متلازمة أسبرجر: الأعراض والأسباب والعلاج

بين كلِّ 100 ألف طفل يُولَد 10 أطفال مصابين بمتلازمة "أسبرجر"، كما أنَّ عدد الذكور المصابين يزيد خمس مرات عن عدد الإناث، فهي متلازمة واسعة الانتشار، وتعود تسمية متلازمة "أسبرجر" (Asperger syndrome) إلى عام 1944م نسبة إلى الطبيب النمساوي "هانز أسبرجر"، فقد لاحظ "هانز" من خلال معاينة 4 أطفال في عيادته أنَّ أولئك الصغار يعانون من مشكلات عدة في الاندماج الاجتماعي، مع تأكيده على أنَّ مستوى الذكاء لديهم كان طبيعياً، ولكنَّ تواصلهم غير اللفظي مفقود، كما أنَّهم لم يبدوا أي تعاطف مع أقرانهم وكلامهم غير مفهوم.



لقد عبَّر "هانز أسبرجر" عن هذه الحالة باسم (التوحد السايكوباثي) وبقيت ملاحظته عن هذه الحالة مضمرة إلى عام 1981م عندما قدمت الطبيبة البريطانية "لورنا وينج" تقريراً عن مجموعة من الأطفال لديهم نفس ملاحظات الطبيب "هانز أسبرجر"، وبعد ذلك أُضيف مرض "أسبرجر" إلى دليل منظمة الصحة للتشخيص.

تعريف متلازمة أسبرجر:

قُدمت تعريفات عدة لاضطراب متلازمة "أسبرجر"، وكان أبرزها:

  1. عبارة عن خلل أو عجز في استقبال المدخلات الحسية المختلفة والتفاعل الاجتماعي واللغة والتواصل غير اللفظي وتعبيرات وجهية ضعيفة غير واضحة ورتابة بتقديم النشاطات، إضافة إلى فقد الاهتمام بالجماعة الإنسانية وضعف اللعب التخيلي والإيمائي خلال الطفولة.
  2. أحد اضطرابات طيف التوحد يُظهر الأفراد المصابون بها صعوبات في تفاعلهم الاجتماعي مع أقرانهم، وتظهر لديهم أنماط سلوكية مقيدة ورتيبة ومكررة.

تظهر متلازمة "أسبرجر" بين سن السادسة والعاشرة من عمر الطفل، فعلى الرغم من إدراك ذوي الطفل للكثير من أعراض المتلازمة في عمر الطفل المبكر، إلا أنَّها تظهر بشكل واضح عندما يعجز الطفل عن الدخول في المواقف الاجتماعية والتفاعل معها كما يجب؛ أي في سن دخوله إلى الروضة أو المدرسة عندما يتسع محيطه الاجتماعي ويتطلب ذلك منه سلوكات محددة للانخراط ضمن هذه الجماعات.

تؤثر هذه المتلازمة في الطفل مدى حياته فهي غير قابلة للشفاء التام، لكن يمكن علاجها والتخفيف من آثارها لأقل درجة ممكنة، وتجدر الإشارة إلى أنَّه كلما كان اكتشاف متلازمة "أسبرجر" وتشخيصها مبكراً، كان التعامل معها وإيجاد العلاج الملائم لها سهلاً.

تسمى متلازمة "أسبرجر" بمتلازمة المشاهير؛ وذلك بسبب إصابة عدد كبير من النجوم بها، من بينهم لاعب كرة القدم "ليونيل ميسي" و"بيل غيتس" وغيرهما، لكن كما أصبح معروفاً هذه المتلازمة لم تؤثر في مسيرة حياتهما وتحقيقهما للنجاح.

إقرأ أيضاً: علم الصحة النفسية: أهميته ومجالاته ومظاهره

أعراض متلازمة أسبرجر:

  1. تواصل لفظي وغير لفظي بشكل غير نمطي؛ إذ يظهر لدى المصابين بهذه المتلازمة ما يسمى (بالصمت الانتقائي) فلا يتحدثون إلا مع الذين يرتاحون لهم، وكذلك الأمر يبتعدون عن الغرباء ويشغلون أنفسهم بأعمال أخرى، ويلتزمون الصمت غالباً في الأماكن العامة أو المجموعات أو عند دخول أفراد جدد إلى مجموعتهم، ويعاني هؤلاء من صعوبة الاتصال البصري. يشعر المصاب هنا بالانزعاج في حال فشل أحد المتحدثين بالاتصال البصري معه، ووجد بعضهم أنَّ هذا العارض ناتج عن قلة الثقة، إلا أنَّ الأطباء أكدوا أنَّ السبب يكمن في عدم حاجة المصاب إلى التوكيد الفعلي على ذاته وعلى أنَّ الشخص المتحدث متاح له تماماً.
  2. عدم التمكن من الانخراط في محادثات نمطية فيها الكثير من الردود ذهاباً وإياباً، لذلك يميلون إلى الصمت ويصابون بما يسمى (القلق الاجتماعي) الذي من شأنه أن يسبب صعوبة في اختيار عبارات أو ردود الفعل الصحيحة لبعض المواقف فيختار المصاب الانطواء والحياد.
  3. التركيز على اهتمامات محددة وعدم السعي إلى المشاركة أو المتعة أو مشاركة الآخرين في الإنجاز، فهنا يركز المصاب بهذه المتلازمة على اهتمامات واضحة؛ والسبب في ذلك أنَّها تخلصه من حالة التشتت والقلق الاجتماعي ويشعر بالراحة حيال ذلك.
  4. يبحث مصابو متلازمة "أسبرجر" عن التماثل والأنماط ويتميزون بفهم الأنماط، فعقولهم تبحث عن حالة أو علاقة أو نمط من التشابه والتماثل، فيختارون نمطاً لونياً مثلاً أو نمطاً عددياً أو ترتيباً معيناً، لذلك يظهر لديهم التميز في المجالات العلمية (الرياضيات والفيزياء).
  5. الالتزام التام بالروتين، فالمصاب بمتلازمة "أسبرجر" يضع لنفسه روتيناً ويتجنَّب التعرض لمواقف جديدة حتى لا يشعر بالارتباك؛ لذا فهو يتبع جدولاً صارماً.
  6. تتسم الحواس الخمس للمصاب بها سواء الرؤية أم الشم أم الذوق أم اللمس أم السمع بالإيجابية أو السلبية المفرطة.

أسباب متلازمة أسبرجر:

لم يجد العلماء أسباباً واضحة لهذه المتلازمة ورجحوا ذلك إلى مكون جيني للتوحد قد يظهر في حالة التوأم الأشقاء، وبعد الأبحاث رجحوا ذلك إلى احتمالية وجود مجموعة مشتركة من الجينات تجعل وجودها مجتمعة أو عدم وجودها عرضة للإصابة بمتلازمة "أسبرجر".

تؤول بعض الأبحاث ذلك إلى تشوهات في الدماغ، فإذا ظهرت اختلافات وظيفية أو هيكلية في مناطق محددة من الدماغ تسبب ذلك بمتلازمة "أسبرجر"، وهناك من وجد في العوامل البيئية سبباً مثل عمر الوالدين المتأخر وأخذ بعض أنواع العقاقير وأمراض ما قبل الولادة والوزن المنخفض في أثناء الولادة.

يتم تشخيص متلازمة "أسبرجر" من خلال مراقبة سلوك الطفل من قِبل اختصاصي الصحة العقلية وجمع المعلومات عن الوالدين ومراقبة وتقييم قدرات الطفل على التواصل والمهارات الاجتماعية، ولم يثبت الباحثون والأطباء أنَّ إجراء تحليل أو فحص للدم أو الدماغ يمكِّن من تشخيص المتلازمة، وبحسب تقديرات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) إنَّ واحداً من كل 54 طفلاً متوحداً قد يصاب باضطراب طيف التوحد، كما أثبتت أنَّ الذكور أكثر عرضة للإصابة به من الإناث بمقدار 4 مرات.

شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

علاج متلازمة أسبرجر:

وُضعت الكثير من الحلول والخيارات في محاولة للحد من شيوع المتلازمة، ومن أهم الحلول المقدمة:

  1. التحليل السلوكي التطبيقي: يتم هذا النوع من العلاج في فهم مكونات سلوك المصاب، والعمل على تحسين التواصل والعلاقات ومعظم المهارات الحياتية وتعزيزها.
  2. المهارات الاجتماعية: من خلال التدريب على المهارات الاجتماعية الضرورية للاندماج مع الآخرين والشعور بالنجاح تجاه هذا الاندماج.
  3. العلاج المعرفي السلوكي: هذا النوع من العلاج يقلل الروتين ويخفف من حالة الاهتمامات الوسواسية ويدير انفعالاته إدارةً أفضل.
  4. النطق واللغة: يعطي هذا العلاج للمصاب القدرة على المهارات المتبادلة مع الآخرين، ويستخدم لغته في المواقف الاجتماعية ويقلص من الانطوائية والانعزال.
  5. العلاج القائم على الدواء: لا توجد أدوية معتمدة بشكل رسمي لعلاج متلازمة "أسبرجر"، لكن يُستخدم في حالة وصول المصاب إلى الاكتئاب الشديد والقلق المستمر بعض أنواع الأدوية من مثل:
  6. العلاج البديل: هناك من ينصح باستخدام التدليك لعلاج مصابي متلازمة "أسبرجر"؛ إذ يساعد التدليك على خفض التوتر والقلق وكافة الأعراض التي ترتبط بالحواس، لكن هناك فئة من المصابين لا تحبذ التدليك يجب الحذر من لمسها. هناك من وجد في استخدام الأعشاب علاجاً واعداً في علاج هذه المتلازمة، لكن قبل إعطاء المصاب أي نوع عشبي أو تقليدي يجب استشارة الطبيب الخاص، فالعلاجات البديلة في بعض الأحيان قد تسبب ضرراً أكبر من الفائدة التي يمكن أن تحققها.
  7. دور المجتمع في علاج متلازمة أسبرجر: لا نغفل هنا دور المجتمع في علاج هذه المتلازمة فهناك التسهيلات المدرسية والعمل والسكن وسواها، فالاندماج ضمن مجموعة المدرسة وتقديم الدعم الاجتماعي والوجود ضمن أسرة متحابة يملؤها الود وتوفير العمل المناسب لهؤلاء؛ جميعها تمثل عناصر هامة في علاج متلازمة "أسبرجر".
إقرأ أيضاً: عادات يوميّة تؤدي لتدمير الصحة النفسيّة للإنسان

نصائح للتعامل مع مصابي متلازمة أسبرجر:

  1. تعامَل مع وجود الإصابة بمتلازمة "أسبرجر" بشكل جدي.
  2. ابنِ ثقافتك الخاصة المتعلقة بهذه المتلازمة واعرف ماهيتها وأسبابها وكيفية علاجها.
  3. ساعد المصابين بهذه المتلازمة على تلقي العلاج المناسب والحصول على المساعدة من الأطراف المختلفة.
  4. قف بجانب الشخص المصاب بها ولا تدعه وحده، لا سيما في حالات شعوره بالغضب أو حالات الاكتئاب والإحباط.
  5. لا تصرخ على المصاب بهذه المتلازمة أو توبخه، فعليك أن تعي حقيقة أنَّ المصاب بهذه المتلازمة لا يتحكم في طريقة حياته وفي السلوكات التي يمارسها كما يجب أو كما يفعل الأشخاص الأصحاء.
  6. تجنَّب الدخول في مناقشات طويلة بشأن إصابته بهذه المتلازمة، وركز في طرائق العلاج وكيفية مساعدته.
  7. ضع في عقلك أنَّ متلازمة "أسبرجر" مرض ليس ناتجاً عن أي خطأ، وأنَّ الشخص المصاب بها بأمس الحاجة إلى تلقي المساعدة بهدوء وبصبر شديدين.

في الختام:

متلازمة "أسبرجر" ليست مرضاً كما يعتقد بعض الناس؛ بل هي أحد اضطرابات النمو ذات الأصول الخلقية المتصلة بالولادة؛ بمعنى أنَّها تكون موجودة في أثناء ميلاد الفرد ولكنَّها لا تظهر فوراً أو بشكل مباشر؛ بل في الغالب بعد سن السادسة وتصيب الأطفال من ذوي الذكاء العادي أو المرتفع، ونادراً ما يصاحبها تخلُّف عقلي، فالمصابون بمتلازمة "أسبرجر" أشخاص من حقهم العيش في بيئة يتساوون فيها مع الأشخاص الأصحاء، فهم حالات إنسانية قابلة للعلاج والشفاء والعيش بشكل طبيعي والانخراط ضمن الجماعات وممارسة الحياة بشكلها الطبيعي.




مقالات مرتبطة