ما هي أدوات التفكير الإبداعي للقادة؟

يُركِّز الكثير من التعليم الرسمي على مهارات التفكير، وخاصةً مهارة التحليل؛ والتي تعني: تعليم الطلاب كيفية فهم الادعاءات، أو اتباع أو إنشاء حجةٍ منطقية، ومعرفة الإجابة، وإزالة المسارات غير الصحيحة، والتركيز على المسار الصحيح. ومع ذلك، هناك نوعٌ آخرٌ من التفكير الذي يُركِّز على: استكشاف الأفكار، وتوليد الاحتمالات، والبحث عن العديد من الإجابات الصحيحة، بدلاً من إجابةٍ واحدةٍ فحسب.



كلا النوعين من التفكير حيويان لبيئة العمل، إلا أنَّ الأخير يميل إلى أن يتمّ تجاهله، حتّى بعد التّخرج. يُمكِننا التفريق بين هذين النوعين من التفكير من خلال الجدول التالي:

مقارنة بين التفكير الناقد، والتفكير الإبداعي:

التفكير الناقد

التفكير الإبداعي

مولدٌ للأفكار

تحليليٌّ

تقاربيٌّ

تباينيٌّ

يبحث في الاحتمالات

يبحث في الإمكانيات

يُصدِر الأحكام مباشرةً

يُؤجِل إصدار الأحكام

مُركِّزٌ على الفكرة

متشعبٌ

ذاتيٌّ

موضوعيٌّ

يبحث عن الجواب الصحيح

يبحث عن جوابٍ صحيح

لفظيٌّ

بصريٌّ

خطيٌّ

ترابطيٌّ

يعمل على إثراء المنطق

متجددٌ، وقد لا يتبّع المنطق

يتعامل مع الأفكار بـ نعم ولكن

يتعامل مع الأفكار بـ نعم و...

يُركِّز على الخوارزميات والتتبع البرمجي

 مكشوفٌ واسترشادي

يُركِّز على مسار الحل

يُركِّز على إيجاد مساراتٍ للحلول

مع مهارةٍ مثل: حل المشكلات، فإنَّ كلا النوعين من التفكير هامَّان بالنسبة إلى عالم الأعمال.

أولاً: يجب أن نُحلِّل المشكلة؛ ثمَّ يجب علينا إيجاد حلولٍ ممكنة؛ بعد ذلك، يجب علينا اختيار وتنفيذ أفضل حل؛ وأخيراً، يجب علينا تقويم فعالية هذا الحل. تكشف هذه العملية عن تناوبٍ بين نوعين من التفكير النقدي والإبداعي، ولكن عملياً، يعمل كلا النوعين من التفكير معاً معظم الوقت، وليسا مستقلين حقاً عن بعضهما بعضاً.

ثمة تحدياتٌ تَبرزُ في المؤسسات عندما يبدأ الحديث حول "التفكير الإبداعي"؛ لأنَّ هذا الحديث يلفُّه بعض الغموض الذي قد يصل إلى مستوياتٍ من سوء الفهم، وتُنسَج حوله الأساطير.

أساطيرٌ وحقائقٌ حول التفكير الإبداعي:

دعونا نتعرَّف على أبرز الأساطير حول التفكير الإبداعي:

1. خرافة أنَّ لكلِّ مشكلةٍ حلٌّ واحدٌ فقط:

تعلَّمنا في المدارس وغيرها من المؤسسات التعليمية والتربوية أنَّ هناك إجابةً واحدةً صحيحةً عن المسألة. لذا تذكَّر: يمكن حلُّ معظم المشكلات بعددٍ كبيرٍ من الطرائق، فإذا اكتشفت حلاً ناجحاً، فهو حلٌّ جيد. قد يكون هناك حلولٌ أخرى يُفكِّر فيها الآخرون، ولكن هذا لا يجعل حلَّك خاطئاً. فلنأخذ مثالاً بسيطاً جداً: ما هي طريقة كتابة الكلمات على الورق؟: قلم حبر؟ قلم رصاص؟ آلةٌ كاتبة؟ طابعة؟

2. خرافة الحلِّ النموذجي:

يظنُّ الكثير من القادة أنَّه ينبغي العثور على أفضل إجابةٍ، أو حلٍّ، أو طريقة. انظر إلى تاريخ أيِّ مجموعةٍ من الحلول في مجالٍ معين، ستلاحظ أنَّه يُعثَر دائماً على حلولٍ جديدةٍ، ويجري تحسينها باستمرارٍ؛ إذ لا يوجد حلٌّ نموذجي.

إذا بحثنا عن الحلِّ المثالي لعملية "نقل الأشخاص" من خلال السؤال التالي: ما هي أفضل وسيلةٍ لنقل الأشخاص؟ ربَّما الثور، أو الحصان، أو العربة، أو القطار، أو السيارة، أو الطائرة المروحية، أو الطائرة النفاثة، أو الصواريخ. لكن هل هذا هو الأفضل والأخير؟ فماذا عن الأنابيب الهوائية؟ الحوامات؟ وحتّى الأفكار المنتشرة في أفلام الخيال العلمي؟ كلُّها وسائل ممكنةٌ في المستقبل القريب أو البعيد؛ فلا وجود لحلٍّ مثاليٍّ واحد.

على مستوى الحياة اليومية، وُضِع العديد من الحلول التي يُنظَر إليها الآن على أنَّها الأفضل، أو -على الأقل- راسخةٌ منذ أمدٍ بعيد. في كثيرٍ من الأحيان، اعتُمدَت الحلول وفقاً لظروفٍ معينةٍ، وعلى عَجَلٍ، ودون تفكيرٍ عميق؛ مثل: استخدام رخص القيادة، أو بطاقات الهوية، أو أرقام الضمان الاجتماعي، وغيرها. فهل هي أفضل الحلول؟ الحلول الأخرى مترسخةٌ ببساطةٍ لأسبابٍ تاريخيةٍ، بحجة أنَّه جرى القيام بها بهذه الطريقة دائماً، انطلاقاً من مبدأ "هذا ما وجدنا عليه آباءنا". قِس على ذلك الكثير من الحلول والاستخدامات اليومية في حياتنا.

3. خرافة أنَّ الحلول الإبداعية معقّدة:

يرى البعض أنَّ الحلول الإبداعية معقدةٌ من الناحية الفنية، أو التكنولوجية، أو المالية؛ وتتطلّب الكثير من الجهد. الحقيقة: هي أنَّ عدداً قليلاً فقط من المشكلات تتطلب حلولاً تكنولوجيةً معقدة، بينما تتطلّب معظم المشكلات التي ستقابلها حلاً مدروساً يرتكز على إبداعاتٍ وجهودٍ فرديةٍ أو جماعية، وربَّما بعض الأدوات البسيطة، أو التغييرات الهندسية أو الإدارية (Engineer or Administrative Controls).

حتّى العديد من المشكلات التي يبدو أنَّها تتطلّب حلاً تكنولوجياً، يُمكِن معالجتها بطرائق أخرى مبتكرة.

كمثالٍ جميلٍ على ذلك: "سندويش النقانق (Hot Dog)". عندما صُنِعت النقانق لأول مرة، كانت تُقدَّم بدون خبزٍ إلى الزبائن، مع توفير قفازاتٍ لهم؛ وذلك لتقليل تأثير حرارتها على يد الزبون. لسوء الحظ، كانت تبدو هذه الفكرة غير عملية؛ لأنَّ العملاء ينسون نزع القفازات من أيديهم بعد الانتهاء من أكلها. لم يكن الحلُّ معقداً على الإطلاق؛ إذ بدأت المطاعم بتقديم النقانق في خبزٍ ملفوفٍ، حتّى تظلَّ أصابع العميل معزولةً عن الحرارة. فبدأ العملاء بتناول الخبز مع النقانق، واختفت القفازات إلى الأبد.

إذا أردنا ربط الموضوع بطرائق الإبداع الكلاسيكية، فهذا مثالٌ جيدٌ على طريقة "تغيير التوجه (Changing Direction)"، والتي تأتي لاحقاً في ثنايا المقال. فبدلاً من السؤال: كيف يمكنني تجنُّب ارتداء القفازات؟ لمَ لا نسأل: هل نحن بحاجةٍ إلى القفازات أصلاً؟

4. خرافة أنَّ المبدعين مبدعونَ بالفطرة:

"إذا لم أكن مبدعاً بالفطرة، فلن أكون كذلك أبداً".

يعتقد الكثير منا أنَّ الإبداع جزءٌ من الحمض النووي للعائلة، وأنَّه أقرب إلى الحظ والنصيب؛ بينما يعتقد بعضنا الآخر أنَّه لا يمتلك ذلك الجين الإبداعي، وهذا لن يتغيَّر أبداً. بيد أنَّ ما تثبته الدراسات والأبحاث هو أنَّ الإبداع يكمنُ فينا جميعاً، والأفضل من ذلك، يمكننا تنميته بالتدريب والممارسة. هناك عشرات التقنيات التي تثبت أنَّنا قادرون على التفكير الإبداعي، وُجِد -في مقدمتها- ما يُعرَف بــ: "الانفتاح على التجربة، أو الانفتاح الفكري"، وهي مهارةٌ بمثابة متطلّبٍ أساسيٍّ للتفكير الإبداعي؛ ومع قليلٍ من التأمل والتدريب والممارسة، يمكننا تحسينها وتطويرها.

يمكن لعاداتٍ، مثل: تعلُّم لغةٍ جديدة، وتجربة أطعمةٍ مختلفة، وقراءة نوعٍ مختلف من الكتب أو الروايات العالمية، ومقابلة أشخاصٍ من خارج الإطار التقليدي لشبكة العلاقات، والسفر إلى بلدانٍ مختلفةٍ في ثقافتها، وتجربة مناظر طبيعيةٍ وثقافاتٍ جديدة؛ أن تساهم في "الانفتاح على التجربة"، وتُؤثِّر بعمقٍ في رؤيتنا للأشياء.

المفتاح: تغيير روتينك، وتعريض نفسك إلى تجارب مختلفةٍ وجديدةٍ، وطرائق تفكيرٍ غير مألوفة.

وتُعدُّ مهارة "الانفتاح الفكري، أو الانفتاح على التجربة" واحدةً من "السمات الشخصية الخمس الكبرى" المعترف بها على نطاقٍ واسع، وهي مفهوم نظرية بول ت. كوستا، وروبرت آر ماكراي.

5. خرافة أنَّ التألق الإبداعي يحدث في لحظة "إلهامٍ ووحيٍّ":

فهو يحدث في غفلةٍ من الزمن، وبشكلٍ سريع، ومن غير تهيئةٍ خاصة؛ فهو أقرب إلى إلهامٍ سماوي.

تبدو عملية الإبداع الفكري -وفقاً لهذا المنطق- غامضةً وغير متوقعة، وبالتالي يصعب على المؤسسات والأفراد تنظيمها وتطويرها. نعتقد أحياناً أنَّ العمل الرائع الذي قام به مبدعٌ ما، كان رائعاً في اللحظة التي ظهر فيها؛ وأنَّ هذه اللحظة لن تتكرر، فهي وميضٌ ينجلي سريعاً. الحقيقة أنَّ العمل الإبداعي غالباً ما يمرُّ عبر عمليةٍ طويلة، فقد تعيش الأفكار داخل رؤوس الناس لشهورٍ، وأحياناً لسنوات؛ وغالباً ما تتبلور عندما يحدث أمرٌ جلل، أو يظهر منظورٌ جديد، أو يبرز تغيّرٌ في مسار الحياة، أو يظهر مسعىً غريب.

يجدر بنا أن نستعرض تجربة المؤلفة العالمية صاحبة أشهر سلسلة أطفال في العالم، "جي كيه رولينغ" (JK Rowling). فقد قدمت روايتها الأولى "هاري بوتر" إلى 12 دار نشر، لكن لم يوافق أيٌّ من دور النشر تلك على نشرها. في ذلك الوقت، نصحها محرِّر إحدى الدور قائلاً: "أنصحكِ بالحصول على وظيفةٍ يومية، إذ لا تجني كتب الأطفال أيَّ أرباح". ولكن فيما بعد، أصبحت المؤلفة من أشهر الكتَّاب في مجال قصص الأطفال، وتحولت قصصها إلى أفلام سينمائيةٍ عالمية. (للتعرُّف على مزيدٍ من المعلومات عن نجاح المؤلفة وحياتها؛ يُرجَى الاطلاع على ذلك في موقع النجاح نت من خلال مقالة: "قصة نجاح الكاتبة جوان رولينج مؤلفة قصة هاري بوتر").

6. خرافة أنَّ المبدع يحتاج إلى مؤهلاتٍ خاصة:

افتتحت ويتني فريا (Whitney Freya)، كاتبةٌ ومتحدثةٌ وفنانةٌ ومؤسسة برنامج "كرييتف فيت (Creatively Fit)" الاستوديو الفني خاصتها، وبدأت بإقامة دروسٍ في الفن دون تدريبٍ رسميٍّ في مجال الفنون الجميلة. وتصرُّ على أنَّ هذا كان بمثابة مكافأةٍ كبيرة، حيث شعر الأشخاص الذين حضروا دروسها أنَّه يمكنهم الذهاب بعيداً في هذا المجال، إذ لم يكن نقص التدريب عقبة، وكانت ويتني دليلاً لهم على هذه الحقيقة، بل وشكَّل نقص التدريب لدى ويتني مصدر إلهامٍ لأولئك الذين جاؤوا إلى صفوفها.

ماذا لو لم تكن بحاجةٍ إلى مؤهلات؟ ماذا لو أتيحت لك الفرصة تلو الفرصة؟ ماذا لو أعطيت نفسك الإذن للبدء وتجربة شيءٍ جديد بنفسك دون حكمٍ مسبقٍ أو نقد؟

في أحيانٍ كثيرة، نشعر أنَّنا مكبَّلون ببعض الممارسات أو الموارد، ونشعر أنَّنا بحاجةٍ ماسةٍ إلى مؤهلاتٍ خاصة؛ لنبدأ إبداعاتنا وحياتنا الخاصة. وفي بعض الأحيان، نعتقد أنَّه بدون المؤهلات الصحيحة، ليس لدينا "السلطة" للحصول على الرأي، ناهيك عن التعبير عنه علناً.

نتخفى وراء مقولة: "مؤهلاتك غير مناسبة"؛ لتبرير عدم الإقدام، وينتابنا الخوف من أن يعرف الآخرون قصورنا المهني، لكنَّنا ننسى أنَّنا نعمل لسنواتٍ -وأحياناً لعقودٍ- في ذلك المجال. نحن مؤهلون بالفعل، ولكن تنقصنا ورقةٌ تُعرف بِـ: الشهادة (Certificates).

إذاً: تغلَّب على هذه الخرافات، وانطلق في عالمٍ ملؤه الإبداع. ولتسهيل الأمر عليك، فإنَّنا نطرح في هذا المقال عدة طرائق لتحقيق نتائج إبداعية. سنقدّم لك فيما يلي خمسة طرائق سهلةً وسلسة لتنمية الإبداع.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح للخروج بأفكار إبداعية جديدة

خمسة طرائق سهلةً وسلسة لتنمية الإبداع:

1. التحسين التدريجي (Evolution Gradually):

تنبع الأفكار الجديدة في طريقة التحسين التدريجي من أفكارٍ قديمة، وتتحسَّن مع الوقت والجهد والمثابرة مقارنةً بالأفكار القديمة، كما وتُستخرَج الحلول الجديدة من الأفكار السابقة. فالعديد من الأشياء والأدوات والتقنيات التي نتمتع بها اليوم، مرَّت عبر مسارٍ طويلٍ من التحسين التدريجي المستمر. فقد جعلت بعض الإضافات المنتجات تتحسَّن، إلى أن أضحت مختلفةً تماماً عن المنتج الأصلي والغرض الذي صُنِعت من أجله.

على سبيل المثال: انظر إلى تاريخ تطور السيارات. مع كلِّ نموذجٍ جديدٍ، أو موديلٍ جديد، تُجرَى تحسيناتٌ بسيطةٌ في كافة تفاصيل المركبة؛ إذ يُبنَى كلُّ نموذجٍ جديدٍ على الإبداع الجماعي للنماذج السابقة؛ فالإبداع عمليةٌ تراكمية. ومع مرور الوقت، تحدث تحسيناتٌ على الراحة، والمتانة، والاستدامة، وغيرها من المزايا.

يكمن الإبداع في التحسين خطوةً بخطوة؛ وعادةً لا يدركه مَن لم يعش تجربة النماذج السابقة من المنتج.

مثالٌ آخرٌ: تحسين الجوالات (الهواتف المحمولة)؛ حيث بدأ كمنتجٍ ثقيلٍ ومعقدٍ ذي شكلٍ غير جذاب. ومع مرور الوقت، جرت عليه العديد من الإضافات والتعديلات في التقنيات والأشكال وسهولة الاستخدام. حقيقةً: أُضيفَت عشرات المزايا من الكاميرات، والسماعات، والتطبيقات، والملمس المريح، والشكل الجذاب، والمظهر العصري الأنيق. هذه الإضافات لم تحدث جميعها خلال جيلٍ أو جيلين من عمر المنتج، وإنَّما عبر ما لا يقل عن عشرة أجيالٍ متتابعة.

تؤكد هذه الطريقة مبدأً حاسماً: "كلُّ مشكلةٍ حُلَّت مرةً واحدةً، يمكن حلُّها مرةً أخرى بطريقةٍ أفضل"، يا لها من فلسفةٍ بسيطةٍ ورائعة. لا يُهمِلُ المبدعون الفكرة بمجرد حلِّ المشكلة، فتُنسَى ويُغلَق الملف، على مبدأ: "إن لم تنكسر، فلا تُصلِحها"؛ وإنَّما يتبنّون فلسفة: "لا يوجد شيءٌ يعادل الاستمرار في التحسُّن البسيط".

2. التركيب أو الدمج (Synthesis):

تُدمَج فكرتان أو أكثر في فكرةٍ جديدةٍ ثالثة، باستخدام هذه الطريقة الإبداعية. مثالٌ بسيط: يعطي الجمع بين أفكار (مجلة وشريط صوتي) فكرةً عن مجلةٍ يمكنك الاستماع إليها؛ مفيدة للمكفوفين وسائقي السيارات والدراجات النارية والهوائية.

على سبيل المثال: لاحظ شخصٌ ما أنَّ الكثير من الناس يذهبون في مناسباتهم الخاصة والمميزة إلى تناول العشاء أولاً، ثمَّ إلى المسرح؛ فلماذا لا يُجمَع هذين الحدثين معاً، ونحصل بهذا على مكانٍ يمكن للناس فيه أن يتناولوا الطعام ويشاهدوا مسرحيةً ما، أو غيرها من وسائل الترفيه، دون الحاجة إلى إضاعة وقتهم في التنقل من مكانٍ إلى آخر؟

3. تغييرٌ جذري وثوري (Revolution change):

في بعض الأحيان، تكون الفكرة الجيدة جديدةً ومختلفةً تماماً عن السائد، وتغييراً ثورياً للنمط السابق. فمثلاً: في حين أنَّ طريقة "التحسين التدريجي" -المذكورة في بداية المقالة- قد تجعل الأستاذ يسأل نفسه: "كيف يمكنني جعل محاضراتي أفضل وأكثر قدرةً على التأثير؟". قد يكون في التغيير الجذري فكرةٌ ثورية: "لماذا لا أتوقف عن تقديم المحاضرة وأطلب من الطلاب تعليم بعضهم بعضاً، أو العمل في حلقاتٍ دراسية، أو تقديم عرضٍ تقديميٍّ مشتركٍ عن موضوع المحاضرة؟".

على سبيل المثال: كانت التكنولوجيا المعتمِدة على طريقة "التحسين التدريجي" في مكافحة النمل الأبيض الذي يتغذى على المنازل الخشبية: تطوير مبيدات الآفات، واستخدام الغازات السامة لقتلها. في الوقت الذي تطرح فيه الفكرة الإبداعية الجذرية والثورية السؤال التالي: "كيف يمكننا منع النمل الأبيض من أكل أخشاب المنازل في المقام الأول؟". للإجابة عن هذا السؤال، فإنَّنا نخرج من الإطار التقليدي إلى أفكارٍ ثوريةٍ، مثل: التخلي عن الغازات لصالح النيتروجين السائل الذي يجمدها حتى الموت.

إقرأ أيضاً: كيف تفكر خارج الصندوق بنجاح

4. إعادة التطبيق (Reapplication):

في هذه الطريقة، يُنظَر إلى القديم بطريقةٍ جديدةٍ ومختلفةٍ، متجاوزةً التسميات والتطبيقات السابقة. من أجل ذلك، تُحيَّد التحيزات والتوقعات والافتراضات المسبقة، ويتمُّ اكتشاف طرائق مبتكرةٍ في كيفية إعادة استخدامها. قد يذهب شخصٌ مبدعٌ إلى مُجمَّع النفايات، ويرى بعض المصوغات الحديدية الملقاة عبثاً؛ فيأخذها وينظِّفها، ويعيدُ استخدامها في بيته على شكل تحفةٍ جميلةٍ وأنيقة باستخدام خياله الواسع. قد يرى مبدعٌ آخرٌ علَّاقات الملابس التي تُرمَى بمثابة كنزٍ، فيحولها إلى أشكالٍ هندسيةٍ جميلةٍ ومتقنةٍ وعمليةٍ أيضاً. كما قد تتحوّل إلى علاقة مفاتيح، أو دعاماتٍ للإضاءة المنزلية، أو مقلمة، أو غيرها من الاستخدامات البسيطة والعملية. المبدأ المهم في هذه الطريقة: أن ترى في طرائق التطبيق القديمة فكرةً أو حلّاً لشيءٍ آخر، وأن ترى ما هو التطبيق الآخر الممكن لهذه الأداة.

وفي السياق نفسه، يمكن استخدام مشبك ورقٍ كمفكٍ صغيرٍ جداً بتعديلٍ بسيطٍ جداً، كما يمكن استخدام الطلاء والأصباغ كنوعٍ من الغراء؛ لمنع تراخي البراغي في الآلات. كما ويمكن استخدام منظفات غسل الأطباق لإزالة الحمض النووي من البكتيريا في المختبر، أو استخدام رذاذ منظفات الزجاج لقتل الحشرات الصغيرة كالنمل.

5. تغيير التوجُّه (Changing Direction):

تحدث العديد من الاختراقات الإبداعية عندما يتحوّل الانتباه من زاوية مشكلةٍ إلى أخرى. يُسمّى هذا -أحياناً- بالرؤية الإبداعية للوضع أو الحالة.

مثالٌ كلاسيكيٌّ: حاول مهندسو الطرق السريعة منع الأطفال من التزحلق على الخرسانة الجانبية للطرق، وذلك من خلال وضع سياجٍ حديديٍّ حول الخرسانة، لكنَّ الأطفال قاموا بالدوران حول هذا السياج والتزحلق. وعند وَضْعِ سياجٍ أطول، قاموا بقطعِهِ وعمل حفرةٍ فيه؛ لذا فكَّر المهندسون في تعزيز السياج بوضع سورٍ أقوى وأكثر متانة، وإذ به يُقطَع أيضاً. تدخلت الجهات الأمنية من خلال وضع علاماتٍ تحذيريةٍ أو تهديديةٍ على السياج، فجرى تجاهلها أيضاً. ولو أنَّ شخصاً مبدعاً قد رأى الوضع والصولات والجولات بين المهندسين والأطفال، لقرر تغيير التوجه؛ فيطرح التساؤل التالي: "ما هو جذر المشكلة؟ إذ ليس الأمر أنَّ الأطفال يرغبون في تخطي الحاجز الحديدي وتدميره، وإنَّما يريدون التزحلق على الخرسانة الجانبية لكونها ممتعةً وميلانها مناسبٌ للتزحلق؛ فلنغيِّر التوجه إذاً من خلال السؤال التالي: كيف يمكننا منعهم من التزحلق على الخرسانة؟

الوضع ممتعٌ بالنسبة إلى الأطفال؛ فهم يرون ميل الخرسانة مناسباً جداً للتزحلق بشكلٍ مريح، والمنحنى سلسٌ بحيث يجعل هذه الممارسة سهلةً وآمنة. الحل الذي يقدِّمه المبدع إلى المهندسين؛ أن يجعلوا زاوية الخرسانة حادةً، والميل شديداً، بحيث يصبح التزحلق شبه مستحيلٍ؛ وبالتالي ينتهي ذلك الأمر؛ ولا مزيد من مشاكل التزحلق، ولا مزيد من مشاكل السياج.

يكشف هذا المثال عن حقيقةٍ حاسمةٍ في حلِّ المشكلات؛ فالهدف هو حلُّ المشكلة، وليس تطبيق حلٍّ معين بعينه.

عندما لا يعمل أحد مسارات الحل، انتقل إلى مسارٍ آخر، فلا يوجد التزامٌ بمسارٍ معين، وإنَّما بهدفٍ معين. يمكن أن يكون تثبيت المسار -في بعض الأحيان- مشكلةً لأولئك الذين لا يفهمون ذلك؛ فقد يصبحون ملتزمين -بإفراطٍ- بمسارٍ لا يعمل، وتكون النتيجة الإحباط فقط.

عندما نبدأ بتطبيق هذه الأفكار والتقنيات؛ يأتي دور القادة في تعزيز بيئة عملٍ مناسبةٍ، تُساهِم في رفع مستويات الإبداع إلى مستوياتٍ عاليةٍ من خلال مجموعة من الأدوات والمبادرات. فما هو دور القادة في العملية الإبداعية في المؤسسات؟ تقترح مجلة (HBR) مجموعةً من الأفكار الرائعة لتعزيز الإبداع في المؤسسات، سنذكر بعضاً منها في الفقرة التالية.

إقرأ أيضاً: 6 عقبات تقف في طريق التفكير الإبداعي

أفكار لتعزيز الإبداع في المؤسسات:

1. التهيئة المناسبة للإبداع في المؤسسة:

هل يمكن أن نوسِّع نطاق عملية الإبداع في المؤسسات؟ طُرِحَ هذا السؤال من قِبل كيم سكوت (Kim Scott) -مديرة المبيعات والعمليات عبر الإنترنت في شركة جوجل (Google)- فهي تعتقد أنَّ الإبداع داخل المنظمة يعتمد على: التعاون المستمر والنابض بالحياة؛ وتدفق الأفكار الحر، الذي يتأثر سلباً عندما تضيف مزيداً من الأعباء من مشاريع وأشخاصٍ على كاهل الإدارة والقيادات في المؤسسات. تخالف كيم الحقيقة القائلة: "إنَّ الزيادة في مستويات الإدارة تؤدي غالباً إلى مزيدٍ من البيروقراطية" مخلِّفةً نتائج تتمثّل بإنهاء روح المبادرة، والمخاطرة، والتعلُّم من الأخطاء. في الوقت نفسه، تدرك أنَّه ليس من المعقول أن تكون المنظمات سطحيةً للغاية، لدرجة أن يكون المديرين مثقلون بالعشرات من التقارير المباشرة.

أحد الحلول التي قدَّمتها كيم: زيادة الاستثمار في البنية التحتية، سواءً كانت تقنيةً عاليةً أم سواها، ممّا يجعل التعاون أسهل. وتضيف: "تأتي المشكلة عندما يؤدِّي التركيز على الكفاءة إلى محاولة المديرين تجنب ازدواجية الجهود". بمعنى آخر: يركِّز كلُّ موظّفٍ على مجال عمله فقط، ولا يتدخّل في مجال الآخرين. وتؤكِّد: "في العمل الإبداعي، يجب أن يتمَّ مقاربة المشكلة ومناقشتها من زوايا مختلفة".

إنَّ الاستجابة الكلاسيكية لزيادة الأعباء والضغط في المؤسسة هي زيادة الاعتماد على مفاهيم الجودة، مثل: توحيد المعايير، واتباع طريقة التحسين المستمر. لكنَّ الكثيرين رفضوا فكرة أنَّ الإبداع يمكن أن يكون مقيِّداً للغاية.

قال مارك فيشمان (Mark Fishman)، رئيس معهد نوفارتيس للأبحاث الطبية الحيوية: "إذا كان هناك أداةٌ إداريةٌ واحدةٌ دمرَّت زيادة الابتكار أكثر من أيِّ أداةٍ أخرى، فهي الستة سيجما (Six Sigma)". يؤيد "بوب ساتون" (Bob Sutton) هذا الشعور أيضاً، مستشهداً بأبحاثٍ تُظهِر أنَّه عندما تركِّز المنظمات كثيراً على العمليات وتحسينها، فإنَّها تُعرقِل الابتكار على المدى الطويل. وخير مثالٍ على ذلك: شركة "كوداك"؛ فقد استمرَّت كوداك في جعل تحسين عملية تصنيع وتوزيع الأفلام القائمة على المواد الكيميائية - أكثر كفاءةً، بدلاً من توجيه الاهتمام إلى التحول الرقمي الضخم الذي بدأ في عالم التصوير. بعبارةٍ أخرى: عندما استمرَّت كوداك في التحسين المستمر، فعلت الشيء الخطأ.

إقرأ أيضاً: ما هي أسرار فشل العمالقة في أمريكا واليابان وفنلندا؟

2. الفصل بين الأفكار الإبداعية وتنفيذها:

قليل من الناس لديهم قدراتٌ متساويةٌ في توليد الأفكار وتسويق الفكرة. لهذا السبب، تفصل الشركات الكبيرة عادةً بين الوظيفتين. ما اتُفِق عليه هو أنَّه حينما يصل الابتكار إلى نقطةٍ ما، فإنَّه يُقدَّم بشكلٍ أفضل من قِبل الأشخاص الذين يعرفون كيفية نقله إلى السوق وتسويقه. لسوء الحظ، ونظراً إلى أنَّ أصحاب الفكرة هم الأكثر شغفاً بها، غالباً ما تفقد الأفكار الإبداعية زخمها عند تنفيذها من قبل آخرين في المؤسسة. تتمثل مهمة الإدارة في التقليل من فقدان الشغف، من خلال بناء فريق عملٍ مشتركٍ بين أصحاب الفكرة، وبين منفذيها.

في عالم الأعمال، غالباً ما يضطر منشئو الأفكار إلى الانخراط في نشاطٍ تجاريٍّ يتجاوز مناطق الراحة الخاصة بهم. وفي هذا الصدد، أشار "بوب ليتان" (Bob Litan)، نائب رئيس الأبحاث والسياسات في مؤسسة كوفمان التي تدعم ريادة الأعمال الأمريكية، إلى أيِّ مدى يشكِّل هذا الأمر حاجزاً بالنسبة إلى المبدعين. ووصف برنامجاً يربط فيه كوفمان علماء ما بعد الدكتوراة بالجهات التجارية، بدلاً من محاولة تعليم المخترعين اكتشاف فرص التسويق لاختراعاتهم. ومع ذلك، ينجح العديد من المخترعين في تنمية أعمالهم التجارية بنجاح.

3. توفير مساراتٍ سريعة (Fast Truck) تتجاوز البيروقراطية المؤسسية:

يُجمِع الكثير من المبدعين على رأيٍّ واحدٍ حول موضوع البيروقراطية: "إنَّها تخنق الإبداع". قدَّم كلاي كريستنسن (Clay Christensen)، الأستاذ في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، تشبيهاً رائعاً لما يحدث في الواقع، حيث شبَّه دورة حياة الفكرة في بيئة الشركات الكبيرة، بمشروع قانونٍ معروضٍ على الكونغرس الأمريكي؛ حيث تُعاد صياغة الفكرة في نقاطٍ مختلفةٍ على طول الطريق، لتُناسب أجندةً خفيّةً للأشخاص الذين تحتاج الفكرة إلى دعمهم وتمويلهم. وقال: "ستسمع -في ظرف أسبوعين- من قسم المبيعات، أو التمويل، أو الهندسة؛ أنَّهم سيحظرونها ما لم تُعادَ صياغتها لتتناسب مع احتياجاتهم". تضرب هذه الإدارات والأقسام القوية داخل المؤسسات بشكلٍ جماعيٍّ، محجِّمةً الأفكار بدلاً من إعطائها الفرصة المناسبة. ما الحلّ إذاً؟

نصح كريستنسن القادة بالتعرُّف على ما تفعله هذه العملية بالأفكار الإبداعية، وتقديم دعمٍ خاصٍّ بها عبر مساراتٍ غير بيروقراطية.

كما أضاف مجموعةٌ من الباحثين في المجال: أنَّ القائد يجب أن يعمل كممولٍ (Sponsor) من أجل حماية المبدعين في بيئةٍ بيروقراطيةٍ غير داعمة، وأن يعمل على بناء مساراتٍ واضحةً لهم من أجل تجاوز العقبات.

في الواقع، حذرت "كيم سكوت" القادة أنَّه من خلال إنشاء هياكل جديدةٍ من أجل دعم التعاون عبر الإدارات، قد يخلقون -عن غير قصدٍ- أشكالاً أخرى من البيروقراطية المؤسسية. أكدَّ مسؤولون تنفيذيون وباحثون آخرون على الحاجة إلى خلق ثقافةٍ يمكن أن يزدهر فيها الإبداع، ويعودون مراراً وتكراراً إلى صورة البستاني الذي يُعِدُّ التربة الإبداعية ويغذي شتلات الأفكار.

4. إنشاء آلياتٍ للتصفية والاختيار:

ليس من المستغرب أنَّ الأشجار الضارة توجد حتّى في الحدائق الغناءة وأنَّها تحتاج إلى الاقتلاع والتنظيف. فلا يجب على القادة تخصيب التربة وريُّ الماء فحسب، بل ونزع الأشجار التي لا تحمل أيَّ إمكانياتٍ للحياة. مقابل كلِّ فكرةٍ مبدعة، هناك العشرات التي لا تستحق الحياة.

تقول إحدى مدارس الفكر أنَّ الأشخاص الأقرب للفكرة، هم الأفضل تجهيزاً لتنفيذها؛ بشرط أن يُقطَع التزامهم الشخصي بنجاحها، وتحمُّل العواقب المهنية. تحاول شركة ميرك (Merck) العملاقة للأدوية تحقيق ذلك من خلال تقديم "رسوم القتل" -وفقاً لما أوردته (BusinessWeek)- حيث يُكَافِئُ "بيتر كيم" (Peter Kim) مدير إدارة البحث والتطوير العلماءَ والباحثين بعددٍ من أسهم الشركة عندما يتخلَّصون من المشاريع الخاسرة.

بدون مثل هذه الحوافز، يصعب على المبدعين التخلُّص من أفكارهم، فهي أقرب إلى أن تكون بمثابة الأبناء والبنات بالنسبة إلى الباحثين، والتخلُّص منها بمثابة التخلُّص من الذُّريّة. ففي غوغل (Google)، اعترفت "كيم سكوت" قائلة: "حددنا هدفاً لإعدام نسبة من مشاريعنا. كان ذلك تحدياً حقيقياً".

5. توفير بيئٍة من التحدي الفكري:

هذا ما قدمه "د. هنري ساورمان" من جامعة ديوك، الذي قدم بحثاً أجراه بالتعاون مع أستاذ الدوق "ويسلي كوهين"؛ لاكتشاف العوامل المحركة للإنتاجية الإبداعية. فقد نظرا إلى البيانات المتعلقة بأكثر من 11000 موظفٍ في دوائر البحث والتطوير في شركات التصنيع والخدمات، التي مُسِحَت بشكلٍ روتيني من قبل مؤسسة العلوم الوطنية. كشفت الاستطلاعات عن الموظفين الذين لديهم دوافع أساسية للإبداع، فقد ركزوا على دافعين اثنين: التحدي الفكري أو الاستقلالية الفكرية، واللذان تفوّقا على دوافع خارجيةٍ أخرى، مثل: الراتب، والمزايا، والأمن الوظيفي. نظر الباحثون إلى براءات الاختراع التي قدَّمها كلُّ مشاركٍ في البحث المذكور، كانت النتائج التي توصلوا إليها واضحة: يُحفَّز الباحثون -في المراحل المبكرة- بسبب التحدي الفكري الذين يعيشونه، بحيث يرغبون بتحقيق طفرةٍ أو إبداعٍ في مجالهم، وبالتالي يصبحون أكثر إنتاجية. في مرحلةٍ لاحقة، ارتبطت رغبةٌ أقوى بالاستقلال لدى ذات المجموعة بإنتاجيةٍ أعلى إلى حدٍّ ما. فلم تكن الدوافع الخارجية غير مهمة حقاً، إذ ارتبط تركيز الشخص بشكلٍ أكبر بالراتب أكثر من ارتباطه بزيادة الإنتاجية. ومع ذلك، كانت الرغبة بالتحدي الفكري مرتبطة بقوةٍ أكبر لديه.

إقرأ أيضاً: 13 قاعدة في الحياة للمحافظة على الدافع

6. السماح للناس بمتابعة شغفهم:

إذا كانت مفاتيح المخرجات الإبداعية هي بالفعل: التحدي الفكري والاستقلالية، فيجب على الإدارة إيجاد طرائق لتوفيرها. ويتطلَّب ذلك -إلى حدٍّ كبيرٍ- الوعي باهتمامات ومهارات الأفراد. أشار "سكوت كوك" إلى أنَّ بعض الناس ببساطةٍ أكثر ثوريةً في تفكيرهم من الآخرين، وبالتالي أكثر ملاءمةً للمشاريع الراديكالية.

عندما يتناسب الناس بشكل جيد مع المشروع، فإنَّ منحهم الاستقلال يحمل مخاطر أقل. وسيكونون قادرين على وضع جداول لأعمالهم بشكلٍ جيد. إنَّ السماح للباحثين بقضاء نسبةٍ كبيرةٍ من وقتهم في المشاريع التي يختارونها بأنفسهم من قِبَل شركةٍ مبدعةٍ (3M) في عصر النمو المرتفع، حقق لهم الكثير من الإبداع والتميّز. وقد أسفر قرار غوغل بتنفيذ السياسة نفسها التي اتبعتها شركة (3M) عن أفكارٍ إبداعية لها، مثل: الباحث العلمي (Google Scholar). ويقول فيشمان (Fishman) أنَّه يُشجِّع العلماء في الشركة العملاقة نوفارتيس (Novartis) على قضاء جزءٍ من وقتهم في العمل على الأدوية لعلاج الأمراض "المتخصصة"، إذ غالباً ما تكون المكافآت الفكرية مجزية.

أخيراً؛ يرى المبدعون المشاكل على أنَّها تحدياتٍ مثيرةً للاهتمام، وتستحق المعالجة. المشكلات ليست مخيفة أو سيئة بحيث يجب تجنبها أو كرهها؛ بل هي مشاريع ومجالات للإبداع، يجب التعامل معها مباشرةً وعدم تأجيلها. حلُّ المشكلات متعةٌ، وعمليةٌ تعليميةٌ مفيدةٌ للشخص وللمجتمع على حدٍّ سواء. يلعب القادة دوراً جوهرياً في بناء بيئة عملٍ إبداعيّة، وكما رأينا فإنَّ دور القائد يكمن في: تهيئة بيئةٍ للإبداع، وإزالة الحواجز والعوائق التي ينطلق منها المبدع محققاً نجاحاً شخصياً ومؤسسياً.

مصادر إضافية للمقال:

المراجع:  1 ، 2




مقالات مرتبطة