مقارنة واقع الأسرة قبل تعلم المرأة وبعد تعلمها

المرأة هي نصف المجتمع، وهي الركيزة الأساسية لبناء الفرد والأسرة والمجتمع، وهي من تزرع في نفوس الأبناء كل مبادئ الحياة، سواء كانت هذه المبادئ صحيحةً أم خاطئةً، ولكونها المسؤولة الأولى عن إعداد الفرد وإكسابه المهارات الأساسية التي يتعلمها من صغره وترافقه حتى مماته، فلا بد من الاهتمام بتعليمها وتوعيتها وضرورة إعدادها إعداداً سليماً وإكسابها المهارات اللازمة لإنجاز مهمتها على أكمل وجه.



لقد كانت نظرة المجتمع تنص على بقاء المرأة في المنزل دون تعلمٍ، وأنَّ دورها يقتصر على الإنجاب والتربية وأعمال المنزل بعيدةً كل البعد عن العلم، ومع مرور الزمن طرأ تحولٌ جذريٌّ غيَّر هذه المفاهيم الخاطئة، وأكد على ضرورة وأهمية تعلم المرأة، فانعكس هذا التغيير على الأسرة والمجتمع، وزاد من الوعي عن ضرورة وأهمية تعليم الفتيات بوصفه حقَّاً إنسانيَّاً أولاً، ولما لها من دور هامٍ في بناء الفرد والمجتمع ثانياً، ولكونها المشرف الأول على أسرتها أصبح تعلمها حاجةً ماسةً لها ولبناء وإعداد الأسرة.

أهمية تعلُّم المرأة في الإسلام:

لقد نظر المجتمع إلى المرأة قبل الإسلام نظرةً دونيةً، بعيدةً كل البعد عن الإنسانية، فقد كانت بعض القبائل عند معرفتهم أنَّ جنس المولود أنثى تسعى إلى التخلص منها، إما بقتلها أو دفنها وهي حيةٌ، وبذلك تكون القبيلة قد تخلصت من العار. هذه أفكار مغلوطة صححها الإسلام فيما بعد.

في أممٍ أخرى كانت المرأة مجرد خادمةٍ للزوج والأسرة ولا يُسمح لها بإبداء رأيها، أو التدخل في شؤون العائلة، إلى أن جاء الإسلام وأعاد لها إنسانيتها وكرامتها وحقها في التعلم كحق الرجل.

لقد جاء طلب العلم فريضةً على كل مسلمٍ ومسلمةٍ، وخصص الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً لوعظ وتعليم النساء، وقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها في بيت النبوة فقيهةً ومرجعاً لكل صحابي يستحي من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم في أمر دينه.

من النساءٍ اللواتي لمع اسمهن في عهد الإسلام:

زبيدة زوجة هارون الرشيد التي عُرفت بعلمها، وكريمة بنت محمد المروزية، وزينب بنت أبي القاسم.

ضرورة تعلم المرأة:

يُعَدُّ التعليم أحد أهم الحقوق التي يجب منحها للإنسان بصرف النظر عن جنسه، فتعلم النساء والفتيات، لا يقل أهميةً عن تعلم الرجل على الإطلاق؛ بل يجب أن توازيه في علمها؛ إذ إنَّ الطفل يعتمد في تعليمه على أمه قبل دخوله المدرسة، ومن هنا تظهر أهمية تعلمها، فلإعداد مجتمعٍ مثقفٍ وواعٍ يجب تأهيل المرأة أولاً، وظهر ذلك في قول الشاعر "حافظ إبراهيم" في قصيدة "العلم والأخلاق":

الأم مدرسةٌ إذا أعددتها

 

أعدت شعباً طيب الأعراق

لقد شبَّه "حافظ إبراهيم" الأم بالمدرسة التي إذا أُعِدت إعداداً جيداً من كافة النواحي التربوية والتعليمية، كان نتاجها شعباً طيب الأخلاق، ومن هنا تكمن أهمية تعليم الفتيات لتكن قادراتٍ على إيصال أبنائهن إلى أسمى الدرجات، وتنظيم أسرهن ومنح كل طفلٍ حقه في التربية، وبتعلم المرأة يصبح تفكيرها أفضل، وتصبح قادرةً على فهم نسيج المجتمع من حولها، وتتعرف إلى متغيرات الكون وقوانينه، كما تصبح قادرةً على التحليل والتركيب ومنه تصل إلى الإبداع.

إنَّ تعلم المرأة يعطي حافزاً لأطفالها كي يتعلموا، فهي قدوتهم التي تقودهم إلى طريق النجاح والمستقبل المزهر، وحضنها الدافئ الذي يجدون فيه أجوبةً لأسئلتهم بكونها المرجع الأساسي لهم؛ لذلك يجب أن يكون هذا المرجع غنياً بالعلم والمعرفة، وبالعلم وحده تصبح المرأة قادرةً على التعرف إلى حقوقها وإدراك واجباتها.

إيجابيات تعلم المرأة:

تكسب المرأة المعارف والمعلومات والمهارات التعليمية النظرية والتطبيقية الأساسية التي تجعلها قادرةً على القيام بنشاطات الحياة اليومية والمستقبلية بشكلٍ أفضلٍ من الممارسة والتجربة والدراسة؛ وهذا يجعل الأسرة متوازنةً.

يزيد العلم من وعي الفتاة وتصبح قادرةً على تنمية قدراتها وهذا ما ينعكس إيجاباً على تعاملها مع أطفالها في المستقبل، وتربيتهم وتنشئتهم على الأسس السليمة القائمة على قواعد علميةٍ وتربويةٍ سليمةٍ، فتزهر على يدها براعم مثقفةٌ وواعيةٌ وقادرةٌ على النهوض بالمجتمع نحو القمم، بعيداً عن العنف والجهل.

بالعلم تصبح المرأة مستقلةً مادياً، فمن خلال حصولها على عملٍ وراتبٍ خاصٍ بها، يمكنها من خلاله تحقيق الاستقرار المادي، وعدم شعورها بالحاجة؛ وهذا يضمن لها حرية القرار.

العلم والعمل يمنحان المرأة مكانةً اجتماعيةً تستطيع من خلالها تحقيق أحلامها وطموحاتها، ويزيدان لديها مهارات الاتصال والتواصل مع الآخرين نتيجة احتكاكها اليومي مع الناس، والتعرف إلى الثقافات الأخرى وتصبح قادرةً على اتخاذ أي قرارٍ نتيجة تواصلها مع الآخرين والأخذ بتجاربهم، وكذلك تصبح السند الأمثل لزوجها من خلال مساعدته على تأمين مستلزمات المنزل وحاجات الأسرة الكثيرة لتعيش حياة كريمة.

العلم يُكسِب المرأة الوعي الصحي فتصبح قادرةً على رعاية نفسها وأطفالها، وتتجنب الوقوع في أخطاء ناجمة عن قلة المعرفة، وتدرك خطورة الأخطاء الناجمة عن بعض العادات والتقاليد في معالجة بعض الأمراض، وأهمية مراجعة الطبيب، وهذا بدوره ينعكس إيجابياً على صحة أطفالها العقلية والنفسية والجسدية، ويقيهم من الإصابة بالأمراض.

تصبح أكثر قدرةً على فهم الشريك بوعيها وثقافتها بالمقارنة مع المرأة الأقل تعلماً؛ وهذا يقلل من حالات الطلاق ويضمن مستقبلاً جيداً للأولاد.

وهنا يجب علينا أن نذكر بعضاً من النساء العربيات اللواتي سجلن أسماءهن بالخط العريض على الرغم من كل الصعوبات التي واجهنها أمثال:

  1. "غادة المطيري" عالمة ومخترعة سعودية.
  2. "شادية رفاعي حبال" عالمة الفلك والفيزياء السورية الأمريكية.
  3. "مريم مطر" وهي أول إماراتيةٍ تشغل منصب وكيل وزارة الصحة العامة والرعاية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
  4. "رنا الدجاني" عالمة وباحثة أردنية.
  5. "سها القيشاوي" المهندسة الفلسطينية المسؤولة عن البرنامج الفضائي للولايات المتحدة.
  6. الدكتورة "فاتن أبو شوقه" أستاذ مساعد في قسم الرياضيات في الجامعة الإسلامية بغزة.
  7. الدكتورة "حنان خليل" أستاذ مشارك في التأهيل العصبي وعلوم الأعصاب، وغيرهن الكثير.

شاهد: 4 نصائح ذهبية لتصبحي امرأة ناجحة

سلبيات عمل المرأة:

لا بد لنا بعد ذكر الإيجابيات والإنجازات التي حققتها المرأة بعد تعلمها أن نذكر بعض السلبيات التي قد يكون لها تأثيرٌ مباشرٌ في الأسرة؛ إذ إنَّ أي خللٍ في حياة المرأة ينعكس سلباً على نفسيتها وبدوره على أطفالها وزوجها واستقرار بيتها.

  1. بعض السيدات ينشغلن بوظائفهن عن عملهن الأساسي بصفتهن مربياتٍ وأمهاتٍ، ويقمن باستدعاء حاضناتٍ أو مربياتٍ أو خادماتٍ للمنزل، وهذا ما يفقد الأطفال في هذه المرحلة حنان الأم، ويؤثر في علاقتهم بوالدتهم؛ وهذا ما يدفعهم إلى الابتعاد عنها وعدم إطاعتها وتعلم عاداتٍ وتصرفاتٍ غير مرغوبة؛ وذلك لاقتصار عمل المربيات والخادمات على إنجاز عملهن كتنظيف المنزل وترتيبه، ولا يهمهن زرع قيمٍ أو أيَّة مبادئ لدى هؤلاء الأطفال.
  2. انشغال الأم بعملها لوقتٍ طويلٍ يجعلها تعود إلى المنزل متعبةً غير قادرةٍ على سماع مشكلات أطفالها؛ وهذا ما يدفعهم إلى كتمانها؛ وتعود في هذه الحالة عليهم بنتائج سلبيةٍ، أو يقومون بالبحث عن شخصٍ آخرٍ يستمع لهم ولمشكلاتهم، وقد يقترح حلولاً لا تتناسب مع تربية وسلوك الأسرة، أو قد تكون مغلوطةً في بعض الأحيان.
    تكمن حاجتهم إلى والدتهم في السنوات الأولى ما قبل المدرسة لأنَّها المرجع الآمن لهم، والمعلم الأساسي لتقويم وتصحيح سلوكهم بما يتناسب مع عادات الأسرة، ومن ثمَّ وجودها معهم يؤدي دوراً هاماً في بناء شخصيتهم، كما تزداد حاجتهم إليها في مراحل متقدمةٍ عند دخولهم إلى المدرسة وتصبح غير قادرةٍ على متابعة دروسهم ومشكلاتهم المدرسية إذا كانت تعمل، وهذا ما يشكل خطراً على الأسرة وعلى شخصية الطفل والعادات التي قد يكتسبها من أصدقائه والمجتمع بنفس الوقت وعدم إنجاز فروضه المدرسية على أكمل وجهٍ؛ وهذا ما يجعله يتراجع في مدرسته وفي تحصيله العلمي في المستقبل.
  3. العمل المجهد والطويل قد ينعكس سلباً على صحة المرأة النفسية والجسدية؛ وهذا يعرضها لأمراضٍ عديدةٍ في سنٍ مبكرةٍ.
  4. إنَّ ابتعاد الأم عن تعليم أطفالها وتدريسهم والاعتماد على معلمٍ بديلٍ وعدم طهي الطعام وترتيب منزلها بالطريقة التي تنسجم وتتناغم مع أطفالها وزوجها وذوقهم وراحتهم، يؤدي إلى وجود شرخ في الأسرة يظهر في المستقبل، وهذا الشرخ ينعكس انعكاساً سلبياً على المجتمع.
إقرأ أيضاً: عمل المرأة: تعريفه، دوافعه، أثره على المجتمع، وحكمه في الإسلام

المجالات التي دخلتها المرأة:

دخلت المرأة في العديد من المجالات ونذكر هنا بعضاً منها:

1. في مجال السياسة:

برزت "هيلاري كلينتون" التي كانت أول امرأةٍ تفوز بقيادة حزبٍ سياسيٍ أمريكيٍ.

2. في مجال الصناعة:

برزت "ماري آبي فان كليك" و"ماري أندرسون" بصفتها مديرة ومساعدة للمديرة على التوالي.

3. في مجال التعليم:

السيدة "أليس بالمر"؛ إذ كانت تمتهن التعليم، وشغلت مناصب عدة هامة في قطاع التعليم.

4. في مجال الطب:

أبدعت الطبيبة البريطانية "إليزابيث بلاكويل"؛ إذ كانت أول امرأةٍ تحصل على درجةٍ علميةٍ في الطب من جامعةٍ أمريكيةٍ.

5. في مجال العلوم:

ظهرت عالمة الوراثة البريطانية "ريبيكا سوندرز" وعالمة الكيمياء الحيوية البريطانية "موريل ويلديل" اللتان ساهمتا في تأسيس علم الوراثة الحديث.

6. في مجال الإعلام:

من أشهر النساء اللواتي أبدعن في مجال الإعلام العالمة النفسية الأسطورية "سيلفيا براون".

إقرأ أيضاً: المرأة في الإسلام: حقوقها، مكانتها، ودورها في المجتمع

في الختام:

كرَّم الإسلام المرأة وجعلها شريكةً للرجل في جميع الأمور التي لا تتطلب قوةً عضليةً، كما أنَّها ساهمت في نشر الدعوة الإسلامية منذ فجر التاريخ الإسلامي، وحصلت بجدارتها على حقوقها الطبيعية التي من خلالها ساهمت في تطور الأوطان، وقيامها باكتشافاتٍ عدة عادت بالنفع على المجتمع، وحصلت من خلالها على الجوائز العالمية الهامة، لكن يبقى دورها في تربية أطفالها وإعداد الأسرة هو الأكثر أهميةً لكونها تعلم أطفالها وتنشئهم على القيم والأخلاق الحميدة وتصل بالمجتمع إلى أعلى درجات التطور والحضارة.

المصادر: 1،2،3،4،5،6،7،8




مقالات مرتبطة