مرض الوسواس القهري وعلاقته بالتهاب اللوزتين

يُعدُّ الوسواس القهري من أكثر الاضطرابات التي تعوق حياة الفرد، والتي تجعله يعيش مع الوساوس داخل عقله، فتصبح حياته محاولة يائسة لمقاومة الوساوس بأفعال قهرية، فنجد المريض يدور في دائرة معيبة لا تنتهي.



ما هو الوسواس القهري؟

إنَّ الوسواس القهري نوع من الأمراض النفسية المتعلقة بالقلق، ويتميز بمخاوف مبالغ فيها، وأفكار غير منطقية؛ أي وسواسية، تدفع المريض إلى تكرار بعض الأفعال بشكل إجباري؛ أي قهري، ما يشكل عقبة كبيرة في طريق إكمال حياته اليومية.

غالباً يكون المصابون بالوسواس القهري مدركين حقيقة أنَّ أفعالهم الوسواسية هذه مبالغ فيها وغير منطقية، فيحاولون تناسيها أو تجاهلها، لكنَّ هذه المحاولات اليائسة تزيد شعور المريض بالقلق والضيق؛ لذا تُعدُّ هذه التصرفات القهرية إلزامية للتخفيف من الشعور بالانزعاج والضيق.

إنَّ من أهم السمات البارزة للوسواس القهري أنَّه يهدر كمَّاً هائلاً من الوقت.

كيف يدافع الدماغ عن نفسه في مواجهة الوسواس القهري؟

يقوم الدماغ برد فعل تجاه هذا الاضطراب، فيبتكر وسائل وحيل دفاعية مثل:

  1. الإنكار: حيث يحاول إقناع نفسه، أنَّ مقاومة الوساوس ستؤدي إلى حل المشكلة، وأنَّ مشكلته لن تستمر.
  2. فصل العواطف والمشاعر عن الأفكار: حيث يحاول المريض فصل ما يشعر به عمَّا يفكر فيه، في محاولة يائسة للسيطرة على عقله، وعدم الخضوع لأهواء الوساوس.
  3. التكوين العكسي: أفعال وكلام مبالغ فيه، في محاولة من المريض لعكس ما يعتمل في داخله.

ما هي أكثر السلوكات القهرية انتشاراً؟

  1. استحمام المريض أو غسل يديه بشكل متكرر.
  2. تجنُّب مصافحة الناس أو حتى لمس مقابض الأبواب.
  3. تكرار تفقُّد أغراض المنزل بشكل غير منطقي، مثل أقفال الأبواب أو مواقد الغاز.
  4. العد بشكل دائم، سواء بالهمس أم بصوت مرتفع، في أثناء ممارسة الأعمال اليومية الروتينية.
  5. التأكيد الدائم على تنظيم وترتيب الأغراض المنزلية، والتشديد على ذلك بصورة ثابتة.
  6. تناول أغذية معيَّنة بشكل دائم، وفق ترتيب ثابت لا يتبدل أبداً.
  7. تلعثم النطق في أثناء التحدث، فضلاً عن التهيؤات والأفكار المقلقة والمزعجة التي لا تزول وحدها، وتسبب للمريض اضطراباً في النوم.
  8. تكرار جمل وكلمات ومصطلحات معيَّنة.
  9. جمع أشياء ليس لها أيُّ قيمة، والاحتفاظ بها وتكديسها.

شاهد بالفديو: أسباب الوسواس القهري وأعراضه وعلاجه

ما هي مخاطر ومضاعفات الوسواس القهري؟

  1. صعوبات كبيرة في العلاقات الاجتماعية.
  2. عجز المريض عن الذهاب إلى المدرسة أو العمل.
  3. اكتئاب وأمراض نفسية أخرى.
  4. أفكار وأفعال انتحارية.
  5. أكزيما جلدية بسبب غسل اليدين بشكل دائم.

أنواع الوسواس القهري:

الببلومانيا أو هوس الكتب:

هو أحد الأنواع المميزة من الوسواس القهري، ويسميه بعض الأطباء "داء المثقَّفين"؛ حيث يشعر المريض بالبهجة عندما يرى الكتب، ناهيك عن هوسه بتجميعها.

متلازمة التحذلق اللغوي:

هي واحدة من أكثر أنواع الوسواس القهري غرابةً، والتي تجعل صاحبها يصحح أيَّ خطأ نحوي أو إملائي عند رؤيته، مهما كان هذا الخطأ بسيطاً أو صغيراً.

متلازمة المرآة المكسورة:

تجعل هذه المتلازمة المريض يرى نفسه في المرآة بهيئة مشوهة؛ الأمر الذي يؤثِّر بشكل كبير في ثقته بنفسه وحالته النفسية.

متلازمة توريت:

تُعدُّ من أغرب أنواع الوسواس القهري الشائعة جداً، وهي مجموعة من الحركات التكرارية اللاإرادية، أو الأصوات المكروهة من قبل صاحبها، ولكنَّه لا يستطيع السيطرة عليها.

متلازمة التخزين القهري:

وتُعرف أيضاً باسم "اضطراب الاكتناز"، وهي حالة تجعل المريض يُفرِط في تخزين الأغراض والحاجيات، ويصبح من الصعب جداً عليه التخلي عن أيِّ غرض، ولو لم يكن بحاجة إليه.

إقرأ أيضاً: 5 قواعد ذهبية لتُرتب منزلك

هوس نتف الشعر:

يُعدُّ نوعاً غريباً من أنواع الوسواس القهري، والتي تجعل المريض يشعر بالبهجة والسعادة بعد أن يقوم بنتف شعره.

هوس التسوق أو الشراء القهري:

هو أحد أكثر أنواع الوسواس انتشاراً بين النساء، والذي يجعل المريضة ترغب بشكل ملحٍّ ومستمر في شراء الأغراض الضرورية وغير الضرورية، وإنفاق نقودها حتى لو كانت لا تملك الكثير.

وسواس السرقة:

يُنظر إلى هذا النوع من الوسواس على أنَّه مرض نفسي، يجعل المريض يسرق لا إرادياً من الأسواق والمحلات أشياء مختلفة، قد تكون بلا أيِّ قيمة.

هوس الحب القهري:

يُدعى أيضاً "وسواس العشق"، وهو حالة مرضية تجعل المريض يتوهَّم بأنَّه في علاقة غرامية مع أحد الأشخاص، وقد تتفاقم الحالة إلى حدِّ الهوس.

متلازمة تشوه صورة الجسم:

تجعل هذه الحالة النفسية المريض يشعر بالخجل والحرج الشديدين من نقائص وعيوب في الشكل الخارجي لجسده، لا يلاحظها أحد سوى المريض نفسه، أو قد تكون تلك العيوب صغيرة وبسيطة لا تُذكَر.

هل يمكن أن يسبب التهاب اللوزتين اضطراب الوسواس القهري؟

قد يكون السؤال غريباً، غير أنَّ جوابه أغرب؛ إذ عادةً ما يُشفى معظم الأطفال بشكل كامل، من دون أيِّ عقابيل تنتج عن التهاب اللوزتين بالعقديات، لكن وجد الأطباء أنَّ فئة صغيرة من الأطفال - خاصة ممَّن أُصيبوا بالتهاب اللوز المتكرر - تطورت لديهم اضطرابات سلوكية، يعتقد الأطباء أنَّها ناجمة عن داءٍ مناعي ذاتي، تَحرَّض بسبب رد مناعي موجَّه تجاه بروتين العقديات، والذي يشابه البروتين الذي يدخل في تركيب الخلايا العصبية؛ الأمر الذي يؤدي إلى تغيُّر وضع الطفل بشكل مفاجئ، فيصبح متوتراً وقلقاً ومتقلب المزاج، وتنتابه سلوكات وتصرفات وسواسية، كما من الممكن أن يعاني من تشنجات لا إرادية.

من الجيد أنَّ معظم الأطفال الذين تتطور لديهم هذه التغيرات النفسية بعد التهاب اللوز، يتماثلون إلى الشفاء بشكل كامل بالعلاج المناسب، والذي يتضمن: صادَّات حيوية، ومضادات الالتهاب اللاستيروئيدية مثل البروفين أو حتى الستيروئيدات الفموية، وبينما تقوم الصادَّات بالقضاء على الجراثيم، لا بدَّ من دعم هذه الأدوية بعلاج معرفي سلوكي للتعامل مع السلوكات، والأفكار الوسواسية، والتشنجات الحركية، وقد يلجَأ الأطباء أحياناً إلى الأدوية المضادة للاكتئاب، وفصادة البلازما، كعلاجات داعمة ومتممة.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لعلاج انحراف الوتيرة والتهاب اللوزتين

كيف نعالج الوسواس القهري؟

يوجد نوعان من العلاج الفعَّال للوسواس القهري، ويمكن للطبيب المعالج أن يدمج بينهما؛ لأنَّ ذلك من شأنه أن يساعد المريض على التحسن والتخلص من الأعراض المزعجة في أقل وقت ممكن.

● العلاج الدوائي للوسواس القهري:

ويكون عن طريق مثبطات عود امتصاص السيروتونين؛ حيث تعمل هذه الزمرة من الأدوية على زيادة تركيز السيروتونين المتاح في مناطق محددة في الدماغ، ذات علاقة باضطراب الوسواس القهري.

ولكن هذه الزمرة الدوائية تستغرق فترة زمنية طويلة نسبياً تتراوح بين 8 إلى 12 أسبوعاً، لكي تكبح أعراض الوسواس القهري؛ لذلك قبل مرور هذه الفترة لا يمكن الحكم على الدواء بالفشل في حال عدم زوال الأعراض.

● العلاج السلوكي المعرفي للوسواس القهري:

إنَّ الخطوة الأولى في أيِّ معالجة للوسواس القهري، هي أن نشرح للمريض آلية المرض ونفسر له أسباب الأعراض التي يعاني منها، والفكرة المهمة هنا، أن نتأكد أنَّ المريض يدرك بأنَّ اضطراره الملحَّ إلى القيام بالطقوس الوسواسية هو أمر مماثل للإدمان، وأنَّه لو استمر في الانصياع لها فلن يشفى.

في العلاج السلوكي المعرفي، يقوم المعالج النفسي بشرح الاضطراب لأسرة المريض، فضلاً عن شرح سُبل علاجه أيضاً؛ ذلك لأنَّه في الكثير من الحالات، تتعاون عائلة المريض مع الطقوس الوسواسية التي يقوم بها، بغرض تجنب الشجارات والخلافات المزعجة التي قد تنجم عن أيِّ معارضة لها.

على سبيل المثال، عندما يدخل أزواج مرضى الوسواس القهري إلى البيت، فقد يسرعون فوراً بأخذ حمام تنفيذاً لرغبة الشريك المريض، وذلك من أجل تجنب المشاجرات، أو لتجنيب المريض القلق الذي سيصيبه في حال شعوره أنَّ البيت غير نظيف.

وعلى الرغم من أنَّ نيَّة شركاء المريض حسنة، وحتى منطقية بالنسبة إلى الذين لا يمتلكون ثقافة نفسية طبية، لكنَّهم بالطبع لا يدركون أنَّهم بهذا الأسلوب، يسهمون في مفاقمة المشكلة.

كخطوة أولى وأساسية في العلاج، يقوم المعالج النفسي بإرشاد أفراد العائلة بشكل واضح وصارم، بالامتناع عن مساعدة المريض للقيام بهذه الطقوس.

يرتكز العلاج السلوكي المعرفي هنا، على تحطيم العقدتين الأساسيتين عند مرضى الوسواس القهري:

  • العلاقة بين المحرض - القذارة، الفوضى، انعدام التناظر - وبين الإحساس بالقلق.
  • العلاقة بين هذا القلق، وبين الطقوس الوسواسية التي تخفف من القلق.

ولكسر هاتين العلاقتين، يستخدم الطبيب النفسي تقنية نفسية سلوكية تُدعى التعرض ومنع الاستجابة؛ حيث تستند هذه التقنية بالأساس إلى التعريض المتدرج والمتكرر للعامل المحرِّض للقلق، ثم منع المريض من القيام بالطقوس.

على سبيل المثال، جعل المريض يلمس منطقة ملوثة مثل الحمام أو لباس قديم، ثم منع المريض من غسل يديه بعد ذلك؛ حيث يعتمد هذا الأسلوب في العلاج على مبدأ بسيط، وهو أنَّ التوتر يقلُّ بشكل طبيعي عندما يتعرض المريض فترة زمنية كافية للعامل المحرِّض للقلق.

وعلاوة على ذلك، يوجد علاج سلوكي معرفي لأفكار المرضى الذين يعانون من الوساوس، حيث يتعلم المريض أن يصحح اضطرابات التفكير لديه؛ كاعتقاده مثلاً أنَّ الفكرة التي يفكر فيها حول موضوع ما سوف تتحقق على أرض الواقع، أو أنَّ توتره هذا سيستمر إلى الأبد، أو أنَّه إن لم يؤدِّ الطقوس الوسواسية فإنَّه سيصاب بمرض خطير، أو أنَّ أداء الطقوس يمنع الضرر.

في الختام:

يجب أن نكون قد تعلَّمنا كيف نتعامل مع مريض الوسواس القهري، وأنَّه كأيِّ مرض نفسي آخر، يستحوذ على المريض ويجبره على أن يكون في هذه الحالة التي تعوق قدرته على الاستمتاع بالحياة؛ لذا يجب علينا تبرئة المريض من أيِّ ذنب، فما يحدث خارج عن نطاق إرادته.

ومن الضروري أيضاً، أن ننصح المريض بمتابعة طبيب نفسي مختص، فضلاً عن مرافقته ودعمه نفسياً، والالتزام بالتعليمات التي يقولها الطبيب.

المصادر:




مقالات مرتبطة