مدمِّرات شخصية الطفل: ماهي؟ وكيف نتجنبها؟

"لقد ضربَنا آباؤنا ولم يحدُث لنا شيء"، هذا الجواب يتردد تلقائياً في التعليقات على أي محتوى تربوي ينادي بعدم ضرب الطفل، ويتحدث عن الآثار الجانبية السيئة والكثيرة لضرب الطفل في صحته النفسية والجسدية، ويهمل المعلِّقون أمراً جوهرياً وهو اختلاف كل جيل عن الجيل الذي يسبقه، وبكل تأكيد عن الجيل الذي يليه، ولو أنكرنا آثار الضرب النفسية العالقة في شخصيات الذين تعرضوا له من أبناء جيلنا، لن نستطيع أبداً إنكار حساسية هذا الجيل المضاعفة مقارنة بالأجيال التي سبقته، الأمر الذي يتطلب منا حذراً مضاعفاً لئلا تكون تصرفاتنا العفوية التي ورثناها عن أهالينا سبباً في تدمير شخصيات أطفالنا.



قال الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه: "لا تربوا أطفالكم كما رباكم آباؤكم، فهم خُلقوا لزمان غير زمانكم"، وهذا يؤكِّد أنَّ مدمِّرات شخصية الطفل أمس غير مدمِّرات شخصية الطفل اليوم، فما هي مدمِّرات شخصية الطفل اليوم؟ وكيف نتجنبها؟ هذا ما سنتعرف إليه في هذا المقال.

ما هي مدمِّرات شخصية الطفل؟

إنَّ مدمِّرات شخصية الطفل هي مجموعة من الأقوال أو الأفعال التي يرتكبها المُربي بحق الطفل، فتكون سبباً في زعزعة ثقته بنفسه وتدمير كيانه، وقد لا يلاحظ المُربي الآثار الكبيرة للأفعال في شخصية الطفل في الوقت الحالي؛ لكنَّ تكرارها واستمرارها سيترك بالتأثير ندوباً لا تُمحى.

من أبرز مدمِّرات شخصية الطفل نذكر ما يأتي:

1. الضرب والعنف الجسدي:

يُعدُّ العنف الجسدي من أبرز مدمِّرات شخصية الطفل، ويشمل العنف الجسدي الضرب والعقاب الذي يمس جسد الطفل؛ فيسبب له الألم النفسي والجسدي، ولا يوجد أسوأ من ضرب الطفل سوى ضربه أمام الآخرين، وهذه السلوكات من شأنها أن تهز ثقته بنفسه، وتشوه مفاهيمه عن الخصوصية، وتجعله يظن أنَّ فعل الضرب عادي، فيقبله من أي شخص كان ويمارسه بحق الآخرين.

إقرأ أيضاً: 7 تصرفات تفسد تربية الطفل حاول أن تتجنبها

2. الانتقاد اللاذع والاستهزاء والمقارنة بالآخرين:

يُعدُّ النقد اللاذع من أكثر مدمِّرات شخصية الطفل، هذه الطريقة التي غالباً ما يلجأ الآباء إلى استخدامها في حال اقترف الطفل خطأ ما، وإنَّ الطريقة المثلى في التعامل مع المواقف التي يقترف فيها الطفل خطأ ما، هي تنبيهه إلى هذا الخطأ وتعليمه الطريقة الصحيحة لتنفيذ الأمر؛ لأنَّ النقد المفرط وخاصة أمام الآخرين وبطريقة لاذعة يتسبب في تقليل ثقة الطفل بنفسه وشعوره بالدونية، ولا ننسى دور الاستهزاء في تحطيم معنويات الطفل وإفقاده الثقة بنفسه، وأيضاً مقارنته بطفل آخر من ناحية الدراسة أو الانضباط أو أي شيء آخر.

3. قمع مشاعر الطفل السلبية:

قد لا يدرك المربون أنَّ قمع المشاعر السلبية للطفل من حزن وغضب وخوف وانزعاج يُعدُّ من أكثر مدمِّرات شخصيته، خاصة أنَّ الأهل يقومون بذلك بطريقة عفوية دون أن يدركوا العواقب الوخيمة لهذه التصرفات، فكم مرة سمعنا أماً أو أباً يقولان للطفل: "لا تبكِ أنت رجل"، إنَّهم لا يدركون أنَّ قمع مشاعره الحزينة وحقه في البكاء يفقده مهارات الذكاء العاطفي، ويجعله يتعود على قمع مشاعره السلبية ليرضي المحيط، وكذلك الأمر عند قمع مشاعر الغضب الخاصة بالطفل، أو تشتيت انتباهه عن مشاعر الخوف والحزن.

إنَّهم بذلك يضيِّعون فرصة تعليم الطفل مهارات تفريغ المشاعر، ويعوِّدونه على كبتها، هذا الكبت الذي تنتج عنه أضرار جسدية ونفسية كثيرة.

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

4. حرمانه من اتخاذ القرارات:

من مدمِّرات شخصية الطفل هي تنحيته جانباً وحرمانه من اتخاذ القرارات التي تخصه، ولا بد أنَّنا جميعاً شهدنا موقفاً يسأل فيه شخص بالغ طفلاً برفقة أمه عن اسمه فتجيب الأم، وتتنوع الأسئلة والمجيب هو ذاته: الأم.

في مرات عديدة أيضاً شهدنا الموقف الذي يشكو فيه الطفل لأمه ضرب صديقه له أو أخذ لعبته لتقوم الأم باستعادة الغرض المأخوذ والدفاع عن الطفل، كما أنَّ بعض المربين يتولون مهمة إطعام الطفل وإلباسه وغسل يديه، هذه المهام التي يجب أن يقوم الطفل بإتقانها والقيام بها بنفسه في سن صغير؛ لكنَّ الأهل يعدُّون هذا نوعاً من الاهتمام أو الدلال.

إنَّ القيام بالمهام بدلاً من الطفل واتخاذ القرارات عنه يجعله طفلاً كسولاً اتكالياً، وبدل أن يكون عنصراً فاعلاً في أسرته ومجتمعه يقدم خدماته للآخرين يتحول إلى عنصر سلبي يحتاج إلى من يقوم بمهامه بدلاً منه؛ لذا من الضروري أن نترك للأطفال مساحة خاصة للتعبير عن أنفسهم واستعادة حقوقهم؛ لأنَّ ذلك يعزز ثقتهم بأنفسهم ويزيد قوة شخصياتهم.

5. تخويف الطفل:

إنَّ تخويف الطفل يُعدُّ من أبرز مدمِّرات شخصيته؛ فالخوف من شأنه أن يجعل الطفل هشَّاً جباناً، وفاقداً للجرأة والشجاعة اللازمَين لخوض التجارب والتعلم منها، مثل: "لا تركض بسرعة فتسقط"، "لا تلعب خارجاً فتصاب بالبرد"، "لا تذهب وحيداً إلى الحديقة فتُختَطف" كلها عبارات لا بد سمعناها أو قلناها للأطفال؛ لكنَّها تدمِّر شخصيتهم وتقتل فيهم الشجاعة والإقدام، وتحرمهم من مشاعر الأمان، فيصبحون قلقين ومتوجسين دوماً وغير قادرين على الخروج من دائرة الراحة والتقدم خطوة إلى الأمام.

6. تحميله وزر مشاعر والديه:

تحميل الطفل مسؤولية مشاعر والديه أو أي شخص آخر هو من أبرز مدمِّرات شخصية الطفل، وكثيراً ما تحدث مواقف يلوم فيها الآباء الأبناء؛ لأنَّهم تسببوا لهم بالأذى كأن يقولوا له: "لقد خيبت أملي لأنَّك لم تفز بالسباق"، أو "أنا مُحبَط لأنَّك لم تنل المركز الأول في صفك"، "لقد مرض والدك من شدة حزنه بسببك؛ لأنَّك لم تدرس الفرع الذي اختاره لك".

إنَّ مثل هذه العبارات تجعل الطفل يشعر بالذنب ويجلد ذاته على أشياء لم يقم بها، أو لم يستطع القيام بها أو لم يُرِد أصلاً أن يقوم بها، ثم تتحول عادة جلد الذات وحمل مسؤولية أشياء لا شأن له بها إلى عادة وطبع ينغِّصان عليه حياته، ويحمِّلانه ما لا طاقة له به.

7. تقديم الحب المشروط:

أكثر مدمِّرات شخصية الطفل هي تقديم الحب له مقابل شروط معينة، من تفوق دراسي أو سلوك مهذب أو ملابس نظيفة أو أي إنجاز آخر، فإنَّ تقديم الحب المشروط للطفل يجعله يربط قيمته بما يحقق من إنجازات، في حال فشل في تحقيق أي إنجاز فإنَّه سيجد نفسه لا يستحق الحب وغير مرغوب فيه وغير محبوب، وإنَّ الخطير في الأمر أنَّ هذه المشاعر والاستحقاق المنخفض ستلازم الطفل بقية حياته، فلا شيء أكثر من صدمات الطفولة ومعتقداتها ومواقفها يؤثِّر في بناء شخصية الإنسان.

شاهد بالفيديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه

إعطاء الطفل الحرية المطلقة:

مع أهمية الحرية في تنشئة طفل مستقل؛ فإنَّ إعطاء الطفل حرية مطلقة تُعدُّ من أهم مدمِّرات شخصيته؛ فالطفل في مراحل معينة لا يمتلك المحاكمة العقلية الكافية لتفريق الخطأ عن الصواب، وهذا ما يعود عليه بنتائج سلبية، ومن الجيد أن تسمح الأم لصغيرها باللعب بأدوات المطبخ بكل حرية، لكن أن تكون السكاكين والمواقد والأدوات الحادة متاحة في اللعب فهذا خطير.

من الضروري في عصرنا الرقمي أن يعطي الوالدان طفلهما وقتاً يقضيه في متابعة مقاطع الفيديو على يوتيوب بصفته نوعاً من مواكبة العصر، لكن إعطاؤه الحرية المطلقة في اختيار المحتوى الذي يرغب في مشاهدته ولمدة غير محددة يعطي نتائج مناقضة، الأمر سَيَّان بالنسبة إلى الثقة بالمراهق، فمن الرائع حقاً أن يمنح الوالدان ابنهما المراهق الحرية في الخروج من المنزل وقتما يشاء؛ لكنَّ الحرية المطلقة في الذهاب إلى أي مكان يريده وبرفقة أي شخص يريده ويعود في وقت متأخر مثلاً، فهذا لا يصقل شخصية الطفل ويقويها؛ بل على النقيض من ذلك تماماً يدمِّرها ويجعله شخصاً طائشاً وغير مسؤول، فضلاً عن كم المخاطر التي يحتمل أن يتعرض لها.

إقرأ أيضاً: ما هي أهداف تربية الأطفال؟

كيف تتجنَّب مدمِّرات شخصية الطفل؟

تستطيع تفادي مدمِّرات شخصية الطفل _ التي ذكرناها آنفاً _ وتجنُّبها عن طريق اتباع الطرائق الآتية:

  • يُعدُّ تقديم الحب غير المشروط للطفل من أهم الخطوات لتجنب مدمِّرات شخصيته؛ فالطفل الذي يحصل على الحب من والديه بغير شروط ويشعر باهتمامهما وعاطفتهما ينشأ قوياً متماسكاً ومتوازناً وقادراً على مواجهة مصاعب الحياة.
  • تعليم الطفل حدود الحرية، وشرح أهمية الالتزام بالحدود الصحية والأخلاقية والدينية والقانونية في أي تصرُّف يقوم به؛ فنحن لا نكثر من أكل السكاكر مثلاً إلا حفاظاً على صحتنا، ولا نقطع إشارة المرور إلا التزاماً بقوانين السير وهكذا.
  • "أنت مسؤول عن تصرفاتك، أما مشاعر الآخرين فهي ليست مسؤوليتك" طريقة هامة لتجنب تدمير شخصية الطفل، وجوهرية لحمايته من العلاقات السامة التي تعمد إلى ابتزاز مشاعره حتى عندما يكبر وتجعله يجلد ذاته، كما يحدث في الحالات التي يقول فيها الشاب لفتاة تريد إنهاء علاقتها السامة به: "إذا تركتِني فسوف أؤذي نفسي".
  • تعليم الطفل مهارات الذكاء العاطفي، والتي تتيح له تفريغ مشاعره السلبية بطريقة واعية ومسؤولة، وتنجيه من كبت المشاعر وقمعها الذي يؤثِّر سلباً في صحته النفسية والجسدية.
  • تجنُّب التعنيف اللفظي والجسدي للطفل، وخاصة أمام الآخرين، واستبدال أساليب العقاب بأساليب التوجيه الصحيح التي توضح له عاقبة الفعل.
  • تجنُّب السخرية من الطفل والتقليل من شأنه أو مقارنته بأقرانه أو إخوانه، واقتناع الأهل وإقناع الطفل بأنَّ كل إنسان مختلف عن الآخر.
  • الحرص على تنشئة طفل مستقل، قادر على تلبية احتياجاته الجسدية والنفسية وحده، كأن يتعلم الطفل كيف يرتدي ملابسه ويحضر وجبة خفيفة، ويعتني بنظافته الشخصية.
  • منح الطفل الحرية في اتخاذ القرارات التي تخصه، مثل اختيار الملابس التي يرغب في الخروج بها، ولون الحقيبة التي يرغب في شرائها، ونوع الهدية التي يرغب في إهدائها لصديقه في عيد ميلاده، وغيرها من القرارات التي تُشعره بأهمية وجوده وتساعده على إثبات شخصيته.

في الختام:

لا يرغب أي أب أو أم في العالم أن ينشأ طفلهما ضعيف الشخصية، لكن مدمِّرات شخصية الطفل للأسف هي تصرفات عفوية يقومان بها دون أن يُدركا العواقب السيئة التي تترتب عليها، والتي تترك أثراً بالغاً في شخصيته.

نشكر الله أنَّ العلم أصبح متاحاً للجميع، وأنَّ الإنترنت جعل هذا العلم في متناول الأيدي، ونتمنى أن يعي الآباء في جميع أنحاء الكرة الأرضية أهمية تصرفاتهم الروتينية، وأثرها في شخصية الطفل، فيستثمرون ذلك في تقوية شخصيته وغرس بذور القيم النافعة.




مقالات مرتبطة