ما هي الدلالة التي تحدد أنَّه عليك المضي قدماً؟

يمكن أن يُحدِث اتخاذ خطوات صغيرة فارقاً كبيراً لا سيَّما في الأوقات الصعبة، لكن لا يمكن نكران حقيقة أنَّ اتخاذ هذه الخطوات غالباً ما يكون صعباً، وهذا هو السبب في أنَّ كثيراً من الناس لا يقومون بها في كثير من الأحيان، لكن علينا أن نُذَكِّر أنفسنا بأنَّه إذا كانت صعبة لا يعني أنَّها لا تستحق العناء.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك تشيرنوف" (MARC CHERNOFF)، ويُحدِّثنا فيه عن الدلالة التي تحدد أنَّه عليك المضي قدماً.

المفتاح هو أن تتذكر أنَّ لا بأس في الشعور بعدم الارتياح؛ لأنَّ ذلك بداية للنمو والشفاء، ومن أجل الحصول على شيء ما في الحياة غالباً ما يتعين علينا التخلي عن شيء ما، ومن أجل تغيير وضعنا للأفضل يتعين علينا اتخاذ بعض الإجراءات التي ليس بالضرورة أن تكون سهلة أو ممتعة.

يمكن أن تكون ممتعة بالطبع؛ لكنَّها فوضوية، وفي كثير من الأحيان نتجنب اتخاذ الخطوة التالية؛ لأنَّنا نخشى أنَّ الأمر قد لا يستحق العناء، وذلك لأنَّه أمر مخيف وغير مريح أن تقوم بالتغيير، حتَّى عندما تسعى إلى شيء أفضل.

هذا كله يعود إلى سؤال واحد: ما الذي يستحق هذا العناء كله؟

هل التغيير الذي تريد تنفيذه من أجل العثور على وظيفة جديدة أو إعادة اكتشاف نفسك أو عملك أو إنهاء علاقة أو أي شيء آخر سيساعدك حقاً على السير نحو الحياة التي تريد أن تعيشها؟

إذا كان الأمر كذلك، فهذه علامة على أنَّ الوقت قد حان للتقدم، وربَّما يستحق الأمر تحمُّل بعض الألم الإضافي وعدم الراحة للوصول إلى هدفك، ويمكنك أيضاً إعادة صياغة السؤال لمساعدتك على التفكير فيه: "ما مدى أهمية المضي قدماً بالنسبة إليك؟ وما هي الأمور التي تكون مستعداً للتضحية بها على الأمد القصير والطويل لتكون أكثر سعادة على الأمد الطويل؟"

من خلال دراسة وضعك ستدرك أنَّ ثمة أسباباً وجيهة للخروج من منطقة الراحة الخاصة بك وبذل الجهد؛ فالتغييرات الكبيرة لا تحصل بسهولة لأيٍّ منَّا، لكن بمجرد أن تبدأ في إجراء محادثة صادقة مع نفسك عما تريد تغييره في حياتك في المستقبل، ستجد أنَّه من الأسهل توجيه طاقتك الكاملة نحو التغلب على عقباتك الحالية، وعندما تركز على الخير الذي سينتج عن إجراء التغيير الذي تريده فإنَّ التضحيات التي سيتعين عليك القيام بها لتحقيق هذا التغيير ببساطة لن تبدو مهمة كبيرة.

التكيف مع التغيير والخروج من الموقف التعيس أو غير الصحي يتعلق أساساً بتقبل انعدام الراحة؛ إذ يتعلق الأمر باختيار تقبل هذا الانزعاج ليس لأنَّك تريد أن تجعل حياتك معقدة أو صعبة للغاية؛ وإنَّما لوجود بعض الأمور التي تستحق المعاناة من أجلها، ويستحق الأمر معاناةً أكثر قليلاً في الوقت الحالي من أجل تقليل المعاناة على الأمد الطويل.

شاهد: كيف تدفع نفسك للمضي قدماً وتحقيق النجاح؟

يتعلق الأمر بالتخلي عن أمور معينة للحصول على المزيد ممَّا تريده:

لا شكَّ إذا كنت تريد أن يكون جسدك رشيقاً فعليك أن ترغب في ممارسة التدريبات الشاقة وتناول الوجبات الصحية، وإذا كنت تريد العمل الناجح مرة أخرى فعليك أيضاً أن تتقبَّل الأيام الطويلة والمتعبة والصفقات والقرارات التجارية المجهدة وإمكانية الفشل عدة مرات لمعرفة ما تحتاج إلى معرفته للنجاح في سوق العمل.

إذا كنت ترغب في إعادة هيكلة حياتك والتكيف جيداً، فعليك ببساطة التخلي عن بعض وسائل الراحة والروتين وما إلى ذلك؛ للحصول على ما تريده في النهاية، وتذكر أنَّ التخلي عن الأشياء لا يقتصر فقط على تقديم تضحيات صغيرة وفورية؛ بل يتعلق الأمر أيضاً بالحصول التدريجي على الموارد التي تحتاجها للقيام بشيء هام في المستقبل.

عندما تتخلى عن شيء ما فإنَّك تنشئ تلقائياً مجالاً في حياتك لشيء آخر، ومن خلال رفضِ كل شيء لا يُماشي أولوياتك أو الواقع الحالي، فإنَّك تفسح المجال لما هو كذلك؛ بمعنى آخر إذا كنت ترغب في تحقيق نتيجة هامة في حياتك في الأسابيع والأشهر المقبلة، فعليك التخلي عن الأمور التي تعارضها بدءاً من اليوم، وعليك أن تضحي بشيء يحظى بتقديرٍ أقل من الذي تحظى به النتيجة النهائية التي تسعى إلى تحقيقها.

ما قد تحتاج إلى التخلي عنه للمضي قدماً:

قبل أحد عشر عاماً عندما توفي صديقنا جوش (Josh) وبقدر صعوبة تقبل خبر وفاته إلَّا أنَّني تقبلتُ أنا وزوجتي أنجل (Angel) أنَّه لن يعود، لكن كان ما يزال من الأسهل عاطفياً أن نضيع في حزننا ونفكر في أنَّنا لم نفقده بَعد؛ فذلك أسهل بكثير من مواجهة ما تعنيه خسارته بالفعل، وهذا هو بالضبط ما فعلناه لفترة من الوقت

لقد تخيلنا عدم فقدانه حتَّى عانينا نوبة اكتئاب، ولحسن الحظ في خضم حدادنا غير الصحي تمالكنا أنفسنا؛ أي لدينا شيء يجب القيام به لتغيير نظرتنا إلى مأساة فقدانه، لقد تواصلنا مع كامي (Cami) أرملة جوش، وبصدق لم نكن نعرف الأشياء المناسبة التي علينا قولها أو فعلها؛ لذلك قررنا ببساطة مساندتها والإصغاء إليها.

أدركنا أنَّ مشاعر الحزن لدينا لم تكن شيئاً مقارنة بما كانت تمر به، وفي إحدى الأمسيات جلست كامي وأختها تينا (Tina) ونحن على المائدة وبدأنا نتحدث بصراحة عن جوش، ولم يتوقع أيٌّ منَّا كيف ستسير المحادثة، فعندما اتخذنا قرار إجراء تلك المحادثة عرفنا المخاطر المحتملة

إنَّ مواجهة خسارتنا لم تكن سهلة؛ لكنَّ تلك اللحظة جاءت من قرار مدروس بعدم الهروب من التفكير به، ودخلنا إلى مكان شعرنا فيه بعدم اليقين، لكن هذا هو المكان الذي يتم فيه التغيير؛ أي في حالة عدم الارتياح وعدم الراحة.

انطلاقاً من ذلك قمنا ببناء علاقة رائعة مع شخص كان يهم جوش أكثر من أي شيء آخر في العالم، فإنَّ تغيير موقفك يعني عدم تجنب المشكلة؛ بل يتعلق الأمر بالانتقال إلى حالة عدم اليقين بصدق، وإدراك أنَّ هذا الاختيار قد يجلب معه القلق وعدم الراحة والألم، كما يتعلق الأمر بالاستعداد لقبول ما يأتي وبأن تكون عرضة للخطر.

من خلال الانفتاح على هذا النوع من الصدق والضعف، فإنَّك تنفتح أيضاً على الشعور بالحرية المتجددة والسلام والثراء العاطفي الذي ربَّما لم يكن في حياتك أبداً، فلديك القدرة على تغيير وضعك للأفضل مهما حدث، لكن مرة أخرى قبل أن تتمكن من القيام بذلك قد تضطر إلى التخلي عن بعض القصص والأفكار والافتراضات التي كنت تتشبَّث بها بشأن نفسك ووضعك الحالي، فذكِّر نفسك أنَّ الاستسلام لا يعني دائماً أنَّك ضعيف أو مخطئ؛ فهذا يعني ببساطة أنَّك قوي وذكي بما يكفي للتخلي والمضي قدماً في حياتك.

شاهد أيضاً: 10 أمور يفعلها المتفوقون لبلوغ العظمة

كيف تبدأ بإحراز تقدُّم؟

في الوقت الحالي ما يزال كثير منا يحاول يائساً العثور على شغفه وسعادته مرة أخرى وهي فكرة نظنُّ أنَّها ستقودنا في النهاية إلى مزيد من السعادة والنجاح، لكن عندما نقول إنَّنا نحاول العثور على شغفنا وسعادتنا فهذا يعني أنَّنا فقدنا شغفنا وسعادتنا بالفعل، لكنَّ هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة؛ فالحقيقة هي أنَّ شغفنا وسعادتنا ينبعان من الخروج من مناطق راحتنا والقيام بالأمور على نحو صحيح كل يوم.

أمَّا إذا كنت تنتظر بطريقة ما العثور على شغفك وسعادتك في مكان غير نفسك بحيث يكون لديك أخيراً سبب لإعادة قلبك وروحك بالكامل إلى الحياة مرة أخرى فسيطول انتظارك، ومن ناحية أخرى إذا سئمت الانتظار وقررت العيش بحماسة وفرح أكثر بدءاً من اليوم، فهذه علامة واضحة على أنَّ الوقت قد حان لإثارة الشغف في الشيء التالي الذي ستفعله

متى كانت آخر مرة أجريت فيها محادثة مع شخص تحبه من دون أيِّ عوامل تشتيت للانتباه؟ ومتى كانت آخر مرة مارست فيها الرياضة وبذلت جهداً صادقاً فيه؟ ومتى كانت آخر مرة حاولت فيها حقاً أن تبذل قصارى جهدك في العمل؟

مثل معظمنا من المحتمل أنَّك تبذل مجهوداً قليلاً في التفكير في معظم الأمور التي تقوم بها يومياً؛ لأنَّك ما زلت تنتظر العثور على شيء ما لتكون شغوفاً وسعيداً بشأنه في هذه الأوقات، وما عليك القيام به هو خلاف ذلك تماماً.

عندما كنت طفلاً اعتادت جدتي أن تخبرني: "توقف عن البحث عن الفرصة التالية؛ فتلك التي أمامك هي فرصتك"، وقالت أيضاً: "نحن غالباً ما نقضي وقتاً طويلاً جداً في محاولة إتقان شيء ما قبل أن نفعله على الإطلاق، وبدلاً من انتظار الكمال ابذل قصارى جهدك مع ما لديك الآن، وقم بتحسينه في أثناء ذلك".

إقرأ أيضاً: 9 عادات تُعيقك عن المضي قدماً نحو النجاح

من المثير للاهتمام أنَّ الأبحاث النفسية الحديثة تعزز كلام جدتي مباشرة، ولعقود من الزمن رأى علماء النفس أنَّ عقولنا يمكن أن تغير حالتنا الجسدية، لكن ليس خلاف ذلك، وفي الوقت الحاضر تبيَّن أنَّ أجسادنا - كتعابير وجهنا اللحظية ووضعياتنا - يمكن أن تؤثر مباشرة في حالتنا العقلية والعاطفية؛ لذا في حين أنَّه من الصحيح أنَّنا نتغير من الداخل إلى الخارج، فإنَّنا نتغير أيضاً من الخارج إلى الداخل، ويمكنك الاستفادة من هذا الواقع لمصلحتك الآن.

إذا كنت تريد المزيد من العاطفة والمتعة في حياتك الآن فافعل شيئاً حيال ذلك؛ ابذل قلبك وروحك في شيء ما، ولا تبذلهما في الفرصة التالية؛ بل في الفرصة الصغيرة التي تقبع أمامك مباشرة؛ فلا تبذلهما في عمل الغد؛ بل في عمل اليوم، ولا تبذلهما في تمرين الغد؛ بل في تمرينات اليوم، ولا تبذلهما في علاقات الغد؛ بل في علاقات اليوم.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات مهمة تساعدك على المُضي قُدماً في الحياة

في الختام:

أنا متأكد من أنَّه لديك كثير في حياتك الآن يستحق العيش من أجله، ولديك أشخاص وكثير من الظروف الصغيرة التي تعدها أموراً بديهية، ولديك كثير من الإمكانات غير المُستَثمَرة بداخلك فتوقف عن الانتظار، وافعل الأشياء غير المريحة، وعانِ قليلاً لاكتساب الحماسة مرة أخرى، فلا توجد فرصة تالية، فقط تلك التي لديك في هذه اللحظة، وتخلَّ عن المشتتات، وركز على ما هو أكثر أهمية، وضع قلبك وروحك في الفرصة التي أمامك مباشرة اليوم، واجعل من فعل ذلك عادة وانظر إلى أين ستقودك.




مقالات مرتبطة