مواجهة خطر فيروس كورورنا بمسؤولية

في محادثةٍ حول وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الذي يجتاح العالم، يحكي مدرّب التنمية الشخصية "رودا إياندي" (Rudá Iandê) قصَّةً قرأها مؤخراً بالبرتغالية، من تأليف "جوستافو تاناكا" (Gustavo Tanaka). تتحدَّث القصة عن ثلاثة أصدقاءَ يبحرون معاً، كلٌّ منهم على متن مركبٍ شراعيٍّ خاصٍّ به. أحدهم متفائلٌ، والآخر متشائمٌ، والثالث واقعي.



وعند نقطةٍ ما، توقَّفت الرياح، ممَّا أوقف القوارب في مساراتها في عمق البحر.

توقَّف المتشائم على الفور، وبدأ بالبكاء، وأخذ يقول: "لقد انتهى الأمر، سأموت هنا"، وشيئاً فشيئاً، أسلَم نفسه إلى حتمية الموت.

أمَّا المتفائل، فلم يقلق أبداً، وقال لنفسه: "كلُّ شيءٍ على ما يرام، لا داعي للخوف، قريباً ستعود الريح وسنخرج من هنا".

أمَّا بالنسبة إلى الواقعي، فقد توقَّف وبدأ بمعاينة الموقف، وفكَّر مخاطِباً نفسه: "حسناً، في الواقع، الجوُّ ليس عاصفاً؛ وإذا استغرق الأمر وقتاً طويلاً بدون رياح، فسوف تنفد الإمدادات، ولن نصل إلى الساحل في الوقت المناسب". استغرق منه الأمر بضع لحظاتٍ للتأمُّل والتفكير، وعند إسكات أفكاره، لاحظ أنَّ هنالك تيَّاراً بحرياً يمرُّ عندما تهدأ الرياح، فوجَّه قاربه ببطءٍ إلى التيَّار، وباستخدام وزن القارب وحركة الأمواج الطفيفة، تمكَّن من إعادة قاربه إلى الشاطئ.

لا أعرف نهاية القصة، لكنَّني أتصوَّر أنَّها لم تكن مُرضيةً للمتشائم ولا للمتفائل.

تقويم المخاطر، والتصرُّف بضميرٍ حي:

إنَّ العبرة من القصة هي أنَّ كلَّ موقفٍ له مخاطر محتملةٌ، ويجب تقويم هذه المخاطر بضمير، ومسؤولية، وعزم. ونحن اليوم -في ظل أزمة كورونا- تقع على عاتقنا مسؤولية رعاية أنفسنا، ورعاية بعضنا بعضاً.

وهذا يعني ممارسة الرعاية الذاتيَّة والتباعد الاجتماعي، والقيام بما في وسعنا لوقف انتشار المرض، وكذلك الحرص على مشاركة أفكارنا وخططنا مع الآخرين.

ينتشر الخوف أسرع من الفيروس نفسه. لكن ومع ذلك، فنحن لا نريد تجاهل المخاوف التي نواجهها كما فعل المتفائل؛ ولا نريد أيضاً أن نخضع للخوف ونتركه ينتزع قوَّتنا، كما حدث للمتشائم. يمكننا أن نكون واقعيين، ونواجه مخاوفنا. يمكننا أن نُبقِي بعضنا على اطلاعٍ من خلال تبادل النصائح العمليَّة والواقعيَّة؛ لتجهيز مجتمعنا بشكلٍ أفضل لمواجهة التحديات المُقبلة.

كما يمكننا أن نُلهِم بعضنا بعضاً بقصصٍ عن أشخاصٍ يدعمون الآخرين -الأكثر عرضةً إلى الخطر- في مجتمعاتنا. والأهمُّ من ذلك، يمكننا أن نكون نحن من يدعم أولئك الذين هم في أمسِّ الحاجة إلى مساعدتنا.

إقرأ أيضاً: خرافات شائعة عن فيروس كورونا، وكشف السر حولها

لديك العديد من الخيارات للمساعدة:

لديك خيار البحث عبر الإنترنت بنشاطٍ عن المعلومات التي تساعدك على فهم الموقف بشكلٍ أفضل، حتَّى تتمكَّن من اتخاذ قراراتٍ واضحة. فعلى الرغم من أنَّ الإنترنت مليءٌ بالتقارير المثيرة للاهتمام، إلَّا أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي مصمَّمةٌ لإشعال الخوف فينا، وعندما نستمرُّ في البحث باستخدام وسائل التواصل هذه، فنحن ندعم إيرادات الناشرين والمنصات لا أكثر.

لكنَّنا لا نعتقد أنَّ الردَّ المناسب هو تجنُّب وسائل الإعلام تماماً؛ فشبكة الاتصال العالمية لدينا هي واحدةٌ من أكثر التقنيَّات تمكيناً للبشريَّة، وهناك مقالاتٌ هامَّة حقاً للقراءة، كتلك التي تساعدنا على فهم الأمور بموضوعيَّة.

حتَّى اليوم، كان هناك عشرات آلاف حالات الوفاء في جميع أنحاء العالم تُعزى إلى فيروس كورونا. وإنَّه لإنجازٌ حقيقيٌّ للبشرية أن يُوجَّه انتباه العالم إلى الفيروس في هذه المرحلة المبكِّرة نسبيَّاً، وعلينا أن نشكر شبكة الاتصالات العالمية -على الأقل لهذا الأمر- وأن نستخدمها لتوحيد ودعم بعضنا بعضاً.

لذلك، يُرجَى بذل قصارى جهدك لتكون مستهلِكاً مسؤولاً للمعلومات عبر الإنترنت. فلنساعد بعضنا بعضاً على أن نكون واقعيين مطَّلعين تماماً، ونجاهرَ بالتحديات التي نواجهها.

والأهمُّ من ذلك، علينا الاستمرار في مشاركة القصص الملهمة عن الأشخاص في مجتمعاتنا، والذين يتخذون إجراءاتٍ لمساعدة من هم في أمسِّ الحاجة إلينا، فالكثير منَّا أفرادٌ قادرون وأصِحَّاء، ويحتاج الأشخاص الضعفاء إلى دعمنا الآن أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.

إقرأ أيضاً: منحة كورونا

احتضان الخوف بوعيٍّ كامل:

كتب الفيلسوف برتراند راسل (Bertrand Russel) ذات مرّة: "يُحفِّز الخوف الجماعيُّ غريزة القطيع، ويميل إلى إحداث عنفٍ وقسوةٍ تجاه أولئك الذين لا يُعتبرون أعضاءً فيه"، وكتب أيضاً: "الخوف هو المصدر الرئيسُ للخرافة، وأحد المصادر الرئيسة للقسوة؛ والتغلُّب عليه بداية الحكمة".

الحقيقة: أنَّنا جميعاً جزءٌ من نفس القطيع العالمي، إذ إنّ الفيروس لا يفهم الحدود الوطنية، أو العرقية، أو المنظورات السياسية: إنَّه لا يهتمُّ لأيٍّ من هذه الأمور.

لذلك، يجب علينا الاستجابة للخوف من الوباء بالطريقة نفسها التي يستجيب بها الفيروس لنا؛ وذلك من خلال الاتحاد معاً، ورعاية كلِّ شخصٍ على هذه الأرض دون أيِّ تمييز.

يمكننا القيام بذلك من خلال مواجهة مخاوفنا بالوعي، والمسؤولية، والحزم.

يمكننا أن نخدم الآخرين عن طريق عزل أنفسنا، مع إبقاء التواصل مع الأشخاص الذين نحبُّهم لإظهار اهتمامنا.

علينا أن نتأكَّد أيضاً من أنَّ الأشخاص الأكبر سنَّاً، والأكثر ضعفاً في مجتمعاتنا؛ يُعتنَى بهم.

يمكننا أن نَعُدَّ الفيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأُخرى منصاتٍ ثوريَّةً صُمِّمَت لمواجهة مثل هذه الأوضاع؛ ويكون ذلك من خلال مشاركة المعلومات التي تساعد الناس في: مواجهة مخاوفهم، وبناء الواقع، واتخاذ إجراءاتٍ مسؤولة لمنع انتشار فيروس كورونا المستجدّ بأفضل ما لدينا.

 

المصدر




مقالات مرتبطة