مشكلة التعاطف: كيف نتفهَّم الآخرين؟

لقد ارتكبت خطأً في مدى تفهمي للآخرين كلفني عشرات الآلاف من الدولارات؛ لم يكن الخطأ في سوء خدمة العملاء، أو في شراكةٍ فاشلة؛ بل كان أبسط من ذلك بكثير؛ إذ إنني لم أكن أفهم الطريقة التي يقرأ بها الناس المدونات.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب سكوت يونغ (Scott H Young)، ويخبرنا فيه عن تجربته في تفهُّم الآخرين.

لقد اعتقدت أنَّ الناس يقرؤون المدونات كما أفعل أنا، يشتركون في عدد قليل فقط، وتكون قائمة المقالات غير المقروءة فارغة في الغالب؛ فأنا عندما أتوقف عن قراءة مدونة، أُلغي اشتراكي بها، وعادةً ما أعتمد بشكل أكبر على خدمة توصيل آخر الأخبار (RSS) الخاصة بي أكثر من تفقُّد صندوق الوارد الخاص ببريدي الإلكتروني الذي يتلقى مئات الرسائل كل يوم.

لكن اتضح لي أنَّني كنت مخطئاً؛ وذلك لأنَّ الناس يولون اهتماماً أكبر بالبريد الإلكتروني، وقد كنت أتلقى ردوداً على نشراتي الإخبارية عن طريق البريد الإلكتروني أكثر من التعليقات التي تتلقاها المدونة على الرغم من وجود جزء صغير فقط من المشتركين؛ هذا أولاً، وثانياً، يلغي بعض الأشخاص اشتراكاتهم في خدمة توصيل آخر الأخبار (RSS)، مما يعني أنَّ قراءة البريد الإلكتروني تتم، بينما لا تتم قراءة الأخبار الواردة من خدمة (RSS).

لأنَّني لم أفهم طريقة قراءة الناس للمدونات، أمضيت السنوات الأربع الأولى بعد إنشاء مدونتي في التأكيد على استخدام خدمة توصيل آخر الأخبار (RSS)، واستناداً إلى معدلات الاشتراك في مدونتي، من المحتمل أنَّني خسرت الآلاف من المشتركين والأموال.

أخطاء تفهُّم الآخرين: لماذا نفشل في فهم الناس؟

لقد أخطأت في تفهُّم الآخرين: فشلت في فهم كيف يفكر الناس، فعلى الرغم من أنَّنا نظن أنَّ أخطاء التفهم ناجمة عن عدم اهتمامنا بالآخرين، إلا أنَّ هذا ليس هو الحال؛ إذ لم يكن تحيزي تجاه خدمة توصيل آخر الأخبار لأنَّني لم أكن أهتم بقرَّائي، ولم يكن ذلك أيضاً بسبب افتقاري للحس السليم.

إنَّ المشكلة الحقيقية للتفهم هي أكثر دقة وأكثر تكلفة مما نتخيل؛ فنحن جميعاً نتذكر الأيام التي فشلنا فيها بسبب ضعف التواصل، لكن لا يمكننا تذكُّر كل العلاقات التي لم تبدأ أصلاً لأنَّنا لم نغتنم الفرصة.

تمتد مشكلة تفهُّم الآخر إلى ما هو أبعد من مشكلة العلاقات فقط؛ فكل من التصميم والبرمجة والمبيعات وحتى كتابة البريد الإلكتروني كلها ترتبط بقدرتنا على التواصل وفهم طريقة تفكير الناس؛ وقد لاحظت أنَّ معظم حالات فشل تفهم الآخرين تقع ضمن فئتين بافتراض أنَّك تحاول بالفعل فهم الشخص الآخر:

  1. الاعتقاد بأنَّ الآخرين يفكرون مثلك، عندما تكون الحقيقة غير ذلك.
  2. عدم فهم كيف تفكر أنت فعلياً.

كانت قصتي مثالاً واضحاً على الحالة الأولى، وبالطبع، إذا استخدم معظم الأشخاص خدمة توصيل آخر الأخبار (RSS) كما فعلت أنا، فستكون استراتيجيتي صحيحة؛ فأنا غالباً ما أتصفح رسائل البريد الإلكتروني في عَجَلٍ، ولكنَّني أقرأ تقريباً كل مقال أو ألغي اشتراكي.

كان فشلي في تفهُّم الآخرين هو استخدام نفسي بصفتي نموذجاً لهم، وفي الحالة الثانية، لديك نسخة مثالية من كيفية تفكيرك وتصرفك، لكنَّها لا تتناسب مع الواقع.

كان عليَّ بصفتي كاتباً أن أدرِّب نفسي عن قصد لأفهم أنَّ جميع الناس تقريباً متسرعون في أثناء القراءة، ويبدو هذا غير طبيعي لأنَّك، بعد قضاء الكثير من الوقت في الكتابة، تعتقد أنَّ الناس سيهتمون بكل كلمة كتبتها، فالكتَّاب الجيدون قادرون على فصل أنفسهم عن كتاباتهم ورؤية عملهم من وجهة نظر القارئ.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

تحسين القدرة على تفهم الآخرين:

إذا كانت مشكلات التفهم مكلفة للغاية، فكيف يمكنك علاجها؟

القاعدة الأولى الجيدة هي مراقبة ما يفعله الناس، وليس ما يقولونه؛ فأنا دائماً ما أكون متشككاً في أي استطلاعات تعتمد على آراء الناس المعلنة، فالآراء المعلنة متحيزة، ونحن نكشف عن أنفسنا من خلال أفعالنا.

يوجد مثال جيد كان مقالاً كتبته عن إضافة نافذة الاشتراك المنبثقة في الجزء السفلي من موقعي على الويب؛ وكانت معظم التعليقات سلبية، وهو ما أفهمه تماماً، لكنَّ هذا لا يعني أنَّها لم تنفع؛ فقد زاد عدد المشتركين الجدد كل يوم من اثنين إلى 20-30، وهذه زيادة بمقدار عشرة أضعاف دون أي تأثير ملحوظ في حركة ارتياد الموقع.

هذا لا يعني أنَّ المعارضين كانوا مخطئين - كنت أحدهم - فسهولة الاستخدام هامة وما زلت أحاول جعل النافذة المنبثقة أكثر سهولة في الاستخدام، ومع ذلك، لا بد من وجود مَن يراها مفيدة وإلا لما حصلتُ على نتائج أفضل بكثير.

أعتقد أنَّ السلوك ينطبق على الحالة الثانية من فشل تفهُّم الآخر: فالناس لا يفهمون حقاً أفعالهم؛ فنحن نعدُّ أنفسنا كائنات عقلانية وذكية إلى حد كبير، لكنَّ عمليات التفكير الفعلية لدينا تصبح أكثر اندفاعاً وأسهل تحيزاً.

إقرأ أيضاً: كيف تصبح أكثر سعادة من خلال تفهُّم الآخرين؟

تجنَّب الانتباه غير المتوازن:

الاستدلال الجيد الآخر هو أن تنتبه عندما تجد نفسك مهتماً أكثر من الشخص الآخر؛ فأنا عندما أكتب خطاب مبيعات، على سبيل المثال، أقضي ساعاتٍ في محاولة اختيار الكلمات المناسبة، لكن في النهاية سيقرأها القارئ بدقيقة أو دقيقتين؛ وهذا يعني أنَّه من السهل تفويت المعلومات الأكثر وضوحاً والتركيز على التفاصيل التي لا تهم القارئ.

يوجد مثال آخر وهو كتابة بريد إلكتروني إلى شخص يتلقى عدداً هائلاً من رسائل البريد الإلكتروني؛ فقد يكون لديه بضع ثوانٍ فقط لتصفح البريد الإلكتروني لمعرفة ما إذا كان يستحق الرد.

يتطلب التعامل مع الانتباه غير المتوازن الكثير من الاختبارات والقدرة على تقبُّل النقد، ومعرفة أنَّ الخطأ يتمثل في المبالغة في الاستنتاجات والاستدلالات التي قد تكون خاطئة، ولقد ارتكبت خطأ في الماضي بافتراض فشل خطاب مبيعات ظناً مني أنَّ المنتج كان محكوماً عليه بالفشل، أو أنَّ رسالة بريد إلكتروني لم تتلق أي رد لأنَّ الشخص كان غير مهتم، لكن في حقيقة الأمر، قد يكون السبب ببساطة هو أنَّ عنوان الرسالة غير لافت للنظر.

إقرأ أيضاً: أهمية التعاطف في جعل العالم أكثر لطفاً

في الختام: تعلَّم تفهُّم الآخرين

عادةً ما ننظر إلى التفهم على أنَّه شيء غريزي؛ وأنَّه شيء إما أن تكون جيداً فيه، أو أنَّك لست كذلك، لكنَّني أفضِّل أن أراه شيئاً مكتسباً بالخبرة؛ هذا يعني أنَّ الطريقة الوحيدة المؤكدة لتكون أكثر تفهماً هي التفاعل مع الناس باستمرار، وأعتقد أنَّ معظم مشكلات تفهُّم الآخرين الدقيقة والمكلفة، تنبع من عدم قضاء الوقت الكافي في التفاعل مع الأشخاص الذين تحاول فهمهم.

تكمن مشكلة تفهم الآخر في أنَّنا لا نعتقد أنَّها هامة بما فيه الكفاية؛ فنحن نستثمر مئات الساعات في محاولة الحصول على نتائج - في الأعمال والعلاقات والحياة - ووقتاً أقل في محاولة فهم كيف يفكر الآخرون ويشعرون، لكن إذا كنا نحصل على النتائج من الآخرين، فإنَّ تفهمهم هو أهم ما نحتاج إليه.

المصدر




مقالات مرتبطة