مدارس التفكير الإبداعي ودور القيادة

يُجمِع الكثير من الباحثين والمختصين في مجال التفكير الإبداعي في بحوثهم، والأدبيَّات المتنوعة الكثيرة؛ على وجود مدرسةٍ واحدةٍ في مجال الإبداع تسمَّى "التفكير الإبداعي"، وهو يقابل "التفكير المنطقي". ويستند هذا إلى مفاهيم ثنائيَّةٍ، مثل: استخدام الدماغ الأيمن في مهارات التفكير العادي أو العقلاني، مقابل استخدام الدماغ الأيسر في التفكير الحدسي. لهذا السبب نسمع -في كثيرٍ من الأحيان- أنَّ الشخص إمَّا أن يكون مفكِّراً بالدماغ الأيمن أو الأيسر، أو أن يكون لديه شخصيةٌ إبداعيةٌ أو منطقية. يمكن لهذه التصنيفات -على بساطتها- أن تكون مفيدةً في بعض الأحيان؛ لكنَّ البحث العلمي حول الإبداع يرسم صورةً مختلفةً أكثر دقةً وتفصيلاً.



يرى الباحث "آدم جورلين" (ADAM JORLEN) أنَّ هناك أوجه تشابهٍ وارتباطٍ بين خمس مدارس من التفكير الإبداعي. يضيف آدم: "كان التحدي الآخر في دراستي هو أنَّ الكثير من الأدبيَّات حول الإبداع مبنيَّةٌ على القصص الشخصية، ممَّا يجعل أيَّ تصنيفٍ صعباً؛ لأنَّه لا يمكن إثباته، خاصةً إذا كانت رؤى أشخاصٍ للإبداع والتفكير الإبداعي مختلفةً تماماً عمَّن سبقوهم".

سنستعرض في هذا المقال مدرستين من مدارس التفكير الإبداعي؛ الأولى: التوجهات الخمسة في التفكير الإبداعي، والثانية: الإبداع الفردي مقابل الإبداع الجماعي.

لنبدأ بالتوجهات الخمسة، كما أشار إليها آدم في أبحاثه:

التوجهات الخمسة في التفكير الإبداعي (بحسب آدم جورلين):

1. التفكير التباعدي (DIVERGENT THINKING):

إنَّ عالم النفس الأمريكي "جي بي جيلفورد" (Joy Paul Guilford) أوّلُ من اقترح أنَّ عنصر التباعد مرتبطٌ بالعملية الإبداعية، وقام بالتمييز بين الإنتاج المتقارب والمتباعد، والذي أطلق عليه أيضاً: "التفكير المتقارب والمتضارب".

فالتفكير المتباعد: عملية تفكيرٍ يستخدم فيها الشخصُ المرونةَ، والطلاقة، والأصالة؛ لاستكشاف أكبر عددٍ ممكنٍ من الحلول أو الخيارات لمشكلةٍ ما. إنَّه عكس التفكير المتقارب، والذي يتميَّز بخاصيَّة التركيز على فكرةٍ واحدةٍ فقط، أو حلٍّ واحد.

العصف الذهني (Brain storming): مثالٌ نموذجيٌّ على التفكير المتباعد، حيث يُفرَّغ الدماغ من أفكارٍ كثيرةٍ ومتباعدةٍ حول موضوعٍ معيَّن. ومع ذلك، فإنَّ هذه التقنية محدودةٌ؛ لأنَّها تُبنَى على إطلاق الأفكار المخزَّنة بالفعل في دماغ الشخص، وليس لتوليد أيِّ أفكارٍ جديدةٍ وليدة اللحظة.

2. التفكير الجانبي (LATERAL THINKING):

ابتكر باحث الإبداع إدوارد دي بونو (Edward De Bono) مصطلح "التفكير الجانبي" في عام 1967؛ للتمييز بين الإبداع الفني والإبداع الفكري. ولقد اختُرِع مصطلح "التفكير الرأسي" كبديلٍ للتفكير خطوةً بخطوة، والذي يحدث عبر خطواتٍ متسلسلةٍ تعتمد على المنطق.

يمكن استخدام التفكير الجانبي لتوليد أفكارٍ جديدةٍ وحلٍّ للمشكلات، حيث أنَّه -بحكم التعريف- يتجاوز الأفكار الحالية المستخدمة، ويبحث عن خياراتٍ جديدةٍ تماماً. يعتمد هذا النوع من التفكير على تجنُّب القيود الفكرية في الدماغ البشري، والذي عادةً ما يسعى إلى إنشاء أنماطٍ معيَّنةٍ من التفكير، وربطها مع المشاكل التي يعالجها في فتراتٍ متقاربة. بمرور الوقت، يبدأ الدماغ بالبحث عن النمطية وتكرارها لمعالجة المعلومات الجديدة، حيث تترسَّخ في الدماغ البشري أنماطٌ معيَّنةٌ من التفكير، ولا يمكن للدماغ تجاوزها. بدلاً من ذلك، يشجِّع التفكير الجانبي على استخدام أدواتٍ وتقنياتٍ مختلفةٍ للتفكير؛ لإعادة هيكلة الدماغ والهروب من النمطيَّة، من خلال "التفكير خارج الصندوق".

يرتبط التفكير الجانبي بالتفكير المتباعد، فكلاهما لديه الغاية ذاتها، وهي: التخلُّص من طرائق التفكير المعتادة. كلاهما يقعان "خارج الصندوق"، لكنَّ التفكير المتباعد لا يزال متسلسلاً؛ لأنَّه يتَّبع فكرةً سابقةً، في حين أنَّ التفكير الجانبي ليس له علاقةٌ مباشرةٌ بفكرٍ سابقٍ، ويتبَّنى مساراتٍ مختلفةً ومبتكرةً.

بالنظر إلى هذا التوصيف الرائع، نجدُ أنَّه: إذا وُصِف التفكير العقلاني أو الرأسي بأنَّه يتَّبع المسار الأكثر ترجيحاً؛ فإنَّ التفكير المتباعد يتَّبع مساراً متطرفاً، بينما يتَّبع التفكير الجانبي المسار الأقلّ احتمالاً.

3. التفكير الجمالي (AESTHETIC THINKING):

تتعلَّق فلسفة التفكير الجمالي بإبداع وتقدير الفنِّ والجمال. المذاق هو أيضاً مفهومٌ رئيسيٌّ هنا، ويمكن لدراسة الشكل، واللون، والنماذج -على سبيل المثال- أن تزيد من التفكير الجماليِّ للشخص.

يتضمَّن هذا النوع من التفكير إنتاج أو اكتشاف أشياءٍ ممتعةٍ، ومتناغمةٍ، وجميلةٍ لحواسنا. إنَّه شكلٌ قديمٌ من أشكال التفكير في داخلنا، وعلى مرِّ البشرية، وُجِد هؤلاء المبدعون.

بعض أنواع التفكير الجمالي بصريٌّ ومكانيٌّ، حيث يمكن استخدام المعرفة بالهيكل، والتكوين، ومخططات الألوان، والأشكال؛ لجعل الأشياء ممتعةً جمالياً. كان العديد من المهندسين المعماريين، والمصممين، والرسامين، وغيرهم من المفكرين الجماليين على مرِّ العصور؛ مفتونين بالخصائص الرياضية للجمال، وكيف يمكن تمثيل الأنماط والنسب الموجودة في الطبيعة بالأرقام، وكذلك بالأنشطة الإبداعية. يمكن أيضاً اعتبار الموسيقى، والدراما، وأشكال الثقافة الأخرى، تفكيراً جمالياً، حيث يُطبَّق كلٌّ من: الإيقاع، والدراما، والكلمات، واللحن، والعناصر الأخرى؛ لجعل الناتج جميلاً ومتناسقاً.

يمكن أيضاً اعتبار الصيغ العلمية نفسها جميلةً، ويعدُّ العديد من الكيميائيين والفيزيائيين والرياضيين عملهم أنيقاً وجمالياً. كما ويمكن تضمين العديد من جوانب سرد القصص، والروايات، والكتابة الأدبية عموماً - ضمن هذه الفئة، حيث يعتمد هذا "الفن" على عناصر مسرحيةٍ، وسرعة الحوار، وجودة الإعداد، وما إلى ذلك.

ومع ذلك، من الهامِّ التأكيد على أنَّ هذا النوع من التفكير الإبداعي قد يكون كافياً لبناء قصة، ولكن من أجل إنشاء عملٍ فنيٍّ رائعٍ، هناك حاجةٌ أيضاً إلى أنواع أخرى من التفكير الإبداعي؛ وينطبق الشيء نفسه على جميع الأعمال التي تقوم على التفكير الجمالي.

لن يصبح الشخص فناناً عظيماً إلَّا بالذهاب إلى مدرسة الفنون، والغرف من مناهلها.

4. تفكير الأنظمة (SYSTEMS THINKING):

يقول سيتف جوبز: "الإبداع هو مجرَّد ربط الأشياء بعضها ببعض؛ فعندما تسأل المبدعين كيف فعلوا شيئاً ما، يشعرون بالذنب قليلاً؛ هذا لأنَّهم لم يفعلوا ذلك حقاً، لقد رأوا شيئاً ما بدا واضحاً لهم بعد حين".

يمكن وصف التفكير في الأنظمة بأنَّه القدرة على رؤية كيفيَّة ترابط الأشياء وتشكيل شيءٍ أكبر من خلالها. ويبدو أنَّ بعض الناس قادرون على إدراك هذه الروابط بسهولةٍ أكبر من الآخرين، فهم يملكون القدرة على ربط النقاط المتناثرة، وتوقُّع تأثيرها على النظام بأكمله؛ أي: إذا تغيَّر شيءٌ واحدٌ، فإنَّ النظام بأكمله سيتغيَّر.

هناك عددٌ من المبادئ للتفكير بالأنظمة:

  • الصورة الكليَّة: الخصائص الناشئة للصورة الشاملة، والتي لا يمكن اكتشافها عن طريق التجزيء.
  • الربط: ويقصد به الترابط بين الأشياء المتناثرة.
  • الهيكلية: حيث تتكوَّن الأركان المعقَّدة من أنظمةٍ فرعيَّةٍ أصغر.

أحد الجوانب التأسيسية للتفكير بالأنظمة: تجميع عدَّة عناصر في عنصرٍ واحد، والذي يتجاوز في أهميته أهميَّة مجموع العناصر المستقلة.

يرتبط التفكير في الأنظمة ارتباطاً وثيقاً بالتفكير الجمالي؛ فهذا التوليف وجعل الأشياء كاملةً ومثالية، يرتبط -بطريقةٍ ما- بالأناقة والجمال. كما أنَّه مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بالنوع التالي من التفكير (التفكير الملهم).

5. التفكير المُلهِم (INSPIRATIONAL THINKING):

يتعلَّق هذا النوع من التفكير الإبداعي بتصوُّر تلقِّي رؤى من مكانٍ ما، أو من شخصٍ آخر. وغالباً ما يحدث هذا في الأحلام أو في حالاتٍ أخرى ملهمة، ولكن في بعض الأحيان، يحدث على شكل دفقاتٍ قوية للغاية من الوضوح والتركيز، تُعرَف باسم "لحظات الإلهام" أو "تجارب الذروة"؛ وقد تكون كلمة فيثاغورث المشهورة "وجدتها، وجدتها" قد نُطِقت في لحظة إلهام. وتوجد مئات القصص والشواهد عبر التاريخ تؤكِّد على حدوث هذا الإلهام لعلماء، وباحثين، ومخترعين، وفنانين؛ في لحظة تجلٍّ كشفت لهم ما لم يكن لغيرهم.

يصف بعض الباحثين هذه الأفكار الخارقة بأنَّها "إبداعٌ أعلى". بالمقارنة مع المخرجات الإبداعية العادية، يبدو أنَّ هذه تُحدِث نقلةً نوعيَّةً تتجاوز ما يمكن تحقيقه مع أنواعٍ أخرى من التفكير.

هذه التجارب غير العادية، عندما يبدو أنَّ كلَّ شيءٍ يبدو منطقياً في لحظةٍ واحدة، سُمِّيَت "الخيال الشعري"، "الوحي"، وأحياناً "التوجيه"؛ وهذا ما سمَّاه العرب في جاهليَّتهم "شيطان الشعر" مثلاً. فقد كتب الكثير من الشعراء أشعارهم الخالدة في لحظة إلهام؛ وكانوا ينسبون ذلك إلى شياطينهم الشعرية.

في مقابل مدارس التفكير السابقة، يُطرَح السؤال التالي: هل الإبداع فرديٌّ أم مؤسسي؟ وهل نشجع الإبداع الفرديَّ أم المؤسسي؟ وما هو الفارق بينهما؟ إذاً، نحن نتحدَّث هنا عن مدرسةٍ فكريَّةٍ أخرى تتناول موضوع الإبداع من جانبٍ آخر مختلفٍ عمَّا سبق.

الإبداع الفرديُّ مقابل الإبداع المؤسسي؛ فالاثنان متصلان، ولكنَّهما بعيدان في الوقت ذاته. هي ليست أحجيةً، وإنَّما تصوراتنا حولها.

فالإبداع الفردي (Little C): أفكارٌ أو ابتكاراتٌ من قبل فردٍ مبدعٍ، على سبيل المثال: يكتب مؤلِّفٌ كتاباً، أو يبدع موسيقيٌّ سمفونيةً رائعةً، أو يفكِّر مدير عمليَّاتٍ في عمليَّةٍ جديدة.

أمّا الإبداع المؤسسي "Big C": أفكارٌ أو ابتكاراتٌ تُنسَب إلى مجموعةٍ من الناس، تعمل جميعها لصالح المنظمة نفسها. يمكن أن يكون هذا: فريقَ تطويرٍ وإنشاءٍ وتسويقٍ لمنتجٍ جديد، تقنيَّةً جديدةً في العمل، أو حتَّى تصميمَ إجراءاتٍ جديدةٍ ومبتكرة.

وبعبارةٍ أخرى: في حين أنَّ جُلَّ الإبداع المؤسسي هو نتيجةٌ للإبداع الفردي، فليس كلُّ إبداعٍ فرديٍّ هو مؤسسي. الاثنان متشابهان، لكنَّهما ليسا متشابهين.

في كثيرٍ من الأحيان، يفترض الناس أنَّ مصطلح الإبداع ينطبق فقط على الأفكار الخارقة؛ لكنَّ خبراء الإبداع يقولون أنَّ هناك بالفعل نوعان مختلفان. شرح جيف ماوزي (Jeff Mauzy) ، المؤلِّف المشارك لكتاب "شركة الإبداع"، ومؤلف كتاب:" الإبداع المؤسسي - إنشاء منظمة مبدعة"، الاختلافات بين هذين النوعين من الإبداع في مقابلةٍ حديثةٍ مع مجلة Optimize: "نميل إلى إلقاء نظرةٍ على ما أسمِّيه الإبداع الكبير"، على سبيل المثال: اخترعنا جهاز الكمبيوتر G4 الجديد من شركة أبل مؤخراً؛ إذ يبحث الجميع عن الإبداع الكبير.

في هذه الأثناء، يمضي الناس في حياتهم وهم يطبِّقون الإبداع الصغير "Small C" طوال الوقت وهم لا يدرون، في أثناء سيرهم، ومع تغيُّر السوق، ومع تغيُّر بيئة المكتب، ومع تغيُّر طبيعة الأعمال. لكنَّهم ينظرون حولهم إلى الإنجاز الكبير "Big C"، ويفكِّرون: "لن أفعل ذلك أبداً، أنا لست مبدعاً"، وتبدو عليهم الحسرة. بدلاً من ذلك، إذا كان بإمكان الأشخاص تعلُّم التركيز على الأشياء الصغيرة، فسوف يدركون كم هم مبدعون حقاً. إذا أدركنا أنَّه تماماً مثل اللياقة البدنية، فهي هناك طوال الوقت، وتنمو كلَّ يومٍ بالممارسة، ونحن لا ندري. فعندما يحين الوقت لتطبيق الإبداع تجاه التغيير الكبير، فنحن أكثر لياقةً وقدرةً على القيام بذلك.

غالباً ما تكون الإبداعات الصغيرة مستوحاةً من محيطنا، والتي قد تشمل الأشخاص الذين نتحدَّث إليهم، والأماكن التي نذهب إليها، والأشياء التي نقرؤها، وأشكال المحفِّزات اليومية. قد تتحدَّث إلى زميلٍ في العمل، وفجأةً يتسبَّب شيءٌ يقوله بطرح فكرةٍ حول كيفيَّة تحسين عمليةٍ أو مهمَّةٍ تُشكِّل جزءاً من مسؤولياتك الوظيفية. هذا هو الإبداع الصغير في العمل.

إقرأ أيضاً: مفهوم الإبداع ومعوقات التفكير الإبداعي

المجالات الرئيسة الثلاث لإحداث الفارق تجاه الإبداع المؤسسي:

تتصرَّف المنظمات والأفراد بشكلٍ متمايزٍ تماماً. يجب أن تكون المنظمة فعَّالةً، ويقظةً، وقابلةً للتنبؤ، ومحكمة التنظيم والإدارة؛ بينما يمكن للأفراد أن يتصرَّفوا بالطريقة التي يريدونها، وبدون قيودٍ حقيقيَّةٍ. يمكن أن يُحدِث هذا التمايز مشكلةً عندما يتعلَّق الأمر بالإبداع.

بشكلٍ عامٍّ، يميل الأفراد إلى تجنُّب المخاطر والخوف، خجلاً من التغيير. بينما تحتاج الشركات إلى المخاطرة، وأن تكون مبتكرةً للبقاء في السوق. لذا فإنَّ تصادم الأفراد والشركات -في الغالب- ينتج عنه موت الأفكار الإبداعيَّة قبل وصولها إلى صُنَّاع القرار.

وفقاً للأستاذ جيرارد بوتشيو (في جامعة بافالو ستيت): يجب على الشركات التركيز على ثلاثة أشياء: الأشخاص، والبيئة، وإدارة العملية.

1. الموظَّفون هم شعلة الإبداع:

غالباً، لن يكون الإبداع الفرديُّ أفضل من إبداع مجموع الأفراد، أو المجموعة المبدعة. ينطبق هذا المبدأ على كلٍّ من الإبداع الفردي والمؤسسي، فالشركات بحاجةٍ إلى الأشخاص المبدعين لتحقيق الإبداع.

يعتمد الإبداع الفردي بشكلٍ كبيرٍ على الحالة المزاجيَّة، والكفاءة الذاتية للأفراد، والتحفيز (يمكن الرجوع إلى مقالنا "كيف تقتل الإبداع في مؤسستك؟"). الخبر السار: أنَّ الناس لديهم حوافز للإبداع، ويمكن للقائد الذكي تشجيعها وتحريكها.

للشركات -بما لديها من إمكانيات- القدرة على تحريك هذا الدافع بقوَّةٍ وبشكلٍ احترافي، لذلك يمكن للإبداع المؤسسي عبر قادته -في كثيرٍ من الأحيان- إحداث زيادةٍ كبيرةٍ في جرعة الإبداع الفردي مع التحفيز، ويمكن أن يكون هذا الدافع مالياً، أو ببساطةٍ عبر المشاركة الجماعية. قد لا ينجح هذا مع الجميع، لكنَّ القيادات لديها القدرة على صهر الأفكار في بوتقةٍ، وإخراج الأفضل منها.

أيضاً، يمكن للقيادات تقويم الأفكار الإبداعية، وتقرير ما إذا كانت ستمضي بالفكرة قُدُماً أم لا. بالتأكيد، يمكن لبعض الأفراد أن يفعلوا الشيء نفسه، ولكنَّ النظرة المؤسسيَّة، والدعم القيادي؛ لها تأثير السحر على الإبداع والمبدعين. تحتاج الشركة المبتكرة إلى أن تكون مبدعةً، ولا يمكنها أن تدع الفرص تخرج عن متناولها.

2. البيئة يمكن أن تفعل الكثير:

قامت العديد من الشركات العالمية الرائدة، مثل: (Google) و(Pixar) و(Apple)؛ بزيادة إبداعها التنظيمي من خلال بناء بيئاتٍ أفضل لموظفيها. إذا كنت ترغب في تعزيز الإبداع في مؤسستك، فأنت بحاجةٍ إلى جوِّ عملٍ فسيولوجيٍّ وفيزيائيٍّ معيَّن. خلاف ذلك، قد تُطرَح العديد من الأفكار من أجل إبراء الذمة، وتأدية الواجب فقط.

كما أشرنا سابقاً؛ يخشى معظم الناس التغيير ولا يحبِّذونه، وهذا يمكن أن يُضعِف الأفكار الجديدة المبتكرة؛ ببساطةٍ لأنَّها جديدةٌ وتتطلَّب تغييراً في بيئة العمل، أو في الإجراءات المعتادة.

لذلك، يتمتَّع الإبداع الفردي بميزةٍ كبيرةٍ على الإبداع المؤسّسي فيما يتعلَّق بالبيئة؛ فالأفراد أحرارٌ في طرح الأفكار في أيِّ مكان يريدون. الشركات -من ناحيةٍ أخرى- غالباً ما تكون محدودةً من قبل المكتب. إذاً، ماذا بإمكانهم أن يفعلوا؟

من الحلول الجيدة: توفير منصَّةٍ الكترونيةٍ تتمتَّع بالحريَّة، والمرونة، والقدرة على تلقي الأفكار، وتتيح للموظفين ابتكارها ومشاركتها في أيِّ مكانٍ، وفي أيِّ وقت. يُحرِّر هذا الشركة من جلسات العصف الذهني القسري، ويسمح للإبداع بأن يُصبِح أكثر طلاقةً وطبيعيَّةً.

3. العمليَّة التي تؤدِّي إلى إدارة الأفكار الناجحة:

يمكن أن تساعد عملية إدارة الفكرة الجيدة في زيادة الإبداع الفردي والمؤسسي. فالإبداع الفردي متروكٌ لصاحبه بالكليَّة، فهو قد يدوِّن أفكاره، أو يتبادل النقاشات حولها مع الآخرين؛ وقليلٌ من يفعل ذلك. عادةً، يماطل الأفراد في التدوين والتسجيل، ويأخذهم النسيان ومشاغل الحياة؛ لذا تموت معظم الأفكار الرائعة في مهدها، ما لم يقرِّر أصحابها أنَّهم جادُّون في قرار التدوين والمثابرة على تتبُّع الفكرة الإبداعية. بينما في عالم الأعمال والعمل المؤسسي، يمكن لمنصةٍ إلكترونيةٍ إدارة الأفكار بكفاءةٍ، وتسهيل عملية تدوينها وتتبُّعها وحتَّى تنفيذها. عندما تنظَّم العملية الإبداعية في إطارٍ من العمل المؤسسي، وتأخذ طريقها الطبيعي من النقد والتنقيح والنقاش؛ فتجدُّ أنَّ الأفكار تنضج بسرعةٍ وتتلاقح مع عقول المجموعة لتجد طريقها السريع إلى النجاح والتنفيذ.

بهذه الطريقة نكون قد تغلَّبنا على تحديات الإبداع المؤسسي، مثل: النقد اللاذع، والهجوم الشخصي، أو الخوف من الفشل، أو الخوف من الظهور بمظهر الغباء والسطحية. إنَّ عملية إدارة الفكرة الجيدة التي تُقدِّم الكثير من الملاحظات، وتشجِّع جميع الأفكار؛ يمكن أن تتخطَّى هذه العقبات.

إقرأ أيضاً: التفكير الإبداعي في المؤسسات ودور القادة في تعزيزه

رسالة إلى القادة:

  • أولاً: الإبداع ليس أفكاراً جديدةً تُنثَر هنا وهناك، فتصيب أو تخطئ، وحسب؛ وإنَّما عمليةٌ تمرُّ من خلالها الأفكار بمراحل عديدةٍ تحتاج إلى دعمِ واحتضانِ القيادة.
  • ثانياً: الإبداع ليس وحدةً واحدة؛ فلدينا على الأقلِّ خمسةُ اتجاهاتٍ من الإبداع، وقد تكون كلُّها في مؤسستك، وتحتاج كلُّ واحدةٍ منها إلى معالجةٍ مختلفةٍ وتعاملٍ ذكيٍّ لكي تُكتَب لها الحياة.
  • ثالثاً: يتمتَّع كلٌّ من الإبداع المؤسسي والفردي بنقاط القوَّة والضعف؛ لكنَّ الإبداع المؤسسي يحتاج إلى فهم الجزء الفردي للنجاح.

للقيام بذلك، يجب أن يكون لديك الأشخاص المناسبون، والذين يرفدون إبداعهم بالحافز. ويحتاج هذا إلى خلق جوٍّ من الابتكار، كما ويجب أن يكون لديه عمليات إدارة الفكرة الصحيحة.

 

مراجع أخرى: 1 ، 2




مقالات مرتبطة