مفهوم الاقتصاد الرقمي وأهميته وخصائصه

لم يعد العالم الذي نعرفه اليوم ذاته قبل سنوات عدة سابقة فهو يتغير باستمرار، وأحد أهم المحركات الأساسية لهذا التغيُّر والتطور هو التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي أدى بدوره إلى حدوث تغيرات جوهرية في أنماط الحياة بمختلف مجالاتها، وعلى جميع المستويات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية؛ وهذا ما يدعى بالتحول الرَّقمي.



لا يتعلق التحول الرَّقمي في أساسه بتنفيذ المهام والنشاطات المختلفة عبر الإنترنت فقط؛ بل يتعلق أيضاً باستخدام أحدث التقنيات للقيام بأي نشاط أو مهمة مهما كانت، ولكن بشكل أفضل.

ويجب أن نعلم أنَّ الاقتصاد العالمي أيضاً يمر بتحول رقمي، وهو يحدث بسرعة فائقة وبتسارع هائل؛ حيث تغيَّرت أساليب ووسائل تنفيذ النشاطات الاقتصادية، ونتج نوع جديد من الاقتصاد عُرف بالاقتصاد الرَّقمي، وكان له تأثير إيجابي كبير في كافة المصالح الاقتصادية للمجتمعات والدول.

نهدف من خلال هذا المقال إلى تعريف القارئ بالنقاط التالية:

  1. مفهوم الاقتصاد الرَّقمي.
  2. أهمية الاقتصاد الرَّقمي.
  3. خصائص الاقتصاد الرَّقمي.

مفهوم الاقتصاد الرَّقمي:

يشير مفهوم الاقتصاد الرَّقمي إلى:

الانتشار الواسع لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع النشاطات الاجتماعية والاقتصادية؛ مما يفتح الآفاق ويخلق فرص عمل جديدة، ويحفِّز النمو الاقتصادي، ويحسِّن آليات تقديم الخدمات العامة؛ أي إنَّه الاقتصاد الذي يعتمد على تقنيات الحوسبة الرَّقمية في عمليات رئيسة، مثل التخطيط والإدارة والتسويق، إلى جانب أنَّه عملية استخدام المعلومات في التفاعل والتواصل.

ويدعى الاقتصاد الرَّقمي أيضاً بأسماء عدة أخرى منها: اقتصاد الإنترنت أو الاقتصاد الجديد أو اقتصاد الويب.

ويُنظَر إليه كفرع من فروع علم الاقتصاد؛ بسبب دراسته للسلع والخدمات غير الملموسة الموجودة عبر شبكة الإنترنت، وهذا ما لاقى رواجاً ملحوظاً وانتشاراً واسعاً في العقد الأخير، وقد حقق الاقتصاد الرقمي نتيجةً لذلك تفوُّقاً على الاقتصاد التقليدي من جوانب عدَّة.

فهو نشاط اقتصادي ينتج عن مليارات الاتصالات اليومية القائمة على الإنترنت؛ حيث يجمع الأشخاص والشركات والأجهزة والبيانات والعمليات؛ ممَّا يجعل من الاتصال بمنزلة عموده الفقري، كما يؤدي إلى زيادة الترابط والتفاعل بين الأشخاص والمنظمات والآلات عبر الإنترنت وتكنولوجيا الهاتف وغيرها.

ويعود ظهور مصطلح الاقتصاد الرقمي إلى الخبير الاقتصادي الياباني، وذلك في تسعينيات القرن الماضي بعد الركود الاقتصادي الذي ضرب اليابان؛ حيث طال جميع مناحي الحياة، الأمر الذي اضطر اليابانيين إلى البحث عن مصادر للدخل تتميز بالربح المرتفع بالإضافة إلى تخفيض التكلفة إلى أدنى حد.

وقد استُخدِم مصطلح الاقتصاد الرقمي أيضاً عام 1995 من قِبل خبير تكنولوجيا المعلومات الكندي دون تابسكوت؛ حيث تحدَّث في كتابه عن دور التكنولوجيا الجديدة، موضِّحاً أنَّ هذا الدور لا يقتصر على تغيير طبيعة العمليات التي تُنفَّذ ضمن إطار إنجاز الأعمال فحسب؛ بل إنَّها أيضاً طريقة ذات منهجية محددة لإنتاج السلع والخدمات وتسويقها، بالإضافة إلى ذلك تلعب التكنولوجيا دوراً هاماً في التأثير في الهيكل الإداري للمشروع وأهدافه، واستراتيجيات المنافسة المطبَّقة في المشروع، وقد تحدد التكنولوجيا معايير وقواعد نجاح الأعمال التجارية.

لنا أيضاً أن نعلم أنَّه لا يوجد حتى الآن مفهوم معتمد وموحَّد عالمياً للرقمنة؛ وسبب ذلك أنَّه لا يوجد تعريف متفق عليه لمصطلح "الاقتصاد الرقمي"، كما لا يوجد تصنيف صناعي أو اقتصادي محدد يوضِّح هذا المفهوم، وقلة عدد المنتجات من السلع والخدمات الخاصة بمنصات الإنترنت نسبياً، كل ذلك وأكثر كان من أكبر المعوقات التي تواجه عملية قياس الاقتصاد الرقمي.

شاهد بالفديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

أهمية الاقتصاد الرَّقمي:

وللاقتصاد الرَّقمي دور هام في كل مما يلي:

  1. يعزز إمكان وجود مجتمعات ذكية، تمتلك قدرات تربط جميع الجهات على تعددها واختلافها كالسلطات العامة، والحكومة، ومشاريع الأعمال الريادية وغيرها، والمواطنين كافة، كل ذلك في سبيل اتخاذ أفضل القرارات، والحد من عدم المساواة.
  2. التجارة الإلكترونية: أي استخدام الشبكات الإلكترونية وقنوات الاتصال الرَّقمية في بيع المنتجات.
  3. تعزيز البنية التحتية للبلاد؛ حيث يمنح الفرصة لبناء التجارة على قاعدة إلكترونية.
  4. تعزيز القدرة للاستفادة القصوى من التقنيات الموجودة لتنفيذ المهام المختلفة، ولضمان تحقيق فرصة للمشاركة في الفعاليات والنشاطات التي كانت بعيدة المنال في الماضي.
  5. استفادة روَّاد الأعمال من كافة التقنيات الرَّقمية المتاحة، والتي بدورها تغذِّي الاقتصاد الرَّقمي، وتتيح الفرصة لإنشاء منشآت، ومشاريع وشركات جديدة، وتقديم نماذج أعمال جديدة لم يكن من الممكن أن توجد قبل ذلك، أو كانت موجودة بحجم أصغر وأقل تطوراً في الأجيال الماضية.
  6. إظهار الفرصة والحاجة المُلِحَّة إلى المنظمات والأفراد، ودفعهم لاستخدام التقنيات الرقمية، لتنفيذ المهام التي كانت تتم تقليدياً أو يدوياً، لتنفَّذ تنفيذاً أفضل، وبجودة أعلى، وخلال فترة زمنية أقصر؛ أي بشكل أسرع.
  7. تشغيل النشاطات والمشاريع الاقتصادية من خلال الإنترنت دون الحاجة إلى التحريك الفعلي سواء للأفراد أم المؤسسات.
  8. الإسهام في تداول العقود الإلكترونية والذي يستوجب توفير الضمانات والبيئة الآمنة للأفراد من أجل إتمام معاملاتهم التجارية المختلفة؛ ونتيجة لذلك فقد تتقلص فاعلية وجدوى القوانين والتشريعات الحالية؛ أي النظام القانوني والمصرفي والتجاري، وهذا يفرض ضرورة إيجاد مجموعة من القوانين المحدثة للتعامل مع متغيرات الاقتصاد الرَّقمي. 
  9. نشر مجتمع المعلومات والمعرفة، وتشجيع بناء الحكومة الإلكترونية والشركات الإلكترونية والتجارة الإلكترونية والمصارف الإلكترونية والإدارة الإلكترونية.

بالإضافة إلى كل ما سبق، فإنَّ أهمية الاقتصاد الرقمي تزداد سنوياً وذلك بالنظر إلى الاقتصاد العالمي الإجمالي، وبسبب ازدياد ارتباطه ارتباطاً كبيراً جداً بالابتكار والتطوير والإبداع التكنولوجي؛ فقد قُدِّرَتْ قيمة الاقتصاد الرقمي عالمياً بما يقارب 3 تريليون دولار وذلك في عام 2010، وهذا مؤشر يدل على أنَّ هناك تهديداً مباشراً لمستقبل العديد من القطاعات الاقتصادية المنافسة، وأيضاً قد ارتفعت هذه القيمة لتصل إلى 11.5 تريليون دولار في عام 2016، وهو ما يعادل في ذلك الوقت 15.5% من إجمالي الناتج العالمي.

إقرأ أيضاً: مهارات القيادة الرقمية الضرورية في عصر العمالة الافتراضية

خصائص الاقتصاد الرَّقمي:

يتميز الاقتصاد الرَّقمي بعدد من الخصائص، نذكر منها ما يلي:

  1. يعمل على تسخير التكنولوجيا من أجل تحقيق الأهداف التنموية، ومن ثمَّ بناء مجتمع المعلومات، وزيادة الرصيد المعرفي والمعلوماتي للمؤسسات الاقتصادية.
  2. الارتباط القوي بالتغيرات الكثيرة التي تجري في البيئة الصناعية، ولاسيما ما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ إذ يؤثر كل منهما في الآخر إيجاباً.
  3. تعَدُّ المعلومات الرقميَّة مورداً استراتيجياً، فيما أصبح الإنترنت بمنزلة المبدأ التنظيمي والرئيس للاقتصاد في صورته العامة، في الوقت الذي يعمل فيه جيل جديد من التقنيات الرَّقمية على توليد كميات بيانات وأدوات هائلة تقدم الخدمات اللازمة لهذا المجال.
  4. اتِّباع مبادئ العوائد المتزايدة والتكاليف الحدية الصفرية أو شبه الصفرية.
  5. إظهار نماذج أعمال جديدة تحرص على الاستفادة من الأسواق ذات الجانبين، لاسيما تلك التي تنطوي على التعاون والمشاركة والديناميكيات التنافسية الجديدة، والتي تسيطر عليها الهيمنة بحيث يحصل الفائز على كل شيء.
  6. يعد الاقتصاد الرَّقمي نموذجاً ناشئاً للإنتاج الصناعي، يشتمل على عمليات إنتاج قصيرة للسلع المخصَّصة بكميات كبيرة، مع الربط الشبكي للقدرات الإنتاجية وتجزئة خطوط الإنتاج، وطمس الحدود بين المنتجين والبائعين والمستهلكين من جهة والصناعة وقطاع الخدمات من جهة أخرى.
  7. يمثِّل الاقتصاد الرَّقمي ثورة في الحسابات الربحية العائدة للاستثمارات التكنولوجية، التي تعتمد على خفض تكلفة الأجهزة والبرامج المقترنة بقفزة في الأداء والكفاءة الإنتاجية، مع الربط بين السبب والنتيجة، خاصة على صعيد الابتكار التكنولوجي والمكاسب الإنتاجية.
  8. الحاجة إلى مجتمع واعٍ والذي يعرف بمجتمع المعلوماتية، وإلى زيادة إعداد الحواسيب الإلكترونية، واستخدامها في المعاملات والوظائف، وزيادة عدد المشتركين في الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت)، وتطوير استخدام البرمجيات الجاهزة، وإدارة الموارد البشرية والنشاطات التعليمية والتدريبية.
إقرأ أيضاً: التطوير المهني الإلكتروني

في الختام:

وبهذا نكون قد أشرنا إلى أهم النقاط الأساسية في التعرف إلى الاقتصاد الرقمي، لإدراك معناه ومفهومه وأهمية هذا الاقتصاد الجديد والمتطور، وأهم الخصائص التي تتعلق به.

وننصح كل من يبحث عن أفكار جديدة لمشروعه وبالذات روَّاد الأعمال وأصحاب الشركات الرَّائدة بأن يبذلوا كل ما لديهم من جهد للتعلُّم والتعرُّف إلى مزيد من المعلومات حول الاقتصاد الرقمي، فهو الوجه الجديد للاقتصاد العالمي.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة