ماذا تُعلِّمنا تجربة الاقتراب من الموت عن مشاركة الموظفين؟

بخلاف العقلية التقليدية القائلة إنَّه من الأفضل ترك التعاطف والعطف خارج مكاتب العمل، فأهم ما قد تعلَّمناه العامين الماضيين أنَّ التعاطف ينتمي إلى مكان العمل؛ إذ إنَّه يعزز الولاء ويزيد من الاحتفاظ بالموظفين، الذي بدوره ينشئ مساراً لازدهار الأعمال والنمو ويُشعِر الموظفين بالارتباط والتمكين.



ومع ذلك، يتطلب إنشاء مكان عمل قائم على التعاطف تحولاً جذرياً؛ إذ تؤدي القيادة المتعاطفة إلى بيئة متعاطفة تمهِّد الطريق للمؤسسة بأكملها، ويمكن أن يبدأ هذا بتغيير صغير في التواصل يؤدي إلى تغييرات في الأفعال وركائز الشركة.

تجربة الاقتراب من الموت:

ضع في الحسبان قصة "كيني" (Kenny)، الموظف الجديد الذي عُيِّن في منظمة "بول وديلانز" (Paul and Dylan’s).

يُعرِّف "كيني" الفرق بين صلة الموظف برب العمل ومشاركة الموظف قائلاً: "بعد تسعة أشهر من بدء العمل في الشركة، دخلت إلى مكتب مديري "بول"، فألقى نظرة واحدة إليَّ وقال: "كيني، يجب أن نوصلك إلى المستشفى؛ لديك كتلة ضخمة في رقبتك لم تكن موجودة خلال اجتماعنا قبل 15 دقيقة". "هيا بنا"، قال "بول" وقاد "كيني" إلى سيارته مسرعاً نحو أقرب مستشفى.

قال الأطباء لاحقاً إنَّ قرار "بول" بالقيادة إلى المستشفى بدلاً من انتظار سيارة إسعاف من المحتمل أنَّه أنقذ حياة "كيني"؛ فخلال مسافة قصيرة بالسيارة إلى المستشفى، نمت الكتلة.

من خلال أربع مستويات من الإدارة، سمع "ديلان" أخبار "كيني" بأنَّه في المستشفى بحالة غير معروفة، ولديه خطيبة، وهم غير متأكدين مما إذا كان سيعيش ليقيم زفافه في غضون أسبوعين.

يقول "كيني": "اتصل بي "ديلان" بعد دخولي إلى المستشفى وكان الوضع خطيراً جداً، وسأل: "كيني، هل لي بإذنٍ منك للاتصال برئيس المستشفى وإطلاعه على وضعك؟".

بعد ظهر ذلك اليوم، جاء كبير المسؤولين الطبيين في المستشفى إلى غرفة "كيني" وأوصى بطبيب في مستشفى آخر قريب - كان أحد أهم الخبراء في حالة "كيني" - ووافق "كيني" على النقل، وبعد أن غادر كبير المسؤولين الطبيين غرفته، انهار "كيني" في البكاء، ولأول مرة، كان لديه أمل؛ إذ أدت الأحداث التي وقعت في ذلك اليوم إلى زيادة حظه، وبعد نحو 10 سنوات، ما يزال الطبيب الذي نُقِل "كيني" إليه يعالجه حتى يومنا هذا.

شاهد: 7 عادات تجعلك اسوأ موظّف في الشركة

وبعد سنوات، سأل "كيني" "ديلان": "كيف عرفت مدير المستشفى؟"، فضحك "ديلان" وقال: "لم أكن أعرفه، فقط اتصلت به، ثم تركت بريداً صوتياً له أقول فيه إنَّ لدي موظفاً في مستشفاه، وكنت قلقاً من أنَّه قد يحتاج إلى رعاية متخصصة، وقد لا يعرف أفضل الأطباء؛ وذلك لأنَّه جاء إلى هنا في الفترة الأخيرة للحصول على وظيفة جديدة من بلدة ريفية وليس لديه أي معارف هنا".

خرج "كيني" من المستشفى، وبعد أيام أقام حفل زفافه، وكما أخبرني "كيني": "أطلقنا على ابنتنا اسم "فيث" (Faith)، وتعني "إيمان"؛ لأنَّ كل خطوة حاسمة قادتني إلى الطبيب المناسب أعطتنا إيماناً بالمستقبل".

يوضِّح "كيني" قائلاً: "لا أخبر الكثير من الناس هنا عن قصتي؛ وذلك لأنَّني لم أعمل مع الشركة لفترة كافية للحصول على أجر لذوي الاحتياجات الخاصة، لقد قدَّمَت الشركة استثناءً سخيَّاً من بعض سياساتها المعمول بها للسماح لي بالحصول على إجازة مدفوعة الأجر في أثناء التعافي.

اخترت العمل من 60 إلى 80 ساعة أسبوعياً بعد أن تعافيت لإظهار تقديري، وعندما أسمع عن موظفين جيدين يشكون من أنَّ الشركة لا تهتم، أبحث عنهم وأخبرهم قصتي بشكل خاص؛ فأنا ما زلت هنا - حرفيَّاً - بسبب الكرم والدعم من شركتي والأشخاص الذين يعملون فيها"، ويضيف "كيني": "لم يعد كل من الأشخاص الذين أنقذوا حياتي يعملون لدى الشركة، ولكنَّني كذلك"، هذا هو الرابط القوي مع الموظف.

القواعد الجديدة لمشاركة الموظفين:

بالنسبة إلى الجزء الأكبر، الأشخاص المشاركون بدرجة عالية، الذين يعملون في الشركات ذات السلوكات العظيمة، لا يتركون العمل في الشركات ذات السلوكات السيئة؛ لذا إذا كنت من بين المنظمات الرائدة في مشاركة الموظفين، فكيف يمكنك التنافس على المواهب؟ يمكنك تحقيق ذلك من خلال صلة الموظف مع رب العمل.

"كيني" و"ديلان" و"بول" ليسوا الوحيدين الذين يفهمون ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة إلى "بوب تشابمان" (Bob Chapman)، الرئيس التنفيذي لشركة "باري ويلمير" (Barry-Wehmiller)؛ فهو يفهم الأمر، وفي حديث له على منصة "تيد إكس" (TEDx)، لخَّص "بوب" المبادئ التوجيهية للقيادة التي تطبِّقها شركته منذ عام 1988، يقول: "لقد دفعنا للناس مقابل كدِّهم لسنوات، وكانوا سيعطوننا أكثر - مجاناً - إذا عرفنا كيف نطلب منهم، وشكرناهم على المشاركة".

إنَّ التعاطف يعمل لمصلحة شركة "مايكروسوفت" (Microsoft) أيضاً، ويعود الفضل في ذلك إلى "ساتيا ناديلا" (Satya Nadella)، الرئيس التنفيذي للشركة العملاقة في مجال التكنولوجيا، الذي حوَّل سلوكات شركة "مايكروسوفت" من الشدَّة إلى التعاطف.

شاهد أيضاً: 6 نصائح لتتجاوز وفاة شخص عزيز عليك

ففي السنوات الست التي انقضت منذ تولِّيه المسؤولية في عام 2014، ارتفع سعر سهم "مايكروسوفت" إلى نحو 500%؛ وهذا بدوره أدى إلى زيادة قدرها 1 تريليون دولار في قيمة المساهمين؛ بعبارة أخرى، يعمل الرابط بين الموظف ورب العمل لمصلحة الموظفين، ولمصلحة المساهمين أيضاً.

يبدأ نهج التعاطف بمشاركة الموظفين من خلال سؤالهم عن الدعم الذي يحتاجون إليه منك أو من الآخرين في مؤسستك، وعندما تبدأ بطرح مثل هذه الأسئلة، ستجد على الأرجح أنَّ الناس قد لا يقدِّمون لك اقتراحات في البداية، وقد لا يشاركونك الدعم الذي يحتاجون إليه؛ وذلك لأنَّهم لا يريدون "أن يكونوا مدينين لك" بشيء ما، أو لأنَّهم قد يشعرون بالحرج من طلب أكثر ما يحتاجون إليه.

يتمتع بعض الأشخاص باستقلالية شديدة، ويفضلون عدم طلب المساعدة، وفي المواقف العصيبة جداً، قد يشعر بعض الأفراد بالارتباك الشديد ولا يستطيعون معرفة الدعم الذي يحتاجون إليه؛ لهذا السبب، من المفيد تقديم فكرتين أو ثلاث في صورة سؤال متعدد الخيارات، مثل: "كيف يمكنني أن أدعمك؟ يمكننا نقل المهام إلى عضو آخر في الفريق، أو تعديل المواعيد النهائية، أو قبول أي اقتراحات أخرى لديك".

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لإدارة توقعات الموظفين

التعاطف الرحيم:

ماذا لو كان الشخص الذي يحتاج إلى الدعم هو أنت؟ يتضمن إنشاء سلوك تواصل متعاطف أيضاً فائدة إضافية تتمثل في إنشاء طريق "للتواصل العكسي"، على سبيل المثال، يمكنك عكس المحادثة الأولية وطلب الدعم الذي تحتاج إليه، مثل: "لدي أفكار عدة عن كيفية دعمك لي، هل تمانع إذا شاركتها إياها؟".

الأسئلة العكسية متاحة للجميع، ومن ذلك الأشخاص الذين لا يحملون ألقاباً قيادية؛ إذ لا تُستخدم هذه الاستراتيجية من قِبل القادة فقط لتطوير رؤساء أفضل وليصبحوا كذلك؛ يمكنك أيضاً استخدامها لجعل مديرك الحالي أفضل، والأهم من ذلك، بصفتك قائداً في الفريق، عندما تمنح الإذن للآخرين لاستخدام الاستراتيجية العكسية معك، فإنَّك ستمنح في النهاية تعاطفاً رحيماً.

بالتأكيد، استفاد "كيني" من اتصال الموظف، ويبدو أنَّ الشركة حصلت على فائدة كبيرة أيضاً من خلال وجود موظف مخلص آخر، لكن هل تعرف مَن الذي قد يستفيد أكثر من علاقة الموظف برب العمل هذه؟

إقرأ أيضاً: لا تكتفِ بتوظيف موظفين جدد، بل كن ربّ عمل ملهم

في الختام:

قال "ديلان": "لا أعرف "كيني" جيداً، لكنَّني كنت الشخص الوحيد من الشركة الذي دُعي إلى حفل زفافه، وكان ذلك منذ 10 سنوات تقريباً، ولا أتذكر الجوائز التي فزنا بها في ذلك العام أو مكافأتي، لكنَّني أتذكر بوضوح حفل زفاف "كيني"؛ أتذكر والدته تعانقني، والدموع على خدها عندما ضغطت على خدي، ودموعي على خدها أيضاً"؛ إذاً، مَن المستفيد الأكبر من صلة الموظف برب العمل؟ القادة المتعاطفون.

المصدر




مقالات مرتبطة