من هم بطيئو التعلم؟

يمضي الإنسان حياته من المهد إلى اللحد في التعلُّم، فالتعلُّم هو السبيل لاكتساب الخبرات والمعارف والأفكار والاتجاهات والعواطف والعادات والتقاليد، وكذلك الاستراتيجيات والأساليب والطرائق وأنماط السلوك المختلفة المؤدية إلى بناء الشخصية والتكيُّف مع البيئة الاجتماعية المحيطة.



التعلُّم ينتج عن مواجهة الفرد لموقف معيَّن يتضمن وسائل وتقنيات معينة من أجل القيام بنشاط تعليمي محدد، وهو يحتاج إلى وجود الدوافع لدى المتعلِّم لتنشيط إمكانات المتعلِّم وقدراته ودفعه إلى اكتساب المراد من هذا التعلُّم، كما أنَّ التعلُّم لا يتم إلَّا من خلال اتِّباع عمليات التحليل والتركيب والمقارنة والتجريد والتعميم وغيرها من العمليات العقلية.

يُحكَم على التعلُّم من خلال ملاحظة الأداء الخارجي باستخدام مجموعة من المعايير مثل السرعة في تعلُّم المطلوب، والدقة والمهارة في القيام به بأقل عدد ممكن من الأخطاء، بالإضافة إلى عدد محاولات التعلُّم.

لا شك في أنَّ التعلُّم يواجه العديد من المشكلات؛ مثل التسرُّب المدرسي والتأخُّر الدراسي وصعوبات التعلُّم وبطء التعلُّم وغيرها من المشكلات التي تقف عائقاً أمام تحقيق التعليم لأهدافه، كما تشكل عقبة في سبيل تقدُّم التلاميذ الدراسي وتحصيلهم العلمي.

مفهوم بطء التعلُّم:

تُعَدُّ مشكلة بطء التعلُّم من المشكلات التي كانت وما تزال تشغل الدراسات التربوية والنفسية؛ فهي إحدى المشكلات التي يعاني منها المعلمون والآباء والتلاميذ على حد سواء؛ إذ تشكل نسبة لا يُستهان بها، فهُم يشكلون حوالي 10% من أيَّة مدرسة تقريباً؛ إذ يكون الطفل عاجزاً عن مواكبة زملائه في التعليم من ذوي المستوى العادي في الدراسة، ويصل به إلى انخفاض التحصيل الدراسي إلى دون المتوسط؛ مما يؤثر في احترام الطفل لنفسه ويزعزع ثقته بقدراته وإمكاناته.

هذا بدوره يؤدي إلى مشكلات تربوية أخرى خطيرة مثل السلوكات الاجتماعية غير المقبولة كالسلوك العدواني للتلميذ داخل الفصل الدراسي أو الهروب من المدرسة وتخريبها أو الغياب المتكرر والمستمر عن الدوام في المدرسة، وقد يصل الأمر إلى ترك التعليم كله والذي يُعرف بالتسرب المدرسي؛ بسبب اليأس الذي يتملكه من حالته عند مقارنة نفسه بزملائه.

والطفل بطيء التعلُّم لا يصل إلى مستوى التخلُّف العقلي؛ إذ تبلغ درجة ذكائه بين 70 إلى 85 مع تدنٍ واضح في التحصيل الدراسي؛ بمعنى أنَّ تحصيله الدراسي أقل من تحصيل الطفل في نفس عمره الزمني، فهو لا يستطيع الارتقاء إلى المستوى الذي يتطلبه الموقف التعليمي القائم بالطرائق التقليدية المتبعة في المدارس العادية.

بشكل عام يمكن القول إنَّ الطفل بطيء التعلُّم هو كل طفل لا يكون قادراً على مجاراة زملائه من نفس عمره الزمني في التحصيل الدراسي لأسباب مختلفة اجتماعية أو نفسية أو عقلية، فالطفل بطيء التعلم يسمى بهذا الاسم لأنَّه غير قادر على الاستفادة من برامج التعليم العام كما يجب ومن المعتاد أنَّ الطفل البطيء في مادة ما يكون بطيئاً كذلك في جميع المواد الأخرى، لكن يمكن في حالات خاصة أن يكون التلميذ بطيئاً في مادة بعينها ويسير بشكل متوسط أو أكثر من متوسط بباقي المواد.

يجب الانتباه إلى أنَّ الطفل بطيء التعلُّم هو طفل سوي في معظم جوانب نموه النفسي والعاطفي والبدني والحسي؛ إذ يتكيف مع محيطه وأقرانه بشكل جيد ولكنَّه غير سوي في قدرته على التعلُّم؛ إذ تنحصر معاناته في استيعاب المواد الدراسية التي تطرح في المناهج الدراسية، فيكون الطفل متأخراً في استجاباته عن باقي زملائه.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم

أسباب بطء التعلُّم:

يرتبط بطء التعلُّم بمجموعة من الأسباب يمكن تصنيفها ضمن ثلاث فئات هي:

1. الأسباب النفسية:

هي مجموعة الأسباب التي تؤثر في المزاج العام والانفعالات وحدتها وأنماط سلوك الطفل؛ مثل الخجل والعزلة والانطواء على الذات وتدنِّي ثقة التلميذ بنفسه وتشكُّل عقدة النقص لديه، بالإضافة إلى الشعور بالدونية، ويمكن إرجاع كافة الأسباب النفسية التي تقف خلف بطء التعلُّم إلى مواقف يتعرَّض لها الطفل وتؤثر بشكل كبير في نفسيته وتكوين شخصيته؛ مثل قسوة الوالدين الزائدة أو التدليل بشكل مبالغ فيه.

2. الأسباب الاجتماعية:

توجد مجموعة من الأسباب الاجتماعية التي تؤثر في شخصية الطفل وتحصيله الدراسي وتسبب له بطء التعلُّم؛ مثل حالات التفكك الأسري والمشكلات التي يعيشها الوالدان كالطلاق أو السفر أو موت أحد الوالدين أو كليهما، ويوجد أيضاً المستوى الاقتصادي للأسرة ومدى قدرتها على تلبية حاجات الطفل، كما يؤدي ضعف الرقابة الأسرية على سلوكات أبنائها إلى ارتكابهم العديد من الأشياء غير المقبولة اجتماعياً وغير السوية.

3. أسباب وراثية:

ترتبط الأسباب الوراثية بانخفاض القدرات العقلية؛ أي انخفاض مستوى الذكاء لدى الطفل أو الاضطرابات النمائية.

4. أسباب تعليمية:

ترتبط بالبيئة المدرسية بشكل مباشر؛ مثل عدم وجود المعلم المؤهل والمناسب وعدم مراعاته للفروقات الفردية بين التلاميذ؛ إذ يسير في الدرس بوتيرة واحدة عامة ويستخدم طرائق تدريسية وأساليب من نمط واحد لكافة التلاميذ، كما قد يميِّز بعض المعلمين بين التلاميذ في الفصل الدراسي الواحد بالشكل الذي قد يؤدي إلى إحباط الآخرين وفقدانهم الدافع للتعلُّم، ويُضاف إلى الأسباب المتعلقة بالمعلم عدم ملاءمة البرنامج التعليمي لحاجات التلاميذ ومواهبهم وغيرها من الأسباب.

إقرأ أيضاً: كيف تجد الحافز لتعلم أي شيء لست معتاداً عليه؟

5. الأسباب الفيزيائية في بيئة التعلُّم:

أي البيئة الصفية غير الملائمة؛ مثل سوء التهوية والبرودة الشديدة أو الحرارة المرتفعة، وبُعد المدرسة عن منزل الطفل واضطرار التلاميذ إلى السير لمسافات بعيدة يومياً، ووجود الأعداد الكبيرة من الطلاب في الفصل الواحد مما يعوق عملية التعلُّم.

أنواع بطء التعلُّم:

  1. بطء التعلُّم الوراثي: أساسه أسباب جينية وراثية مثل ضعف القدرات العقلية أو النمائية.
  2. بطء التعلُّم المكتسب: ومردَّه إلى الأسباب النفسية والاجتماعية والبيئية والتربوية والتعليمية.

خصائص الطفل بطيء التعلُّم:

1. الخصائص الجسمية:

يتميز الطفل بطيء التعلُّم بأنَّه أقل نمواً من أقرانه العاديين، كما يكون أثقل وزناً ويكون ضعيفاً في حواس الشم والسمع والبصر، كما بينت بعض الدراسات التي أُجريَت حول الحالة الجسمية لبطيء التعلُّم أنَّه يوجد حوالي 56% من مجموع تلاميذ بطيئي التعلُّم يعانون من حالات مرضيَّة مختلفة؛ مثل فقر الدم الحاد وعيوب خلقية وعيوب في الحواس مثل قصر البصر أو عيوب النطق، بالإضافة إلى ذلك فهُم يستغرقون وقتاً أطول في تعلُّم ما يتعلمه أقرانهم مثل المشي وتعلُّم الكلام.

2. الخصائص العقلية:

يتراوح ذكاء هذه الفئة بين حدود الذكاء الطبيعي وحدود التخلُّف العقلي؛ إذ أشارت معظم الدراسات إلى أنَّ نسبة ذكاء بطيء التعلُّم تقع بين 70 إلى 85 و90 درجة، كما يعاني من ضعف في التركيز والاحتفاظ بانتباهه لوقت طويل، بالإضافة إلى ضعف في الذاكرة والقدرة على التذكُّر، وضعف واضح في أساسيات التعليم كالقراءة والكتابة وكذلك في مهارات التفكير الاستنتاجي.

3. الخصائص الانفعالية:

يعاني الأفراد بطيئي التعلُّم من ضعف في الثقة بالنفس والتوتر والقلق المستمر وعدم الثبات الانفعالي والخجل والميل إلى العزلة والابتعاد عن أقرانهم.

4. الخصائص الاجتماعية:

يكوِّن الطفل بطيء التعلُّم صداقات اجتماعية ولكنَّها قصيرة نسبياً، فلا تدوم طويلاً، كما يلعب الطفل بطيء التعلم بشكل طبيعي إلَّا أنَّه في الغالب يفضِّل اللعب مع مَن هم أصغر منه سناً، ويتصرف تصرفات لا تناسب عمره الزمني؛ بل تناسب مَن هم أصغر منه، كما يواجه صعوبة في اتِّباع سلسلة من التوجيهات أو التعليمات المتتالية.

إقرأ أيضاً: التعلم الذاتي: مفهومه، وأهميته، واستراتيجياته، وطرق تطبيقه

كيف يجب التعامل مع الطفل بطيء التعلُّم؟

  1. تجزئة المادة العلمية ووضع أهداف بسيطة للطفل البطيء؛ إذ يستطيع إنجازها وتناسب قدراته دون أن يعاني ويفقد حماسته للتعلُّم.
  2. استخدام وسائل تعليمية وطرائق تدريسية خاصة به تساعده على الربط بين المعلومات.
  3. استخدام الأساليب التشجيعية في التعليم مثل التعزيز والمكافآت.
  4. عدم عزل الأطفال بطيئي التعلُّم بعيداً عن الأطفال العاديين؛ بل يجب السعي إلى دمجهم معاً؛ إذ يؤدي ذلك إلى زيادة ثقة الطفل بنفسه وتحسين حالته النفسية.
  5. تقديم معلم التربية الرياضية المساعدة للتلاميذ عبر ممارسة التمارين الرياضية التي تعزز النشاط البدني مع التركيز في التمارين التي تقوي العضلات.
  6. اهتمام الأسرة بالحالة الصحية للطفل من خلال التغذية الجيدة والرعاية النفسية المستمرة والحفاظ على نظافته وتأمين الجو الأسري المناسب بعيداً عن القسوة والتسلط، وكل ما يلزم لبناء شخصية الطفل وزيادة دافعيته للإنجاز والتحصيل الدراسي، بالإضافة إلى اتِّباع أساليب تدريسية معيَّنة معه في المنزل لمساعدته على اكتساب المعلومات المطلوبة وتذكرها، ويُضاف إلى ما سبق قيام الأسرة بتشجيع طفلهم للدخول في نشاطات لا تتعلق بالدراسة وتكون اجتماعية أو تعزيز ميوله إلى هواية يحبها ويفضلها ومساعدته على التقدُّم بها.
  7. إيجاد التعاون بين الأسرة والمدرسة لمتابعة أيَّة مشكلة تحدث والعمل على علاجها فوراً منعاً من تفاقمها واستفحالها.

شاهد بالفديو: 10 طرق لعلاج صعوبات التعلّم عند الطفل

 

في الختام:

توجد فئة من الطلاب يعانون من مشكلة بطء التعلُّم؛ إذ يجدون صعوبة في مجاراة أقرانهم، وتمثل هذه المشكلة عقبة في التحصيل الدراسي وتعوق تقدمهم المعرفي، وقد تصل بهم إلى الفشل الدراسي نظراً لإصابتهم بالإحباط وقلة ثقتهم بأنفسهم، ومع مرور الوقت تضعف إرادتهم ودافعيتهم للتعلُّم بسبب عجزهم عن اللحاق بزملائهم؛ لذا تقع على عاتق المعلِّم مسؤولية تحديد الطالب البطيء منذ بداية العام الدراسي وتخصيص برنامج خاص به لدعمه مع التأكيد على ضرورة دمجه مع الأفراد العاديين للتغلب على مشكلات سوء التكيف.

كما يجب على الإدارة المدرسية تأمين البيئة الصفية الملائمة والتعاون مع أسرة التلميذ في حل مشكلاته، فمساعدة التلميذ بطيء التعلم لتجاوزه مشكلاته والالتحاق بأقرانه هي مسؤولية جماعية يشترك فيها كل من المعلِّم والمدرسة والأسرة.

المصادر:

  • 1 
  • حمد بليه العجمي، أساليب التعليم المفضلة لدى طلبة بطء التعلم في المدارس المتوسطة بدولة الكويت ( دراسة وصفية مقارنة في بعض المتغيرات الديمغرافية ) ، مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد14 العدد 4 ، 2013.
  • بوبكر دبابي، مدى إدراك معلمي المرحلة الابتدائية لمفهوم بطء التعلم وما أهم الاستراتيجيات التي يتبعونها في التعامل مع أطفال هذه الفئة، جامعة ورقلة، الجزائر، 2020.



مقالات مرتبطة