مفهوم الإخلاص في العمل وأثره

لا يمكننا أن ننجح في أداء عملٍ ما حتى نتقنه ونخلص في أدائه، يجب علينا تذكُّر هذه العبارة جيداً ووضعها في أذهاننا؛ فالإخلاص في العمل سبب كلِّ نجاح، فالجميع في نهاية الأمر سيؤدون العمل الموكل لهم، والفارق الوحيد بينهم يكون بمدى إتقان ما قاموا به وبمدى الالتزام في إنجازه، وعن مفهوم الإخلاص في العمل وأثره وكيفية التعبير عنه كتبنا هذه السطور.



أولاً: ماذا يعني الإخلاص في العمل، وما أهميته؟

يعني الإخلاص في العمل القيام به على أكمل وجه وإتقانه وإنجازه دون خلل أو خطأ مع الالتزام بقواعد العمل وشروطه دون قيد أو شرط، وبطريقة تلبي طموح الإدارة ومصالحها، وعلى هذا فإنَّ الإخلاص أحادي الجانب؛ أي إنَّه ينبع من قلب الشخص ورغبته دون انتظار مكافأة على عمله؛ فالمخلص في عمله لا يشعر بأنَّ إخلاصه في عمله واجب عليه يؤديه فقط تجنباً للعقاب.

ينبع الإخلاص في العمل من منطلق أخلاقي بحت، وينطوي على معظم الصفات الحميدة، مثل النزاهة والأمانة والثقة بالنفس وغيرها، وبناءً على ذلك فإنَّ كل الجهود التي تبذلها الإدارات بهدف التحفيز والتشجيع على الإخلاص في العمل قد تكون غير مُجدية؛ فالمخلص في عمله لن يحتاج إلى دافع أو تحفيز ليكون كذلك.

لا يمكن حصر الإخلاص في العمل في نوع واحد من الأعمال أو مجال محدد عليه أن يكون شعاراً نرفعه في كل عمل نؤديه، وغالباً ما يرتبط الإخلاص في العمل بحبِّه، فكلَّما أحب الإنسان عمله أخلص فيه، وسعى إلى تأديته جيداً، ووضع كل طاقاته فيه، لكن لا يعني هذا الكلام أنَّ الأشخاص لا يخلصون في أعمالهم إلا إذا أحبوها؛ فالإخلاص مرتبط بأخلاق الشخص ومدى إيمانه.

 أهمية الإخلاص في العمل:

بالطبع إنَّ تأدية كل شخص لعمله بأفضل شكل هام جداً لأي مؤسسة أو شركة، وهذا ما يدفع الإداريون إلى البحث عن هؤلاء المخلصين والاتكال عليهم، وإعطائهم صلاحيات وتوكيلهم بمعظم المهام التي قد تفوق قدرتهم على الاحتمال أحياناً؛ وبذلك توجد عدة نقاط توضِّح أهمية الإخلاص في العمل وضرورته، وسنذكر منها:

  1. تطوير العمل والوصول إلى الأفضل فيه من النواحي كلِّها.
  2. التقليل من نسبة الخسارة والقضاء على التسيب.
  3. التخفيف من المصاريف والأعباء المادية الناتجة عن ضرورة الدفع إلى لجان المراقبة، أو بسبب إعادة العمل نتيجة الأخطاء التي يقع فيها العمال بسبب عدم إتقان أعمالهم.
  4. سيادة جو من الأمان والراحة في مكان العمل بسبب انشغال كل شخص بأداء عمله؛ فكل شخص رقيب على نفسه، وكل عمل نابع من ذات الشخص ولا يحتاج إلى من يذكره وينبِّهه كل لحظة.

شاهد: أسرار الإبداع والنجاح في العمل والحياة

ثانياً: ما هي علامات الإخلاص في العمل؟

توجد علامات ودلائل عديدة تشير إلى الأشخاص المخلصين في عملهم، وفيما يأتي سنجيب عن سؤال يتكرر دائماً، ما هي علامات الإخلاص في العمل؟

1. الأمانة:

تأتي الأمانة في مقدمة الدلائل والصفات التي تشير إلى أنَّ الشخص مخلص في عمله، والأمانة تعني الالتزام بالقواعد التزاماً ذاتياً ودون الحاجة إلى رقابة خارجية على الشخص؛ فالشخص الأمين لا يخادع ولا يراوغ ولا يستغل موقعه الوظيفي لتحقيق مصالح شخصية.

2. التقيد في مواعيد العمل:

الشخص المخلص في عمله لا يحتاج إلى مَن يذكِّره بموعد بدء عمله، لا يحتاج من ينبهه لضرورة عدم التغيب، فهو يفعل كل هذه الأشياء، ويلتزم بالدوام بدافع إخلاصه في عمله وحبه له، كما أنَّه لا يتهرب من العمل، ولا يكذب في تقاريره، ولا يزوِّر ساعات دوامه، ويعطي معلومات دقيقة عن ساعات إنتاجه.

3. الصدق:

مفهوم الصدق في العمل ينطوي على عدد كبير من الصفات ويشمل تصرفات وسلوكات عديدة؛ فالشخص الصادق في عمله هو شخص نزيه لا يُزيِّف المعلومات التي تتعلق بعمله، وإن كان فيها بعض التقصير منه يعترف بخطئه.

لأنَّ النزاهة والصدق مرتبطان ارتباطاً وثيقاً ببعضهما؛ فيمكننا القول إنَّ الشخص النزيه في عمله يحافظ على ممتلكات الشركة أو المؤسسة التي يعمل بها، ويَعُدُّ ممتلكاتها كأنَّها ممتلكات شخصية له، وإضافةً إلى هذا كلِّه؛ فالصدق والنزاهة ينعكسان انعكاساً مباشراً على عملية التنافس التي تجري في العمل، فتجدهم متمسكين كثيراً بالمنافسة الشريفة والأخلاق.

4. عدم المماطلة:

الشخص المخلص في عمله يعرف جيداً أنَّ الالتزام بموعد تسليم عمله من أهم الأمور التي عليه مراعاتها وتحقيقها، فهو حريص حرصاً كاملاً على تحقيق أهداف الشركة، وتنفيذ المهام الموكلة له في الوقت المحدد دون مماطلة أو تأجيل أو تأخير يؤثر سلباً في مكان عمله، وفي حال كانت لديه عقبات حقيقية تواجهه يعترف بها، ويُخبر الإدارة عن الأمر.

5. لا يحتاج إلى مراقبين:

الشخص الذي يعدُّ الإخلاص في العمل مبدأً في حياته لا يحتاج إلى مراقب، لا يحتاج إلى مَن يذكِّره بمهامه وواجباته، وإخلاصه نابع من شخصه، ومن ذاته، وليس خوفاً من العقاب، ويمكننا هنا ذكر مثال؛ ففي معظم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية يوظَّف شخص بمهمة مراقب دوام، وعلى الرَّغم من ذلك، فإنَّ معظم الناس يستطيعون إيجاد الحيل للتهرب من عملهم أو عدم الالتزام بالمواعيد.

هذا يعني أنَّ وضع حدٍّ لتجاوزات العاملين صعب جداً إن لم تكن رقابتهم ذاتية ونابعة من أنفسهم ومن التزامهم؛ وبذلك فإنَّ الالتزام بالعمل دون وجود رقابة على الشخص من أكثر الدلائل والإشارات على إخلاص الشخص في عمله.

6. محبوب:

من الإشارات والدلائل أيضاً على الإخلاص في العمل كون الشخص محبوباً بين زملائه، ويرجع هذا لالتزامه بعمله، وعدم الاتكال على غيره، إضافةً إلى هذا، وبسبب صفاته الحميدة الأخرى، فهو يحافظ على جوٍّ من الهدوء في العمل، ويمتص التوتر، ويحل المشكلات، ويساعد الجميع، فهو أيضاً شخص مرن ومحب للمساعدة، ويقدِّر أهمية التعاون وضرورته، وبهذا يكسب حب الإدارة أيضاً.

7. جدير بالثقة:

غالباً ما تضع الإدارة ثقتها بالشخص المخلص في عمله، فهي تعرف تماماً أنَّه يستحق هذه الثقة، وأنَّ الجهد الذي يبذله لا يبذله بهدف أخذ مكافأة أو تحقيق ربح ما؛ بل كما ذكرنا أكثر من مرة؛ لأنَّ أخلاقه عالية جداً، والتزامه بعمله وإخلاصه له مبدأ ثابت عنده.

ثالثاً: أثر الإخلاص في العمل

لا تتوقف الآثار الجيدة للإخلاص في العمل على المؤسسة والشركة التي يعمل بها الشخص؛ بل تنعكس عليه شخصياً أيضاً.

أثر الإخلاص في العمل وفي الشركة أو المؤسسة:

  1. يسود الهدوء والراحة في جو العمل، مما ينعكس إيجاباً على نفسية جميع العاملين، فيزيد الإنتاج ويتحسِّن.
  2. عدم الحاجة إلى الرقابة الدائمة؛ فالإخلاص في العمل يعطي الإدارة الثقة بعمالها، فيقتصر دورها على الإشراف العام أو التقييم بعد الانتهاء من العمل دون الحاجة إلى متابعة كل خطوة ومراقبتها.
  3. من آثار الإخلاص في العمل على الشركة أيضاً عدم الخوف من التغيير أو من الظروف الاستثنائية؛ فالشركات تدرك تماماً أنَّ الأشخاص المخلصين في أعمالهم لن يتركوا شركتهم في مرحلة حرجة أو في مرحلة تغيُّر.
  4. النجاح والتطور دائماً مع التخفيف من الجهد والأعباء المادية.

شاهد: 10 مهارات ناعمة تساعدك على تحسين حياتك المهنية

أثر الإخلاص في العمل وفي العامل:

  1. يكسب ثقة محيطه في العمل من إدارة وموظفين، وهذه الثقة أجمل مكافأة قد يحصل عليها المخلص في عمله.
  2. إذا كان المخلص في عمله في فريق، فسوف يكسب فريقاً ناجحاً وملتزماً ومحبَّاً وقادراً على إنجاز مهامه بسرعة وتميُّز.
  3. الترقية في العمل.
  4. بناء علاقات متينة مع الجميع؛ فالشخص المخلص في النهاية هو شخص خلوق يحب الجميع التقرب منه وبناء علاقات معه.
  5. الشعور بالرضى وتحقيق الذات، فحتى كلمة الثناء تكون بالنسبة إليه ثناءً ومكافاةً تعزز ثقته بنفسه وتزيد من رغبته في العمل.
  6. النجاح؛ فلا يمكن لشخص مهما بلغ من المكر والخداع تحقيق نجاح دائم وثابت؛ فالنجاح في العمل والسمعة الطيبة وحب الجميع هي نتائج لن تصل إليها إن لم تكن مخلصاً في عملك.
إقرأ أيضاً: علم المترولوجيا: تعريفه ومجالاته واستخداماته

رابعاً: نصائح تساعدك على التعبير عن إخلاصك في عملك

قد تكون من الداخل شخصاً نزيهاً ومحباً لعملك ومخلصاً له؛ لكنَّك لا تستطيع ترجمة هذه المشاعر إلى سلوكات وتصرفات على أرض الواقع؛ لذلك سنقدم لك مجموعة نصائح تساعدك على التعبير عن إخلاصك في عملك:

  1. التزم بمواعيد الحضور إلى العمل ومواعيد الخروج منه.
  2. حاول الابتعاد عن الغياب المتكرر دون إذن أو طلب الإجازات دون سبب حقيقي.
  3. لا تضيِّع وقتك في أثناء أداء مهامك حتى تنجزها في الوقت المحدد لتسليمها.
  4. لا تبدأ بمهمة ما أو عمل مطلوب منك حتى تفهم تماماً المطلوب منك حتى لا تضيع وقتاً للبحث والسؤال بعد البدء بالتنفيذ.
  5. لا تخرب ممتلكات الشركة، وكن أميناً عليها، وإن تعرَّضت لحادثة ما لا تتردد بالاعتراف بذلك، وإيَّاك ومحاولة التزييف أو الكذب والخداع لتتجنب عقوبة ما.
  6. كن متعاوناً ومحباً مع الجميع.
  7. كن مروناً، فإذا واجهت الشركة ظرفاً استثنائياً لا تكن جامداً في تعاملك مع هذا الظرف؛ بل عليك أن تجد الحلول المناسبة لتثبت إخلاصك لعملك، مثلاً قد تكون في موعد مع صديق واحتاجت الشركة بسبب ظرف طارئ إلى بقائك في العمل، وفي هذه الحالة الاعتذار من الصديق أو تأجيل الموعد أفضل من تقديم أعذار إلى مديرك.
إقرأ أيضاً: علم الفيزياء: تعريفه، وتخصصاته، ومجالاته، وأشهر علمائه

في الختام:

على الرَّغم من تأثُّر الإخلاص في العمل بكثيرٍ من العوامل المحيطة بنا داخل بيئة العمل، مثل الراتب أو طبيعة المدير أو نوعية الزملاء أو مدى حبنا لعملنا، إلا أنَّ الأخلاق هي الجوهر الحقيقي والمنطلق الأول الذي يدفعنا إلى أن نقوم بواجبنا وأعمالنا على أكمل وجه، ونكون مخلصين ومتعاونين؛ لذا تذكَّر دائماً أنَّ النجاح الحقيقي لن يتحقق إلا بسبب الإخلاص في العمل، وأنَّ النجاح الذي يحصده أحد ما بالمكر والخداع هو مجد زائف لن يطول ولن يستمر.




مقالات مرتبطة