متى تقوم بالتسويف أو المماطلة؟ وهل تعد تلك عادة سيئة؟

يلجأ جميع الناس إلى التسويف، وإذا قابلت يوماً شخصاً ما يدَّعي أنَّه لا يؤجِّل مهامه أبداً، فربما أنَّك تتعامل مع آلة، لكن لا يعني كون جميع الناس يماطلون أنَّه أمرٌ جيد، بل يعني أنَّنا جميعنا بوصفنا بشراً لدينا عيوبنا، ولا بأس بذلك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُخبرنا فيه عن تجربته مع التسويف.

يلجأ جميع الناس إلى التسويف، وإذا قابلت يوماً شخصاً ما يدَّعي أنَّه لا يؤجِّل مهامه أبداً، فربما أنَّك تتعامل مع آلة، لكن لا يعني كون جميع الناس يماطلون أنَّه أمرٌ جيد، بل يعني أنَّنا جميعنا بوصفنا بشراً لدينا عيوبنا، ولا بأس بذلك.

لكن، ما هو التسويف أو المماطلة في الواقع؟ نحن نسمع عنه كثيراً، لكنَّ معناه يختلف باختلاف الأشخاص؛ إذ يقول بعض الناس إنَّه مفيدٌ للإبداع، ويقول آخرون وأنا منهم إنَّه العدو الأكبر للنتائج.

"عندما تؤخر شيئاً ما يجب عليك القيام به، غالباً لأنَّه عمل مزعج أو ممل؛ فأنت بذلك تقوم بالتسويف". (المصدر: قاموس كامبريدج (Cambridge Dictionary)).

إليك فيما يأتي بعض الأمثلة عن حالات التسويف:

  1. أن يكون لديك موعد نهائي يوم الجمعة ولم تبدأ العمل حتى يوم الأربعاء.
  2. لم تُنظِّف منزلك لمدة ثلاثة أسابيع وما زلت لا ترغب في القيام بذلك.
  3. أن يكون لديك امتحان يوم الإثنين وأنت تهدر وقتك بالتسلية يوم السبت.
  4. أن تكون قد كتبت صفحة واحدة من روايتك قبل ثلاث سنوات، وأرجأت الباقي إلى وقت لاحق.
  5. أن تكون قد أنشأت موقعاً إلكترونيَّاً قبل عامين ولم تضع فيه أي محتوىً حتى الآن.
  6. أن ترتدي ملابسك وحذاءك الخاص بالجري، وتلقي نظرة على حالة الطقس في الخارج، وترى أنَّ الجوَّ عاصفٌ، فتستسلم للكسل وتشاهد مقاطع الفيديو على موقع "يوتيوب" (YouTube) بدلاً من ذلك.

ربما استطعت أن تصل إلى فكرة التسويف من تلك الأمثلة السابقة، فإنَّنا نقوم بالتسويف عندما نؤخِّر العمل غير السار، لكنَّه في الواقع عمل هام وضروري بالنسبة إلينا.

ماذا عن النوع الجيد من التسويف؟

أظهرت دراسة نُشرت في مجلة "أميركان سايكولوجيكال سوسايتي" (American Psychological Society)، بقلم الكاتبة "ديان تايس" (Dianne Tice)، وعالم النفس الأمريكي "روي بوميستر" (Roy Baumeister)، أنَّ التسويف يرتبط بالاكتئاب، وتدني احترام الذات، والقلق، والتوتر.

قدَّم الكاتب الأمريكي "آدم غرانت" (Adam Grant) مناقشة مختلفة تُفضي إلى أنَّ التسويف ليس بهذا السوء؛ إذ يعتقد أنَّ النوع الجيد من التسويف يمكن أن يفيد ويغذِّي الإبداع.

إنَّها طريقة ممتعة للتعامل مع هذا الموضوع ومن الممكن أن تنجح مع بعض الأشخاص، لكن بالنسبة إليَّ لا يمكنني فهمها، فمشكلتي الكبرى مع مقال جرانت هي أنَّه يقتبس "تأثير زيجارنيك" (Zeigarnik effect) وهو: "الاعتقاد بأنَّ الناس يتذكَّرون المهام غير المكتملة بطريقة أفضل مقارنةً بالمهام المكتملة".

فالفكرة هي أنَّ المهام غير المكتملة تبقى حاضرة في ذهنك، وهو شيء من المفترض أنَّه جيد، لكنَّ الأبحاث الحديثة تُظهر أنَّ نتائج "زيجارنيك" (Zeigarnik) كانت موضع شكٍ كبير.

لكن، دعونا نبرِّر سلوك "التسويف"، ولنفترض أنَّه لا بأس في تأخير المهام، فعلى ما يبدو كان رائد الأعمال الأمريكي "ستيف جوبز" (Steve Jobs) يفعل ذلك طوال الوقت، لكن إذا كنت أنا وأنت نؤجِّل مهامنا الهامَّة تأجيلاً معتاداً لمدة شهر، فإنَّ غالبية حياتنا وعلاقاتنا ستنهار.

فالمشكلة في طريقة التفكير هذه هي أنَّ الطريقة التي تفعل بها شيئاً واحداً هي نفسها التي تفعل بها كل شيء، هل سبق لك أن رأيت غرفة نوم الشخص المسوِّف؟ لا بدَّ أنَّها غرفة غير منظَّمة وتعمُّ بالفوضى؛ لذا يمكن للمرء أن يعتقد بأنَّ عقل المسوِّف يبدو تماماً كشكل غرفته غير المنظم.

لكنَّني فهمت ما يحاول الكاتب "آدم غرانت" وآخرون قوله، فهم يتحدَّثون عن الساعين إلى الكمال الذين يلومون أنفسهم لعدم اتخاذ مزيد من الإجراءات، فإذا كنت واحداً من هؤلاء، فلن أعترض بشدة على هذا المبدأ.

بل إنَّني أشجِّعك أيضاً على أخذ فترات راحة منتظمة ودورية، فإذا كان ثمة ما يعزِّز الإبداع، فهو الاهتمام بنفسك واتباع فترات راحة منتظمة، كأن تذهب في نزهة، أو تقرأ كتاباً، أو تتناول الغداء مع صديق، فهذه الأشياء رائعة بالنسبة إلينا.

إنَّ قضاء وقتك في التفكير في مشروع أو تأجيله لأنَّك تحتاج إلى مزيد من الوقت للقيام بعمل أفضل لا يعدُّ من علامات التسويف؛ وذلك لأنَّ معظمنا يلجأ للتسويف، وبعبارةٍ أخرى إنَّ تأخير شيء يجب القيام به غالباً ما يكون لأنَّه عمل مزعج أو مُمل.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح للقضاء على المماطلة

أنجِز مهامك وتابع حياتك:

أحب الأقوال القصيرة والملاحظات الهامَّة التي تساعدني على تذكُّر الأشياء، قد يبدو أمراً مبتذلاً جداً، لكنَّه مُجدٍ بالنسبة إلي.

"لا تؤجِّل عمل اليوم إلى الغد" هو أحد شعاراتي، حتى إنَّني نشرت كتاباً بهذا العنوان، فأنا أستخدم هذا الشعار لتذكير نفسي بتجنب التسويف في المهام الهامَّة والضرورية، لكن في الآونة الأخيرة، أصبحت مهتماً أكثر بالشعار: أنجز مهامك الآن وامضي قدماً.

بعبارةٍ أخرى؛ أعلم أنَّك لا تشعر بالرغبة في القيام بهذا العمل المُتعب أو غير السار، لكنَّه أمرٌ هام بالنسبة إليك، لذا أنجِزه واستمر في حياتك.

فمثلاً، إذا تصرفت ببعضٍ من الإهمال واللامبالاة فلن أفعل شيئاً طوال اليوم، لن أرتِّب سريري، وسأتناول الطعام المعلَّب بدلاً من الطبخ، ولن أمارس الرياضة أبداً، وسأقضي وقتي في ألعاب الفيديو، ومشاهدة الأفلام، والخروج مع أصدقائي، لكن هذا لم يحدث لي لأنَّني أتبع نظاماً لإنجاز الأمور، فإنَّني أعتني بمهامي بفاعلية، ولا أضيع الوقت، وأمضي قدماً في حياتي.

إذاً، هل التسويف هو أمرٌ سيِّئ بالنسبة إليك؟ من المؤكَّد أنَّه كذلك، لكن يمكننا أن نفعل شيئاً حياله، يمكننا أن نتعلَّم كيفية التغلُّب عليه، فهو بصراحة ليس بهذه الصعوبة وما عليك سوى اتباع نظام لا يجعل الحياة أكثر صعوبة ممَّا هي عليه.

فما ستكتشفه هو أنَّ أسلوب الحياة المنتج يتساوى مع أسلوب الحياة الصحي، فعندما تنفِّذ مهامك دائماً ولا تتخلف أبداً عن أي عمل أو مهمة، فأنت في الواقع تغذِّي عقلك، ولن تشعر بالضغط حيال تلك المهام العالقة، وستعيش حياتك بكل هدوء.

إقرأ أيضاً: هل يُساعدنا تعدّد المهام في إنجاز المزيد من الأعمال؟

أنت تماطل عندما يكون لديك عائق أو رفض لشيء ما:

إنَّ السر في عيش واتباع أسلوب الحياة المنتج هو أن تجعل كل شيء سهلاً عليك لإنجازه، فأنا وأنت نعلم أنَّنا نفضِّل دائماً السير في الطريق الأقل وعورة، وتوجد بحوث علمية كثيرة عن هذا الموضوع.

لكن، يعرف المسوِّقون الأشرار هذا أيضاً، فقد كشف عالم النفس الأمريكي "روبرت سيالديني" (Robert Cialdini) عن معظم هذه الممارسات في كتابه المؤثر "التأثير" (Influence)، إذ يوضِّح باستمرار كيف تؤثر المنظمات في سلوكنا، وأنَّ استغلال رغبتنا في اتخاذ الطريق الأقل وعورة هو إحدى استراتيجياتهم الرئيسة.

فمن الذي يريد بالاتصال بشركة لإلغاء اشتراكه؟ لا أحد، لهذا تطلب منك معظم الشركات القيام بذلك، وأعتقد أنَّه فعل غير أخلاقي.

الحقيقة هي أنَّه: كلما تأخرنا في إنجاز الأمور، زادت المقاومة التي نخلقها

لقد فهمت أنَّ هذه الشركات تحاول استغلال ميلنا إلى التسويف، لكن في بعض الأحيان يبدو أنَّنا نحاول عن قصد جعل حياتنا صعبة.

فقد اشتركت قبل بضع سنوات في صالة ألعاب رياضية فيها ميزاتٍ رائعة، وكان لديهم أحدث المعدات، ومساحة كبيرة، وفريق عمل متعاون، وحمام سباحة، وساونا، لكن كانت لدي مشكلة واحدة فقط، فقد كانت على بعد قُرابة 20 دقيقة من منزلي، ولم تكن في طريقي إلى مكتبي أو أي مكان آخر أرتاده بانتظام، لكن مندوب التسويق الذي قدَّم لي العرض كان مقنعاً جداً، ولم يكن يسعني إلا التسجيل فيه على الفور.

إقرأ أيضاً: كيف نتوقف عن المماطلة من خلال تعلُّم عادة واحدة سهلة؟

أنت تعرف ماذا أعني بما أقول، فنادراً ما كنت أذهب إلى تلك الصالة الرياضية، مع أنَّ الوصول إلى هناك يستغرق قليلاً من الجهد، فإنَّ ذلك كان كافياً لعدم ذهابي، وبعد هذه التجربة، اشتركت في صالة ألعاب رياضية كانت على نفس الطريق الذي أسلكه إلى مكتبي، ولم أكن مضطراً حتى إلى سلوك طريق أقصر للوصول إليها، فقد كنت أمرُّ به حرفياً عدة مرات في الأسبوع.

جميع الناس يماطلون عندما تكون لديهم مقاومة، لكن مهمتك هي إزالة هذه المقاومة حتى تتمكَّن من إنجاز الأمور والمضي قدماً، وإذا كنت تفعل ذلك باستمرار، فستصبح شخصاً نادراً ما يؤجِّل مهامه.

المصدر




مقالات مرتبطة