ماهي القيم الأخلاقية؟ وما الذي يتطلبه الأمر لكي تكون صالحاً أخلاقياً؟

كم هو عدد القيم الأخلاقية الموجودة في الحياة؟ وما هي؟ وما الذي يتطلبه الأمر لكي تكون شخصاً صالحاً أخلاقياً؟ على مر القرون، قدم الفلاسفة واللاهوتيون وغيرهم كثيراً من الإجابات عن هذه الأسئلة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الباحث "أوليفر سكوت كاري" (Oliver Scott Curry)، والذي يُحدِّثُنا فيه عن نظرية أخلاقية جديدة.

ناقش "أفلاطون" (Plato) وجود أربع فضائل: الاعتدال، والشجاعة، والحكمة، والعدالة، بينما يقول "أرسطو" (Aristotle) إنَّ هناك 14 فضيلة؛ بما في ذلك الكرم، والشهامة، والود، والصدق، والتواضع.

أضافت المسيحية كلاً من الإيمان والأمل والمحبة إلى قائمة الفيلسوف أفلاطون لتكوين سبع فضائل سماوية، إلى جانب سبع خطايا مماثلة.

ووفقاً للمعتقدات الإسلامية، فقد أوصى الله تعالى عباده المؤمنين في القرآن الكريم بوصايا كثيرة، من أهمها 10 وصايا تضمنتها ثلاث آيات من "سورة الأنعام"؛ وهي: عدم الإشراك بالله، وبر الوالدين، وعدم قتل الأولاد، وعدم قتل النفس، واجتناب الفواحش، والحفاظ على مال اليتيم، والإيفاء بالكيل والميزان بالقسط، والعدل، والوفاء بالعهد، واتباع صراط الله المستقيم.

حدَّد الفيلسوف "و. د. روس" (W D Ross) سبعة واجباتٍ أخلاقية بديهية: الإخلاص، وتعويض الضرر، والامتنان، وعدم الإساءة، والإحسان، وتحسين الذات، والعدالة.

في الآونة الأخيرة، ناقش علماء النفس وجود أربعة مبادئ أخلاقية أساسية متنوعة: الوحدة، والاحترام، والمساواة، والتكافؤ، أو خمسة إلى ستة: الرعاية، والإنصاف، والولاء، والسلطة، والنقاء، ويمكن أن نضيف الحرية.

أي من هذه الفلسفات والنماذج العديدة يقدم أفضل دليلٍ يوجهنا نحو الخير؟ وهل يمكننا أن نقدم خيراً أفضل مما نقدمه الآن؟

تواجهنا مشكلة نموذجية في المحاولات السابقة عند محاولة رسم خريطةٍ للمجال الأخلاقي؛ إذ إنَّها لا تستند إلى نظرية أساسية للأخلاق، ومن ثم فهي مخصصة لهدف بعينه، كما أنَّها غير منهجية.

إنَّ التطورات الأخيرة في الدراسة العلمية للأخلاق تعالج هذه المشكلة وتقدم نهجاً أكثر صرامةً واتساعاً.

تتقارب الأبحاث حول فكرة أنَّ الأخلاق عبارة عن مجموعة من القواعد تهدف إلى تعزيز التعاون، أو يمكن القول إنَّها تلك القواعد التي تساعدنا على العمل معاً والتوافق والحفاظ على السلام وتعزيز المصلحة العامة.

إنَّ الفكرة الأساسية هي أنَّ البشر كائنات اجتماعية عاشت معاً في مجموعاتٍ لملايين السنين. خلال كل هذا الوقت، كنَّا محاطين بفرصٍ للتعاون "للتفاعل الاجتماعي بالمنفعة المتبادلة" فطوَّرنا وابتكرنا مجموعة من الطرائق لتحصيل هذه المنافع.

تأتي هذه الاستراتيجيات التعاونية بأشكال وأحجام مختلفة: الغرائز والحدس والاختراعات والمؤسسات، وهي معاً تحفز سلوكنا التعاوني وتوفر المعايير التي نُقيم بها سلوك الآخرين. وتلك هي الاستراتيجيات التعاونية التي أطلق عليها الفلاسفة وغيرهم تسمية "الأخلاق".

تعتمد نظرية "الأخلاق بالتعاون" هذه على التحليل الرياضي للتعاون، والذي تقدمه نظرية الألعاب التي هي أحد فروع الرياضيات، يُستعمَل لوصف المواقف التي تعتمد فيها نتيجة قرارات الفرد على القرارات التي يتخذها الآخرون.

تفرِّق نظرية الألعاب بين التفاعلات التنافسية "الصفرية" أو ما يمكن تسميته "الألعاب" وبين الألعاب التعاونية "غير الصفرية"؛ ففي التفاعلات التنافسية "الصفرية" يكون الربح بالنسبة إلى أحد اللاعبين خسارة للاعب آخر، في حين أنَّ الألعاب التعاونية "غير الصفرية" يربح فيها الطرفان كلاهما ويستفيدان منها.

علاوةً على ذلك، تخبرنا نظرية الألعاب أنَّه لا يوجد نوع واحد فقط من الألعاب غير الصفرية؛ إذ إنَّ هناك الكثير، مع العديد من الاستراتيجيات التعاونية المختلفة للعبها.

حُدِّدَ ما لا يقل عن سبعة أنواعٍ مختلفةٍ من التعاون حتى الآن، ويشرح كل منها نوعاً مختلفاً من الأخلاق؛ إذ تُعَدُّ الأخلاق نظاماً تتحد فيه "العناصر" الأخلاقية الأساسية لتشكل بدورها "جزيئات" أخلاقيةً معقدة.

إقرأ أيضاً: 10 طرق بسيطة لجعل التفكير الإيجابي عادة من عاداتك

1. اصطفاء القرابة:

ويُعرَف بأنَّه العملية التي يُفضِّل فيها الاصطفاء الطبيعي الجينات التي تقدم فوائد للأقارب الجينيين، ويمكن أن يفسر اصطفاء القرابة سبب حبنا ورعايتنا لعائلاتنا.

2. التبادلية:

يشير إلى المواقف التي نعمل فيها معاً بشكل أفضل مما نقوم به بمفردنا، فلا شك أنَّ في الاتحاد قوة وأمان، وتشرح التبادلية سبب تشكيلنا للنوادي والتكتلات، وسبب تقديرنا الولاء والوحدة والتضامن.

3. المعاملة بالمثل، أو التعاون المشروط:

ويتمثل في مساعدة أولئك الذين يساعدونك وإيذاء أولئك الذين يؤذونك، وهي استراتيجية تعاون قابلة للتطبيق في الحالات التي تكون فيها عوائد الفوائد غير مؤكدة، على سبيل المثال: عندما يتم تبادل الفوائد في أوقات مختلفة، وتشرح هذه الاستراتيجية سبب شعورنا بأنَّنا مجبرون على رد الجميل والانتقام عند الأذية.

حتى النزاعات توفر فرصاً للتعاون؛ لأنَّ المنافسين يملكون مصلحة مشتركة تقتضي بتسوية النزاعات دون التعرُّض إلى أذية، ويمكنهم القيام بذلك بطرائق عدَّة:

  • الإشارة إلى قدراتهم في الفوز بالقتال من خلال العروض التي تظهر القوة والهيبة، بما في ذلك أعمال البطولة والشجاعة والكرم وهو "النوع الرابع من التعاون".
  • من خلال الاعتراف بالهزيمة بتواضع والإذعان للأفراد الأقوياء "النوع الخامس".
  • بتقسيم الموارد تقسيماً عادلاً بدلاً من محاولة احتكارها "النوع السادس".
  • ومن خلال الاعتراف واحترام الحيازة المسبقة للممتلكات والامتناع عن السرقة "النوع السابع".

ومن ثم، تشرح سبعة أنواع من التعاون سبعة أنواع من الأخلاق: الحب، والولاء، والمعاملة بالمثل، والبطولة، والاحترام، والإنصاف، وحقوق الملكية.

ومن ثم ووفقاً لهذه النظرية، من الجيد أخلاقياً:

  1. حب العائلة.
  2. الإخلاص للمجموعة.
  3. رد الجميل.
  4. البطولة.
  5. الإذعان للرؤساء.
  6. العدل.
  7. احترام الملكية.

ومن السيئ أخلاقياً:

  1. إهمال العائلة.
  2. خيانة المجموعة.
  3. الغش.
  4. الجبن.
  5. عدم احترام السلطة.
  6. أن تكون غير عادل.
  7. السرقة.

وهذه الأخلاق تُعَدُّ قديمة من الناحية التطورية، وهي متميزة وراثياً ومنفصلة نفسياً وتُعَدُّ عالميةً عبر الثقافات.

تشرح نظرية "الأخلاق بالتعاون" - من المبادئ الأولى - العديد من الأخلاق في تلك القوائم القديمة.

تتوافق بعض الأخلاق مع أحد الأنواع الأساسية للتعاون - كما في حالة الشجاعة - بينما يتوافق بعضها الآخر مع الأجزاء المكونة لأحد الأنواع الأساسية كما في حالة الامتنان، وهو عنصر من عناصر المعاملة بالمثل.

ولكن ماذا عن القيم الأخلاقية الأخرى المذكورة، مثل طاعة الوالدين والشرف؟ هل يتعيَّن علينا الاستمرار في إضافة أنواع جديدة من التعاون إلى القائمة من أجل تفسيرها؟ ليس بالضرورة. أوضحتُ أنا وزملائي في بحث حديث كيف أنَّ الأخلاق عبارة عن نظام اندماجي تتحد فيه "العناصر" الأخلاقية السبعة الأساسية لتشكل عدداً أكبر بكثير من "الجزيئات" الأخلاقية الأكثر تعقيداً.

إنَّ النظام الاندماجي هو النظام الذي يُدمَج فيه عدد صغير نسبياً من الأشياء السهلة لتكوين عدد كبير نسبياً من الأشياء الأكثر تعقيداً.

توجد أنظمة الاندماج في كل مكان من حولنا، فالمادة نظام اندماجي، والحمض النووي نظام اندماجي، واللغة والمطبخ والموسيقى كلها أنظمة اندماجية؛ وهذه أنظمة قوية بشكل لا يصدق، فعلى سبيل المثال: يمكن أن يتحد 118 عنصراً من الجدول الدوري لتكوين ملايين المركبات الكيميائية، وكذلك يمكن دمج ست نوتات موسيقية فقط لتوليد التريليونات من الألحان.

هل يمكن أن تكون الأخلاق نظاماً كذلك الذي تحدثنا عنه؟ كاختبار مبدئيٍّ للفكرة، افترضنا وجود جزيئات أخلاقية محتملة، والتي تجمع كل زوج من العناصر الأخلاقية، ومن ثم حاولنا العثور على أمثلة لها في الأدب الشعبي والمهني، وقد نجحنا في كل حالة منها.

شاهد بالفديو: 10 معتقدات إيجابية يجب أن تتبناها

على سبيل المثال: تتحد فكرة "يجب أن تذعن لرؤسائك" وفكرة "يجب أن تحب عائلتك" لتشكيل فكرة أنَّه "يجب أن تحترم كبار أفراد عائلتك بشكل خاص"، وهذا هو أساس البر بالوالدين.

تتحد فكرة "يجب أن تكون بطولياً" وفكرة "يجب أن تنتقم عندما تتأذى"؛ لتشكيل فكرة "يجب أن تظهر بطولتك من خلال انتقامك عندما تتأذى"، وهذا هو أساس الشرف، وهلم جراً.

تشمل الجزيئات الأخرى: انتقام الدم "حب الأسرة + المعاملة بالمثل"، الصداقة "الولاء + المعاملة بالمثل"، حب الوطن "الولاء + البطولة"، الاعتراف "المعاملة بالمثل + مراعاة الغير"، تبادل الأدوار "المعاملة بالمثل + الإنصاف"، الاسترداد "المعاملة بالمثل + حقوق الملكية"، الرحمة "البطولة + العدل"، وتطول القائمة.

لذلك؛ يبدو أنَّ الأخلاق بالفعل نظامٌ اندماجي، وعلى هذا النحو يمكن أن تشرح نظرية "الأخلاق بالتعاون" ليس فقط سبعة أنواع أساسية من الأخلاق "العناصر" فحسب؛ بل أيضاً يمكنها أن تشرح تركيباتها الزوجية الـ 21 "الجزيئات".

يشتمل هذا النظام الاندماجي على أخلاق أكثر من تلك الموجودة في القوائم القديمة - ويمتد إلى ما بعدها - بغاية فهم مفاهيم أخلاقية أكثر غموضاً وتجدداً، مثل الميراث الجزئي أو الجافلكيند (gavelkind)، والذي هو التقسيم المتساوي للميراث بين الورثة.

توفر النظرية طريقةً جديدةً لشرح كيف ولماذا تختلف الأخلاق عبر الثقافات، وبالطبع لا ينتهي عدد الجزيئات الممكنة عند هذا الحد، فيمكن أن تكون هناك أيضاً مجموعات من ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة عناصر؛ أي ما يصل إلى 127 في المجموع، على سبيل المثال: إذا دمجنا فكرة حب العائلة مع فكرة الشرف "المعاملة بالمثل + البطولة"، فإنَّنا نحصل على مفهوم شرف العائلة أو العزة.

يمكن أن تكون هناك أيضاً مجموعة من العناصر اللاأخلاقية غير التعاونية؛ كالإهمال، والخيانة، والغش، والجبن، وعدم الاحترام، والظلم، والسرقة، على سبيل المثال: يُعَدُّ عدم احترام رئيس ما بالسرقة منه صيداً جائراً.

ومرة أخرى، توجد 127 مجموعة محتملة من هذه العناصر السبعة اللاأخلاقية، ويمكن أن تكون هناك مجموعات من العناصر الأخلاقية وغير الأخلاقية، على سبيل المثال: التضامن "بين مجموعة من المرؤوسين" في سبيل تحدي الرؤساء يساوي التمرد؛ وهذا يجعل الإجمالي 2186 جزيئاً ممكناً من الجزيئات مختلطة التكافؤ.

قد تتحد العناصر الأخلاقية بنسب مختلفة أيضاً، على سبيل المثال: إذا كانت الصداقة مكونة من نسب متساوية من التبادلية والمعاملة بالمثل، فربما تكون الرفقة عبارة عن ثلاثة أجزاء؛ جزأين من التبادلية وجزء واحد من المعاملة بالمثل، وباستعمال رياضيات التبادل نتوصَّل إلى أنَّه قد يكون هناك ملايين من هذه الجزيئات.

الآن، من غير المُتنبأ به بالنسبة إلى النظرية أنَّ كل هذه الاحتمالات الأخلاقية ستشكل حقائق، فهي محاولة تجريبية لمعرفة أيٍّ من هذه الأخلاق العديدة الممكنة موجودة بالفعل ولماذا.

ولتتبُّع هذه الجهود أنشأنا مستنداً يسمى "الجدول الدوري للأخلاقيات"، والذي يغطي 127 جزيئاً إيجابياً. ابحث - على سبيل المثال - عن المدخلات الجديدة في عقد المانرينت (manrent)، والحب الأسري (storge)، والوحدوية (irredentism) والتخلي (escheat).

ونحن ندعو القُرَّاء إلى محاولة إضافة أو تحسين الجزيئات التي نقترحها وملء الثغرات المتبقية والتوصل إلى أمثلة مضادة تتحدى النظرية.

قد يساعد هذا النهج الجزيئي للأخلاق أيضاً على اكتشاف حلول لبعض الألغاز الفلسفية القديمة، على سبيل المثال: هل الأخلاق فطرية أم مكتسبة؟ وهل هي عالمية أم خاصة ثقافياً؟ ولماذا ليس كلاهما؟ ربما تكون العناصر فطرية وعالمية، في حين أنَّ الجزيئات مكتسبة وخاصة.

ربما شكَّلت شعوب مختلفة في أزمنة وأماكن مختلفة مجموعات جديدة من المفاهيم الأخلاقية لإنشاء أنظمة أخلاقية جديدة وفريدة من نوعها، وهكذا توفر النظرية طريقة جديدة لشرح كيف ولماذا تختلف الأخلاق عبر الثقافات.

إقرأ أيضاً: السلوكيَّات الإيجابيَّة وآليَّات تكريسها

الخاتمة:

ختاماً، توفر نظرية "الأخلاق بالتعاون" تصنيفاً منهجياً للأخلاق وتقترح أنَّه سيكون هناك العديد من أنواع الأخلاق مثل أنواع التعاون "ومجموعاتها"، وهي تنظم المفاهيم الأخلاقية المألوفة وتنبهنا إلى المفاهيم غير المألوفة، ويمكن أن تحفز حتى على إنشاء مفاهيم أخلاقية جديدة؛ تركيبات جديدة لم نخترعها أو نتخيلها بعد؛ وبهذه الطريقة تزودنا النظرية أخيراً بدليل علمي لكيفية أن يكون المرء خيِّراً.

المصدر




مقالات مرتبطة