ما هي نظريات التعلم الفعال وكيف تستفيد منها؟

يستوعب البشر المعلومات بطرائق ومعدَّلات مختلفة، وكل طريقةٍ من طرائق التعلم المختلفة هذه تلائم مجموعةً مختلفةً من الأشخاص، وهذه الطرائق وآليات عملها هي تحديداً ما نُطلق عليه اسم نظريات التعلم.



لقد أثبتَ أخصائيو التربية بعد عديدٍ من البحوث أنَّ كل نظرية تعلُّم فريدة وفعَّالة، وبمجرد أن تفهم الطريقة التي يفضِّلها عقلك لاستقبال المعلومات، يمكِنك البدء بالتعلم بطريقة مطوَّرة وفعَّالة، ولا ينطبق هذا على التعلم الأكاديمي فقط؛ إذ يتعامل العقل بالطريقة نفسها مع مهارات التعلم والمعلومات العامة أيضاً؛ لذا سنقدِّم لكم في هذه المقالة نظريات التعلُّم المختلفة لتتعرَّفوا إلى الأسلوب الذي تفضِّلونه.

نظريات التعلم الفعال:

طوَّر أخصائيو التربية وعلماء النفس نظريات مختلفة بناءً على المفاهيم المختلفة للأفراد، ولكن هناك أربعة مفاهيم على وجه الخصوص قد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتعلم اليومي:

1. النظرية السلوكية:

لقد كان "جون واطسون" (John Watson) هو من قدَّم نظرية التعلم السلوكي، وتعتقد مدرسته الفكرية أنَّ الناس يتعلمون من التفاعلات؛ إذ يؤدي كل حدث أو معلومة إلى رد فعل معيَّن، ويساعد هذا السلوك الدماغ على الاحتفاظ بالتفاصيل، ثم يتأثر سلوك الفرد بما تعلَّمه، وهكذا دواليك؛ وبالتالي، إذا قرأتَ معلومةً ما، لن تظلَّ في ذهنك ما لم تحفِّز هذه المعلومة رد فعل، وحتى في مواقف الحياة الواقعية، لن تتعلَّم أي شيء من الموقف إلا إذا أعطى الدماغ إشارات مُرتجعة (رد فعل).

كما تؤثِّر البيئة تأثيراً كبيراً في نظرية التعلم هذه؛ لأنَّ المرء عندما يولد، يكون دماغه فارغاً تماماً، ثم تملأ العوامل البيئية الدماغ بالمعرفة تدريجياً، ولأنَّ التعلم متَّسق مع البيئة؛ قد لا يتعلَّم المرء الأشياء بنفس الطريقة في بيئة مختلفة، بعبارةٍ أخرى، تؤدي البيئات المختلفة إلى نتائج وقدرات تعليمية مختلفة.

تُبرَّر كل السلوكات باعتبارها نتيجة لما يعرفه الدماغ بالفعل، وسواء كان التفاعل شعورياً أم لا، فهو يرتبط ارتباطاً مباشراً بما تعلَّمه الفرد؛ وبالتالي يؤثِّر كل ما تتعلَّمه في سلوكك تأثيراً مباشراً، ويتغيَّر سلوك أي شخص وفقاً لمعرفته عموماً؛ لذا إذا كنتَ تتعلم التحكم في غضبك على سبيل المثال، فيمكِن استخدام هذه النظرية لتساعدك في التحكم في غضبك من خلال تغيير طريقة تفكيرك.

إقرأ أيضاً: 5 عوامل تعيق عملية التعلم

2. النظرية المعرفية:

لقد كان عالما النفس التربويان "جان بياجيه" (Jean Piaget) و"إدوارد سي تولمان" (Edward Tolman) أوَّل من قدَّما نظرية التعلم المعرفي، وتقوم نظريتهما على مفهوم الذاكرة، ويمكنك فهم هذه النظرية من خلال مقارنة الدماغ البشري بالحاسوب؛ أي كما تحتفظ ذاكرة الحاسوب بالمعلومات المُدخلة إليها وتستفيد منها، يتعلَّم الدماغ البشري بناءً على ما يتذكَّره؛ إذ تنصُّ النظرية المعرفية أساساً على أنَّ الدماغ يتلقى المعلومات أولاً، ويفهمها، ثم يتفاعل معها؛ لذا تَحدث عملية التعلم قبل حدوث رد الفعل، تماماً مثل الحاسوب الذي تعتمد مخرجاته النهائية على الذاكرة.

بالإضافة إلى ذلك، حتى في حالة عدم وجود رد فعل، يَظلُّ الشخص يتعلم ويكتسب شيئاً من المعلومات، فعلى سبيل المثال: لنفترض أنَّك تتعلم لغةً جديدة، سيكون عليك حفظ كلمات محدَّدة ومعانيها؛ وبالتالي، ستلعب ذاكرتك الدور الرئيس في هذه العملية؛ لذا نجد أنَّ هذه النظرية تحمِّل المتعلِّم مسؤولية نفسه؛ إذ تقرُّ بأنَّ المتعلم في مقدرته أن يكون مشارِكاً نشطاً يفهم المعلومات ويتلقَّاها حتى بدون اعتماد على مصدر تعلُّم، وإذا كنتَ ترغب في ذلك، فيمكنك البدء في تعلُّم لغة جديدة في أي يوم بدون معلِّم إذا كانت مصادر اللغة بحوزتك.

شاهد بالفيديو: 7 طرق مثبتة لتقوية الذاكرة طويلة الأمد

3. النظرية البنائية:

لقد أنشأ "ليف فيجوتسكي" (Lev Vygotsky) نظرية التعلم البنائي، والتي تركِّز على التعلم الإدراكي، وتعتقد هذه النظرية أنَّ لكل فرد تصوُّراً فريداً يعتمد على التعلم الذي تلقَّاه قبل حدثٍ معيَّن، وأنَّ كل ما رأيتَه أو شعرتَ به أو سمعتَه في حياتك يساهم في بناء وجهة نظرك، ولقد اعتقد "فيجوتسكي" أنَّ كل تجربة تساهم في نوع من التعلم مرتين: مرة عندما يحدث الحدث بالفعل، ومرَّة عندما يفسِّر المتعلم المعلومات بناءً على معرفته السابقة؛ إذ يعني مفهوم البنائية أنَّ المتعلم يبني المعلومات بناءً على المعرفة السابقة؛ ممَّا يخلق سياقاً منطقيَّاً في ذهن المتعلم، وتؤدي هذه الروابط بين المعلومات القديمة والمعلومات الجديدة إلى طريقة تعلُّم مضمونة.

ووفقاً لهذه المدرسة الفكرية، يعني التعلم فهم التجارب، وبدون فهمٍ للحدث، لا يوجد تعلُّم، على سبيل المثال: إذا لم تعرف استخدامات الأوتار، فلن تتمكَّن أبداً من تعلُّم العزف على الجيتار، وتَستخدم هذه النظرية هذه الظاهرة لتحسين قدرات الأفراد على التعلم، كما تقترح أن يشارك المتعلم أكثر في العملية التعليمية لجعلها أكثر نجاحاً؛ إذ تشجِّع البنائية العمل التشاركي، وتركِّز على حل المشكلات أيضاً؛ ممَّا يؤدي إلى تحسين مهارات التفكير، والذي يعزِّز بدوره عملية التعلم.

كما تقرُّ هذه النظرية بتفرُّد كل شخص وتأثير ذلك في ما يتعلمه، على سبيل المثال: إذا كنتَ تتعلم الرسم، سيكون كل ما ترسمه انعكاساً فريداً لك؛ لذا لا يمكِن لفنانَين إنتاج العمل نفسه، حتى لو كانا يستخدمان المعدَّات نفسها.

4. التعلم التجريبي:

تتناول نظرية التعلم هذه التعلم من التجارب كما يوحي الاسم، ويعدُّ هذا المفهوم مشابِهاً تماماً للسلوكية، ولكن اقترح العالِم "ديفيد كولب" (David Kolb)، الذي طوَّر نظرية التعلم التجريبي، وجهة نظر مختلفة بعض الشيء.

في الواقع، تتضمن هذه النظرية جزءاً من جميع النظريات المذكورة أعلاه؛ فهي مزيجٌ من السلوك، والمعرفة، والإدراك، والتجربة، وتوضِّح هذه النظرية أنَّ عملية التعلم تبدأ بالتجربة، قد تكون هذه التجربة في أي شيء مثل: حدث واقعي، أو رسم أو كتابة شيء ما، وما إلى ذلك، والخطوة التالية هي أن يفكِّر الدماغ في هذا، وقد يؤدي هذا التفكير إلى رد فعل خارجي أو لا، وفي النهاية، يصبح جزءاً من الذاكرة، وهنا يأتي دور الإدراك.

وتُعدُّ الطريقة التي يختلف بها التعلم التجريبي عن التعلم السلوكي بسيطة للغاية؛ إذ تتحدث السلوكية عن تأثير السلوك الخارجي في التعلم والعكس صحيح، بينما يركِّز التعلم التجريبي على ما يدور في العقل وما يَنتُج عنه من سلوك خارجي.

وفقاً لهذه النظرية، إذا كنتَ تعمل في مجال الحوسبة وتريد تعلُّم رموزٍ جديدة، فيمكنك القيام بذلك بأفضل طريقة إذا كنتَ تَستخدم وسيلةً بصرية، على سبيل المثال: اكتب نمط الترميز أو شاهد مقطع فيديو للحصول على صورة في ذهنك يمكِنك التعلم منها.

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب التعلّم التجريبي لدايفيد كولب - الجزء 1

العلاقة بين أساليب التعلم ونظريات التعلم:

لقد عرفتَ ما تنص عليه كل نظرية تعلُّم، والآن، يجب أن تعرف كيف يرتبط ذلك بتعلُّمك اليومي.

في الواقع، لكل إنسان أسلوب تعليمي محدَّد، ويكون هذا الأسلوب متَّسقاً بصورةٍ مباشرة مع كل أو بعض النظريات المذكورة أعلاه؛ لأنَّ هذه النظريات مستمَدة من أساليب التعلم المختلفة، وهناك 7 أساليب تعلُّم أساسية:

  • الأسلوب البصري: يفهم المتعلمون الذين يتَّبعون هذا الأسلوب فهماً أفضل من خلال مشاهدة الصور.
  • الأسلوب السمعي: يتعلَّم الأفراد الذين يتَّبعون هذا الأسلوب من مصادر سمعية.
  • الأسلوب اللفظي: في هذا الأسلوب، يكون استخدام الكلمات في الكلام والكتابة هو الأسلوب المفضَّل للمتعلم.
  • الأسلوب المادي: يحتاج الأشخاص الذين يفضِّلون هذا الأسلوب إلى استخدام حاسة اللمس لفهم المعلومات.
  • الأسلوب المنطقي: يفكِّر الأشخاص المنطقيون فيما يتعلَّموه بطريقة منهجية.
  • الأسلوب الاجتماعي: في هذا الأسلوب، يكون التعلم في مجموعات أكثر فاعليَّة للمتعلمين.
  • الأسلوب الفردي: يحب متَّبعو هذا الأسلوب العمل بمفردهم، وليس ضمن مجموعات.

يرتبط كل أسلوب من أساليب التعلم هذه ارتباطاً مباشراً بإحدى نظريات التعلم الأربع، على سبيل المثال: يُعدُّ المتعلم المنطقي مثالاً حيَّاً لنظريات التعلم المعرفي؛ وبالتالي، إذا كنتَ بارعاً في الأعمال المتعلِّقة بالحسابات على سبيل المثال، فمن المحتمَل جداً أنَّك تتحلَّى بمهارات تفكيرٍ جيدة تساعدك على تنظيم المعلومات في عقلك.

بينما يستخدم المتعلم الاجتماعي نظرية البنائية؛ إذ يساعده العمل التشاركي والتصورات الشخصية على التعلم بصورةٍ أفضل، ويَستخدم ممثِّلو العلاقات العامة هذه النظرية وهذا الأسلوب.

كما يتفاعل المتعلمون الذين يفضِّلون الأسلوب المادي مع المعلومات التي يتعلمونها بطريقةٍ جسدية، وهذا هو تطبيق النظرية السلوكية؛ إذ بدون تحريك أيديهم أو استخدام حاسة اللمس بطريقةٍ أو بأخرى، يَصعُب على هؤلاء الأشخاص الاحتفاظ بالمعلومات في أدمغتهم، على سبيل المثال: يتعيَّن على متدرب الكاراتيه القيام بالأداء الجسدي لتعلُّم المهارة؛ ومن دون ذلك لا يمكِنه حفظها.

أما بالنسبة للتعلم التجريبي، فهو طريقةٌ هامَّة في أساليب التعلم البصري والسمعي؛ إذ تكُون المعلومات المرئية أو الصوتية التي يتلقَّاها المتعلم كافيةً لتشغيل خلايا الدماغ، حتى لو لم يوجد رد فعل دائماً.

استخدام وسائل التعلم التي تناسبك:

إذا كنتَ لا تستخدم أساليب التعلم التي تتماشى مع أسلوبك في التعلم، سوف تجد صعوبةً في استيعاب المعلومات، كما ستعاني ضغطاً لا ضرورة له؛ ممَّا يؤثر في إنتاجيتك وذكائك.

قد تتساءل عن وجود نظريات صحيحة وخاطئة ضمن نظريات التعلم وأساليبه العديدة، ولكنَّ الأمر لا يُنظَر إليه بهذه الطريقة، فالدماغ عضو معقَّد للغاية، وتختلف طريقة عمله من شخص لآخر؛ وبالتالي، تختلف طريقة استيعاب المعلومات أيضاً من شخص لآخر؛ لأنَّ هناك عديدٌ من أجزاء الدماغ التي تؤدي مهاماً مختلفة تماماً، فالفصُّ الأيمن على سبيل المثال، مسؤول عن تمييز الموسيقى والأصوات، بينما يتعامل الفص الجبهي مع الكلمات، ويتعامل الفص الصدغي مع الأنشطة الاجتماعية، ولا تعمل كل هذه الأجزاء من الدماغ بالسرعة نفسها عند كل إنسان؛ إذ يكُون الفص الجبهي أسرع بكثيرٍ بالنسبة لبعض الناس من البقية، وفي حالات أخرى، تكُون أجزاء أخرى هي الأسرع أو الأكثر سيطرة، كما أنَّ مهارات كل شخص تختلف عن الآخرين، فإذا كان بإمكان أحدهم تعلُّم الموسيقى، قد يكون الآخر أكثر كفاءة في المجالات المنطقية.

يؤثِّر هذا في عملية التعلم؛ لذا يتعلَّم كل شخص بأسلوب مختلف؛ ولهذا السبب وضع علماء علم النفس التربوي عديداً من أساليب ونظريات التعلم المختلفة نظراً لاختلاف قدرة الأفراد على التعلم، وهذا أيضاً سبب اختلاف النظريات، رغم وجود بعض أوجه التشابه. وبناءً على ذلك، عليك أن تعرف نظرية التعلم والأسلوب الذي يتناسب معك، وبمجرد أن تعرف الطريقة التي يفضلها عقلك، يمكنك استخدام هذه المعرفة لتحسين قدرتك على التعلم يوماً بعد يوم.

إقرأ أيضاً: 4 أساليب مختلفة تساعدك على التعلم بسرعة وذكاء

هل تتغيَّر أساليب المرء في التعلُّم بمرور الوقت؟

ربما اعتدتَ على التعلُّم باستخدام الأسلوب المرئي طوال حياتك، أو ربما كنتَ تتمتَّع بذاكرة ممتازة، ولكن لا يضمن هذا أنَّ أسلوبك في التعلُّم سيظلُّ هو نفسه عندما تبدأ حياتك المهنية؛ إذ قد تتغير أساليب التعلم، ويأتي هذا مع مقتضيات التغيير الضروري في أسلوبك، فعلى سبيل المثال: إذا كنتَ في يومٍ من الأيام متعلماً اجتماعياً، وكان العمل الجماعي يحفِّزك للغاية، فسيكون من الأفضل الغناء في فرقة بدلاً من الغناء الفردي، ولكن إذا تغيَّر أسلوبك على مر السنين وأصبحتَ تفضِّل الأسلوب الفردي، ستعاني البطء إذا لم تغيِّر طريقتك في التعلُّم؛ إذ لن تكون عروض الفرقة جيدة بما فيه الكفاية لأنَّ عقلك لن يكون قادراً على التمرُّن جيداً في أثناء الجلسات الجماعية.

في الواقع، يتغيَّر الدماغ مع الوقت، وقد تصبح الأجزاء القوية ضعيفة، والعكس صحيح، وقد يسيطر فصٌّ ما على فصٍّ آخر كان يسيطر على الدماغ، وبالتالي، لا تُعدُّ أساليب التعلُّم ثابتة للأبد، وقد تتغيَّر مع مرور الوقت.

وأخيراً، يمكِنك تعزيز قدرتك على التعلم بصورةٍ كبيرة بتطبيق طريقة التعلم الصحيحة وبعض النصائح الأخرى، وسوف تلاحظ الاختلاف الهائل في إنتاجيتك اليومية بوضوح، واعلم أنَّك كشخص كبير ومسؤول، فأنت الوحيد القادر على توجيه نفسك إلى مسار التعلم الصحيح؛ لذا إذا كنتَ ترغب في تعلُّم مهارة جديدة بسرعة، اكتشف أفضل أسلوب تعلُّم بالنسبةِ لك، وتعلَّم من خلاله، ثم انظر في نظرية التعلم المقابِلة له لتحديد طريقة استيعاب عقلك للمعارف والمعلومات، بعد ذلك، يمكِنك أن تصبح سريع التعلم في غضون أيام.

المصدر




مقالات مرتبطة