ما هي أكثر المخاوف شيوعاً المتعلقة بتتبع الوقت في العمل؟

لقد أصبح تتبُّع الوقت أحد أهم العوامل الأساسية التي تسهم في نجاح الشركة مهما كان حجمها؛ فحينما تستخدمه استخداماً مناسباً، ستحقق النمو والاستقرار المالي وتعزِّز سير العمل والرضا الوظيفي.



إلا أنَّ معظم الفِرَق لا يقتنعون بأهمية تتبُّع الوقت، ولا سيما كونه أمر لا يحظى بسمعة حسنة؛ حيث يُعدُّ تتبُّع الوقت جزءاً صغيراً من أساليب مراقبة الموظفين الصارمة التي تعتمدها العديد من الشركات التي تقدِّم برامج وخدمات لإدارة القوى العاملة.

لقد أثار الفيديو الذي نشرته قناة "سي إن بي سي" (CNBC) تحت عنوان "كيف يمكن أن يتجسَّس عليك أرباب العمل في أثناء العمل من المنزل" (How Employers Could be Spying on You While Working from Home) مخاوف الكثير من الناس (المبررَّة) من أي نوع من البرامج التي تتعقَّب أداء عملهم.

وهنا يأتي دورنا لنساعدك على تخفيف تلك المخاوف والشكوك، من خلال التأكيد على أنَّ استخدام برنامج بسيط لتتبُّع الوقت لن يؤثر في خصوصية الموظفين؛ بل حتى يمكن أن يحمي حقوقهم، ويدفعهم إلى اتباع عادات أفضل عموماً.

أكثر المخاوف المتعلقة بتتبُّع الوقت في العمل شيوعاً:

1. هل سيُستخدَم تتبُّع الوقت لانتهاك خصوصيتي؟

دعنا نتطرق أولاً إلى أكبر مشكلة تشغل بال الجميع، ألا وهي مراقبة الموظفين ومدى احترام خصوصيتهم؛ حيث يخشى الناس أن يفتح تتبُّع الوقت الباب أمام مراقبتهم مراقبة مستمرة والتدقيق عليهم تدقيقاً أكبر.

عبَّر عدد من الموظفين في مقالة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في عام 2018 عن قلقهم وخوفهم وتوتُّرهم إزاء مراقبة الموظفين؛ حيث أكَّد الكثير منهم أنَّه طُلِب منهم استخدام أدوات التتبُّع بحجة أنَّها ستساعد على تعزيز أداء الموظفين الإجمالي، إلا أنَّها لم تُحقِّق ذلك.

كما ذكر سائق شاحنة في المقال ذاته كيف أنَّ الكاميرا والميكروفون المثبَّتَين جعلتاه يركز على أدائه (كالحد الأقصى للسرعة وحصيلة القيادة وغيرها) تركيزاً شديداً للغاية لدرجة أنَّه لم يركِّز على القيادة بما يكفي؛ حيث يمكن أن تؤدي مثل هذه المستويات العالية من الضغط إلى ضعف الأداء، وتُسبِّب الإرهاق بكل تأكيد.

اسعَ إلى تتبُّع الوقت الذي يقضيه الموظفون في العمل لأسباب وجيهة، ولا تستخدمه لمجرد اختبار مراقبة عملهم بصورة كاملة؛ وذلك لأنَّك حتماً ستخسر أكثر مما ستكسب.

شاهد بالفيديو: 18 نصيحة سريعة لاستثمار الوقت بفاعلية

2. هل سيُتوقَّع مني أن أكون في ذروة إنتاجيتي لـ 8 ساعات كاملة؟

رغم أنَّنا نعيش في القرن الواحد والعشرين، إلا أنَّه ما زلنا نتوقع تحقيق سير العمل الذي كان معتمَداً في القرن التاسع عشر؛ فمنذ قيام الثورة الصناعية، كان من المتوقع أن يعمل العاملون أكثر من 16 ساعة في اليوم لمدة 6 أيام في الأسبوع؛ بيد أنَّ قانون معايير العمل العادل لعام 1938 (Fair Labor Standards act) نجح في حل هذه المشكلة من خلال اعتماد 8 ساعات عمل في اليوم الواحد أي ما يعادل 40 ساعة عمل أسبوعياً؛ وذلك لأنَّ طبيعة العمل قد تغيرت، فلماذا ما زلنا نتعامل مع العمل بالطريقة ذاتها؟

يوِّضح المدير التنفيذي لشركة "كوليكتيف كامبوس" (Collective Campus)، ستيف جلافسكي (Steve Glaveski)، أنَّ الحداثة والتقدُّم التكنولوجي والإنترنت قد غيروا طريقة عملنا تغييراً جذرياً، مقارنةً بالطريقة التي كانت معتمَدة في عام 1938؛ حيث اختلف مكان العمل الحديث كثيراً، ولا يمكننا أن نتوقع تحقيق أقصى مستويات التركيز والإنتاجية خلال 8 ساعات كاملة.

أجرى المدير التنفيذي للشركة الألمانية الناشئة "رينغانز ديجيتال إينابيلر" (Rheingans Digital Enabler)، لاس رينغانز (Lasse Rheingans)، تجربةً أراد أن يكتشف من خلالها ما إذا كان في إمكان موظفيه أن يعملوا لمدة 5 ساعات في اليوم بدلاً من 8 ساعات؛ لاعتقاده بأنَّ ذلك سيعزز إنتاجيتهم وجودة عملهم.

لقد لاقت التجربة نجاحاً كبيراً بالطبع وشعر الموظفون بالنتائج الإيجابية؛ وذلك لأنَّهم لم يضغطوا على أنفسهم لمحاولة تحقيق إنتاجية أكبر طوال يوم عملهم، كما كانوا أقل عرضةً لعوامل التشتيت والعمل لساعات إضافية.

تُثبت هذه التجربة صحة العديد من الادعاءات العلمية التي تفيد بأنَّه لا يمكن لأحد أن يحافظ على مستوى إنتاجيته لمدة 8 ساعات في اليوم، ولا ينبغي أن يتوقع المديرون التنفيذيون ذلك.

كما ينبغي أن يوضِّحوا للفِرَق أنَّه لا أحد يتوقع منهم أن يكونوا في أوج تركيزهم طوال الوقت، وأنَّ تتبُّع الوقت ما هو إلا طريقة لتحديد الساعات التي يكونون فيها في ذروة نشاطهم، وتعلُّم ترتيب أولويات مهامهم ترتيباً أفضل، ومَن يدري، فقد تخفِّض شركتك ساعات العمل إلى 5 أو 6 ساعات يومياً كل أسبوع مع توفر البيانات وإجراء التحسينات اللازمة، دون تكبُّد أي خسائر مالية.

إقرأ أيضاً: أفضل 5 برامج تعمل على جميع الأجهزة لتتبع الوقت

3. هل يُعدُّ تتبُّع الوقت شكلاً من أشكال العقاب لتدنِّي الأداء؟

يعتقد بعض الموظفين أنَّ تتبُّع الوقت ما هو إلا وسيلة لمعاقبة تدني أدائهم في العمل؛ فضع نفسك مكان شخص أخبَرَه مديره للتو بأنَّ جميع الموظفين ينبغي أن يتتبعوا أوقاتهم ويرسلوا التقارير؛ حيث سرعان ما ستراوده العديد من الأفكار ويتساءل في سره قائلاً:

  • "هل أقوم بعملي بصورة خاطئة؟"
  • "هل تدنَّى مستوى أدائنا؟"
  • "ألا يثق المديرون بنا؟"
  • "هل سيكون تتبُّع الوقت هو الطريقة الوحيدة لتقييم عملي؟"

من المتوقَّع أن تكون أفكارهم الأولى سلبيةً دائماً؛ وذلك لأنَّه حينما يريد المدير معرفة مقدار الوقت الذي تقضيه في إنجاز كل مهمة، فتشعر بأنَّه عليك أن تبذل أقصى جهودك، وإلا ستتلقى عقوبةً عند حدوث أي تقصير، لتدخل بعدها مجدداً في دوامة معيبة من الضغط والتوتر والإرهاق.

وضِّح منذ البداية أنَّك لن تستخدم تتبُّع الوقت كوسيلة لفرض العقوبات أو كمبرر لفسخ عقد العمل؛ واشرح الأسباب الحقيقية وراء ذلك على الفور، والتي يمكن أن تشمل تسريع عمليات معينة، أو اكتشاف المواضِع التي يمكن أن تزداد فيها وتيرة عمل الفريق الجماعي أو تنخفض قليلاً، أو تحديد أفراد الفريق الذين يستطيعون توَلِّي المزيد من المهام مقابل أولئك الذين يعانون من الارتباك والإرهاق.

4. هل سيُستخدَم تتبُّع الوقت لإدارة الموظفين إدارةً تفصيلية؟

ليس غريباً أن تجد بعض المديرين الذين يستخدمون تتبُّع الوقت كذريعة للإشراف على كل تفصيل صغير من وقت عمل موظفيهم؛ حيث ادَّعى نائب رئيس شركة "فوناج" (Vonage)، ريجي سكيلز (Reggie Scales) في تقرير نشرته قناة "سي إن بي سي" (CNBC): "يعرف [الموظفون] أنَّنا نراقبهم، وهذا أمر جيد دائماً"؛ إذ تعكس كلماته هذه ما يدور في أذهان الكثير من الموظفين عند تطبيق سياسة تتبُّع الوقت.

سيُراقَبون وتُدقَّق كل خطوة يتخذونها في العمل، وسيتلقون كميةً هائلةً من التغذية الراجعة و/ أو سيُصحَّح مسار عملهم؛ وعلى الرغم من أنَّ بعضهم قد يرى هذا الأمر كفرصة لإظهار قيمتهم، إلا أنَّ أغلب الموظفين سيشعرون بعدم الارتياح حتى في إنجاز المهام التي يتقنونها؛ وذلك لأنَّهم يخشون أن يطرح عليهم المدير الأسئلة الآتية:

  • "لماذا استغرق إنجاز المهمة ذاتها وقتاً أقل بمقدار 15 دقيقة من يوم أمس؟"
  • "أنهى زملاؤك جميع المهام قبل انقضاء الموعد النهائي، ولكنَّك تأخَّرت في تسليم تقريرك".
  • "لماذا يستغرق إنجاز المهمة هذه وقتاً أطول من المعتاد، مع أنَّ كل ما تحتاجه متاح لديك؟"
  • "أرى أنَّه ما زال لديك متسع من الوقت في جدول مواعيدك، فلِمَ لا تهتم بأمر رسائل البريد الإلكترونية هذه؟"

لقد اختفت الحرية التي يتمتع بها كل موظف في ترتيب أولوياته وإنجاز مهامه، ناهيك عن أنَّنا جميعاً نعاني من مشكلات شخصية أحياناً، أو نواجه أياماً تنخفض فيها إنتاجيتنا، أو نساعد زملاءنا في العمل، أو نتعرض للتشتيت والمقاطعة، وغيرها من العوامل.

وبعد أن وضَّحنا جميع هذه الأمور، كيف يمكنك أن تخفِّف من وقع الإعلان عن تطبيق سياسية تتبُّع الوقت في فريقك نفسه؟ والأهم من ذلك، كيف يمكنك توضيح الحاجة إليه بطريقة تحدُّ من أي شكوك تساورهم؟

إقرأ أيضاً: متى يجب أن تلجأ إلى التفويض؟ ومتى يجب أن تعتمد الإدارة التفصيلية؟

التطرُّق إلى التوقعات من استخدام تتبُّع الوقت:

احرص على أن تكون الأسباب الكامنة وراء تطبيق سياسة تتبُّع الوقت أخلاقيةً وهادفة؛ فقد سلَّطنا الضوء في القسم السابق من المقالة على الممارسات التي تجعل تتبُّع الوقت أداةً تعرقل سير التقدُّم بدلاً من تعزيزه؛ وإليك فيما يلي بعض الأمور التي عليك وضعها بالحسبان قبل أن تقرر التحدث إلى فريقك؛ حيث ستساعدك هذه الأفكار في نهاية الأمر على التعامل مع فريقك بثقة أكبر، والاستعداد للأسئلة التي سيطرحونها عليك حتماً.

1. يمكن أن يعزز تتبُّع الوقت مهارة إدارة الوقت إلى حد كبير:

لا نعني بذلك أنَّ الموظفين سيدركون خياراتهم فجأةً وتتحسن أمورهم ما إن يروا مقدار الوقت الذي كانوا يضيعونه؛ بل حاوِل أن تتناول الموضوع هذا من وجهة نظر تتعلق بتحسين الذات؛ حيث يمكن أن يعزز تتبُّع الوقت من إدارة الوقت الشخصي، ويكشف لك الكثير عن الطريقة التي ترتِّبُ من خلالها أولوياتك؛ لذا أكِّد على الفوائد الشخصية الآتية التي ستعود على فريقك عند التحدث إليهم:

  • سيتمتعون بمستويات أعلى من التنظيم.
  • سيتمكنون من تحقيق توازن أكبر بين حياتهم الشخصية والمهنية.
  • سيبتعدون عن الرديئة ابتعاداً أسرع.
  • سيتعلمون كيفية تحديد الأولويات.
إقرأ أيضاً: أشياء مثمرة تقوم بها في 10 دقائق - (الجزء الأول)

2. لا يُعدُّ تتبُّع الوقت حلَّاً مؤقتاً لسوء الإدارة أو التواصل:

إذا كانت المشكلة تكمن في ضعف الإنتاجية، فقد يعود سبب ذلك إلى سوء الإدارة، أو عدم نجاح (أو استخدام) قنوات التواصل استخداماً صحيحاً، أو بسبب ظروف العمل غير المُرضية، أو غيرها من الأسباب؛ حيث يتلقى الخبراء في موقع "بي بي إم إكسبريس" (PPM Express) الكثير من الاستفسارات من المديرين التنفيذيين بشأن أسباب الخسائر المالية التي تتكبدها شركاتهم؛ وتشمل الأسباب الأكثر شيوعاً ما يلي:

  • الإخفاق في مواكبة سوق العمل.
  • ظروف عمل رديئة.
  • عدم وجود خطط طوارئ.
  • الخلافات وضعف التواصل.

يلجأ الكثير من هؤلاء المديرين التنفيذيين إلى تتبُّع الوقت كحلٍّ بسيط لمعالجة هذه المشكلات، ظنَّاً منهم أنَّ الخسائر التي تتكبدها الشركة في الوقت والمال قد يعود إلى فشل الموظفين في تتبُّع أوقاتهم؛ لذا عليك أن تحرص أولاً على أنَّ جميع الأمور المتعلقة بالشركة وفريق العمل تسير بسلاسة قبل أن تُطَبَّق سياسة تتبُّع الوقت؛ وإلا ستؤثِّر العوامل الخارجية هذه تأثيراً كبيراً في النتائج.

في الختام:

تحدَّثنا فيها عن المخاوف التي تراود الموظفين حينما يقرر مديرهم تطبيق تتبُّع الوقت، إلى جانب توضيح الأهداف الحقيقية من استخدامه، وسنستكمل الحديث عن أهم السُّبُل التي تساعدك على طرح موضوع تطبيق تتبُّع الوقت لفريقك في مقال "كيف توضِّح لأفراد فريقك الحاجة إلى تتبُّع الوقت؟".

 

المصدر




مقالات مرتبطة