نظرية التحديد الذاتي لتعزيز التحفيز في مكان العمل

لطالما كان كثير من الجدل عن الدراسات النفسية المختلفة، ومن الجيد الاستفادة من معرفة علماء النفس ذوي الخبرة وشغفهم وعالِم النفس العصبي وكوتش الأداء البشري أيضاً، والمؤلف كليف هايلاند (Clive Hyland) هو أحدهم، وعليك تعلُّم كيفية تطبيق نظرية التحديد الذاتي لتعزيز التحفيز في مكان العمل



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون جو ويدجوود (Joe Wedgwood)، ويشرح فيه نظرية التحديد الذاتي، ويحدثنا عن تجربة تطبيقها في مكان عمله.

مع امتلاكنا عقولاً مميزة، لا بدَّ أن نقدِّر ونأخذ بالحسبان نظريات عديدة قدموها، لمساعدتنا على زيادة تأثير تقنية اندماج الموظفين لدينا في أعمالنا، وإحدى النظريات التي تساعد على فهم تحفيز الموظفين ودوافعهم الأساسية، هي نظرية إدوارد ديسي وريتشارد رايان (Edward Deci and Richard Ryan) للتحديدِ الذاتي، وهي ليست النظرية الوحيدة التي ينبغي النظر فيها في مجال التحفيز، لكنَّها واحدة من أكثرها فاعلية، وتتمحور النظرية حول أهمية إنشاء البيئة المناسبة لتسهيل التحفيز وتعزيزه.

لماذا هذا التركيز على التحفيز؟

"التحفيز هو الحماسة الداخلية للموظف، والدافع لإنجاز النشاطات المرتبطة بالعمل، إنَّه ذلك الدافع الداخلي الذي يقود الفرد لاتخاذ الإجراءات اللازمة".

سوزان م. هيثفيلد (Susan M. Heathfield)، المتحدثة والمدربة والكاتبة في مجال الموارد البشرية ورفع الكفاءة المهنية.

إنَّ التحفيز شرط مسبق للنجاح التنظيمي، وحاجة ضرورية إذا كنت ترغب في تأسيس فريق مندمج ومنتج يحافظ على إخلاصه لك ولعملك، وتوجد عدة فوائد لإنشاء فريق من العمال المتحمسين:

  1. تحسين رضى الموظفين والتزامهم.
  2. زيادة معدلات الاحتفاظ بالموظفين.
  3. انخفاض في معدل دوران الموظفين وحالات الغياب.
  4. تحسين ثقافة الشركة.
  5. زيادة كفاءة الموظفين واندماجهم وأدائهم.
  6. إنشاء مجموعة من المدافعين عن العلامة التجارية.

ما هي نظرية التحديد الذاتي؟

تدور نظرية التحديد الذاتي حول التحفيز البشري والدوافع الرئيسة التي تؤدي إليه، وتشير إلى أنَّ كلَّ شخص مدفوع ومتحفز بطبيعته، لكن يجب تهيئة الظروف الصحيحة لتسهيل ذلك.

تراعي نظرية التحديد الذاتي التمييز بين المُحفِّزات الذاتية والخارجية، وكيف يمكن أن تؤثِّر في التحفيز:

1. التحفيز الذاتي:

يأتي من إكمال مُهمَّة ممتعة ومثيرة للاهتمام، لنفترض أنَّ أحد فرقك تعمل على مشروع ممتع حقاً بالنسبة إليها؛ فلن يكون عملاً رتيباً يعملون طويلاً وبكدٍ عليه، فهو أمرٌ يرغبون في القيام به.

2. التحفيز الخارجي:

 ينشأ عندما يكون لديك الدافع لأداء مهمة نابعاً من المكافآت أو خوفاً من العواقب، تخيَّل مثلاً أن تُكلِّف الفريق نفسه بمهمة لا يستمتعون بها، سيكملونها بالتأكيد، لكنَّ دافعهم سيكون مختلفاً؛ قد يكون مثلاً مكافآت مثل التقدير أو الحوافز أو إثارة إعجاب الأقران أو خوفاً من التوبيخ.

شاهد بالفيديو: 7 استراتيجيات لإبقاء موظفيك في حالة تحفيز دائم

الدوافع الجوهرية الثلاثة للتحفيز:

1. الكفاءة:

هي الرغبة في الشعور بالفاعلية، والتحكم بالبيئة المحيطة ونتائج المهمة، ويمكن الاستفادة من ذلك بتعيين الأشخاص في المكان المناسب، وتقديم التدريب اللازم، ويجب أن يحصل العاملون لديك على فرص للتعبير عن مهاراتهم، ونقاط قوتهم.

2. الاستقلال الذاتي:

يشير إلى مدى الحرية التي يتمتع بها العامل ليقرر كيفية القيام بواجباته، وتوقيتها، وتشير نظرية التحديد الذاتي إلى أنَّ كونك تتمتع بالاستقلال الذاتي يختلف عن كونك مستقلاً بعملك عن الآخرين؛ إنَّه يعني ببساطة إحساسك بالإرادة الحرة عند إكمال المهام، ويمكن الاستفادة من ذلك بتقديم النصائح للمديرين بإظهار الثقة والابتعاد عن الإدارة التفصيلية.

3. الترابط:

يشير إلى حاجتنا لتكوين علاقات شخصية والشعور بالانتماء إلى مجموعات اجتماعية، ويمكن الاستفادة من ذلك بتشجيع الاندماج في مكان العمل والاحتفاء بالإنجازات والأسف على الخسائر معاً.

كيف نستخدم نظرية التحديد الذاتي في شركتنا؟

تحفيز الموظفين:

لتعزيز كفاءة الموظفين، فإنَّنا نشجع توجيه الأقران لضمان قدرة الأشخاص ذوي المستويات المختلفة من الأقدمية على تدريب بعضهم بعضاً، فإنَّ هذا يعزز المهارات، ويشجع على تبادل المعرفة، ويزيد خبرة الموظفين.

كما أنَّ لدينا دورات تعليمية في وقت الغداء يمكن لأيِّ شخص إجراءها لمساعدة بقية أفراد الفريق على تعلُّم مهارة جديدة، إنَّ هذا يشجع الكفاءة والترابط، فهو يعزِّز تماسك ووحدة الفريق كذلك.

  1. كما نشجع الترابط بالترتيب لقضاء أمسيات في الخارج مع أفراد الفريق، ووجبات غداء، ومسابقات، وجوائز موظف الشهر.
  2. نبرهن على أهمية الاستقلال الذاتي بالسماح للموظفين بالعمل عن بُعد، والتمتع بجدول أعمال مرن، وهذا بدوره يشجع الكفاءة والترابط؛ وذلك لأنَّه يعزِّز التوازن بين الحياة الشخصية والعمل ويدلُّ على الثقة.

مساعدة العملاء على تحفيز موظفيهم:

عند إعداد الاستبيانات ومجموعات الأسئلة، دائماً ما نأخذ بالحسبان الطريقة التي يشجع بها كلُّ سؤال المتلقين على طرح أفكار يحتاجها أرباب العمل لوضعِ خططِ عمل من شأنها أن تُحدث فرقاً حقيقياً.

فيما يأتي بعض الأسئلة التي نوصي بها لإظهار ذلك:

  1. ما هو مدى قوة دافعك الشخصي للمساهمة في إنجاح هذه المنظمة؟
  2. ما هو مدى استعدادكَ لبذل أقصى الجهود في العمل؟

أسئلة خاصة بنظرية التحديد الذاتي:

  1. إلى أيِّ مدى تدعمك النظم والعمليات في أداء عملك بفاعلية؟ (الكفاءة)
  2. كيف تُقيِّم التدريب الذي تلقيته ومدى ملاءمته لعملك ملاءمة عامة؟ (الكفاءة)
  3. ما هو مدى تقدير زملاء العمل لآرائك بحسب اعتقادك؟ (الترابط)
  4. ما هو مدى إيجابية علاقاتك مع الزملاء؟ (الترابط)
  5. ما هو مقدار حرية أساليب العمل التي توفرها وظيفتك؟ (الاستقلال الذاتي)
  6. إلى أيِّ مدى يوفِّر لك عملك فرصاً للعمل عن بُعد؟ (الاستقلال الذاتي)

بعد أن رأيت كيف نستخدم نظرية التحديد الذاتي، دعنا نلقي نظرة على بعض الاستراتيجيات لمساعدتك على الاستفادة منها أيضاً:

تلبية احتياجات العمال للكفاءة:

1. الاستثمار في تدريب الموظفين:

الطريقة الأكثر فاعلية لتحفيز موظفيك بالكفاءة هي بالاستثمار في التطوير المستمر؛ فعندما تصب تركيزك على تدريب الموظفين وتستثمر في مستقبلهم، سيعود ذلك عليك بالفائدة بإظهار تحسنٍ في المهارات والتحفيز المتزايد وتقديم أداء أفضل.

2. تشجيع المنتورينغ العكسي:

يقدم الموظفون من مختلف الأعمار والخبرات والأقدمية المنتورينغ لبعضهم بعضاً؛ وذلك لسد الثغرات المعرفية ومشاركة الكفاءات.

3. إنشاء قوة عاملة مرنة:

لضمان أن يكون الموظفون متعددي المهارات، يمكن تدريبهم على الابتعاد عن النهج الهرمي التقليدي، والعمل ضمن نظام موحد للفرق، تتشاركُ به الكفاءات والمعرفة، فعلى سبيل المثال: لا تتوقع من المسوِّق تأدية هذا الدور فقط بمعزل عن غيره من الأدوار، وبدلاً من ذلك سيتعاون تعاوناً وثيقاً مع موظفين آخرين من أقسام مختلفة.

دراسة حالة:

تتمحور ثقافة مكان العمل بالنسبة إلى متخصصي الملابس الرياضية في شركة لولوليمون الكندية (Lululemon) حول تحديد الأهداف؛ إذ يُدرَّب الموظفون تدريباً خاصاً على كيفية تحقيقها، وهذا يشمل أهدافهم الشخصية التي لا علاقة لها بأهداف العمل، ويُعدُّ هذا التدريب الموجَّه وسيلةً فعَّالة ليشعر العمال بالكفاءة والثقة بقدراتهم.

شاهد بالفيديو: 6 طرق مبتكرة لرفع معنويات الموظفين

تلبية احتياجات العمال للاستقلال الذاتي:

1. وضع الحدود:

إنَّ منح الحرية عنصر أساسي في تكوين قوة عاملة مستقلة، لكن حين تكون أكثر من اللازم، قد يُضرُّ ذلك بنجاح المبادرة، ولكي تكون شخصاً ناجحاً، عليكَ والمديرون تقديم المشورة والدعم للموظفين طوال مراحل العملية، وتجنُّبَ التحكم والتفويض وإعطاء الأوامر مهما كلفك الأمر.

2. السماح للعمال بإدارة جدول أعمالهم:

بمنح الموظفين الاستقلالية فيما يخص مكان عملهم ووقتهم، والتركيزَ على النتائج بدلاً من الوقت الذي يقضونه في العمل، ستثبت بذلك ثقتك بهم عندما تزرع الثقة في العاملين لديك، فأنت تؤكِّد على تقديرك لقدراتهم، وهذا سيمكِّنهم ويحفِّزهم على دفع العمل نحو النجاح.

3. منح حرية المهام:

جرِّب أن تسأل موظفيك عمَّا يريدون القيام به، لكن لا تنسَ رسم الحدود، والتأكُّد من أنَّ المهمة قابلة للتنفيذ (الكفاءة)، فعادةً ما يختار الأشخاص المهام التي يكونون أهلاً لها.

دراسة حالة: تسمح شركة التكنولوجيا العملاقة جوجل (Google) لموظفيها بقضاء 20% من وقتهم بالعمل على مشاريعهم الخاصة، وقد أثبت هذا فاعليته بالنسبة إليهم؛ لأنَّ كلاً من خدمة البريد الإلكتروني جي ميل (Gmail)، وخدمة الترجمة غوغل ترانسليت (Google Translate)، كانا نتاج هذه المبادرة.

ويوضح هذا أنَّ منح الأشخاص الاستقلال الذاتي، لا يعني أن يصبحوا كسالى؛ بل عادةً ما يكونون أكثر إبداعاً وابتكاراً.

تلبية احتياجات العمال للترابط:

1. تشجيع الاندماج:

تتمثل الوظيفة الرئيسة لتطوير فريق موحد في أن يعمل أفراده بصورة أكثر فاعلية، لكن بجدولة المناسبات الاجتماعية المرتبطة بالعمل، مثل النزهاتِ وأعياد الميلاد ولقاءات الغداء للفريق في الوقت المناسب ستعزِّز بذلك ثقافة الشركة، وتعالج أيَّة مشكلات متعلقة بالفرق المنغلقة؛ فعندما تمنح الموظفين الفرصة للاختلاط اجتماعياً، وإقامة علاقات هادفة مع بعضهم بعضاً، فإنَّك تعزِّز لديهم الشعور بالاستمتاع بالعمل، والجودة العامة لأدائهم.

2. تعزيز الثقة:

لكي يتوحد الفريق يجب أن يتبادل أفرادهُ الثقة؛ لذلك يمكنك تعزيز الثقة بمحاكاة السلوك الذي ترغب في رؤيته، وهذا سيساعدُ على انتشاره على نطاق منظومة العمل، ويمكنك أيضاً تقديم نشاطات لبناء الثقة وإلهام الموظفين للتحلي بالصدق، وتشجيع الموظفين جميعهم لتحمل مسؤولية أفعالهم.

إقرأ أيضاً: 7 طرق يمكن للمديرين من خلالها تعزيز الثقة في مكان العمل

3. تشجيع التغذية الراجعة:

يمكنك تعزيز تطوير الفرق لديك بتشجيع الجميع على تقديم تغذية راجعة عن التفاعل الجماعي، ومشاركة النتائج بعد ذلك؛ وهذا سيسلط الضوء على العقبات التي يجب التغلب عليها لإنجاح المبادرة، ويضمن أن يصبح الجميع جزءاً من فريق متماسك.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح لتقديم تغذية راجعة بنَّاءة ومؤثرة

دراسة حالة:

قام المقر الرئيسي لشركة زابوس (Zappos) الرائدة في مجال بيع الأحذية والملابس بالإنترنت بتركيب مدخل ومخرج واحد لإجبار الموظفين على الاندماج والتفاعل، وعلاوةً على ذلك، فقد تخلصوا من كلمات المرور الخاصة بنظام الكمبيوتر لديهم، وأضافوا بدلاً منها نظاماً يختبر قدرة الموظفين على التعرُّف إلى صور الزملاء.

في الختام:

في حين أنَّه من المستحسن اللجوء إلى علم النفس التنظيمي في مكان العمل، فلا بدَّ من الإشارة إلى أنَّه لا يمكن لصيغة واحدة أن تناسب الجميع؛ لذلك يجب ألا يُعتمد على نظرية واحدة فقط، كما أنَّ من الصعب تحديد أنواع التحفيز التي تُناسب الجميع.

المصدر




مقالات مرتبطة