ميزان الربح والخسارة في التعامل مع الآخرين

منذ اللحظة الأولى التي يولد بها الإنسان ويدخل باب الحياة الدنيا، يكون محاطاً بالآخرين. ومع توالي سنوات العمر ندرك حقيقة أهمية مهارات التواصل التي يجب على كل فردٍ منا أن يتقنها لما لها من دورٍ جوهري وهام في نجاح الحياة بشكل عام، فلا حياة أسريةٍ ناجحة من دون تواصل ناجح. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقات الاجتماعية، وعلاقات العمل؛ إذ إنَّ أساس العلاقات الناجحة قائم في الدرجة الأولى على العلاقات الصحيحة والتواصل الفعال، وهنا يبرز سؤال هام هو: ما هو أساس العلاقات والتعاملات في الحياة؟ الإحسان أم العدل؟ لنتعرّف على الفرق بين العدل والإحسان.



الإحسان أم العدل؟

يذكر الكاتب زياد ريس في كتابه "تجربتي لحياة أفضل" تعلمُت منذ سنوات قليلة أنَّه من الضروري للإنسان أن يتحلَّى بصفة الإحسان، وأجد أنَّ مَن يعمل بالشَّأن العام أو من تقتضي طبيعة عمله الاختلاط بالناس بشتَّى ألوانهم لا يكفيه العمل مع الآخرين بالعَدل أو بالمِثل. وإنَّما عليه أن يأخذ جانب الإحسان والسَّماحة؛ لأنَّه ليس من الحكمة ولا حتَّى في ميزان الرِّبح والخسارة أن تُعامِل النَّاس كمَا يُعاملونك أو يُبادرونك في بعض الأحيان بالأذية أو الإساءَة؛ لأنَّ كثيراً منهم جاهلٌ بالحقيقة، ونظراً لعدم معرفته بها ليس أكثر يكون سلوكه سلبياً.

في الوقت نفسه عندما أقول: "العَدلُ لا يكفي"؛ أتوجَّس من أن تَحمل هذه الكلمة مُخالفةً شرعية؛ إلَّا أنَّه لفَت انتباهي مُؤخَّراً أحد الأصدقاء من ذوي العِلم الشَّرعي بأنَّ هناك آيات عدَّة في القرآن الكريم تحث على السَّير قُدُماً بهذا السِّياق؛ بل إنَّ هنالك تفسيرات في بعض المواقف يتوجب علينا فيها الأخذ بالإحسان؛ حتى نُعرِض عن أذية الآخرين.

من هنا أودُّ أن ألفت انتباه العاملين بالشَّأن العام، وخصوصاً الذين يَرجُون وَجه الله تعالى بعملهم، أنَّ الإحسان في معاملة الآخرين واجبٌ عليهم، وليس اختياراً لهم، وأنَّ الإحسان إلى النَّاس سببٌ لـ كسب قلوب الناس وللفوز بأجور عظيمة عند الله تعالى، وهو أساس العلاقات الناجحة.

أنا أجد أنَّه قد يكون ذلك السلوك جزءاً هاماً من الصِّفات التي يتحلَّى بها هؤلاء دون غيرهم؛ ليكونوا مُؤثِّرين فعلاً في المحيط الذي يعملون به. كما أنَّ سلوك سبيل الإحسان إلى الآخرين مطلبٌ لعموم النَّاس، ولا يَقتصر ذلك على مَن هو في ذات الملة أو الدين، وإنَّما هو مطلوب مع عموم البشر.

وسلوك العدل يَصلُح فقط عندما يكون الإنسان الطَّرف الثَّالث القائم على الفَصل والحُكم بين طَرَفَين، وليس السلوك المطلوب إذا كان الإنسان أحد الأطراف. فالعدل مطلبٌ شرعي لكل قاضٍ، لكنَّه بالنِّسبة لك أيها الإنسان هو مطلبٌ شرعي تُتبِعُه بالإحسان لعباد الله جميعاً بما يلزمك؛ كالإنفاق تطوُّعاً، والعفو عمَّن ظلَمَك، وهكذا.

شاهد بالفيديو: مهارات التعامل مع الآخرين

كن إيجابياً ومتسامحاً:

من الأهميَّة ألَّا ترفع سقف توقُّعاتك الإيجابيَّة من الآخرين. وكن المُبادِر الإيجابي لتكون ضِمن منظومة المجتمع بخَيره وشَره. وتُصلِح ما أمكن. والتَّسامح تِجاه الآخرين قد يكون له ألم وَخز الإبرة للدواء الذي يعطيك الراحة والطمأنينة، وليكون دافعاً جديداً للاستمرار وللعطاء.

لقد رأيت أنَّه لكي ينهض المجتمع لا بُدَّ له من وجود المُبادِرين؛ إذ لا يمكن الاستمرار بدون التَّصالُح الذاتي، والقدرة على اتخاذ القرار المُتزن، ومُبادَرة الآخرين بسلامة الصَّدر.

إنَّ الحياة دوماً تحمل معها محطَّات فَرَح وسعادة، وكذلك تَحمل مطبَّات مؤلمة كثيرة، اجتماعية، وصحية، ومالية، ومهنية ... إلخ. ولكن ما كان مؤلماً اليوم سيكون غداً من الماضي. لذا عليك أن تُسلِّم الأمر لله في كل الأمور، وعليك أن تأخذ القرار من داخلك بأن تكون سعيداً، وتبحث عن طُرُق السَّعادة، وأهمها أن تساهم في إسعاد الآخرين. وتعمل على تنمية الجوانب الإيجابيَّة بين الناس، والخير موجود دوماً، ولكن يحتاج إلى مَن يُحفِّزه ويعمل على إظهاره وتفعيله.

وحبَّذا أن نتذكَّر حبَّة السُّكَّر دوماً في المقتبس التَّالي؛ يقول أحدهم: "وضعت السُّكَّر في الشَّاي ونسيتُ أن أُقلِّبه.. ورشفتُ رشفةً فكان طعمُهُ مُر، ولكنَّ مرارة الشَّاي لا تعني عدم وجود السُّكَّر فيه؛ لأنِّي بمجرَّد أن أقوم بتحريك الشَّاي ستظهر حـلاوته؛ فالسُّكَّر موجـود، ولكـنَّه يحتاج مَن يُحـرِّكه، وكـذلك الخـير والحُبَّ موجـود في نفـوس أغلب النَّاس، ولكـنَّه يحـتاج مَن يُحـرِّكه".

حَرِّكوا الخير والحُبَّ في نفوسكم.. ونفوس مَن حولكم، وستشعرون بحلاوة طَعم حياتكم وتكتشفون الخير فيما حولكم.

 ألَا ما أنبل قطعة السُّكَّر! ‏ أعطت الشَّاي ما لديها.. ثم اختفت..

هكذا أهل العطاء والمعروف كقطعة السُّكَّر حتى وإن اختفت تركت أثراً جميلاً.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات لتكوين موقف ذهني إيجابي

وأود هنا أن أذكر بعض الأمثلة:

لقد لاحظت في كثير من تفاصيل الحياة وفي بحثي عن أساس العلاقات الناجحة، كم من خلافات بسيطة وجانبية تحصل بين الأخوة أو الأخوات أو الأصدقاء وحتى بين الزوجين وكل منهم يأخذ موقف لأيام وربما لأشهر رغم المحبة والشوق ولكن المكابرة تمنع المبادرة للصفح والتسامح والعودة لحقل الود والسعادة وأخيراً تصبح من التاريخ ولكن بعد أن يكون قد فقد جزء هام من أيام أتعصر فيها الألم والحزن.

بالعودة لكل ما سبق وفي الحديث عن الفرق بين العدل والإحسان، نجد أنَّ العدل هام وأساسي في الحياة، إلا أنَّه يمكن للمرء أن يحقق العدل من اللجوء إلى الحدية التي فيه من خلال الإحسان والإيجابية في التعامل مع الآخرين، وامتلاك القدرة على التسامح مع الآخرين، وإنَّ النجاح في اتباع هذه الأساليب كفيلة بجعل الحياة أسهل وأنجح على مختلف الأصعدة.




مقالات مرتبطة