من تجارب الحكم المحلي في اليابان

زرت اليابان في الفترة من 1/3/2005 ولغاية 11/3/2005، كنت في هذه الزيارة عضواً في وفد ضم كوادر من وزارة الحكم المحلي، وزارة التخطيط، وإتحاد الهيئات المحلية الفلسطينية. برنامج الزيارة صمم لمناقشة بعض قضايا الحكم المحلي، وطبيعة المساعدات الفنية، ونقل الخبرات، وذلك بهدف تصميم برنامج مساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية في مجال الحكم المحلي.



لقد اختار الوفد الفلسطيني مناقشة ثلاثة قضايا أساسية وهي: السياسات المالية المحلية (للهيئات المحلية) ومجالس الخدمات المشتركة كأحد أدوات الحكم المحلي في التغلب على مشكلات العدد الكبير للهيئات المحلية، والتدريب - تنمية الموارد البشرية. إخترت أن أكتب هذه المقالة عن مجلس الخدمات المشترك لتنمية الموارد البشرية لمحافظة سايتاما.

1- التحديات الخمسة أمام الحكم المحلي الياباني والتي أبرزت الحاجة إلى مجلس خدمات مشترك للتنمية البشرية:

1.عملية دمج المدن والقرى والأرياف:

الإهتمام بالموارد البشرية جزء أصيل من الفكر الإستراتيجي لدى المجتمع الياباني، فإنّ هذا الإهتمام أدّى إلى خلق مجتمع صناعي وإداري هام، حيث ظلّ الحكم المحلي الياباني يعاني من العدد الكبير للهيئات المحلية، حتى قرّرت الحكومة المركزية إعطاء مزيد من الصلاحيات للهيئات المحلية، ممّا هيئ مناخاً أكبر لعمليات دمج بين المدن والقرى والأرياف.

تقول محافظة سايتاما حول الدمج:

في ظلّ الظروف التي يتم فيه تقليص صلاحيات الحكومة المركزية، شحت موارد الهيئات المحلية، ممّا أوجب على المحافظة (وهي إطار عمل منتخب، يتم فيه إنتخاب المحافظ بشكل مباشر من المجتمع المحلي للمحافظة بكافة تجمعاته السكانية، وإنتخاب مجلس المحافظة) أن تقوم بتمويل ذاتها، حتى تتمكّن من توفير التمويل اللازم لمشاريع البنية التحتية، والمشاريع التنموية، والمشاريع الإقتصادية في الوقت الراهن فإنّ المدن والقرى والأرياف تعاني من ضائقة مالية، وعليها ترشيد الإنفاق في العديد من المجالات، حتى تستطيع التغلّب على المشكلة المالية، وذلك من خلال اللجوء إلى المعلومات المتخصصة، والقدرة على التنظيم الجيد من قبل المسؤولين القائمين على إدارة شؤون الهيئات المحلية والمحافظة.

إقرأ أيضاً: إدارة الموارد البشرية فى ظل مفهوم إدارة الجودة الشاملة

2. تطوير لامركزية الحكم المحلي:

إنّ تطوير اللامركزية ونقل صلاحيات أكبر من الحكومة المركزية إلى الهيئات المحلية، يهدف إلى خلق علاقة جديدة بين الدولة والهيئة المحلية، أساسها التعاون والإحترام المتبادل، وخلق مجتمع شديد الحساسية لمسؤولياته تجاه كل من الهيئة المحلية والحكومة المركزية.

إنّ تطوير اللامركزية للحكم المحلي في اليابان يمتد في المجالات التي تقرّر فيها الهيئة المحلية القيام بالأنشطة أو الوظائف التي تستطيع القيام بها بشكل مستقل، مع الأخذ بعين الإعتبار المسؤولية والمراقبة لأي نشاط أو وظائف تستطيع أن تقوم بها، إن هذه الطريقة بنقل الصلاحيات، تتطلّب أن يكون لدى الهيئة المحلية، القدرة على إتخاذ القرار، والمحاسبة، والرقابة، وكذلك أن يتمتع الموظفين في الهيئة المحلية بأكبر قدر من المعرفة والمهارة بما في ذلك التخطيط، ورسم السياسات، والعمل القانوني، والقدرة على التفاوض والقدرة على الشرح والتفسير من أجل القيام بمسؤولية إتخاذ القرارات.

3. تمويل الهيئات المحلية:

تقول محافظة سايتاما، إنّ تمويل الهيئة المحلية يبقى في حالة من الضمور نتيجة الركود الإقتصادي، وزيادة خدمة الدين العام، وإتجاه الدولة إلى إلغاء أو تقليص الدعم بالنسبة للهيئات المحلية، إن عائدات الحكومة المركزية من الضرائب المرصودة إلى الهيئات المحلية، تتم مراجعتها بشكل دقيق، كما يتم تحويل جمع أنواع من الضرائب إلى الهيئات المحلية وذلك بعد كل مراجعة.

وحتى تتمكن من القيام بجمع الضرائب، فهي ملزمة بمراجعة الإنفاق السنوي وتقليصه، والإتجاه نحو تمويل ذاتها بشكل مستقل.

إنّ زيادة صلاحيات الهيئات المحلية، والإتجاه نحو تخفيض النفقات بما فيها تقليص عدد الموظفين نتيجة للإصلاحات الهيكلية التي تقوم بها الهيئات المخلية، أدى إلى الحاجة إلى وجود موظفين على درجة عالية من المهارة والمعرفة، وإستعداد أكبر لدى هؤلاء الموظفين للعمل ساعات طويلة متحملين ضغط العمل.

4. الإهتمام بحاجات المجتمع المحلي:

أدّى الإتجاه نحو نقل مزيد من صلاحيات الحكومة المركزية إلى الهيئة المحلية، إلى مسؤوليات أكبر على الهيئات المحلية في مجالات السياسة، وبناء أسس حياتية تثير إرتياح المواطنين، في مجال الرعاية الصحية والإجتماعية، وتوفير الدواء، وتطوير المدن الآمنة المراعية للشروط البيئية، ودعم الصناعة المحلية، والنشاطات الإقتصادية وكذلك إستيعاب المتغيرات على مفاهيم المواطنين، وأن تسعى إلى بناء مناطق تثير إرتياح المواطنين.

أوجبت الصلاحيات المنقولة مسؤوليات جديدة، والمسؤوليات الجديدة تتطلب موظفين لديهم القدرة والمهارة والمعرفة اللازمة لتفهم إحتياجات المواطنين، وأن يكون لديهم إلمام عميق بالمشكلات التي يواجهونها وقدرة على معالجتها، وأن يواجهوها بدرجة عالية من المسؤولية والإستعداد وللمسائلة.

5. التعاون مع المواطنين:

نتيجة لتنوّع إحتياجات المجتمع المحلي بعد نقل مزيد من الصلاحيات للهيئة المحلية، فإنّ الهيئة المحلية غير قادرة بمفردها على تلبية كل الإحتياجات، ولذلك فإنّ التعاون مع المواطن أمر في غاية الأهمية، ولا مفر منه لأي هيئة محلية تريد أن تقوم بواجباتها بشكل متميز.

تقول محافظة سايتاما، مؤخراً قام المواطنين والمنظمات التطوعية بتبني برنامج إجتماعي شامل في عدد من المجالات، كما قاموا بلعب دور فاعل في دعم الهيئة المحلية، كونها قائداً جديداً، تقوم بخدمة المجتمع المحلي، حيث أن دعم الهيئة المحلية يزيد من المنفعة والخير العام.

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب التخطيط في الموارد البشريّة

2- ملخص التحديات الخمسة أمام الهيئات المحلية في محافظة سايتاما:

إنّ عملية دمج المدن والقرى والأرياف، وتطوير لامركزية الحكم المحلي وتمويل الهيئات المحلية، والإهتمام بحاجات المجتمع، والتعاون مع المواطنين، بحاجة إلى كوادر بشرية قادرة على مواجهة التحديات الخمسة.

تعتبر عمليات التدريب أو تنمية الموارد البشرية، من أكثر العمليات إستنزافاً للموارد المالية، والنتائج العائدة على هذا الإنفاق لا ترى بالعين المباشرة في مدى زمني قصير، ولكن يبقى الإستثمار بالموارد البشرية من أهم أنواع الإستثمار على المدى المتوسط والبعيد. 

3- مجلس الخدمات المشترك لتنمية الموارد البشرية – سايتاما:

1. الأهداف والتكوين:

يهدف هذا المجلس إلى تدريب موظفي الهيئات المحلية في محافظة سايتاما، وذلك من أجل رفع قدراتهم ومعارفهم، ومهاراتهم لمواجهة التحديات الخمسة السابقة الذكر، وذلك بأقل تكلفة ممكنة، كما يهدف إلى تبادل الخبرات والتجارب والموظفين ما بين المدن والقرى والأرياف في محافظة سايتاما.

إستمرت المناقشات والمداولات لإخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود حوالي 8 سنوات، تمت مناقشته في مجلس المحافظة وكذلك في جميع مجالس الهيئات المحلية في نفس المحافظة. وقدمت المحافظة طلباً للمصادقة عليه إلى وزير الداخلية في 14/3/1999 وبدأ العمل به بتاريخ 2/8/1999.

2. الوظائف:

أثناء زيارتنا للمركز أجاب موظفو المركز على سؤالنا ما هي وظائف هذا المجلس؟ فأجابوا:

إنّنا نقوم بتدريب موظفي حكومة المحافظة وموظفي البلديات وكذلك إجراء البحث السياسي في جهاز الحكم المحلي ومركز تنمية الموارد البشرية.

بعد مراجعة الوثائق التي حصلنا عليها من مضيفتنا يمكن توضيح الوظائف على النحو التالي:

أ. تدريب موظفي حكومة المحافظة:

تقول الوثائق، إنّنا نقوم بإعداد دورة تدريبية للموظفين تؤهلهم التأهيل اللازم للتعاطي مع المتغيرات التي قد تحدث وفقاً للسياسات الأساسية لتدريب موظفي حكومة المحافظة.

ب. تدريب موظفي البلديات:

إنّنا نقدم فرص تدريب متعدّدة، يمكن الإختيار منها بشكل مستقل وفقاً لتطوير الموارد البشرية للمدن والقرى والأرياف من أجل تطوير تلك القدرات.

ج. تدريب مشترك:

وهذا من وجهة نظري هام جداً، تقول الوثائق، أنّنا نقوم بتوسيع المفاهيم، وبناء شبكة بشرية وإصلاح الوعي من خلال إجراء بحوث مشتركة ومداولات مع موظفي حكومة المحافظة والبلديات.

د. بحث في السياسات:

إنّنا ندعم البحث حول سياسة جهات الحكم المحلي وفي ذات الوقت نشارك في المشاريع التي تهدف إلى تعزيز قدرات الموظفين.

3. مشروع تبادل الموظفين:

إنّنا نروج لتبادل الموظفين ما بين المدن والقرى والأرياف، وكذلك نقوم بإيفاد موظفي البلديات إلى الشركات الخاصة والكليات الجامعية، إنّنا نقوم بدعم نظام الإنفاق بالنسبة إلى تبادل الموظفين وإرسالهم في بعثات إلى الشركات الخاصة والكليات الجامعية.

4. تأمين الموارد البشرية:

إنّ تأمين الموارد البشرية لمجلس خدمات سايتاما لتنمية الموارد البشرية يعتمد على أربعة أركان:

الركن الأول: تطوير المشاريع الهادفة إلى توظيف المهندسين أو الفنيين الذين يصعب توظيفهم أو إستخدامهم بشكل مستقل من قبل المحافظة، وتطوير العديد من الموارد البشرية المشرفة على المدن والقرى والأرياف في عصر الحكومة اللامركزية.

الركن الثاني: العمل الذي يضم موظفي المحافظة.

الركن الثالث: مؤتمر حول توظيف المهندسين والفنيين، يعقد مؤتمراً سنوياً للموظفين الذين سيتم تعيينهم في البلديات، يتم خلاله تقديم المعلومات حول طبيعة عمل البلديات والمحافظة، وإستعراض مهارات الراغبين في العمل بالبلديات والمحافظة.

الركن الرابع: نشر فرص العمل، حيث يقوم المجلس بنشر فرص العمل مع متطلباته في المحالات التجارية وصفحات الإنترنت، وكذلك عرض برامج التوظيف في المدن والقرى والأرياف، مع شرح طبيعة العمل الذي يقوم به كبار الموظفين، وعرض صورة واضحة عن الحياة العملية بعد التوظيف. 

إقرأ أيضاً: التنمية البشرية: مفهومها، أهدافها، مقوّماتها، ومعوقاتها

5. الهيكل التنظيمي للمجلس:

رئيس المجلس: ويرتبط به من خلال الخط الإستشاري مؤتمر المجلس الموسع، حيث يتكون هذا المجلس من أعضاء يتم إنتخابهم من البلديات والمحافظة وفق نظام خاص، وكذلك يكون رئيس المجلس منتخب من مؤتمر المجلس الموسع.

يرتبط بالرئيس مستشار: خط السلطة يتفرع منه ثلاثة صناديق على خط المساعدين الأول نائب الرئيس، الثاني اللجنة الإدارية، الثالث المحاسب العام، أمّا خط السلطة فهو على النحو التالي:

1) صندوق تنمية الموارد البشرية وتحته ثلاثة صناديق:

  • قاعة مؤتمر الحكومة المركزية، مسؤول عن أسلوب تنظيم التدريب الرسمي.
  • قسم البحث السياسي، مسؤول عن البحث السياسي.
  • قسم التدريب، 1- مسؤول عن التدريب الرسمي لحكومة المحافظة 2- مسؤول عن التدريب الرسمي للبلديات.

2) المكتب الرئيس:

أ. قسم إدارة التخطيط ب. قسم التأمين والتبادل.

على اللوحة الرئيسية للهيكل التنظيمي تظهر بشكل مستقل لجنة الإنتخابات الخاصة بمجلس الخدمات المشترك للتنمية البشرية.

6. إتفاقية إنشاء المجلس:

تتكوّن إتفاقية إنشاء المجلس من 19 مادة إضافة إلى ملاحق عديدة، المواد هي:

  1. إسم المجلس.
  2. تكوين المجلس.
  3. منطقة عمل المجلس.
  4. المهام التي يجب أن ينفذها المجلس.
  5. وحدات العمل في المجلس.
  6. موقع المكتب الرئيسي للمجلس.
  7. تنظيم مؤتمر المجلس الموسع.
  8. طريقة إنتخاب عضو المؤتمر الموسع للمجلس.
  9. فترة عمل عضو المؤتمر الموسع للمجلس.
  10. رئيس ونائب رئيس المؤتمر الموسع للمجلس.
  11. رئيس المجلس ونائبه.
  12. طريقة إنتخاب رئيس المجلس.
  13. فترة عمل رئيس المجلس.
  14. المساعدين.
  15. هيئة الإنتخابات.
  16. لجنة العدالة (القانونية).
  17. لجنة المراجعة.
  18. الأمور المالية.
  19. الأحكام.

7. توزيع الأعباء المالية للمجلس:

  1. تكاليف نفقات المجلس والنفقات العامة، المحافظة نصف التكاليف المدن والقرى والأرياف تتحمل النصف وتوزعها بالتساوي.
  2. تكلفة المشاريع: مشروع تنمية الموارد البشرية، المحافظة تتحمل تكلفة تدريب موظفيها، أما الباقي فكل هيئة تتحمل تكاليف تدريب موظفيها.
  3. مشروع تبادل الموارد البشرية ومشروع تأمين الموارد البشرية، تتحمل المدن والقرى والأرياف النسب بشكل متساوي.
إقرأ أيضاً: 5 قواعد صارمة تفرضها الشركات تدفع الموظفين إلى الجنون!

وأخيراً:

لقد كانت زيارتنا إلى اليابان فرصة للتعلم بالمشاهدة، وتبادل الخبرات مع مضيفينا اليابانيين، إنّني أنقل للمهتمين بهذا المجال ما تعلمته وشاهدته آملاً أن يكون مفيداً.

كما آمل أن تكون هذه المقالة شكلاً من أشكال التعبير عن الإمتنان والتقدير للجهود التي بذلتها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي JICA لإنجاح زيارتنا. وكذلك للحكومة والشعب الياباني الصديقة.

كما آمل أن تتقبلها السيدة أو الآنسة ماييدا التي نسقت برنامج زيارتنا، وأشرفت على تنفيذه، ورافقتنا في جميع جولاتنا.

 

المرجع: محمد القاروط (أبو رحمه) مستشار الوزارة للتنمية الإدارية




مقالات مرتبطة