ما هي أساليب التربية الحديثة لبناء جيل مثقف؟

أكثر ما يتوارد إلى الذهن هو موضوع تنشئة الأبناء تنشئة سليمة صالحة، وغرس القيم الإيجابية الأخلاقية النبيلة في نفوسهم منذ الصغر؛ وذلك من خلال أساليب حديثة لطيفة معاصرة، كالامتناع عن جرح الطفل أو التسبُّب له بأيٍّ من المخاوف.



نستعرض في هذا المقال أفكاراً كثيرة يدور فحواها حول أهمية التربية السليمة وأسسها وأساليبها المطورة.

كيف نبني شباباً مفكراً؟

المُطالعة هي السبيل إلى زيادة المعارف والاستقاء من ينابيع العلم والنور، كما أنَّها وسيلة لبناء شخصية متنورة وصولاً لبناء أمة متحضرة، وهذه الخلطة التثقيفية لهيكلية بناء الشباب الواعي تأخذ طريقين: الطريق الأول؛ طريق على مستوى الذات لبناء الفكر والوعي، الطريق الثاني؛ طريق تؤيده جهة خارجية مناصرة له.

من البديهي أن نقول إنَّ أمنية كل والد ووالدة أن يجعلا من أولادهما أفراداً يملكون وعياً عميقاً وفكراً متنوراً ورسالةً سامية وأخلاقاً راقية؛ وذلك من خلال تكريس عادة يومية جميلة تنبع من محبة قلبية في داخلهم؛ ألا وهي حب القراءة، والاعتناء بالكتاب، واحترام المثقفين.

في الحقيقة، اقتحمت التكنولوجيا حياتنا بشكل مرعب، وتحوَّل عالمنا إلى قرية صغيرة، وأصبحت الميديا مصدراً هاماً لزيادة الثقافة والتواصل الاجتماعي، وأصبح من الضروري أن نُمتِّن ونقوي صلتنا مع الكتاب وأن نطَّلِع على كل ما توصل إليه العالم من العلم والاكتشافات؛ وذلك لنبقى معاصرين ونشعر بانتمائنا لهذا الوجود الذي نُعَدُّ جزءاً منه.

إقرأ أيضاً: 7 إرشادات مهمة لتثقف نفسك

كيف نمتلك المهارات الضرورية لنثقِّف أولادنا؟

هناك إحصائيات أُجرِيَت خلال عقد من الزمن، عن عشر مهارات ضرورية لتثقيف أولادنا، وأُجرِيَت آخر إحصائية على أولياء الأمور وعددهم 2000 أب؛ حيث إنَّ مضمون هذه الإحصائية هو طبيعة المهارات اللازم امتلاكها وتكريسها لتربية أولاد ينعمون بهناءة العيش ولذة التفوق وصحة البدن.

توجد قائمة طويلة لهذه المتطلبات أهمها، الإفصاح عن المحبة والمشاعر الصادقة، ولكن ثمة نقطة هامة يجب أن نشير إليها؛ ألا وهي أنَّ العلاقة التي تسودها المحبة والتفاهم مع الشريك تنعكس إيجاباً على حياة الأطفال وسلوكهم وتركيزهم.

ما هي وظيفة الوالدة في تنشئة الأولاد؟

سوف نتطرَّق إلى الطرائق الصائبة في إعداد الطفل وتهيئته؛ حيث توجد طرائق سليمة يقع تنفيذها على عاتق الأهل في تنشئة أولادهم تنشئة صالحة وإعدادهم ليكونوا أفراداً فاعلين يمتلكون شخصية متماسكة صلبة وقيماً أخلاقية نبيلة، ومن هذه الطرائق الناجحة:

  • العقوبة: من الضروري اللجوء إلى فرض العقوبة للأولاد في حال أساء الطفل التصرف أو خرقَ الأخلاق أو قصَّر في واجباته المدرسية أو قلل من احترام والديه وتقديرهم. العقاب ضروري، ولكن بشرط ألَّا يتجاوز الحد الطبيعي، والمقصود به هنا هو لوم الطفل وحثه على شعور تأنيب الضمير لتصحيح أخطائه وليس المقصود به التعذيب الجسدي أو النفسي للطفل.
  • الاقتداء: من الطبيعي أن يكون الأهل بالنسبة إلى أطفالهم أبطالاً حقيقيين، فالطفل بحاجة إلى قدوة صالحة خيرة تحفزه على السلوك الإنساني القويم. وبطبيعة الحال، إذا كان الآباء صالحين وأصحاب قيم ومبادئ ونوايا طيبة ومؤثرين في المجتمع، فسوف ينعكس هذا على أطفالهم بشكل جميل ويتَّخذ الأطفال من أهلهم قدوة ومثالاً يُحتذى به ومصدر إلهام لهم.
  • الإرشاد والنصح: من أشكال التربية الفعالة السليمة أن يكون الوالدان ناصحَين ومرشدَين لأولادهما؛ حيث يدلانهم إلى طريق الخير، ويزرعان في نفوسهم المحبة ومساعدة الغير، والأهم من هذا كله أن يشجعا أولادهما على طلب العلم وأنَّه طريق الهداية وسبيل الخلاص. من واجب الوالدين تجاه أولادهما، أن يحرصا على تربيتهم تربية صحيحة معافاة من أيَّة شائبة.

إنَّ البنين والبنات هبة جميلة من عند الله سبحانه وتعالى، وهدية مباركة يمنحها الخالق للأم والأب بعد طول انتظار، والعاطفة الأبوية الحميمة التي تنبثق من الوالدين لأطفالهما منذ صغرهم تدفعهما لأن يُسخِّرا لأولادهما كل ما يحتاجون إليه ويطلبونه من طعام وشراب ولباس وصحة وتعليم؛ إذ إنَّ هذا الأمر في غاية الأهمية، فالتربية الصحيحة القويمة تخلق جيلاً قوياً.

ومع تطور الأمم والشعوب وظهور عصر التقانة ودخولنا في زمن السرعة؛ حيث أصبح لكل فرد هاتف جوال يسمح بالتواصل أينما كان الشخص الآخر.

مع كل هذه التغيرات اختلفت التربية، وتغيرت المفاهيم والأساليب والطرائق، وأصبح الآباء بحاجة إلى طاقة استيعاب أكبر لفهم أولادهم وتلبية حاجاتهم ورغباتهم ضمن الحد المطلوب وتهيئتهم لمحاربة الحياة والدخول في ساحة المعركة التي تتصارع فيها قوى الخير وقوى الشر.

إقرأ أيضاً: التربية الحديثة: ضرورة أم بريستيج؟

أبرز طرائق التنشئة المعاصرة:

1. قصص آخر الليل:

من الجميل جداً أن يقوم الأهل بنسج حكايات لطيفة جميلة لأطفالهم قبل النوم، بشرط أن تكون الحكاية هادفة ومشوقة ومثيرة، وتحمل قصة البطل الخارق، كما عوَّدَتنا أفلام الرسوم المتحركة؛ حيث إنَّ سرد القصص على مسامع الأولاد بأسلوب شيق وجميل، ينمي عند الطفل حب القراءة ويطور عنده ذائقة الإنصات بمتعة.

2. تجنُّب العقاب الجسدي:

لعل أبشع أصناف العقوبات هو صفع الطفل بقوة؛ وذلك لأنَّه يؤدي إلى جعل الطفل هش البنية يعاني من عقد نفسية كبيرة، كما أنَّ السلوك الإجرامي من قِبَل الوالدين تجاه الولد، يدفعه إلى العنف ويزرع الخوف بداخله ويحوله إلى إنسان ضعيف ينهزم عند أصغر تحدٍّ ويستسلم لأبسط مشكلة؛ وذلك لأنَّه من الداخل إنسان فارغ يفتقر إلى أبسط معاني القيم، كما أنَّه يخسر أسلحته للمقاومة.

ولهذا كله، فإنَّ التعنيف الجسدي للطفل من قِبل الوالدين يُعَدُّ مؤشراً سلبياً ودليلاً واضحاً على سوء التربية، ولا يفضي إلى أولاد سليمين معافين من الأمراض.

وفرض العقاب لا يشتمل فقط على التعذيب الجسدي للطفل؛ بل أيضاً له أشكال كثيرة؛ إذ في بعض الأحيان يكون التعنيف بالكلام أقسى وأحدَّ من ضرب الوجه أو الجسد ويحفر في داخل الطفل جرحاً عميقاً لا يمكن تضميده.

والتعذيب لا يقتصر على الإهانة بالضرب أو بالكلام البذيء الذي يجعل لسان الطفل مستساغاً لعبارات غير أخلاقية تدل على سوء تربية الأهل؛ وإنَّما يمكن أن يمتد التعذيب إلى حركات مؤذية للطفل وتصرفات مغلوطة من قِبل الأهل؛ كمنع الطفل عن قضاء ساعات من العطلة مع أصدقائه، أو منعه عن شراء لعبة يحبها أو طعام لذيذ يشتهيه أو لباس جميل يعجبه؛ إذ إنَّ كبت رغبات الطفل ومنعه عن ممارسة حق طفولته، يخلق عقدة نقص لديه منذ الصغر ويجعله يعاني من طفولة ناقصة وحرمان لا يعوض.

3. توفير الجو الهادئ:

من البديهي أنَّ البيت الذي يسكنه الهدوء والتفاهم والحب يؤثر تأثيراً إيجابياً في نفسية الأولاد ومزاجهم العام؛ حيث إنَّ أجواء التوتر والانفعال والغضب والمزاج المضطرب لدى الآباء تنقل العدوى إلى الأطفال، فيعتادون على التوتر والخوف والاضطراب النفسي، والتطرُّق إلى هذا الأمر في غاية الأهمية؛ وذلك لأنَّ له خطورة كبيرة على صحة الأطفال النفسية والعصبية والعقلية.

إقرأ أيضاً: التربية تحت مجهر علم النفس الحديث

4. الإفصاح عن المحبة للأطفال:

ضروري جداً أن يترجم الوالدان مشاعرهما الأبوية الودودة لأولادهما؛ فهذا شيء يقوي العلاقة بين الأطفال والآباء، وبهذا يكون الأب موضع سر وثقة وليس محل شك وخوف عند الطفل.

أهم شيء يقوم به الأهل هو أن يُشعِروا أولادهم بمحبتهم الصادقة لهم؛ وذلك لأنَّهم كنزهم الثمين وكل ما يملكون في هذه الحياة؛ حيث إنَّ الأسرة هي خلية صغيرة من المجتمع، والنواة الأولى لتحقيق جيل قوي ناضج واعٍ متفتح، ومن ثم جزء هام لا يتجزأ من مجتمع بأكمله فيه أنواع عدَّة من البشر سواءً كانوا أشراراً أم خيرين، وهذا طبعاً يعود إلى أساليب التربية التي يتبعها الأهل مع الأبناء.

والأسرة الصالحة لا يمكن أن تستند إلَّا إلى أب وأم صالحَين يمتلكان أخلاقاً حميدة عالية ويسعيان إلى أن يرشدا أولادهما إلى الطريق السليم السوي الخالي من الأمور اللاأخلاقية، ومن واجب الآباء أن يزرعوا في أولادهم المحبة والإيمان بالله تعالى، وبأنَّ الله تعالى هو خالق النفس البشرية، وهو من يهديها ويصلحها ويهذبها وينتشلها من اليأس والخنوع والغضب.

ووجود الإيمان والتسليم الروحي والروحاني للخالق أمر ضروري وحتمي وواجب على الأم والأب أن يُعلِّما أولادهما منذ الصغر أنَّ الصلاة تعبير عن خشوع العبد لربه وخالقه.

وهكذا نقول: إنَّ التربية تكون باليسر لا بالعسر، وباللين والرحمة لا بالقسوة والشدة، فالعلاقة بين الوالدين والأبناء أمر في غاية الأهمية، لما يخلق من جو مريح وهادئ في البيت، ويقلل من التوتر والعصبية والشحنات السلبية في البيت، فأبناؤنا أمانة في أعناقنا ويجب أن نحافظ عليها، فهم مستقبل الأمة، وهم الذين سيرفعون منزلة أمتنا في السماء.

فحرصاً منا على سلامة أمتنا، علينا أن نعتني بأولادنا أشد العناية ونعطي لتربيتهم الصالحة الوقت الكافي والأهمية المطلقة، وأن نكون ناصحين لهم، نرشدهم إلى دروب الخير، ونعلمهم حب المساعدة، والإخاء، والتعاون، وتقبُّل الغير، والإتقان في العمل، والابتعاد عن الكذب وعقوق الوالدين، كما يجب أن نعلمهم التفاني في أداء الواجبات، وصقل شخصيتهم بالمواهب اللطيفة وتنميتها، واكتشاف كل ما هو جديد ورائع فيهم، فبداخلِهم طاقة كامنة علينا تحريرها والاستفادة منها، وتشجيعهم عليها.

تلك مفاتيح بسيطة وغير معقدة، لتهيئة أبنائنا وبناتنا ليكونوا أفراداً فاعلين في مجتمع متنوع ومزدهر بكافة الألوان والأطياف والأعراق، فالمجتمع لا يقوم إلَّا بتكاتف أبنائه جميعاً على الرغم من اختلافهم، وهذا التكاتف يجب تعليمه من النواة الأولى للمجتمع ألا وهي الأسرة، وتقع هذه المسؤولية خاصةً على عاتق الأب والأم.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة