ما هي العوامل التي تجعل اختيار المهنة المناسبة أمراً هاماً؟

عندما كُنَّا أطفالاً، كثيراً ما سُئِلنا عمَّا نريد أن نكون في المستقبل عندما نكبر، وقد دفعَت مثل هذه الاستفسارات الأطفال إلى إعطاء إجابات مختلفة مثل راقصي الباليه، وضباط شرطة، وأطباء، على سبيل المثال لا الحصر.



عندما كبرنا، تحولَت طموحاتنا التي كنا نفكر فيها في مرحلة الطفولة إلى خيارات أكثر واقعية، متأثرة في عالم العمل المتغير باستمرار من حولنا، ومع التحول السريع للتكنولوجيا في كل مجال من مجالات الحياة، يشهد سوق العمل قدراً هائلاً من التغيُّر.

إذاً، لماذا يُعَدُّ اختيار مهنة أكثر أهمية من أي وقت مضى؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن ننظر في مختلف العوامل، والتي ينبغي أن تساهم جميعها في اتخاذ القرارات المتعلقة برحلتنا المهنية:

1. تتجه بعض الوظائف نحو الزوال:

تُهيمِن الأتمتة على واقعنا بأشكال عدة؛ وذلك بدءاً بمراكز الخدمة الذاتية، وبرامج خدمة العملاء، وحتى الروبوتات التي تقوم بمهمة توظيف الأشخاص، أو إقالتهم، وعلى الرغم من أنَّ أوجه التطورات التكنولوجية هذه تهدف إلى تحسين وتبسيط حياتنا، إلَّا أنَّها تفرض أيضاً تهديداً على نظرائهم من البشر الذين كُلِّفوا للقيام بهذه الوظائف أولاً.

مع بدء تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي القيام باستبدال العمال في العديد من المجالات والقطاعات، فإنَّ اختيار مهنة لا يمكن أن يحل محلها أي جانب من جوانب الثورة التكنولوجية يُعَدُّ أمراً حيوياً، ويجب أن تأخذ في الحسبان التأثير المحتمل الذي يمكن أن تُحدِثه التكنولوجيا في مجال عملك.

تشير التقديرات إلى أنَّ نسبة كبيرة من العمال سيحتاجون إلى تغيير مجال عملهم واكتساب مهارات جديدة ليبقوا قابلين للتوظيف في المستقبل، ففي الواقع وجد "معهد ماكينزي العالمي" (McKinsey Global) أنَّ 25% من العمال، والتي تُعَدُّ نسبة أعلى من التقديرات التي أُجرِيَت في السابق سيحتاجون إلى تغيير وظائفهم.

جاء ذلك نتيجة لجائحة كوفيد-19 (Covid-19) التي دفعَت الشركات إلى تبنِّي إجراءات عمل جديدة للحفاظ على استمراريتها؛ مما أدى إلى تسريع عملية استثمارها في مجال الذكاء الاصطناعي والأتمتة، أما بالنسبة إلى الملايين من العمال، فإنَّ هذه التغييرات التي أحدَثتها الشركات، يمكن أن تؤدي إلى زوال مناصبهم في وقت أسرع مما كان متوقعاً.

إنَّ بُعدَ النظر والمبادرة في اتخاذ الخطوات في وقت مبكر من رحلتك المهنية قد يعني أنَّك ستواكب التكنولوجيا الناشئة بدلاً من أن تفكر في أنَّها ستحل محلك، ومن المُتوقَّع أن تشهد المهن في مجالات الرعاية الصحية والتكنولوجيا والهندسة والتعليم والأعمال نمواً هائلاً، في حين أنَّ قطاعات مثل الزراعة والخدمات الغذائية والصناعة التحويلية أكثر عرضة لتحل التكنولوجيا محلها.

ولكن في حين أنَّ أتمتة الوظائف من شأنها أن تؤدي إلى زوال بعض المسارات الوظيفية، إلَّا أنَّها ستؤدي أيضاً إلى إنشاء وظائف جديدة، والتي سوف تكون ضرورية للاقتصاد القائم على التكنولوجيا، وطبقاً لتقرير صادر عن "المنتدى الاقتصادي العالمي" (World Economic Forum report)، فإنَّ المزيد من فرص العمل سوف تتوفر بدلاً من إزالتها بسبب الاعتماد على الأتمتة.

هذا يعني أنَّك لن تكون قادراً على اختيار مهنتك التي ستصمد أمام هذه التغييرات التكنولوجية فحسب؛ بل وستزدهر في ظلها أيضاً، ولكن من أجل القيام بذلك، يجب عليك اختيار مهنتك بعناية.

إقرأ أيضاً: 4 خطوات تُعطيك الأفضلية في فرص العمل

2. تكاليف التعليم آخذة في الارتفاع:

بعيداً عن التحدُّث عن مستقبل العمل وحتمية الأتمتة، هناك عامل هام آخر عند اختيار مهنة ما؛ وهو الارتفاع الكبير في الرسوم الدراسية، وهو ما يجعل متابعة التعليم أمراً صعب المنال.

الاختلاف الواضح في متوسط الدخل بين خريجي الجامعات وحاملي شهادات الثانوية العامة، بالإضافة إلى الارتفاع الواضح في معدل البطالة في الفئة الأخيرة، كل هذا يجعل الحصول على شهادة جامعية مؤهلاً أساسياً في سوق العمل اليوم، وعلى الرغم من التكلفة الهائلة التي يدفعها الطالب مقابل الحصول على شهادة جامعية.

تشير هذه الأرقام المقلقة إلى أنَّ ما تختار دراسته في الجامعة هو الآن قرار أكبر بكثير من مجرد طموح؛ حيث إنَّ شهادتك الجامعية هي استثمار طويل الأمد، ومع ارتفاع تكلفة التعليم العالي، فإنَّ معرفة المسار الوظيفي الذي ترغب في متابعته سيسمح لك بالعمل نحو الحصول على شهادة جامعية من شأنها أن تساعدك على البدء بالعمل في المجال الذي تريده.

يُعَدُّ التعليم الجامعي أكثر من مجرد وسيلة للتقدم في مجالك المهني، ولكن في ظل هذا الاقتصاد المتطور باستمرار، لا شك أنَّ الشهادة الجامعية تشكل رصيداً ثميناً لكل باحث عن عمل.

3. الطريق للأمن الاقتصادي:

تُعَدُّ إمكانية كسب الدخل إحدى الأشياء الرئيسة التي يفكر فيها معظم الأشخاص عند اتخاذ قرار بشأن مهنة مناسبة؛ حيث يعني اختيار المهنة المناسبة أنَّك ستستمتع بالأمن الاقتصادي، وهو عامل يؤدي دوراً رئيساً في تعزيز سلامتنا عموماً.

في الواقع، وجدَت دراسة أجراها مكتب العمل الدولي (International Labour Office) أنَّ الأمن الاقتصادي مرتبط بالسلامة الشخصية والرضا العام، سواءً في حياتك المهنية أم الشخصية؛ لذلك فإنَّ الوظيفة التي يمكن أن تمنحك الاستقرار المالي يمكن أن يكون لها تأثير مباشر في سعادتك ورخائك.

بمجرد أن تبدأ العمل في القطاع الذي اخترتَه، سوف تبدأ وضع الأسس التي يمكنك بناء حياتك المهنية عليها، وكلَّما اكتسبتَ المزيد من الخبرة والمهارات، سترتفع أيضاً إمكانات الكسب المادي لديك، وستكون قادراً على المنافسة والتأهل لاستلام مناصب أعلى.

علاوة على ذلك، عندما تصبح خبيراً في مجالك، ستصبح أكثر قابلية للتوظيف، فقد يحفز ذلك رب العمل على منحك المزيد من الحوافز للبقاء مع شركتك، ويمكن أن يجعلك أيضاً عضواً لا غنى عنه داخل تلك المنظمة؛ مما يمنحك الأمن الوظيفي.

إقرأ أيضاً: 5 صفات يبحث عنها أصحاب العمل في الموظف

4. التفكير الاستراتيجي في اختياراتك المهنية:

في عالم يتطور فيه كل شيء باستمرار، يمكن أن يكون اختيار المهنة المناسبة تحدياً حقيقياً، فيجب أن تكون الأتمتة، وارتفاع تكاليف التعليم، والحاجة إلى الضمان المالي عوامل جوهرية عليك النظر فيها عندما تتخذ أي قرار متعلق باختيارك المهني، ومع ذلك، يجب عليك أيضاً أن تسمح لعوامل أخرى أن تؤثر في اختيارك الوظيفي، فقد تكون مهنة المستقبل خياراً رائعاً من الناحية النظرية، ولكن يجب عليك أيضاً الاستفادة من مواهبك ومهاراتك واهتماماتك من أجل العثور على مهنة مناسبة حقاً.

لذلك، في حين أنَّه يجب أن تكون عملياً في اتخاذ قرارك، عليك أيضاً التفكير في طموحاتك وأهدافك الشخصية للعثور على مهنة ملائمة وتثير اهتمامك.

المصدر




مقالات مرتبطة