ما هي مقوِّمات الحياة السعيدة؟

في الدراسة المشهورة طويلة الأمد التي قامت بها جامعة هارفارد (Harvard)، والتي استمرت لمدة ثمانين عاماً، وجد الباحثون مفتاح السعادة، ولربَّما لن تتوقع ما هو.

بدأت جامعة هارفارد بإجراء الدراسة في ثلاثينيات القرن الماضي بهدف اكتشاف سبب السعادة البشريَّة، وما الذي يدفع الناس إلى المضي قُدُماً.



 دروسٌ مستفادة من دراسة عن السعادة:

جمع الباحثون مراهقين، إضافة إلى طلاب جامعيين من السنة الثانية من أحياءٍ فقيرة ليشتركوا في هذه الدراسة، ويخبروا الباحثين ما الذي يجعلهم سعيدين حقَّاً، وفي مفاجأة غير متوقعة، استمرت الدراسة أكثر من خمسٍ وسبعين عاماً (وما زالت قائمة)، مِمَّا يجعلها إحدى أكثر الدراسات شموليَّةً عن السعادة حتى يومنا هذا.

أطول دراسة عن السعادة: ماذا وجد الباحثون؟

المراحل الأوليَّة للدراسة وجدت شيئاً مثيراً للاهتمام:

يؤمن 80% من جيل الألفية أنَّ الثراء سبب رئيس للسعادة في حياتهم.

حتَّى إنَّهم يعدُّون الثراء هدفاً شخصياً، ومن ضمن هذه الـ 80%، 50% من الأشخاص الذين استُطلعَت آراؤهم قالوا إنَّ الشعبية والشهرة هما أحد أهم أهداف حياتهم وستجلبان لهم السعادة.

لكن ما المثير للاهتمام؟

لا المال ولا الشهرة كانا سبب سعادتهم؛ بل كان التواصل الاجتماعي؛ فالناس الذين كانوا أكثر ترابطاً مع مجتمعهم وأصدقائهم اتضَّح أنَّهم أسعد من غيرهم، وكانوا بصحَّة أفضل أيضاً، وعاشوا لمدَّة أطول ممَّن حولهم.

إضافة إلى ذلك، الناس الذين عاشوا حياتهم بوحدة، كانوا عموماً أقلُّ سعادةً من غيرهم، ولربَّما تعتقد أنَّ هذا الأمر بديهي وواضح؛ لكنَّهم أيضاً عاشوا حياة أقصر وصحتهم بدأت بالانهيار أسرع من أولئك الذين لديهم ترابط اجتماعي.

وجد الدكتور والدينجر أنَّ نوعيَّة العلاقات الحميمة وجودتها أفضل من كثرة الأصدقاء حولك؛ إنَّه لمن الأفضل أن يكون لديك علاقات حميمة قليلة على أن يكون لديك أصدقاء كثر، وفسَّر الدكتور والدينجر أيضاً أنَّ علاقات الزواج التي تشوبها صراعات كثيرة، وليس فيها عاطفة لربَّما تكون أسوء من الطلاق.

كشفت الدراسة نفسها أيضاً أنَّ العلاقات الجيدة تحمي أدمغتنا وأجسامنا حرفيَّاً، وكوننا في علاقة آمنة مع شخص آخر يمكن أن تُحسِّنَ الذاكرة، وتؤدِّي إلى تحسُّن في الوظائف المعرفية عامة.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لإعادة إحياء السعادة في حياتك

خطوات بناء علاقة جيدة:

كيف تبني علاقات جيِّدة؟ وهل النتائج تستحق العمل الشاق والمجهود؟ (وفقاً للعلم، نعم).

إليك خطوتين لبناء علاقات وطيدة مع الآخرين:

1. تحديد 5 أشخاص تقضي وقتك معهم:

قال رائد الأعمال والكاتب جيم رون (Jim Rohn) ذات مرَّة: "أنت متوسط الأشخاص الخمسة الذين تقضي معظم وقتك معهم"؛ لذا إن كنت تقضي وقتك مع أشخاص سعداء، ستكون سعيداً أيضاً.

في دراسة مذهلة عن السعادة، والتي اشترك فيها أكثر من 5000 فرد لمدَّة تزيد عن عشرين عاماً، وُجِدَ أنَّ السعادة لم تكن تنتقل فقط إلى أصدقاء شخصٍ ما؛ بل أيضاً لأصدقاء أصدقائه وأصدقاء أصدقاء أصدقائه! إضافةً إلى ذلك، وجدت الدراسة أنَّ الحزن لم ينتقل بين الأصدقاء بقدر السعادة.

السعادة مُعدية:

خطوة عملية: انظر نظرةً إلى الخمس أشخاص الذين تقضي معظم وقتك معهم.

  • من هم؟
  • هل يجعلونك سعيداً؟
  • هل تأثيرهم في حياتك إيجابي أم سلبي؟

إن كانوا يجلبون السعادة إلى حياتك؛ فالأمر جيِّد! حافظ على علاقتك القويَّة عن طريق المحادثات العميقة، وقم بمبادرات لطيفة تجاههم دون سبب.

أمَّا إن كانوا يؤثِّرون سلباً في حياتك، فحاول تحديد ما إن كانوا أشخاصاً سامِّين، وحاول أن تقلل الوقت الذي تقضيه معهم أو إن لم تكن تستطيع، فطبِّق إحدى نصائح حل الخلاف التسع التي تساعدك على تخفيف حدة المواقف الصعبة.

إقرأ أيضاً: بناء علاقات إنسانية ناجحة مع الآخرين

2. طرح أسئلة عميقة:

كيف الطقس؟ يبدو أنَّ الشوارع مزدحمة اليوم، أليس كذلك؟ ألا تحب الطبيعة؟

ما المشترك بين تلك الأسئلة (غير أنَّها تجعلك تريد الخلود إلى النوم)؟

  1. مملة: لا توجد حماسة، وقد سمعناها مليون مرَّة من قبل.
  2. مختصرة: طرحك لأحد تلك الأسئلة يمكن أن يعود عليك بجوابٍ من كلمة واحدة، إن كنت محظوظاً.
  3. سطحية: لن تتعمَّق في شخصية أحد أو اهتماماته هكذا.

الأسئلة العميقة أساسيَّة لبناء صداقات هامة، ولحسن الحظ، توجد طريقة سهلة لتسأل أسئلةً عميقة (وتتحرَّر من الأساليب المعهودة).

خطوة عملية: ابتداء من اليوم، اختر أحد الأسئلة الموجودة أدناه لتطرحه على شخصٍ تعرفه:

  • ما هو اليوم المثالي بالنسبة إليك؟
  • ما هو أكثر شيءٍ في حياتك تشعر بالامتنان تجاهه؟
  • ما هو أعظم إنجاز في حياتك؟
  • ما هو أكثر شيء تُقَدِّره في الصداقة؟
  • ما درجة الألفة والحميمية في عائلتك؟ هل تشعر بأنَّ طفولتك كانت أسعد من الناس الآخرين؟

خصِّص وقتاً للتواصل:

يقول نصف الشعب الأميركي تقريباً بأنَّ لديهم ثلاث أصدقاء مقربين أو أقل، والمشكلة الكبيرة أنَّنا لا نخصص وقتاً كافياً للتواصل.

نعم، بناء علاقات مع الناس قد يحتاج إلى العمل، ولا أحد يريد مزيداً من العمل؛ لذا فكِّر بالأمر بوصفه تمريناً لتعزيز مهاراتك الاجتماعيَّة، وإن كنت انطوائيَّاً، خصِّص وقتاً للتواصل الاجتماعي مع المقربين منك على الأقل مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع.

خطوة عملية: اكتشف كم تقضي من الوقت عادةً في الـ 24 ساعة عن طريق رسم مخطط دائري على الشكل الآتي:

خذ في الحسبان الأمور الآتية عندما تملأ مخططك:

  • النوم.
  • تناوُل الطعام.
  • العمل.
  • الدراسة أو التعلم.
  • ممارسة الرياضة.
  • الاسترخاء.
  • التواصل الاجتماعي.
  • الاستحمام والنظافة الشخصية.
  • السفر.

عندما تملأ مخططك، هل تترك ما يكفي من الوقت للتواصل الاجتماعي؟ الهدف الجيِّد في هذه الحالة الذي يجب أن تصبو إليه هو على الأقل ساعة في اليوم، سواء كانت ساعة من المحادثة مع شريك حياتك، أم قضاء الوقت مع أصدقائك، أم مقابلة ناس جدد.

نصيحة احترافية: ليست كل المقابلات الاجتماعية سواسية، مكالمات الفيديو يمكن أن تكون رائعة، لكن التفاعل الشخصي يعطينا كميَّة أكبر من الدوبامين، ويبني ترابطاً أعمق؛ لذا احرص على قضاء وقتٍ ممتع وجهاً لوجه مع الآخرين حين يمكنك ذلك.

شاهد بالفيديو: 9 طرق لتحسين مهارات التواصل

افهم لغة الجسد:

هل أنت سعيد حقاً أم تتصنع السعادة؟ يمكننا تفادي خداع أنفسنا بأنَّنا سعداء من خلال فهم ماهية السعادة الزائفة.

السعادة الزائفة مرئية، كذلك المشاعر الزائفة.

إليك بعض الدلائل على أنَّ الشخص يصطنع السعادة:

  • افتقاد عيناه لعلامات عضلات دوشين (Duchenne marker) في أثناء الابتسام، ما يشير إلى ابتسامة زائفة.
  • ربَّما يستخدم يديه أو أدوات أخرى كحاجز بينه وبين المتكلم للإشارة إلى أنَّه غير مهتم بالمحادثة.
  • قد تكون قدماه موجَّهة نحو باب الخروج في أثناء محادثتكما.

في الواقع، قد تظهر السعادة الزائفة على شكل ازدراء، وهو المؤشر الأول للطلاق وفقاً لمعهد غوتمان (Gottman)، فإن كنت ترى الازدراء في علاقتك، فعليك البحث عن مشكلات متخفية ومعالجتها.

إقرأ أيضاً: كيف تستثمر لغة الجسد لتكسب كاريزما قوية تسحر من حولك

اكتشف أسرار سحر الشخصية:

تحكَّم واستفد من الإشارات الصغيرة التي ترسلها إلى الناس، من طريقة وقوفك وتعابير وجهك إلى اختيارك للكلمات ونبرة صوتك، لتحسِّن من علاقاتك الشخصية والعمليَّة.

عزِّز مهارات الإصغاء والتحدث:

تعزيز مهارات الإصغاء والتحدث أهم من كل شيء، وذلك له فائدتان:

  • يريد الآخرون التحدث إليك أكثر لأنَّك تنصت حقَّاً.
  • سيكون لديك سحر شخصية أقوى وتأثير أكبر في قرارات حياتك.

دون مهارات التواصل اللائقة، فأنت تُعِدُّ علاقاتك للفشل.




مقالات مرتبطة