متى يكون تمكين الأحباء أمراً مؤذياً لهم؟

ينطوي تمكين شخص ما على تفويضه في أمور حياته كاملة دون التدخُّل الصريح، ومساعدته ودعمه عند الحاجة، لكن عندما يُصبح المرء غير مؤهَّلٍ لتحمُّل مسؤولية حياته يصبح التمكين ليس إلَّا تعزيزاً لسلوكه المسيء.



عندما تريد المساعدة فقط:

الإدمان أمرٌ صعب على الجميع؛ فعندما تشاهد شخصاً مقرباً إليك يسيء لجسده باستمرار تبدأ تلقائياً بالقلق على حالته الصحية، على سبيل المثال، يؤدي تعاطي المخدرات والكحول إلى احتمال وقوع عواقب قانونية تهدد الحياة المهنية لهذا الشخص العزيز عليك وقدرته على كسب لُقمة عيشه، كما تضرُّ قراراته غير المسؤولة بعلاقاته وتستنزف أمواله.

لذلا عندما تراه يرتكب الأخطاء تدفعك غريزتك لحماية عائلتك من الإحراج، وأحبائك من الألم؛ فترغب بالمساعدة؛ لكنَّك في النهاية تُسهِّل له تعاطي الممنوعات.

الحدود غير الواضحة:

غالباً ما يبدأ التمكين بأفضل النيات؛ فعندما تصبح العادات وأنماط السلوك المؤذية واضحة على من تحبهم، قد يكون من الصعب التمييز بين الإجراءات التي يمكنك فعلها لمساعدتهم حقاً وتلك التي تقيهم عواقب أخطائهم.

في هذه الحالة تمكين شخص ما يعني أن تفعل شيئاً له كان من المفترض أن يفعله بنفسه أو التدخُّل لحمايته من العقوبات التي قد يواجهها، وبالنسبة إلى الأهل إن قُبِضَ على ابنهم بتهمة تعاطي المخدرات أو الكحول، فإنَّهم يشعرون برغبة غريزية لحماية مستقبله، في حين أنَّه بالنسبة إلى الشريك عندما يتسبب الشريك في مشاجرات أو يُحدِث فوضى، فإنَّه يشعر بالتعاطف والحاجة إلى حماية العلاقة من خلال التستر على ما حدث.

تتضمن أمثلة السلوك التمكيني الاحتفاظ بأسرار الشخص المدمن لحماية السمعة، أو دفع إيجاره المتأخر أو الكفالة له، أو إلقاء اللوم على الظروف عندما يكون هذا الشخص تحت تأثير المخدرات أو الكحول، ويقوم الأحباء بتعزيز السلوك السيئ للشخص المدمن أيضاً عندما يهددون بفرض عواقب سلبية على سلوكه دون الالتزام بفعل ذلك.

لا يبدأ التمكين كمحاولة لتسهيل الأمر على الأحباء؛ ففي كثير من الأحيان يكونون في البداية غير واعين لحجم المشكلة، ويعتزمون فقط تقديم مساعدة مؤقتة، فيبدأ الأمر بنيَّة طيبة؛ لكنَّه يخرج عن نطاق السيطرة، ومع مرور الوقت يبدأ الشخص المدمن بالاعتماد عليهم لرعايته في حين يستمر في إدمانه، في الواقع ذلك سوف يشجع السلوك السيئ لديه ويعززه؛ ممَّا يفاقم حالته.

شاهد بالفيديو: مهارات التعامل مع الآخرين

التمكين ليس محبة:

التمكين السلبي هو نقيض المحبة؛ لأنَّك بذلك توفر للشخص الآخر ما هو مريح، وليس ما هو مطلوب، وقد ذكرت إدارة خدمات الصحة العقلية والمواد المسببة للإدمان (The Substance Abuse and Mental Health Services Administration) أنَّ في أمريكا الشمالية يوجد 23.5 مليون شخصاً تتراوح أعمارهم بين 12 عاماً وما فوق يحتاجون إلى تلقي العلاج من إدمان الكحول أو المخدرات، وحين أُجريَت الإحصائية كان 11% فقط؛ أي 2.6 مليون شخصاً يتلقون العلاج في منشآت متخصصة.

في حين يدمِّر الأفراد حياتهم بسبب إدمانهم يتساءل أحباؤهم لماذا لا يطلبون المساعدة، فعندما يفسدون كثيراً من التجمعات العائلية حتى يصبحوا غير مرحب بهم فيها، وعندما يفقدون تلك الوظيفة التي كانت فرصة العمر، وعندما يورطون أنفسهم في مشكلات قانونية ومالية مرة تلو الأخرى يصبح من الصعب فهم لمَ لا يكرهون ما يدمنونه ويتوقفون عن تعاطيه، وغالباً ما يكون السبب في ذلك هو التمكين الذي يشجع السلوك السام.

يحرم التمكين الأفراد من مواجهة الألم الذي يتسببون به لأنفسهم ولمن حولهم حتى يتمكنوا من الاستمرار في تأخير العلاج، إنَّه لا يشجع الفرد فقط على تعاطي مزيد من المخدرات؛ بل يؤذي أيضاً كل شخص في علاقة معه، فيشعر الأشقاء بالإهمال عندما يقضي الوالدان وقتهما في تمكين الأخ أو الأخت؛ فيتلقى الأطفال رعاية أقل من والديهم في هذه الحالة، ويؤثر الاحتفاظ بالأسرار سلباً في العلاقات الخارجية.

إقرأ أيضاً: 5 سلوكيات عليك تجنبها كيلا تصبح شخصاً ساماً

فهم الاعتمادية المشتركة:

تتطور علاقات الاعتمادية المشتركة عندما يعتمد شخصٌ ما على نحو غير صحي شخصاً آخر لتلبية احتياجاته، فيمكن أن تكون علاقات الاعتمادية المشتركة بين الوالدين والطفل هي الأكثر خصوصية وحساسية، وعادة ما تتضمن الاعتمادية المشتركة تجنب السلوكات أو تمكينها أو تعقيدها أو التحكم بها.

تنشأ العلاقات الاعتمادية المشتركة المبنية على تجنب السلوكات عندما لا يرغب أفراد الأسرة في مواجهة المشكلة، فيقولون لأنفسهم إنَّ طفلهم يمر بمرحلة أو إنَّ تراجع أدائه الأكاديمي سيتحسن قريباً.

في حين تنشأ العلاقات الاعتمادية المشتركة المبنية على تمكين السلوكات عندما يدرك الآباء أنَّ أطفالهم يعانون مشكلة؛ لكنَّهم قلقون بشأن تأثيرها في مستقبلهم؛ لذلك يحاولون حماية أطفالهم من العواقب، ويتكتمون عن سلوكه السيئ ويؤمِّنون أيَّ محامٍ عند الحاجة.

عندما يربط الآباء قيمتهم الذاتية أو هويتهم بأطفالهم، فإنَّهم غالباً ما يظهرون سلوكات الاعتمادية المتبادلة؛ فيخفون خيبة أملهم وحزنهم لمنع طفلهم من الشعور بالألم.

يستجيب الآباء الآخرون من خلال السيطرة؛ إذ يسعون إلى تنظيم جميع نشاطات أطفالهم لمنعهم من الحصول على المخدرات أو الكحول، لكن مع ذلك لا يتحمل الطفل أبداً مسؤولية ضبط الذات وغالباً لا يتلقى العلاج.

إقرأ أيضاً: ما هي علامات تعاطي المخدرات لدى الأطفال؟

كيف تتحقق من الفرق بين التمكين السلبي والمساعدة؟

ينشأ معظم الناس على مساعدة من يحتاج المساعدة، ويساعد البحث عن سلوكات منبهة على العثور على الخط الفاصل بين المساعدة والتمكين.

إذا كنت تختلق الأعذار بانتظام لتبرير السلوك السيئ، فإنَّك تحمي أحباءك من المشكلات؛ لذا من الأفضل السماح لهم بالتواصل وتبرير سلوكهم وحدهم، وقد تلاحظ أنَّك غالباً ما تتدخل للقيام بأشياء هم مسؤولون عنها، مثل اصطحاب أطفالهم أو البحث عن متطلبات المهام المدرسية.

إذا كذبت على معلِّمي طفلك فيما يتعلق بسبب عدم إكمال مشروعه أو حضوره إلى التدريب، فإنَّك تتستر على سلوكه وتساعده على الاستمرار في اتخاذ قرارات سيئة، ويمكن أن يبدو التمكين مختلفاً اعتماداً على علاقتك مع عائلتك؛ لذا حاول التحقق من سلوكاتك وإجراء تقييم موضوعي.




مقالات مرتبطة