متلازمة ستوكهولم: أعراضها، وتفسيرها، وعلاجها، والحالات التي تتجلى فيها

يتسبَّب تعرُّض الإنسان إلى حالات الاختطاف أو الاعتداء والعنف بجرحٍ نفسيٍّ يَصعُبُ علاجه، وقد يمتدُّ أثره إلى كلِّ تفاصيل حياة الإنسان، ويجعل منه إنساناً مهزوزاً مُكتئباً وضعيف الثِّقة بالآخرين، وفي أغلب الأحيان يتولَّد لديه رغبةٌ شديدةٌ بالانتقام من الشخص المُعتدي؛ لكن ومع ذلك، رُصِدت حالات اختطافٍ واعتداءٍ استثنائية في طبيعتها، حيث أصبح فيها الشخص المُعتدَى عليه من أنصار الشخص المُعتدِي وحليفاً له، فقد نشأت علاقةٌ إيجابيةٌ بين الشخص الأسير والآسر؛ ما أدهشَ علماء النفس ودفعهم إلى محاولة تفسير هذه الظاهرة، إلى أن أطلقوا عليها اسم "متلازمة ستوكهولم".



فما هي "متلازمة ستوكهولم"؟ وما هي أعراضها؟ وكيف بدأت؟ وما علاجها؟ هذا ما سنتعرَّف عليه من خلال هذا المقال.

ما هي "متلازمة ستوكهولم"؟

"متلازمة ستوكهولم" عبارةٌ عن استجابةٍ نفسيةٍ تحدث عندما يتَّحدُ الرهائن أو ضحايا الاعتداء مع خاطفيهم أو المُعتدين عليهم، حيث يتطوَّر هذا الارتباط النفسي بمرور مدة الاعتداء أو الأسر.

أي: بوجود هذه المتلازمة، يتعاطف الرهائن أو ضحايا الاعتداء مع آسريهم، وهذا هو عكس الخوف والرعب والازدراء الذي يمكن توقعه من الضحايا في هكذا مواقف.

قام المهنيُّون بتوسيع تعريف "متلازمة ستوكهولم" لتشمل أيَّ علاقةٍ يُطوِّر فيها ضحايا الاعتداء ارتباطاً قوياً ومخلصاً بمرتكبي الانتهاكات، إذ قد تظهر في صورٍ متعدِّدةٍ مثل: سجناء معسكرات الاعتقال، وأسرى الحرب، والأطفال المُتعرِّضين إلى سوء معاملة، والناجين من سفاح القُربى، وضحايا العنف المنزلي، والعاملين في بيئةٍ سامَّة.

وعلى الرغم من كونها معروفةً جداً، إلَّا أنَّ "متلازمة ستوكهولم" غير معترفٍ بها في الإصدار الجديد من الدليل التشخيصي للاضطرابات النفسية الصادر عن الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، بل هي محاولةٌ لشرح الأعراض التي تظهر لدى بعض الأفراد المُختَطفين أو المُعتدَى عليهم.

أين ظهرت "متلازمة ستوكهولم"؟

  • يُشتَقُّ اسم المتلازمة من سرقةٍ فاشلةٍ لبنكٍ في "ستوكهولم" عاصمة السويد، وذلك في أغسطس من عام 1973، حيث احُتجِز أربعة موظفين من بنك (Sveriges Creditbank) رهائنَ في قبو البنك لمدة ستة أيامٍ، ظهرت خلالها رابطةٌ غريبةٌ بين الشخص الأسير والآسر؛ حيث ذكرت إحدى الرهائن في مكالمةٍ هاتفيَّةٍ مع رئيس الوزراء السويدي "أولوف بالمه" أنَّها تثق تماماً بخاطِفيها، لكنَّها تخشى أن تموت في هجومٍ للشرطة على المبنى.
  • قد يكون المثال الأكثر شهرةً عن "متلازمة ستوكهولم" هو قصة اختطاف "باتي هيرست" -حفيدة رجل الأعمال والناشر الصحفي "ويليام راندولف هيرست"- في عام 1974 من قبل مجموعةٍ إرهابيّةٍ أمريكيّةٍ تطلق على نفسها اسم "جيش التحرير التكافلي". ففي أثناء أسرها تخلَّت عن عائلتها، واعتمدت اسماً جديداً، وانضمَّت إلى ذلك الجيش في السطو على البنوك؛ وعندما قُبِض عليها في وقتٍ لاحق، استخدمت "متلازمة ستوكهولم" كوسيلةِ دفاعٍ في محاكمتها، لكن لم ينجح هذا الدفاع، وحُكِم عليها بالسجن لمدة 35 عاماً.
  • ظهرت "متلازمة ستوكهولم" في حادثة اختطاف رحلة TWA 847 عام 1985، فعلى الرغم من خضوع الركاب إلى محنة الرهائن لمدةٍ استمرَّت إلى أكثر من أسبوعين، إلَّا أنَّ بعضهم كان متعاطفاً مع مطالب خاطفيهم عند إطلاق سراحهم.
  • في عام 1998، اختُطِفت "ناتاشا كامبوش" البالغة من العمر 15 عاماً، ووضِعت تحت الأرض في غرفةٍ مظلمةٍ ومعزولة، وقد أسرها خاطِفها "فولفجانج بريكلوبيل" (Wolfgang Priklopil) لأكثر من 8 سنوات، وأظهر خلال هذا الوقت لطفه لها؛ ولكنَّه أيضاً كان يضربها ويُهدِّدها بالقتل. بعد ذلك، تمكَّنت "ناتاشا" من الفرار، وانتحر الخاطِف؛ ولكنَّ المُفاجِئ أنَّ "ناتاشا" بكت بكاءً هستيرياً عندما علِمت بخبر انتحاره.
إقرأ أيضاً: أغرب الاضطرابات النفسيّة التي تصيب الإنسان

ما هي أعراض "متلازمة ستوكهولم"؟

يعتقد علماء النفس أنَّ "متلازمة ستوكهولم" آليةٌ للتكيُّف، أو طريقةٌ لمساعدة الضحايا على التعامل مع صدمةٍ مُرعبةٍ جداً، تتمثَّل أعراضها بـ:

  1. تُطوِّر الضحية مع مرور الوقت مشاعر إيجابيةً تجاه الشخص الذي يحتجزها أو يُسيئ معاملتها.
  2. تُطوِّر الضحية مشاعر سلبيةً تجاه الشرطة، أو تجاه أيِّ شخصٍ يحاول مساعدتها في الابتعاد عن الأسر؛ كما ترفض التعاون ضدَّ الشخص الآسر.
  3. تبدأ الضحية إدراك إنسانية الشخص الذي يأسرها، وتعتقد أنَّ هناك الكثير من الأهداف والقيم المشتركة فيما بينهما.

ما هو تفسير "متلازمة ستوكهولم"؟

يعتقد علماء النفس الذين درسوا المتلازمة أنَّ الرابطة تنشأ عندما يُهدِّد الخاطف حياة الأسير، ويتأنَّى في ذلك، ثمَّ يختار عدم قتله؛ فيتحوَّل ارتياح الأسير عند إزالة التهديد بالقتل إلى مشاعر امتنانٍ تجاه الخاطِف لإعطائه الحياة. يستغرق الأمر بضعة أيامٍ فقط من أجل تثبيت هذه الرابطة، كما في حادثة سرقة بنك ستوكهولم؛ ممَّا يُثبِت أنَّه وفي وقتٍ مبكِّر، تتفوَّق رغبة الضحية بالبقاء على قيد الحياة على الرغبة بكراهية الشخص الذي خلق الموقف.

تعدُّ غريزة البقاء صلب وجود "متلازمة ستوكهولم"، حيث يعيش الضحايا في تبعيَّةٍ قسرية، ويُفسِّرون أفعال اللطف النادرة أو الصغيرة في خضمّ ظروفٍ مُروِّعةٍ على أنَّها معاملةٌ جيِّدة، وغالباً ما يصبحون مُفرطِي اليقظة حول متطلَّبات خاطفيهم واحتياجاتهم؛ ممَّا يجعل الروابط النفسية بين سعادة الخاطفين وسعادتهم مُتقاطعةً ومشتركة، الأمر الذي يجعل العلاقة الإيجابية بين الشخص الأسير والآسر تمتدّ لتصبح علاقةً ذات موقفٍ سلبيٍّ تجاه السلطة التي تُهدِّد العلاقة فيما بينهما.

ما هو علاج "متلازمة ستوكهولم"؟

  • تشير الدراسات إلى أنَّ الشخص المُصاب "بمتلازمة ستوكهولم" غالباً ما يعاني من أعراض الإجهاد اللاحق للصدمة، مثل: الكوابيس، والأرق، وذكريات الماضي، والميل إلى الانزعاج السريع، والتشويش، وضعف الثقة بالآخرين.
  • يساعدنا فهم التفسير النفسي لمتلازمة ستوكهولم في كيفيَّة مساعدة شخصٍ ما مُصابٍ بها، فهي عبارةٌ عن استجابة الضحيَّة للصدمة.
  • تجنُّب إقناع الضحية بالصفات الشريرة للمُعتدي، فقد يتسبَّب ذلك في جعل الضحية تنحاز أكثر إلى جانب المُعتدي، وتدافع عنه.
  • طرح أسئلةٍ على الضحية حول رؤيتهم للوضع، وبما يشعرون ويفكِّرون، وبما يعتقدون أنَّه يجب أن يحدث بعد ذلك.
  • الاستماع إلى الضحية عندما تستدعي تجربتها مع الجاني، وتعالجها بتفاصيلها، وعدم إبداء أيِّ حكمٍ عليها.
  • عدم إعطاء النصيحة للضحية، بل جعلها تصل لوحدها إلى قراراتها الخاصة، فلا يكون الطريق إلى الشفاء بتلقين الضحية ما يجب أن تفعله، بل بتمكينها من صنع خياراتها القوية بنفسها.
  • مساعدة الضحية في علاج التنافر المعرفي الحاصل لديها، فقد تضرَّر حدس الضحية واختلطت عليها الأمور، وأُصِيبت بعدم الاتزان، فيجب مساعدتها على الرجوع إلى طبيعتها والثقة بنفسها من جديد.
  • مساعدة الضحية في فهم الحاجة الأساسية التي تُحقِّقها من علاقتها مع المُعتدي، فبمجرَّد أن تفهمَ سبب التزامها الشديد بالعلاقة، سيبدأ ظهور النتائج الإيجابيَّة.
  • يحتاج مُصاب "متلازمة ستوكهولم" إلى الكثير من التعاطف والاحتواء والحب.
إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لوقاية الأبناء من الأمراض النفسيّة

ما الحالات التي تتجلَّى فيها "متلازمة ستوكهولم" اليوم؟

1. العلاقات المُسيئة:

أظهرت الدراسات أنَّ الأفراد الذين تعرَّضوا إلى سوء معاملةٍ قد يُطوِّرون ارتباطاتٍ عاطفيَّةً مع مُعتديهم، ويمكن أن يستمرَّ الاعتداء الجنسي والجسدي والعاطفي وسفاح القُربى لسنوات، وخلال هذا الوقت تُطوِّر الضحية مشاعر إيجابيةً مع المُعتدي.

2. تجارة الجنس:

يُصاب الأفراد الذين يُتاجَرُ بهم جنسياً بمتلازمة ستوكهولم، حيث يرتبطون بعلاقةٍ إيجابيةٍ مع المُعتدين عليهم؛ ذلك لأنَّهم معتمدون عليهم في الحصول على ضروريات الحياة من طعامٍ وشرابٍ وملبس، وقد تصل بهم الحالة إلى مقاومة التعاون مع الشرطة، لاعتقادهم أنَّ حماية المُعتدين تصبُّ في حماية مصالحهم الشخصية، أو خوفاً من انتقام المُعتدين عليهم.

3. الإساءة للأطفال:

يُهدِّد المعتدون ضحاياهم من الأطفال بالأذى والعنف، ما يجعلهم يحاولون تجنُّبَ ذلك من خلال الامتثال إليهم. وبالمقابل، قد يُظهِر المعتدون لطفاً في التعامل، ممَّا يُربِك الأطفال ويجعلهم غير مُدركين للطبيعة السلبية للعلاقة.

الخلاصة:

يُصاب الإنسان بالكثير من الاضطرابات وردود الأفعال غير المُتوقعة والاستثنائية، وهنا يبرز دور تصالح الإنسان مع ذاته وقدرته على إعادة التوازن إلى حياته، ودور أهله والمحيطين به في احتوائه وتقبُّل حالته والعمل على تجاوزها بنجاح، فالنفس البشرية كتلةٌ من مشاعر وتفاصيل عميقة، ولا يستطيع أحدٌ أن يُخمِّن ردود أفعالها في أثناء موقفٍ صادم.

 

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة