض التحديات وخيبات الأمل، لكن إذا لم يُسمح له بمواجهة تلك الصعوبات فلن يتطور أبداً ليصبح شخصاً بالغاً قادراً على تحمل المسؤولية والتعامل مع تقلبات الحياة، وبدلاً من ذلك سيبحث دائماً عن كبش فداء.

إدارة سلوك الأطفال الذين يلومون الآخرين:

عندما يسيء طفلك التصرف ويلوم الآخرين باستمرار على سلوكه قد تبدأ بجعله يكتب ما حدث، فحاول إن كان ذلك ممكناً اكتشاف ما حدث بنفسك وفهم الموقف عن طريق إجراء القليل من البحث والاستقصاء مع الأشخاص المعنيين، ويمكنك أيضاً كتابة الحقائق بنفسك، فما تريده هو نقل طفلك إلى مكان ربما يكون فيه موضوعياً قدر الإمكان فيما يتعلق بما حدث، ثم اسأل طفلك: "ما هي مسؤوليتك؟ وما هي مسؤوليات الآخرين في هذا الموقف؟".

هذا السؤال قوي لمساعدته على التعرف إلى دوره فيما حدث وكيفية التغيير، فكن موضوعياً قدر الإمكان ولا تُدخل نفسك - أو شعورك بالذنب - في المناقشة، وضع قائمة بالحقائق وفكر فيها بوصفها طرفاً محايداً تقريباً، فيجب أن يكون التركيز على تعلُّم طفلك كيفية إدارة نفسه من خلال الوفاء بمسؤولياته وليس على تعليمه كيف يديرك.

التحقق من أنماط التربية الخاصة بك:

إذا كنت تقوم بتمكين طفلك من خلال لوم نفسك أو الآخرين فأنت بحاجة إلى التراجع قليلاً وسؤال نفسك: "هل هذا نمط؟"، وعندما تبدأ بفحص أنماط التربية الخاصة بك بطريقة صادقة لكن خالية من اللوم، ستتمكن من مساعدة طفلك على تحمل المسؤولية وتغيير سلوكه.

للقيام بذلك، عليك أن تكون قوياً ولا تقبل كل الأعذار التي قد يقدمها طفلك لك، ولا تدعه يحاول إلقاء اللوم عليك بقول أشياء مثل: "لقد جعلتني أفقد السيطرة، لذلك ركلت الحائط"، أو "لقد صادرت هاتفي المحمول، لذلك خرجت مع أصدقائي دون إخبارك"، وضع في حسبانك أنَّ هدفك هو تعليم طفلك تحمل المسؤولية بدلاً من لوم الآخرين، فلن يعجبه هذا في البداية، لكن سيتعلم في النهاية.

شاهد بالفديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة

عندما يلومك الآخرون:

هل يبدو هذا مألوفاً؟ تكون في متجر ما ويبدأ طفلك بالتصرف بشكل سيئ، فربما يصرخ عليك أو يناديك بلقب سيئ، وينظر إليك العميل بازدراء أو يدلي بتعليق وقح عن سلوك طفلك وتشعر على الفور بالذنب والخجل، وسيلومك الناس ويخجلونك، لكن ليس عليك قبول ذلك، فعندما تصبح مفوضاً بصفتك والداً ستدرك أنَّ لا أحد يستطيع أن يكون مكانك، فهؤلاء الأشخاص الذين يحكمون عليك ليس لديهم دليل على أنَّك لا تبذل قصارى جهدك كل يوم في تربية ابنك.

يمكنك تكرار هذه العبارة كل يوم: "لن يتفهم أحد ذلك إلا إذا وضعوا أنفسهم مكاني، فأنا أبذل قصارى جهدي ولن يرى الآخرون ذلك أو يقدرونه دائماً"، وفي النهاية ستتمكن من إسكات تلك الأصوات في رأسك التي تقول إنَّك تقوم بعمل سيئ أو إنَّك فاشل بصفتك والداً، وبدلاً من ذلك ستكون قادراً على أن تقول بصراحة: "لقد بذلت قصارى جهدي اليوم ووصلنا إلى موعد النوم دون قتال".

عندما تلوم نفسك:

ماذا يجب أن تفعل عندما تجد نفسك في هذه اللحظة تشعر بالذنب أو تحمِّل طفلك اللوم؟ بادئ ذي بدء هنِّئ نفسك على إدراكك لما يحدث، فالخطوة الحقيقية الأولى نحو التغيير هي الوعي بما تفعله، ففي أي وقت يمكنك فيه إمساك نفسك والعد حتى خمسة، فأنت تقوم بشيء مختلف عما كنت تفعله من قبل.

توقف لحظة واسأل نفسك الأسئلة الآتية:

  1. ما هي حقيقة ما حصل؟
  2. ما هو ميلي الأول بناءً على تلك النتائج؟
  3. ما الذي يمكنني فعله لأكون أكثر فاعلية؟

الأمر كله يتعلق باكتساب الموضوعية وإخراج نفسك من الصورة، فخذ وقتاً مستقطعاً إذا كنت بحاجة إلى ذلك واستمر في إخبار نفسك: "الأمر ليس متعلقاً بي؛ بل يتعلق بطفلي".

إقرأ أيضاً: ما هو نهج التربية القائمة على الارتباط؟ وهل ينجح؟

"أشعر أنَّني وحيد جداً":

غالباً ما تصبح عائلات الأطفال المعارضين أو المتحديين منعزلة جداً وتبدأ بالانسحاب من بين الآخرين فهم يعزلون أنفسهم، وعلى الرغم من أنَّ العزلة قد تحمي الوالدين والأسر من المزيد من اللوم والحكم الخارجي، إلا أنَّها لا تحسِّن من الشعور الداخلي بالذنب، وبعبارة أخرى هذه العزلة تُضخم شعورهم بالفشل، لذلك لا تعزل نفسك؛ بل تواصل مع الآخرين لأنَّك عندما تمد يدك للآخرين فإنَّك تقلل من الشعور بالذنب والفشل، وستكتسب منظوراً جديداً وستدرك أنَّك لست وحدك وأنَّ الآخرين يعانون من مشكلات مماثلة.

في الختام:

اعلم أنَّه لا أحد منا كان يعرف كيف تكون التربية الصحيحة والمناسبة لأطفاله، فكلنا نتعلم من التجارب، وخلاصة القول هي أنَّ الشعور باللوم والشعور بالذنب يمنعاننا من اتخاذ أي إجراء، إضافة إلى ذلك فإنَّهما يبقياننا عالقين نشعر بالهزيمة ويمنعاننا من التغيير والإصلاح.




مقالات مرتبطة