مفهوم الفوضى الرقمية وطرق التخلص منها لرفع الإنتاجية

إذا دعاك صديقك إلى منزله، ودخلت فوجدت وسادة في أرضية المطبخ وصحون طعام متَّسخة على السرير وأحذية تتعثر بها في الممر، فإنَّك سوف تُصاب بالارتباك، فكل الأغراض آنفة الذكر موضوعة في مكان غير مكانها الأصلي؛ مما يجعل الحياة في هذا المنزل مُتعبة بسبب صعوبة استخدام مرافقه أو إيجاد الأغراض فيه حتى بالنسبة إلى صديقك الذي أَحدَث هذه الفوضى بنفسه.



الأمر مشابه تماماً لما يُسمى اليوم "الفوضى الرقمية"، فهذا المصطلح مستوحى من الفوضى الحياتية ويدل على بعثرة المقتنيات الرقمية والملفات في وسائط تخزينية متشعبة وغير آمنة؛ مما يعرِّضها للخطر ويعرِّض المستخدم لفقدانها أو اختراقها في أيَّة لحظة.

تُعَدُّ الفوضى الرقمية حالة مزعجة، وقد تكون خطرة على المستخدم للتكنولوجيا؛ لذا لا بدَّ لنا من الوقوف عندها في هذا المقال وتعريف مفهومها وتقديم طرائق للتخلُّص منها من أجل رفع مستوى الإنتاجية.

مفهوم الفوضى الرقمية:

إنَّ مفهوم الفوضى الرقمية مشابه من حيث الجوهر لمفهوم الفوضى الحياتية، وسوف نستند إلى هذا الأخير في شرح مفهوم الفوضى الرقمية بوضوح.

إنَّ مصطلح الفوضى هو مصطلح معاكس للترتيب، والذي يعني أنَّه يوجد لكل نوع من الأغراض مكان محدد، وبالعودة إلى المثال السابق في زيارة منزل صديقنا الفوضوي نحن ندرك أنَّ الوسادة مكانها في غرفة الجلوس، والصحون المتَّسخة مكانها في المطبخ، والأحذية مكانها في الخزانة.

لكنَّ صديقنا استخدم هذه الأدوات وفق احتياجه ونسي أو تناسى أو تكاسل عن إعادتها إلى مكانها الأصلي؛ مما تسبب بفوضى بصريَّة وحقيقية عارمة حالت دون استخدامه لمنزله بالشكل الأمثل، فأصبحَ يتعثر في الممر وينام على الأريكة ويلطِّخ الوسادة ببقع الطعام.

حين فتحنا الحاسب الشخصي لصديقنا الفوضوي عينه، لمسنا الفوضى الرقمية في أوضح صورها؛ إذ وجدنا سطح المكتب مليئاً بالملفات المسمَّاة بأسماء غير مفهومة، والتي لم تعتمد أيَّة خوارزمية في تسميتها أو ترتيبها، فنرى مجلدات فارغة كثيرة وصوراً عائلية وأفلاماً أجنبية وملفات تنصيب برامج، وعشر نسخ من سيرته الذاتية مسماة بـ "سيرة 1، سيرة 11، سيرة نهائي، سسسس" تجعله يحتار أي مرفق سوف يختار وهو يتقدَّم إلى وظيفة بشكل إلكتروني، وقلَّما نجد مجلداً مرتباً في حساب التخزين السحابي الخاص به، فكل المحتويات المشاركة الخاصة بالعمل معروضة للجميع ويمكن أن يصل إليها الكثيرون من المستخدمين الذين قد يُسيئون استخدامها.

يمكن استخلاص تعريف لمفهوم الفوضى الرقمية من هذا المثال الموجود أمامنا وهو: "انعدام وجود تصنيف أو ترتيب واضح للملفات الرقمية الموجودة على الحاسب أو الهاتف المحمول، وهذا يجعل منها عرضة للتلف أو الضياع أو النسيان أو الانتهاك من قبل أشخاص غير مسؤولين أو غير مصرَّح لهم؛ وهذا يترتب عليه أخطاء كارثية".

لقد كان صديقي ضحيَّة من ضحايا الفوضى الرقمية كونه معلماً يشارك مع طلابه وزملائه ملفات على حساب "غوغل درايف" الخاص به، وحمَّل في واحدة من المرات أسئلة الاختبار في الملف الذي يستطيع الجميع الوصول إليه؛ مما تسبَّب بانكشاف أسئلة الاختبار وتسريبها.

أضرار الفوضى الرقمية:

إنَّ أضرار الفوضى الرقمية بالغة التأثير في المستخدِم، كونها تضعه في مواقف حرجة أو خطرة في كثير من الأحيان، وسوف نستعرض بعضاً منها فيما يأتي:

1. فقدان البيانات:

إنَّ فقدان البيانات هو أحد أضرار الفوضى الرقمية الجسيمة، فقد ينسى المُستخدم أحياناً أين حفظَ ملفاً هاماً، وحين يبدأ بخيار البحث عنه لا يستطيع الوصول إليه بسبب أنَّه قد سمَّاه بشكل عشوائي باسم لا يعبِّر عن محتواه، وقذفه في مجلَّد مزدحم مسمى باسم عشوائي أيضاً، وقد تكون هذه الملفات هامة جداً وخاصةً في الدراسة أو العمل، ويشكِّل فقدانها كارثة بالنسبة إلى المستخدم، عدا عن حالات حفظ كلمات المرور في مستندات نصيَّة باسم "مستند نصي جديد" وإلقائها هي الأخرى في أي مجلد مفتوح؛ مما يجعل العثور عليها يتطلَّب وقتاً كبيراً وجهداً عظيماً.

2. تعريض المعلومات للسرقة أو الانتهاك:

بعد انتشار العمل عن بُعد أصبح الحفاظ على أمان الملفات أمراً لا يُستهان بأهميته، فمن أضرار الفوضى الرقميَّة التي تدفع المستخدم إلى رمي ملفاته بشكل عشوائي أنَّها تعرِّض محتويات هذه الملفات للسرقة من قِبل أشخاص مؤذين أو الوصول إليها من قِبل أشخاص غير مؤهلين.

لا بدَّ من الانتباه كثيراً إلى موضوع الفوضى الرقمية في المواقف التي يضطر فيها أكثر من شخص إلى التناوب على استخدام الجهاز الحاسوبي كما هو الحال بالنسبة إلى الموظفين الذين يعملون بنظام المناوبات؛ إذ يجب وضع الملفات الشخصية في مجلد محمي، كما لا بدَّ من الانتباه إلى موضوع الفوضى في المواقف التي يمكن فيها وصول العديد من الأشخاص إلى المجلدات المشاركة؛ إذ يجب تقييد وصول المستخدمين غير المعنيين بهذا المحتوى من الوصول إلى المجلد الموجودة فيه.

شاهد: 10 نصائح تحفظ خصوصيتك على الإنترنت

3. خسارة العديد من الفرص:

تخيَّل أنَّك أَجريتَ مقابلةً لنيل فرصة عمل الأحلام وطلبَ منك موظف التوظيف كتابة بريدك الإلكتروني لإعلامك بنتيجة المقابلة فيما بعد، وعندما عدتَ إلى المنزل لتفتح بريدك الإلكتروني، عجزت عن تذكُّر كلمة السر، ولم توفَّق في العثور على الملف الذي سجلت كلمة السر عليه.

تخيَّل أنَّك ترسل عبر بريدك الإلكتروني سيرتك الذاتية إلى جهة رسمية مرموقة وحمَّلتَ ملفاً باسم "سيرة1"، لتُفاجأ بعد إرسالك للبريد بأنَّ الملف الذي أرفقته هو نموذج لسيرة ذاتية نزَّلته من الإنترنت، أو هو السيرة الذاتية الخاصة بصديقك عندما أراد إطلاعك عليها، لا شك أنَّك ستكون في موقف لا تُحسَد عليه وستبدو بمظهر الشخص اللامسؤول، وهو ما لا تبحث عنه الشركات أبداً؛ إنَّ جميع هذه الكوارث تصنَّف من أضرار الفوضى الرقمية إن كنتَ لا تعي ذلك.

4. إضاعة الوقت وخفض مستوى الإنتاجية:

من أضرار الفوضى الرقمية أيضاً أنَّها تهدر الوقت والجهد، فإذا ما كنتَ في اجتماع مع مديرك وطلبَ منك أن ترسل إليه ملف المكافآت الخاص بالشهر الماضي فور العودة إلى مكتبك، فسوف تقضي وقتاً طويلاً في البحث إذا لم تكُن قد اعتنيت بتسمية الملف وقت إنشائه ووضعته في مجلد تصل إليه بسهولة، وإذا كنتَ تبحث عن ملف فيديو بحثي معيَّن ورحتَ تبحث عنه بين عشرات الفيديوهات الموجودة على حاسبك، فربما تُصادف مقطع فيديو لمسلسلك المفضَّل وتبدأ بمشاهدته وتضيع الوقت الخاص بالدراسة أو العمل، وتطول فترة إنجاز المهمَّة بسبب تشتتك عن غايتك.

5. التشتت والقلق:

إنَّ التشتت والقلق والتوتر جميعها من أضرار الفوضى الرقمية وتبيعاتها السلبية؛ وكون هذه الفوضى تعرقل الوصول إلى الملفات المطلوبة في الوقت المناسب، وتتسبب بتعريض المستخدم للأخطاء، فهي تؤثر سلباً في مزاجه وتجعله دائماً متكدراً وسريع الغضب.

طرائق التخلُّص من الفوضى الرقمية لرفع الإنتاجية:

إنَّ أفضل طرائق التخلُّص من الفوضى الرقمية تكون عبر محاولة تجنُّب حدوث هذه الفوضى من الأساس، وإنشاء نظام معيَّن تُصنَّف الملفات والمعلومات وفقه، وفيما يأتي نستعرض بعض هذه الطرائق:

1. تصنيف الملفات:

إنَّ تصنيف الملفات فور استقبالها على الجهاز الحاسوبي أو الهاتف الذكي يُعَدُّ من أفضل طرائق التخلُّص من الفوضى الرقمية لرفع الإنتاجية؛ إذ إنَّ تصنيف الملفات من شأنه أن يوفِّر الجهد والوقت في عمليات البحث عنها في وقت لاحق، ويمكن تخصيص كل واحد من محركات الأقراص بحفظ محتوى معيَّن؛ فالقرص C للتطبيقات والبرامج، القرص D للمحتوى الخاص بالعمل، القرص E للمحتوى الشخصي، وفي كل واحد من هذه الأقراص لا بدَّ من اتِّباع نظام محدد؛ كتصنيف محتويات القرص D الخاص بالعمل إلى مجلدات مثل: ملفات شهر آذار 2022، والذي يحتوي أيضاً على تصنيفات بداخله حسب أنواع البيانات.

لا بدَّ أيضاً من الإشارة إلى ضرورة اتِّباع هذه التصنيفات في حسابات التخزين السحابي، والتأكُّد من المستخدمين الذين يمتلكون أذونات الوصول إلى كل محتوى.

2. فلترة البريد الإلكتروني:

إنَّ حذف الرسائل القديمة من البريد الإلكتروني يُعَدُّ من طرائق التخلُّص من الفوضى الرقمية لرفع الإنتاجية، فعندما يتم الانتقال إلى عام جديد أو مشروع جديد، لا بدَّ من حذف الرسائل الإلكترونية التي لم تَعُد ذات أهمية، كما لا بدَّ من حذف الرسائل الإعلانية أو تلك الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي من قائمة البريد الوراد كي لا تتسبَّب بفوضى رقميَّة تكون سبباً بفقدان بريد هام أو التأخُّر في الاطِّلاع عليه، أو أخذ وقت طويل في إيجاد رسالة محددة للاطِّلاع عليها، كما أنَّه يفضَّل تخصيص بريد إلكتروني خاص بالمراسلات الرسمية غير ذلك المخصَّص لإنشاء حسابات مواقع التواصل الاجتماعي والتسجيل في المنتديات.

شاهد أيضاً: 10 وسائل فعّالة لحياة رقمية أكثر أماناً

3. حذف الملفات المستهلكة:

إنَّ حذف الملفات التي لم يَعُد المستخدم بحاجة إليها يُعَدُّ من أهم طرائق التخلُّص من الفوضى الرقمية ورفع الإنتاجية، فضلاً عن دوره في توفير المساحات التخزينية على الحاسب الشخصي أو الهاتف المحمول، فعند الترفُّع في الجامعة والانتهاء من الحاجة إلى تصفُّح المقررات الدراسية الخاصة بها، أو عند العمل على مشروع وتسليمه وحفظ نسخة من البيانات الهامَّة التي تخصَّه، لا بدَّ من حذف الملفات الفائضة التي تشكل عبئاً على المستخدم وجهازه في آن واحد، وكذلك الأمر عند إجراء العديد من التعديلات المتتالية على ملف معيَّن حتى الوصول إلى التنظيم المطلوب، فلا بدَّ من حذف الملفات التي أُنشِئَت وطوِّرَت ولا يجب إبقاء أكثر من النسخة الأصلية والتعديل الأخير.

إقرأ أيضاً: فوضى العالم الرقمي!

4. الاستعانة بالتكنولوجيا:

تُعين التقنيات الحديثة على التخلُّص من الفوضى الرقميَّة، فقد تخصَّصت بعض التطبيقات في حفظ كلمات المرور، وأخرى في حذف الملفات المؤقتة أو تلك المتبقية بعد إلغاء تثبيت البرامج التابعة لها، وهذا ما يساعد المستخدم على الحفاظ على جهازه الحاسوبي مرتباً وبسيطاً.

إقرأ أيضاً: كيف تزيل الفوضى الرقمية ببساطة؟

في الختام:

إنَّ الفوضى الرقمية تعني تراكم الملفات والإيميلات التي لم يَعُد المستخدم بحاجة إليها، أو توضُّع الملفات التي يحتاج إليها بطريقة تعوقه عن ممارسة مهامه بالجهد والوقت الافتراضيين، وهي أسلوب يسبب تراجعاً في الإنتاجية بسبب استهلاكه للوقت الخاص بالعمل في البحث أو لأنَّه يسبب فقداناً للبيانات المطلوبة أو يؤمِّن وصولاً عشوائياً إلى الموارد؛ لذا لا بدَّ من اتِّباع طرائق التخلُّص من الفوضى الرقمية ومحاولة السيطرة على البيانات وتنضيدها وحذف الفائض منها من أجل ضمان مستوى عالٍ من الإنتاجية والتركيز.




مقالات مرتبطة