مقاومة التغيير في المؤسسة: كيف يتعامل معها القائد؟

عِشْ معيَ -فضلاً- التغييرات في هذه القصص القصيرة جداً:



  • تقبَّلتْ مريم طعم القهوة الجديدة التي بدأت المؤسسة تعميمها في المكاتب بسرعةٍ مذهلة.
  • يشعر سامي بالإثارة حيال استخدام برنامج إدارة المشاريع الجديد، والذي يختلف كليَّاً عن البرنامج السابق.
  • يتقبَّل فريق المبيعات التغييرات الجذرية في طرائق الترويج التي فرضها الرئيس الجديد دون تردُّد.
  • تُرحِّب إدارة العمليات بتغيير الإجراءات التي قدَّمتها المؤسسة الاستشارية بعد مراجعة ممارساتٍ متأصلةٍ في العمليات تعود إلى اثنتي عشرة سنة.

يبدو التغيير في القصص السابقة سلِساً ومتقبَّلاً من الجميع؛ ولكن، هل تبدو هذه الممارسات مألوفةً وواقعيةً وحقيقية؟ لا، إذ يُقابِل الناس التغيير بالمقاومة عادةً، ونادراً ما يقبلونه بسهولة؛ ذلك لأنَّ مقاومة التغيير غريزةٌ بشريةٌ طبيعية.

هذا ما يخلق مشكلةً خطيرةً للشركات في عالم اليوم، فالتغيير هامٌّ للنجاح، ولا يمكن للمؤسسات البقاء على قيد الحياة إذا كانت بطيئةً في الابتكار، ومفتقرةً إلى رشاقة الأعمال.

تعني الحقيقة السابقة أنَّ الكثير من الناس يمرُّون بالكثير من التغيير في مختلف مراحل حياتهم، وأنَّ قياداتهم يجب أن يعوا هذا المفهوم.

ما هي التحديات؟

تفشل 60-70٪ من مشاريع المؤسسات في التغيير المؤسسي، وفقاً لشركة ديلويت (Deloitte)؛ ومن الأسباب الرئيسة التي تقود إلى الفشل بحسب هذه الدراسة: سخرية الموظفين، أو عدم تقبُّلهم للتغيير، وسلوكات الإدارة ذات النتائج العكسية.

ما يُخبِرنا به هذا بشكلٍ أساسي: حاجة إدارة التغيير الفعَّالة إلى عمل الشركة أو المؤسسة بأكملها في الاتجاه نفسه، والعمل معاً لإحداث تغييرٍ فعَّالٍ ومستدام.

قد يقاوم الموظَّفون المنجِزون والمتميِّزون التغيير أيضاً، إذ قد يخافون من فكرة أنَّ التغيير سيجعل دورهم فائضاً، أو يقلِّل من مسؤولياتهم (كما هو الحال مع العديد من مبادرات الذكاء الاصطناعي).

ما يحتاج الموظفون إلى فهمه هو أنَّ العديد من التغييرات التكنولوجية ستعزِّز عملهم وتحسِّنه، وستوفِّر عمليات الأتمتة (Automation) وقتاً ثميناً للتركيز على المهام الأكثر أهمية، وستقلِّل الأخطاء البشرية.

يتطلَّب التغيير توجيه الوقت والمال وعموم موارد الشركة في اتجاهها الصحيح، وهذا ما يراه الموظَّفون توجُّهاً سلبياً؛ لأنَّه يعني سحب الموارد من توجهات ومصالح العمل الحالية، وتوجيهها إلى اتجاهاتٍ جديدةٍ غير مضمونة النتائج؛ ممَّا يقودنا إلى مجموعةٍ من الأسئلة الهامَّة حول مقاومة التغيير، منها:

  • لماذا يقاوم الموظفون التغيير؟
  • مَن المقاومون للتغيير عادةً؟
  • وكيف ندرك أنَّ هناك مقاومةً للتغيير؟.

كيفية تحديد مقاومة التغيير:

لنبدأ بالسؤال الأول:

1. لماذا يقاوم الموظَّفون التغيير؟

السبب الأول -وربَّما الأكثر وضوحاً- هو أنَّ الناس يخافون من المجهول، وعادةً ما يترافق التغيير لديهم مع الشكِّ وعدم اليقين، وهذا ردُّ فعلٍ بشريٍّ طبيعيٍّ خارج مكان العمل؛ ولكن داخل المنظمة، يمكن أن يعني الخوف من المجهول غياب الأمان الوظيفي، وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل؛ كما سيجد الموظَّفون الذين لا يفهمون سبب التغيير ومداه، التغييرَ شكلاً من أشكال التهديد لأمنهم الوظيفي، وبالتالي سيقاومونه.

تذكَّر أنَّ الناس -عموماً- يفضِّلون الاستمرار في أداء العمل كما كانوا يفعلون دائماً، وبالطريقة ذاتها؛ فعندما يحدث التغيير، سيؤدِّي إلى تغييراتٍ في واجبات المسؤول وسلطاته ونفوذه، ممَّا سيدفع الأشخاص الذين تؤثِّر فيهم هذه التغييرات بشكلٍ سلبيٍّ إلى المقاومة دائماً.

هناك قاعدةٌ هامَّةٌ جداً، وهي أنَّ الأشخاص الذين يصرُّون على الحفاظ على العادات بدلاً من المخاطرة والقيام بأشياء جديدة، سيقاومون التغييرات باستمرار. إضافةً إلى ذلك، سيجذب الشعور بفقدان السيطرة المقاومةَ بين الموظَّفين؛ فإذا شعروا أنَّ التغييرات تُجرَى عليهم رغماً عنهم ولا يدَ لهم فيها، فسيقاومونها.

سيشجِّع التأكُّد من وجود تواصل ثنائي الاتجاه بين القادة والموظفين، على الشعور بالمشاركة والمُلكية (Buy-in)، وسيجعلهم يدركون أنَّ آراءهم هامَّةٌ للجانب الآخر (القادة)؛ في حين سيؤدِّي ضعف التواصل إلى مقاومة التغيير، فإذا لم يشعر الموظفون بأنَّهم جزءٌ من عملية التغيير، وازداد شعورهم بأنَّه جرى تجاهلهم وأنَّهم لن يكونوا جزءاً من مشروع التغيير الذي تعمل عليه مؤسَّستهم؛ فسيقاومون التغيير ويصبحون غير مبالين به.

خَلَص المؤلفان "جون بي كوتر" و"ليونارد أ. شليسنجر" (John P. Kotter and Leonard A. Schlesinger) في عملهم على مقاومة التغيير إلى أنَّ هناك أربع حالاتٍ شائعةٍ تزدهر فيها مقاومة الناس للتغيير، وهي:

1. 1. المصلحة الذاتية:

عندما يعتقد شخصٌ ما أنَّه قد يفقد شيئاً ذا قيمةٍ نتيجة التغيير، فمن المرجَّح أن يقاومه.

يركِّز الناس على مصالحهم الذاتية، ويبدؤون تفقُّدْ أجندتها الخاصة -لكلِّ صاحب مصلحةٍ أجندته الخاصة- وليس المصالح العليا للمنظمة؛ ليتطوَّر هذا في النهاية إلى مقاومةٍ جماعيةٍ للتغيير.

على سبيل المثال: إذا صُمِّمَ نظامٌ جديدٌ لتسليم التقارير نتيجةً للتغيير في المؤسسة، فقد يفقد الموظف على إثره علاقته المباشرة مع رئيسه، فيشعر أنَّ صوته لم يعد مسموعاً حينئذٍ؛ وسيبذل جهده للوصول إلى أسباب عدم نجاح الطريقة الجديدة لفعل الأشياء، وسيَلُوم التغيير الحادث عند وقوع أخطاء صغيرة، أو حدوث فترة توقُّفٍ أو تأخيرٍ عن العمل.

1. 2. سوء الفهم وانعدام الثقة:

إنَّ الافتقار إلى فهم آثار التغيير محركٌ لمقاومته أيضاً، حيث يؤدِّي افتقار الثقة بين القائد الذي يقود التغيير، والموظَّفين المتوقَّع تنفيذهم إيَّاه إلى تفاقم سوء الفهم هذا.

على سبيل المثال: إذا اعتقد فنيُّ السيارات أنَّ التكنولوجيا الجديدة التي يُطلَب منه استخدامها ستقلِّل من الوقت المستغرق في أداء المَهمَّة؛ فقد يعتقد أنَّ وظيفته مهددة، أو أنَّه سيفقد أجور الوقت الإضافي في العمل، وسيعاني من انخفاض دخله الشهري؛ وذلك بغضِّ النظر عمَّا يقوله المدير.

الثقة أمرٌ حاسمٌ عند إجراء التغيير التنظيمي.

1. 3. سوء تقييم التغيير:

ينشأ هذا الموقف عندما يقيِّم الأشخاص تأثيرات التحوُّل بشكلٍ مختلفٍ عن قياداتهم، أو الآخرين الذين يبدؤون التغيير.

على سبيل المثال: أن يكون للمدير الذي بدأ التغيير حقُّ الوصول إلى التقارير التفصيلية التي يقدِّمها الموظفون إلى مشرفهم المباشر. قد ترى الإدارة أنَّ ذلك يعزِّز الشفافية في العمل، ويسهِّل تحليل البيانات بشكلٍ أفضل؛ بينما يرى الموظَّفون أنَّ هذا نوعٌ من التدخُّل غير الضروري في عمل مشرفهم المباشر، وتشكيكٌ في التقارير التفصيلية التي يقدِّمونها، بل ويقلِّل من دور المشرف ويضعه في موضع الشكِّ من قِبل الإدارة.

1. 4. عدم القدرة على تحمُّل التغيير:

يخشى بعض الناس التغيير لأنَّهم قلقون من أنَّهم لا يستطيعون تطوير المهارات والقدرات اللازمة لمواكبته، وينطبق هذا بشكلٍ خاصٍّ على المشاريع التي تتطلَّب تغييراً سريعاً، فكلَّما كان التغيير أكبر وأسرع، كان من الصعب على الناس التصالح معه.

يرتبط التغيير -عموماً- بالصفات الشخصية بطريقةٍ ما؛ ففي كتاب "تخطيط التغيير" (The Planning of Change)، يناقش المؤلِّفون "وارن بينيس، وكينيث دي بين، وروبرت تشين" كيف تؤثِّر الشخصية في قدرة الفرد على التأقلُّم مع التغيير.

إقرأ أيضاً: نموذج جون كوتر للتغيير المؤسسي

2. مَن يقاوم التغيير عادةً؟

في حين يوجد اعتقادٌ خاطئ بأنَّ التغيير يؤثِّر فقط في الموظفين في المستويات الدنيا، مثل: القيادة الوسطى فما دونها، إلاَّ أنَّ الأمر ليس كذلك؛ حيث يؤثِّر التغيير في الجميع، بدءاً من فئة الياقة الزرقاء (الطبقة العاملة)، إلى الموظفين ذوي الياقة البيضاء (الموظفون في المكاتب)، إلى الإدارة العليا.

بالإضافة إلى ذلك، نودُّ أن نؤكِّد هنا على نقطةٍ هامَّةٍ تتعلَّق بالذكاء، وهي: لا علاقة لمقاومة التغيير بالذكاء، فحتَّى أذكى الموظفين ليسوا محصَّنين ضد مقاومة التغيير.

3. كيف ندرك أنَّ هناك مقاومةً للتغيير؟

أودُّ صياغة السؤال بطريقةٍ أخرى: ما هي علامات مقاومة التغيير في المؤسسات؟ وكيف تحدِّد مقاومة التغيير؟

يمكن أن تظهر مقاومة التغيير بعدة طرائق، إذ يمكن أن تكون على هيئة: تحديد مواعيد نهائيةٍ خاطئة وغير واقعية، وفشل في الوفاء بالالتزامات المطلوبة، وغياب عن الاجتماعات الهامَّة أو طلب تأجيلها، أو حضور دون المستوى.

يعدُّ الشعور العامُّ باللامبالاة من أهمِّ المؤشرات التي تدلُّ على أنَّ الموظفين لا يرغبون في إنجاح التغيير.

كما يمكن أن تقدِّم مقاومة التغيير نفسها بطرائق أكثر وضوحاً، فمثلاً: عند حدوث التغيير، انتبه إلى المزاج العامِّ للموظفين، سواءً أكان هناك مزيدٌ من النميمة والإشاعات، أم إذا كانوا يستجيبون للطلبات بطريقةٍ تملؤها السخرية أو المخادعة أو الاستهتار.

قد يكون هناك في بعض الحالات فردٌ منتخَبٌ من قبل الموظفين للتحدُّث ضد التغيير، وقد يكون هذا بهيئة اتحادٍ رسميٍّ أو مجرَّد مجموعةٍ من الأفراد الذين يشاركون المشاعر نفسها تجاه التغيير، ويرون أنَّ هناك قوَّةً في المجموع.

تعدُّ كلُّ الأشكال السابقة للمقاومة سلبية؛ ويحتاج القائد إلى تعاون الجميع لتحقيق التغيير على المستويات كافة؛ فعندما يصل الفهم الصحيح عن عملية التغيير بشكلٍ فعَّال، ويدرك الموظفون أسباب حدوث التغيير، إضافةً إلى معرفتهم كيف سيحسِّن التغيير حياتهم اليومية؛ لن يشعروا بالحاجة إلى مقاومته.

لفهمٍ أعمق لهذه المقاومة، دعونا ننظر إلى مجموعةٍ من الأسباب الخفية، والتي تختلف عادةً من مؤسَّسةٍ إلى أخرى، أو من فردٍ إلى آخر.

قد تكون مقاومة التغيير من الأنواع الثلاثة الآتية:

3. 1. المقاومة المنطقية (Logical resistance):

ينشأ هذا النوع من المقاومة بشكلٍ أساسيٍّ من الوقت الذي يستغرقه الأشخاص للتكيُّف والتأقلُّم مع التغييرات. على سبيل المثال: عندما أصبحت أجهزة الكمبيوتر شائعة، كان على المحاسبين التحوُّل من المحاسبة اليدوية إلى المحاسبة الرقمية. لقد تطلَّب -هذا بطبيعة الحال- بعض الوقت للتكيُّف معه. مثالٌ آخر: الانتقال والجدل حول الصحافة الرقمية، مقابل الصحافة الورقية التي سادت لعقودٍ عدّة.

3. 2. المقاومة النفسية (Psychological resistance):

تحدث المقاومة بسبب عوامل نفسيةٍ وعقلية، فغالباً ما يقاوم الأفراد التغييرات لأسبابٍ مثل: الخوف من المجهول، وقلَّة القدرة على التأقلم مع التغيير، وسوء العلاقة مع الإدارة؛ والتي تؤدِّي إلى عدم التقبُّلْ، وما إلى ذلك. على سبيل المثال: عند انتقال موظفٍ من إدارةٍ إلى إدارةٍ أخرى، أو من مجال عملٍ إلى آخر، فيشعر بالقلق وعدم التقبُّل، وتتكوَّن في عقله مجموعةٌ من العقبات التي قد لا تكون حقيقيةً أو واقعية.

3. 3. المقاومة الاجتماعية (Sociological resistance):

لا تتعلَّق هذه المقاومة بالأفراد، وإنَّما بالقيم والعادات المشتركة للمجموعات.

قد يكون الأفراد على استعدادٍ للتغيير؛ ولكن لا يتحقَّق ذلك بسبب ضغط الأقران من المجموعة التي ينتمون إليها، وهذا ما يسمى (العقل الجمعي). على سبيل المثال: إذا احتجَّت نقابة العمَّال على سياسات الإدارة الجديدة، فسيواجه جميع العمَّال ضغطاً للاحتجاج معاً؛ وإذا قاد بعض المؤثرين في المؤسسة مقاومةً للتغيير، فقد ينساق بقية الموظفين إلى ذلك تحت ضغط الجماعة وسطوتها، والخوف من التغريد خارج السرب.

لعلَّ القائد يبحث الآن عن استراتيجياتٍ ذكيةٍ للتغلُّب على مقاومة التغيير، وإدارتها بهدوءٍ وحكمة؛ لذا إليكَ أيُّها القائد 6 استراتيجياتٍ أساسيةً للتغلُّب عليها:

6 استراتيجياتٍ للتغلُّب على مقاومة التغيير:

عند النظر في استراتيجيات وتقنيات الحدِّ من مقاومة التغيير، سنجد أنَّ هناك ستة مجالاتٍ واسعةٍ يجب أن تعمل فيها المنظمَّات والقيادات:

1. التواصل والتثقيف:

تحدثنا سابقاً أنَّ المقاومة النفسية أو العقلية تنتج عن الخوف من المجهول وقلَّة القدرة على التأقلم، والتي ترجع أساساً إلى سوء فهم أسباب التغيير؛ لذا لن يقتنع الناس بالتغيير إلَّا إذا اعتقدوا أنَّ خطر عدم فعل أيِّ شيءٍ أعلى من خطر تغيير التوجُّه. وبالمثل، إذا لم يفهم الأشخاص سبب الحاجة إلى التغيير، فسوف يسألون لماذا يغيِّرون شيئاً يعتقدون أنَّه يعمل جيداً.

تذكَّر المقولة النفسية والقاعدة الذهبية: "الإنسان عدو ما يجهل" (تنسب للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه)؛ لذا فالخطوة الأولى هي خطوة تواصلٍ وتثقيف وتعليم.

يجب أن يبدأ التواصل والتثقيف بشأن التغيير قبل بدئه، ويجرى تمهيد مناسب له؛ حيث سيساعد ذلك موظفيك على ترشيد التغيير، وضمان حصول الأفراد والفرق على المعلومات الكافية لإصدار أحكامٍ إيجابية، والمشاركة الفعَّالة.

2. المشاركة الفعَّالة:

وهي الخطوة التالية الهامَّة، إذ قد يؤدِّي الاعتقاد بأنَّ المنظمَّة لا يمكنها إجراء تغييرٍ فعَّالٍ إلى مقاومة التغيير؛ وبالمثل، عندما يُفرَض التغيير على الناس دون استشارتهم أولاً، فمن المحتمل أن يكون هناك مزيدٌ من المقاومة، خاصةً إذا كان الناس يعتقدون أنَّ وظائفهم ستكون في خطر، وأنَّ مستقبلهم مرهونٌ بهذه التغييرات.

من الهامِّ أن يشارك كلٌّ من أصحاب المصلحة والجهات المُنفِّذَة للتغيير بفعَّالية، بدءاً من تصميم التغيير ومراجعة مراحله، إلى كيفية الانتهاء منه بنجاح؛ فعندما يرى الموظفون الصورة الكبيرة، تتضافر الجهود في التغيير وتحدَّدُ القضايا والحلول والأولويات، ما يؤدِّي إلى تقليل احتمال مقاومة الناس للتغيير الذي ساعدوا في إحداثه.

أظهرت العديد من الدراسات أنَّ المشاركة لها آثارٌ إيجابيةٌ واسعة النطاق خلال فترات التغيير التنظيمي. فعلى سبيل المثال: وجدت دراسةٌ أُجرِيت عام 2011 حول "ردود فعل متلقِّي التغيير على التغيير التنظيمي"، أنَّ المشاركة تقلِّل من مقاومة التغيير، وتؤدِّي إلى تأثيراتٍ إيجابية مثل: الاستعداد للتغيير والقبول والشعور بالكفاءة، والإحساس بالسيطرة والثقة أكثر؛ كما وستقلِّل من الضغط الذي يعيق رغبة الموظفين في التغيير.

3. الدعم والتدريب:

عادةً ما يكون التحوُّل التنظيمي مصحوباً بتغييرٍ في الروتين، حيث يخرج الأشخاص من مناطق راحتهم (Comfort Zone) إلى مناطق أخرى أكثر تحدياً، مثل: مناطق التعلُّم والنمو (راجع النموذج رقم 1)؛ وقد يؤدِّي هذا إلى الإرهاق، والشعور بقلَّة الثقة بالنفس.

يشعر الأفراد أنَّ لديهم نقصاً في المهارات أو المعرفة اللازمة لخوض التحديات وتنفيذ المهام الجديدة بشكلٍ صحيح، خاصةً إذا كانت المنظمة عرضةً للتغيير المتكرِّر أو تطوُّر الأعمال.

مقاومة التغيير في المؤسسات

نموذج رقم (1)

وحتَّى إذا بدا أنَّ الناس يقبلون التغيير، فقد يكونون حقيقةً مستسلمين للتغيُّر أو مجبرين عليه بحكم الظروف؛ ومع ذلك، يجب أن يحصلوا على الدعم اللازم لتمكينهم من تطوير مهاراتٍ جديدة، وضمان ألَّا يصبح الإرهاق حقيقة، فيفشل التغيير بشكلٍ غير مقصود.

جزءٌ من الدعم المطلوب من القادة هو تطوير ذكائهم العاطفي، والتواصل مع أفرادهم، وتهيئتهم للتغيير بشكلٍ علميٍّ ومدروس؛ كما ويستغرق تقديم الدعم الكافي وقتاً طويلاً، ممَّا يتطلَّب من القادة تعلُّم مهارات التدريب واستخدامها بشكلٍ مناسب، لتكون أكثر فعاليةً عند إدارة التغيير في المنظمة.

4. رسائل إيجابية، وحوافز وظيفية:

تتعجل مقاومة التغيير أيضاً عندما يشعر الناس أنَّهم سيتأثَّرون سلباً بعواقبه، وقد يكون هذا بسبب تصوُّر أنَّ أرباحهم أو إمكاناتهم الوظيفية ستتضرر، أو أنَّ عوائد التغيير لا تستحق الجهد المطلوب.

لمكافحة هذا النوع من مقاومة التغيير، ينبغي على القادة بثّ رسائل إيجابيةٍ مطمئنة، تؤكِّد أنَّ الإبقاء على الموظفين من أولويات الإدارة العليا؛ أو قد تنظر المنظمة في تقديم حوافز قد تشمل مكافآتٍ إضافية، أو مزايا محسّنة، أو تقديم خططٍ وظيفيةٍ جديدة.

تتطلَّب هذه الاستراتيجية التفاوض للتوصُّل إلى اتفاق، والجزء الصعب هنا هو أنَّ هذه الاتفاقيات يمكن أن تكون مكلفة، ولا تضمن المشاركة في التغيير، خاصةً إذا كانت القيادة لا تملك القدرة على التحكُّم بكافة المتغيِّرات للإيفاء بالوعود.

5. المشاركة في الاختيار:

نحن البشر مرتبطون بروابط عاطفيةٍ ونفسيةٍ بالطريقة التي تُنفَّذ بها الأشياء في أماكن العمل؛ وإن صحّ القول، فنحن أسرى الطريقة التي تحدث فيها العمليات والإجراءات، خاصةً إذا كنَّا مسؤولين عن تصميمها وتنفيذها، ولو جزئياً على الأقل. لذا، قد يتطلَّب فكُّ هذا الارتباط جهداً هائلاً، ويرتبط بأذهاننا أنَّه جزءٌ من مكنوناتنا وحقوقنا الفكرية وإنجازاتنا في المؤسسة.

تتمثَّل إحدى الاستراتيجيات في استمالة أولئك الذين قد يكونون الأكثر مقاومةً للتغيير إلى أدوار مركزيةٍ في تنفيذ مبادرات التغيير، أو من يُسمَّون أبطال التغيير أو وكلاء التغيير (change champions or change agents). يمكن أن يحصل هذا على دعم المقاومة المحتملة بسعرٍ زهيدٍ نسبياً، رغم أنَّه يترافق مع التحذير من أنَّ وضع الأشخاص الذين يُعتقَد أنَّهم يقاومون التغيير في هذه المواقف يمكن أن يمنحهم أرضية تمكِنهم من التأثير في مقاومةٍ أكبر، وعبر جمهورٍ أوسع.

6. الإكراه:

يكون من الضروري في بعض الأحيان إرغام الناس على قبول التغيير، وغالباً ما يكون هذا هو الحال، وذلك عندما يشعر الناس أنَّهم لا يستطيعون تعلُّم المهارات الجديدة المطلوبة، أو يشعرون أنّ التغيير مبادرةٌ مؤقتة سيتغلَّبون عليها قريباً.

تشمل تقنيات تنفيذ التغيير ممارسة التهديد بإجراءاتٍ تأديبية، مع الإصرار على أن يتماشى الناس مع السلوكات والإجراءات المطلوبة؛ فإذا كانت سرعة التغيير حاسمة، فقد يكون الإكراه هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق.

العيب الرئيس لهذه الاستراتيجية هو أنَّها لا تزيل مقاومة التغيير، إذ قد تستمرُّ على هيئة فقاعة تحت السطح، وتؤدِّي إلى جوٍّ مدمِّرٍ في وقتٍ لاحق، خاصةً إذا لم ينتج عن التغيير المقترح النتائج المنتظرة التي روَّج لها قادة التغيير.

إقرأ أيضاً: التفكير الإبداعي في المؤسسات ودور القادة في تعزيزه

4. كيف يدعم القادة فريق التغيير؟

القيادة ضرورةٌ تنظيميةٌ عند إدارة التغيير، والقادة الذين يُلهِمون التغيير في موظفيهم لديهم أكبر نجاحٍ في إدارة مقاومة التغيير في المنظمة.

في مسحٍ أجرته شركة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC) في عام 2013، شعر ما يقرب من ثلثي الموظفين الذين شملهم الاستطلاع أنَّ القادة هم المسؤولون عن إدارة التغيير، وشعر نصفهم تقريباً أنَّه يجب أن يكون كبار القادة مسؤولين عن التغيير الثقافي (cultural change)؛ والخبر السار هنا هو أنَّ العدد نفسه من الناس شعروا أنَّ التغيير هو أيضاً مسؤوليتهم، في حين تكمن الأخبار السيئة في أنَّ 14٪ فقط لم يروا أيَّ مسؤوليةٍ تقع على عاتق إدارة التغيير.

الحقيقة القاسية هي أنَّ التغيير الفعَّال يُحدَّد من خلال وجود ثقافةٍ مؤسسيةٍ مواتيةٍ للتحوُّل المستمر، وهنا تكون القيادة الملهِمة في الهياكل الهرمية المسطحة في أقوى حالاتها.

فيما يلي سبع تقنياتٍ لتقليل مقاومة التغيير، ودعم الفريق الذي يقود التغيير في مكان العمل، والمساعدة في تضمين المشاركة في عملية التغيير:

4. 1. هيكلة الفريق وتعظيم إمكاناته:

بعد شرح مبادرة التغيير ومراحله، ضع في اعتبارك نقاط القوة والضعف لكلِّ عضوٍ في الفريق. حدِّد في الجلسات الفردية كيف يكون عضو الفريق هو الأنسب للمساعدة في مبادرة التغيير، وفكِّر في الطرائق التي قد تساعد الفرد على تحسين نقاط الضعف في شخصيَّته، مع الاستفادة من نقاط قوَّته في الوقت نفسه؛ وامنح أعضاء الفريق الأدوار والمسؤوليات المناسبة التي تستخدم المهارات الأفضل لمصلحتهم، مع توفير إمكانات التطوير الشخصي وتطوير الفريق. سيساعد مثل هذا التعاون الشخصي على إشراك كلِّ عضوٍ في الفريق في جهد التغيير.

4. 2. وضعُ أهدافٍ صعبةٍ وقابلة للتحقيق للفريق:

كن واضحاً في التوجيه حول الأهداف والغايات للفريق، وقسِّم مشاريع التغيير إلى مراحل أصغر، واحتفي بالإنجازات. يجب أن تكون الأهداف صعبة، لكن قابلةً للتحقيق؛ وألَّا تكون مستحيلة، ومتوافقةً مع القيم والمعتقدات.

في حين أنَّ نقاط العلَّام (milestones) هامَّةٌ للفريق، بحيث تساعد في تحفيز الفريق على الاستمرار بأقصى جهد؛ فمن الهامِّ أيضاً أن تفِّكر في التقدم الفردي. ابحث عن طرائق لضمان التطوير الشخصي لإنشاء واستمرار أهداف الفريق على طول رحلة التغيير.

4. 3. حلُّ النزاعات بسرعةٍ وفعالية:

إنَّه لمن الضروري تكوين روح فريقٍ جيدة؛ لذلك يجب عليك التفكير في الطرائق التي يمكنك من خلالها القيام بذلك. قد تتصاعد التوترات خلال فترات التغيير، ويزداد القلق الشخصي، وستساعد اجتماعات الفريق وجلسات الترابط الجماعي موظفيك على فهم زملائهم وتقديرهم بسهولةٍ أكبر، خاصةً إذا كنت تضمن شفافية التواصل، واتباع نهجٍ منظَّمٍ لحلِّ المشكلات. يشجِّع التبادل الصريح لوجهات النظر على الوصول إلى شراكةٍ جماعيةٍ وتعاونية.

4. 4. القدوة والشغف:

تواصل بشغف، وكن مثالاً للإيمان بالرؤية المستقبلية ومتطلَّبات التغيير؛ فعندما يرى الفريق أنَّ سلوكات القادة تحاكي تلك التي يتطلَّبها التغيير، سيتماشون بسرعةٍ أكبر مع السلوكات الجديدة، وسيصبحون دُعاةً للتغيير بأنفسهم.

"يسير الناس على خطى قادتهم"، وهذه قاعدةٌ ذهبيةٌ للقادة للعيش بها؛ فعندما يعيش القائد التغيير المرغوب عبر إظهاره للقيم والسلوكات الجديدة، فإنَّه ينتظر ذلك من الآخرين.

4. 5. الاقناع:

كُنْ الوقود الذي يغذِّي التغيير في فريق العمل، واستثمر كلَّ فرصةٍ على أرض الواقع لتأكيد التغيير المطلوب، مستخدماً أساليب الإقناع العقلي والعاطفي، بدلاً من استخدام سلطاتك.

شارك التجارب الإيجابية في أثناء إقناعك بالتغيير، من خلال القصص والشواهد التي تركِّز على التغيير الإيجابي؛ ودرِّب دماغك على رواية القصص لاكتشاف طرائق لشرح الثقافة الجديدة والرؤية المستقبلية التي تساعد الموظفين على الارتباط بالدوافع والأهداف التنظيمية.

4. 6. تمكين الابتكار والإبداع:

أفسح المجال واسعاً للتغذية الراجعة، وحافظ على المرونة في أثناء تغيير المسار نحو أهداف التغيير، وشجِّع أعضاء الفريق على أن يكونوا مبدعين وقادرين على اكتشاف حلولٍ للمشكلات التي تظهر، وأن يصبحوا جزءاً من عملية التغيير.

أزِل الخوف من المخاطرة عن طريق تأطير الفشل كتجربةٍ للتعلُّم منها، فهي خطوة ضرورية على طريق النجاح؛ وساعد الفريق على أن يكون مسؤولاً عن أفعاله، مع تشجيع التعاون والتكاتف. سيساعد ذلك في تلقيح الأفكار المبتكرة في بيئةٍ يطوِّر فيها أعضاء الفريق معرفتهم بشكلٍ أكبر، ويصقلون قدراتهم المهنية للتفكير بشكلٍ أكثر إبداعاً.

إقرأ أيضاً: تعزيز الإبداع والابتكار في فريق عملك

4. 7. كن إيجابياً ومتفائلاً:

يجد الناس التغيير مقلقاً، رغم أنَّه أصل الحياة الشخصية والمهنية. سيحتاج الفريق إلى دعمٍ من قائدٍ إيجابيٍّ يُلهِم الفكر الحرّ والتواصل الصادق والإبداع، حيث يشجِّع القائد التطوير الشخصي والجماعي؛ كما يستطيع القادة خلق ثقافةٍ مُلهمَةٍ يُصبِح فيها التغيير من اختصاص الجميع.

في الختام:

أظهرت الأبحاث أنَّ مقاومة التغيير ردُّ فعلٍ نفسيٍّ وفسيولوجي (انظر إلى "علم الأعصاب للقيادة" لديفيد روك وجيفري شوارتز)؛ لذا ينبغي على القادة توقُّعها. تتطلَّب إدارة مقاومة التغيير أن تفهم أولاً أسبابها، ثمَّ تحدِّدها؛ وذلك قبل التفكير في نهجك الاستراتيجي وصياغة التكتيكات والأساليب لتقليلها.

أخيراً، نحن جميعاً أسرى تجاربنا فإذا كان لدى الموظفين تجارب سيئةٌ عندما يتعلَّق الأمر بالتغيير التنظيمي، فسوف يُسقِطون هذه المخاوف على التغيير الحالي؛ لذا يجب على مديري التغيير توخي الحذر، والإصغاء إلى تجارب الموظفين، للتأكُّد من عدم تكرار أخطاء مماثلة. عندما يشعر الموظفون بأنَّ أصواتهم مسموعة، سيكونون أكثر تقبُّلاً للتغيير، وأقلَّ احتماليةً للمقاومة.

 

المراجع: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8




مقالات مرتبطة