ما هو المعنى الحقيقي للسَّعادة وكيف تعرف إن كنت سعيداً؟

إنَّ نظرت لأحوال النَّاس من حولك، ستجد أنَّ سعادتهم تزداد بازدياد رضاهم عن أنفسهم، وتقل في حال عدم تحقيق طموحاتهم. وإذا سألتهم عن وجهة نظرهم في الحياة ستجد أغلبهم يقول لك: "الحياة عبارةٌ عن مشاكل صعبة ومضنية وتحدياتٍ لا تنتهي"، وما شابه ذلك من إجابات. إذاً، كيف يمكن لأيِّ شخصٍ أن يكون سعيداً في هذه الحياة؟ وهل يجب علينا إعادة تعريف مفهوم "السَّعادة في القرن الحادي والعشرين" لتعكس عالماً سريع الخطى لا يرحم؟



هذا المقال مترجم عن مقالٍ للمؤلفة وخبيرة التنمية البشرية ماندي هولجيت، والذي تُخبرنا فيه عن رحلتها في إيجاد المعنى الحقيقي للسَّعادة.

هل أنا سعيدٌ الآن؟ لم نعتد على أن نسأل أنفسنا ذلك السؤال، أليس كذلك؟ لذا خذ دقيقة تقف بها وقفةً صادقةً مع نفسك، وفكِّر في الإجابة عليه. لكن مهلاً... قبل أن تجيب على ذلك، ألا ينبغي لك أولاً أن تعرف المعنى الحقيقي للسَّعادة؟

لقد سبق لي وأن طلبت من أصدقائي أن يجدوا لي تعريفاً محدداً لكلمة "سعادة"، وبينما تشابهت إجابات معظمهم، إلا أنَّ أشياء مختلفة حددت سعادتهم. فهل يمكننا التَّوصل إلى تعريف جامعٍ لمفهوم السَّعادة؟ وما الأثر الذي يمكن أن تجلبه السَّعادة الحقيقية لحياتك وطموحاتك وصحتك الجسدية والنَّفسية؟

في خضم البحث عن إجابةٍ واضحة أقدمها لك في هذا المقال، قمت بالنظر ضمن أكثر من 5000 اقتباس لأشهر المشاهير والنَّاجحين في عالمنا هذا، لأجد أنَّ الممثل مايكل جي فوكس، قد أتى بأفضل إجابة من بين تلك الإجابات:

"تزداد سعادتنا بازدياد رضانا عن أنفسنا، وتقل بالازدياد المبالغ فيه لحجم طموحاتنا".

فالسَّعادة ليست غاية. وليست فقط الأوقات التي قد قضيتَ فيها وقتاً ممتعاً. كما وأنَّها ليست شيئاً تجده في الخارج. فإن كان الأمر كذلك بالنسبة لك، فأنت إذاً في ورطة.

1. هل أنا شخصٌ سعيد؟

لمدة أسبوع، رحت أسأل نفسي ذلك السُّؤال لما لا يقل عن 5 مرات في اليوم. إذ كنت راغبةً حقاً في معرفة إن كنت أعرف المعنى الحقيقي للسَّعادة. لأكتشف بعد ذلك بأنَّني امرأةٌ سعيدة. فعندما ألقيت نظرةً على الأسبوع الذي مضى، وجدت أنَّني وعلى الرُّغم من معاناتي من بعض المشاعر السَّلبية، إلا أنَّني ما زلت أشعر بالسَّعادة. كيف يكون ذلك ممكناً؟ وماذا يمكننا أن نتعلم جميعاً من هذا؟

على سبيل المثال: لقد عانيت في ذلك الأسبوع من آلامٍ شديدة -لا يمكنني إنكارُ حقيقة أنَّ الذئبة مرضٌ صعب- ومع ذلك، كان هذا بالنسبة لي بمثابةِ تذكيرٍ بأنَّني مازلت على قيد الحياة. وبأنَّه يوجد في هذا العالم من هم يعانون من أمراض أشدَّ صعوبة وفتكاً. وبأنَّني على الرَّغم من مرضي، أستطيع ممارسة حياتي والقيام بالنزهات والاستمتاع بصحبة الآخرين، مع معاناتي من الآلام المترتبة عليه.

لذا سألت نفسي: "هل سأكون أكثر سعادة بدون ذلك المرض؟" فكان الجواب أنَّ هذا الأمر ليس ذا أولوية. فقد أظهر لي مرضي الكثير عن عزمي وتصميمي واعتقادي أنَّه بغض النَّظر عمَّا قد نمرُّ به، لا يزال بإمكاننا تحقيق الشَّيء الكثير.

لذا إليكَ بضعةُ أمورٍ قد تبدو في ظاهرها سيئة، لكنَّها تجعلني سعيدةً وتعطيني دروساً قيمة في هذه الحياة:

1. 1. مرور ابنتي بوقتٍ سيءٍ:

لعلك قد تسألني: وهل هذا أمرٌ يُسعدكِ؟!؟

حسناً، في حين أنَّ ذلك يحزنني كثيراً، إلا أنَّني قد فكرت كيف أنَّه باستطاعتي أن أدفع بالأمر بعيداً عمَّا أشعر به شخصياً. وحين قمت بذلك، شعرت بسعادةٍ غامرة لكوني قادرةٌ أن أتواجد بقربها لآخذ بيدها، وأستمع إلى مشاكلها، وأقوم بالبحث عن طرق لجعلها سعيدةً مجدداً. لقد شعرت أيضاً بالامتنان الكامل لوجود ابنتي في حياتي.

إنَّ التَّواجد من أجل الآخرين قد يجعلنا نشعر بالسَّعادة والحزن على حدٍّ سواء، ويجعلنا نستوعب كيف تؤثر عواطف الآخرين فينا. لذا تعلّم كيف تكون قادراً على التَّعاطف مع الآخرين والاعتناء بهم من دون أن تتأثر بمشاعرهم وآرائهم. إذ قد تجد في بعض الأحيان أنَّ الذين تحبهم لا يريدون التَّغيير، أو ربما لا يظنون أنَّ التَّغيير ممكن.

فإن أنت سمحت لنفسك أن تختبر ما يشعرون به، فأنت توافق عندئذٍ على التَّمسك بالتَّعاسة أيضاً. وبإمكانك أن تتخيل كيف سيؤثر ذلك على سعادتك.

1. 2. سفر زوجي الدَّائم:

حتى عام 2019، قضى زوجي وقتاً خارج البلاد أكثر مما قضاه فيها. ولكي يزداد الطِّينَ بلَّة، يقضي معظم أسفاره في أماكن خطرة حيث لا يتوفر لديه في كثير من الأحيان إشارة هاتفية جيدة بما يكفي ليتصل بنا.

لن أكذب في هذا، كثيراً ما أقلق عليه وعلى سلامته، إلا أنَّني أوازن هذا بتذكير نفسي أنَّه يجوب العالم للمساعدة في ازدهار صناعةٍ ما، وتدريب الموظفين على أفضل الممارسات، والمساعدة في جلب موارد تساهم في تنمية البلاد التي يتواجد فيها. لذا يصبح من الصَّعب أن أظل خائفة وسلبية عندما أضيف ذلك إلى 26 عاماً ونصف من أوقات السَّعادة والبهجة التي قدمها لي.

1. 3. موازنة السَّلبيات بالإيجابيات:

يمكنك في أيِّ لحظة، التَّفكير بشكل مختلف. إنَّه لمن المهم أن تتذكر ذلك، لأنَّه يُعِيدُ تشكيل ما تشعر به بحيث تتمكن من إيجاد سبيلٍ للمضي قدماً. وأن تحصل على نتيجة تريدها، بدلاً من أخرى لا تريدها.

لذا إن أنتَ واجهت صعوبةً في الانتقال من التَّعاسة إلى السَّعادة، ومن تدمير الذات إلى الارتقاء بها؛ فما عليك سوى إخضاع أفكارك لعملية مراجعةٍ شاملة، تبدأ بها بالانتباه للأشياء التي تمتلكها.

إقرأ أيضاً: السعادة: مفهومها، تعريفها، وطرق الوصول لها

2. تعريف السَّعادة

بعد أن سمعتُ من الآخرين تعاريف مختلفة للسعادة، أدركت أنَّ تعريفي لها على الشَّكل التالي: "أن أكون في مكانٍ مناسب، أقوم بأشياءَ مناسبة، لأناسٍ مناسبينَ يبذلونَ قصارى جهدهم".

عبر تحديد شكل السَّعادة بالنسبة لي، أصبح بإمكاني العمل من أجل الوصول لها والمحافظة عليها. فأنا أعيش حيث أريد ومع من أعشقهم، وأقوم بعمل أحبه وأقضي حياتي العملية والاجتماعية في القيام بما يعمل على تعزيز سعادتي.

كما يوجد لدي امتنان مطلقٌ لحياتي ولما أنا عليه (ركِّز على كلمة امتنان). وبالتَّالي، فإنَّ تعريفي الخاص للسَّعادة ثابتٌ لا يتزعزع. وإن حدث خطب ما، أعمل ما بوسعي على إصلاح ما يمكن إصلاحه. وإن حدث وخسرت كل شيء، فسأظل ممتنَّةً لما سبق وامتلكته، مع يقيني بأنَّني أقدر على تجاوز تلك المحنة. ذلك لعلميَ بأنَّني سأفعل ما بوسعي.

لذا جرب ذلك؛ قم بتحديد مكامن سعادتك، واكتشف مدى قربك من الوصول إليها.

قبل عامين كنت أعيشُ بمنزل صغيرٍ بالكاد كان يتسع لي ولعائلتي؛ والآن أعيش بمنزل به 6 غرف، فهل تظنُّ أنَّني أشعر بسعادة أكبر بسبب ذلك؟ الجواب هو: لا. فكل ما حصل لي هو أنَّه بات لدي مساحة أكبر، ولم أعد أحتاج إلى الانتظار لكي يحين دوري في دخول الحمام، وبات بإمكاني أن أفتح باب خزانتي من دون أن أقلق من سقوط كل تلك الثياب فوق رأسي.

ما أقصده هو أنَّني قد حددت سعادتي على صعيدٍ داخلي، ولكنَّني مثلي مثل كثيرينَ شاركوني تعريفهم للسعادة؛ أشعر بامتنانٍ شديدٍ للأشياء التي قد ذكرتها أعلاه.

3. وهم السَّيطرة

إنَّ السَّيطرة وهمٌ كلما تشبثت به، كلما صَعُبَ عليكَ أن تكون سعيداً. وأولئك الذين قد وجدوا سعادتهم في الخارج، قد وجدوا بالتالي صعوبة في الإبقاء عليها، وأجمعوا جميعاً أنَّهم كانوا على علمٍ بأنَّهم كانوا متسلطين مهووسين بالسَّيطرة.

حاول أن تتغلب عن ميلك للمبالغة في معرفة ما يحدث وسبب حدوثه، في كل لحظة أو مجال من مجالات حياتك. فإن تعلمت كيف تتقبل حقيقة افتقادك للسيطرة أحياناً، يمكنك زيادة مستويات سعادتك. فلطالما عملت مع العديد من المدراء الذين سَعَوا جاهدين إلى الإمساك بإحكامٍ بزمام كل ما يحدث معهم. وما جلب عليهم ذلك إلا الشُّعورَ بالإجهاد، والضغط النفسي وتدمير سعادتهم - وحياتهم على حدٍّ سواء.

هل تعلم أنَّنا جميعاً نفرز كمية من هرمونات السَّعادة عندما نتخيل اللحظات السعيدة، تعادل نفس الكمية التي نُفرزها عندما نعيشها على أرض الواقع؟ فلماذا إذاً تحيط نفسك بأشياء تشعرك بالحزن أو النَّقص؟ فكر بهذا إذاً: ما هي الأشياء التي إن أحطت نفسك بها، من شأنها أن تجلب لك ذكرياتٍ سعيدة؟

سأعطيك مثالاً شخصياً على ذلك: لديَّ في منزلي حصالةُ نقودٍ أضيف إليها عملاتٍ ورقية على مدار الشَّهر، وأخصص ما أضع فيها لأوقات المرح خاصتنا. كما أضع فيها أيضاً أشياء مثل قصاصاتٍ من شرائط تغليف هدايا أعياد الميلاد، أو تذاكر حضورِ بعض الأفلام التي استمتعت بها أنا وابنتي وزوجي سوية، بالإضافة إلى ما شابهها من أشياء أربطها بأمورٍ سعيدة.

وبإمكانك أن تخمن ما يحدث لمزاجي عندما أقوم بفتح تلك الحصالة لأجد أشياء تذكرني بأوقاتٍ سعيدة، مع مالٍ أعلم أنَّني سأصرفه في قضاء أوقاتٍ ممتعة.

4. إرضاء النَّاس غايةٌ لا تدرك

أخبرني أحدهم أنَّ مصدر سعادته هو "رؤية من حوله سعداء". في حين أنَّ هذا قد يبدو رائعاً من النَّاحية النَّظرية، إلا أنَّك إن تابعت معي قراءة هذا المقال، ستجد أنَّ ذلك الأمر ليس مستحسناً أو جيداً بالنِّسبة لك.

تندرج هذه النوعية من الناس تحت فئة "من يسعَونَ لإرضاء الآخرين". لقد كنت واحدةً منهم، لذا أنا على دراية تامَّةٍ بأعراض هذا الأمر ومخاطره، والتي هي على الشكل التَّالي:

  • الخوف من خذلان الآخرين.
  • الخوف من رفض الأمور التي قد لا تعجبك.
  • الخوف مما قد يظنُّه بك الآخرون - والذي يُعتبر مصدر الأمرين السَّابقين.

قمت في سنوات عملي في مجال التَّنمية البشرية، بتغطية هذه المخاوف الثلاثة بالتفصيل. لذا أنا على يقينٍ راسخٍ بأنَّ التَّأثير السلبي الأكبر على سعادتنا ونجاحنا، منبعه الخوف من نظرة الآخرين تجاهنا. وهو ما قد يتسبب لك بأن تُغيِّر عن غير قناعة منكَ ما يلي:

  • نشاطاتك.
  • تصرفاتك.
  • آرائك.
  • معتقداتك.
  • الأهداف التي تسعى لإنجازها.
  • الطريقة التي تعيش بها.

وقد يمتد الأمر ليشمل طريقة ارتدائك لملابسك.

إنَّ الأمر بمجمله يتعلق ببناء ما يكفي من ثقة بالنَّفس لجعل الأشخاص المناسبين يتقبلونك ويحبونك ويجلُّوك، بغض النَّظر عمَّا تهتم لأجله - وحتى لو كانوا مختلفين عنك.

لكن عندما توقع نفسك في فخِّ إرضاء الآخرين، فإنَّ سعادتك على المستوى الشخصي تصبح مرتبطةً ارتباطاً وثيقاً بسعادة الآخرين ومدى رضاهم عنك. وإذا أردت أن تعرف مدى تأثير ذلك، تحقق من مدى ثقتك بنفسك.

دعني أضرب لك مثالاً على ذلك: هل يمكنك مثلاً أن تخبر صديقك أنَّك لا توافق على وجهة نظره بشأن أمرٍ ما، مع علمك أنَّ علاقتك به لن تتأثر؟ إن لم يكن الأمر كذلك، إذاً ما الذي يجب أن يتغير؟

إنَّه لمن الأرجح أن تكون صادقاً إن كنت واثقاً بنفسك. فكما سعادة البعض منا مصدرها الآخرون، كذلك ثقة النَّاس بأنفسهم. وليس من قبيل المصادفة أنَّ كلا هذين الأمرين يتطلبان منك بناء مهاراتك الداخلية من أجل الحفاظ على الثقة والسَّعادة.

لذا تحلَّ بالثقة بالنفس قبل أن تورط نفسك بإسعاد الآخرين؛ وإلا ستدفع ثمن ذلك غالياً من سعادتك الخاصة وسلامك الداخلي.

إقرأ أيضاً: 5 تصرّفات تستطيع القيام بها لتشعر بسعادةٍ أكبر

5. هل تستطيع أن تشعر بالسَّعادة عندما تخسر أحدهم؟

لقد تعلمت قبل عدة سنوات وبقسوة؛ أنَّه نعم، في أوقات الحزن والخسارة، بإمكاننا أن نشعر بالسَّعادة والبهجة والفرح التَّام. حدث ذلك عندما توفيت مربيتي.

بالكاد أتذكرها عندما أمضت في المشفى مدة تزيد عن 3 أشهر، تتنفس فيها بصعوبة ولا تقدر على تناول الطعام أو المشي. ودائماً ما تصيبني الرعشة كلما تذكرتها وقارنت كيف كانت في المشفى، بتلك المرأة التي كانت بمثابة أمٍّ صارمة لي طوال سنيِّ حياتي.

ومع ذلك، مازال بإمكاني أن أتذكرها بوضوح في إحدى حفلات ليلة رأس السَّنة عندما كنتُ أتخاطف وإيَّاها الميكروفون كي نغني إحدى أغاني مطربنا المفضل. وأنا إلى الآن، أضحك كلما تذكرت ذلك.

ولكن كيف يحدث هذا؟ كيف أنسى معاناة إمرأةٍ أفنت سنيَّ حياتها في تربيتي، ولا أتذكر سوى لحظاتنا السَّعيدة معاً؟

حسناً، حاول أن تقوم بما سأقوله لك: درِّب نفسك على قلبِ مشاعرك من مشاعر حزنٍ إلى سعادة. وأدرك أنَّ الأحاسيس والمشاعر السَّلبية بإمكانها أن تثير مشاعرَ معاكسة لها تماماً.

والآن، فكر في أكثر الأيام التي مررت بها حزناً - واشعر بألمها كما لو كنت تعيشها الآن. فكِّر في الشعور المروع الذي شعرت به في ذلك اليوم. لعلَّك قد تفكِّرُ في اليوم الذي فقدت فيه وظيفتك، أو في اليوم الذي قد خسرت فيه شخصاً عزيزاً على قلبك. لكن أيَّا كان الذي قد فكرت به، قرر الانتقال من تلك الذكريات المؤلمة إلى نقيضها تماماً؛ مثل فرحة الحصول على وظيفة جديدة، أو قيامك باحتضان أحبائك بشدة، مع شعورك بالامتنان الشديد لصحتهم وعافيتهم.

وإن كان فقدُك لأحد الأشخاص هو ما قد تذكرت، فتذكر أيضاً لحظاتك السَّعيدة معه، أو أمراً أخبرك إياه وجعلك تضحك بشدة. فهل يمكنك أن تكون سعيداً بموت شخصٍ عزيزٍ على قلبك؟ بالطَّبع لا. لكن يمكنك مع ذلك أن تعيش كلا النَّوعين من المشاعر في الوقت عينه. أن تعيش حالة دمار -لا مفرَّ منها- لما خسرته، وحالة فرح وامتنان ورضىً عن الحياة التي شاركتموها سويَّةً.

إنَّه خيارك، وأنا لا أعدك أبداً أن يكون ذلك سهلاً، ولا أن يكون متقبلاً. ومع ذلك، فنحن كبشرٌ نفكِّرُ بما نرغب في التَّفكير به. لذا لا تتمسك بلحظاتك الحزينة في هذه الحياة؛ وإنَّما بلحظاتك السَّعيدة فقط.

وإن وجدت نفسك تعاني في تذكر ذكرياتٍ سعيدة. فاسأل نفسك ما يلي:

  • "ماذا يمكن أن تكون المشاعر المعاكسة لهذه الحالة؟".
  • "ما هي التَّجارب التي مررت بها وجعلتني أشعر بهذه المشاعر؟".

لقد أثبتت الأبحاث مراراً وتكراراً، أنَّه وبمجرد تذكُّرِ لحظة سعيدة، فإنَّ عقلنا لا يُدرك أنَّنا لا نعيش هذه اللحظة في الوقت الراهن، لذا يقوم بنفس التَّفاعلات الكيميائية التي يقوم بها عندما نعيش فعليَّاً لحظاتٍ جيِّدة.

6. كيف تكون سعيداً في عالمٍ مترابط؟

في عالمٍ أصبحت تسوده وسائل التَّواصل الاجتماعي، بتنا على اطلاعٍ شبه دائم بما يَزعُمُ الجميع -غالباً- أنَّهم يقومون به. بالنِّسبة لي؛ فهذا شيءٌ رائع، وهو أمرٌ يعزِّزُ من إيجابيتي.

إلا أنَّني كي أصل إلى هذه المرحلة، فقد قمت بالكثير من الأمور التي تتعلّق بالذكاء العاطفي على مرِّ السنين، وذلك حتى أتمكن من العيش بسعادةٍ في عصر الإنترنت. سأذكر لك بعضاً من هذه الأمور:

6. 1. تغاضَ عن كل ما تسمعه وتراه:

إذا اطلعت على منشورات أحدهم ووجدتها تعليقاتٍ إيجابية فقط، اسأل نفسك عندئذٍ: "ما هو شعوري تجاه ذلك؟". إن كان ذلك يجعلك تشعر بالراحة، فأبقِ على حساب ذلك الشخص، أمَّا إن كان يُشعرك بالنَّقص، فتخلص من حسابه فوراً. إليك ما أقوم به في هذه الحالة:

  1. أيُّ شخص ينشر بشكلٍ دائمٍ صوره قبل وبعد فقدانه لوزنه، أقوم بحذف حسابه على الفور.
  2. أي شخص ينشر باستمرار صور سيلفي مثالية، أقوم بحذف حسابه على الفور.
  3. أي شخص ينشر عدداً لا حصر له من الحكم والاقتباسات عن "مدى سهولة هذه الحياة"، أقوم بحذف حسابه على الفور.

صحيحٌ أنَّني أتمتع بشخصيةٍ إيجابية مرحة في أغلب الأوقات، إلا أنَّني أيضاً أقوم ببثٍّ مباشرٍ أتحدث فيه عن مصاعب الحياة وأنا أجلس على حافة سريري بدون مكياج. ذلك لأنَّني شخص حقيقي، بشرٌ أبعد ما يكون عن المثالية. لهذا لن أقوم باستغلال الانترنت كي أظهر لك نسخة مغلوطةً عني أو عن الحياة.

لذا إن أردت أن تكون سعيداً، فابتعد عمَّن يدَّعون المثالية.

6. 2. لا تخشَ الشُّعور بالحزن:

لا يجب عليك أن تخشى مشاعر مثل الألم والحزن والغضب والشعور بالذنب وما شابهها. إذ لا يتعين عليك مقاومة مشاعرك السَّلبية، وإنَّما يجب عليك تقبُّلها ومن ثم معالجتها وفهمها، وتحويلها في نهاية المطاف إلى مشاعرَ وعواطف أفضل.

ستساعدك هذه العملية التالية المؤلفة من (5) خطوات على قلب مشاعرك السَّلبية إلى مشاعر إيجابية بشكل أسرع.

7. الخطوات الخمس لتحويل الحزن إلى سعادة:

الخطوة الأولى: أصغِ لما تشعر به

لا تحاول التَّهرُّبَ مما تشعر به. فبناءً على خبرتي العملية، ينتهي الأمر بمن يقومون بذلك إلى مواجهة ما يتهربون منه. والذي يكون في معظم الأوقات، المصاعب التي تواجههم. تظهر صعوبة ذلك عندما لا يكون لديك شخص يساعدك على مواجهة الصَّعاب التي تعاني منها، وهو ما يجعلك تقوم بالتهرب مما تشعر به حقاً.

الخطوة الثانية: افهم ما تشعر به

عبر فهمك لذلك، يمكنك أن تعرف السَّبب الكامن وراء شعورك هذا:

  • هل هناك سببٌ فعليٌّ يدفعك للشعور بذلك؟
  • هل يوجد عوامل تفاقم شعورك هذا؟
  • هل يوجد في حياتك من يمتصُّ مشاعرك الايجابية؟

الخطوة الثالثة: تقبَّل ما تشعر به

عندما تفهم ما تشعر به، ذلك يعني أنَّه بإمكانك أن تبحث عن أثر شعورك هذا على سعادتك ونجاحك. وهو ما من شأنه أن يساعد في تسريع العملية من أجل الوصول للخطوة الرَّابعة...

الخطوة الرابعة: تخلَّص من هذه المشاعر

عندما ترى هذه العملية تتكشَّفُ أمامك، فإنَّ ذلك يُسرِّع قيامَكَ باتِّخاذ قرارٍ بالتَّخلص من تلك المشاعر.

الخطوة الخامسة: امضِ بحياتك قُدماً

إنَّ أكثر ما عليك تذكُّره فيما يتعلق بالطريق نحو قلب الحزن إلى سعادة؛ هو التَّحقق من أنَّك قد قمت بذلك بالفعل. فكثيراً ما تجد من يصفون أمراً سبق وأن أحزنهم بشدَّة بأنَّه "باتَ أمراً من الماضي". ولكن إن تمعنت بهم وبتصرفاتهم قليلاً، تكتشف أنَّ حقيقة الأمر ليست كذلك؛ بل هم قاموا بدفنه عميقاً لدرجة أنَّه بات يؤثر على تصرفاتهم وحياتهم. ولكنَّك تجدهم مع هذا، لا يعترفون بحزنهم وتعاستهم، لأنَّهم وبكل بساطة لا يريدون أن يظهروا بمظهر أطفالٍ صغار.

لذا تذكَّر أنَّ أي شعور سلبي هو شعورٌ مؤقتٌ فقط، وأنَّه بإمكانك تخطيه لتصلَ إلى السَّعادة. إذ لا وجود لشيء اسمه مشاعر سيئة، بل هو مجرد نتائج سيئة تقوم بالتَّمسك بها. فالألم هو جزء من السَّعادة، وهو يقع على الطَّرف الآخر من المعادلة. لذا تمعَّن بكل تلك المشاعر التي تعتبرها سلبية أو سيئة، واسأل نفسك: هل يمكن أن تشعر بالسَّعادة، من دون أن تشعر بالألم؟

إقرأ أيضاً: 7 سلوكيات خاطئة حاول أن تتجنبها حتى تشعر بالسعادة

8. السَّلبيات المترتبة على كونك شخصاً سعيداً

أدركت بعد تأمل كثير، بأنَّني سعيدةٌ دائماً. لا تُسئ فهمي، إذا لطالما أتعرض لمواقفَ تجعلني في كدرٍ وحزنٍ وألمٍ يفوق ما يتعرض له مصارعٌ محترف؛ إلا أنَّني نادراً ما أبقى بذلك المزاج لفترة طويلة، وسريعاً ما أعود إلى حالتي المزاجية السَّابقة. إلا أنَّ السَّعادة لها سلبياتٌ تصاحبها، وهي على الشَّكل التَّالي:

8. 1. الإساءة لسعادتك:

أنا أثق بالنَّاس كثيراً. ودائماً ما أؤمن بأنَّ الأمور الجيدة ستحدث، لذا أفترض حُسنَ نوايا الآخرين أيضاً. لكن وكما نعلم جميعاً للأسف، ليس ذلك هو الحال دائماً. لذا اضطررت إلى أن أدرِّب نفسي على تحليل المواقف والأحداث والأشخاص بشكلٍ أكبر - وذلك ما يحميني وعملي وحياتي، وعائلتي حتَّى.

8. 2. الإخلاص المنقطع النَّظير:

أدركت أنَّني أعطي ولاءً كاملاً للجميع. حسناً، ليس بعد الآن؛ إذ تعلمت -بالطريقة الصعبة في أكثر الأحيان- أنَّه ينبغي للولاء أن يُمنحَ بشكلٍ مختلف عن الحب. إذ يجب أن يكون الحبُّ غير مشروط، في حين أنَّ الولاء يجب أن يُمنَحَ ببطء ويتراكم على مرِّ الزَّمن.

وقد تتفق أو لا تتفق معي فيما سأقول؛ إن كان الشَّخص غادراً مرة، فلا تتعامل معه مجدداً. ذلك لأنَّ سعادتك وعملك وحياتك وأحبائك، أكثرَ أهميَّة بكثيرٍ من أن تجازف بهم.

8. 3. ستتعرض للأذى أكثر:

إنَّ الاهتمام بكل شخص وكل شيء يعني أنَّك ستجعل نفسك عرضة للأذى بسهولة أكثر. لذا كن حذراً.

فمثلاً، أخبرني كثيرٌ من عملائي الذين عملت معهم كيف كانوا دائماً أشخاصاً متعاونين. إلا أنَّ رؤسائهم في العمل لم يرَوا فيهم هذا، وهو الأمر الذي آذاهم بشدة حينما اكتشفوه. فبغضِّ النَّظر عن تكريس حياتهم للمهنة التي قد عملوا بها، وصرفهم سنوات عمرهم في العمل الجاد والمخلص؛ إلا أنَّ سعادتهم في العمل لم تجلب لهم رضا رؤسائهم.

لقد تعلموا -وبالطريقة الصعبة أيضاً- أنَّه لم يكن لعملهم وتفانيهم تداعيات هائلة على رضا العملاء. واستغرق الأمر الكثير من التدريب والبحث عن الذات لمنع ذلك الأذى الذي قد عانوا منه من أن يستفحل أكثر.

خلاصة ما سبق:

في حين أنَّ المتعة هي جزءٌ من السَّعادة؛ إلا أنَّها لا تعتبر سعادةً بحدِّ ذاتها. إذ يوجد هناك شكلين أساسيين للسَّعادة:

  • السَّعادة النسبية: هي الفرح بوجود شيءٍ نمتلكه، سواءً أكانَ ذلك شخصاً أو مكاناً أو غرضاً أو قدرة أو فكرة. وبما أنَّه شيءٌ نمتلكه فيمكن بالتالي أن نخسره أيضاً.
  • السَّعادة المطلقة: هي السَّعادة التي تحدث بشكل مستقل عمَّا نملك، وهو نوع من السَّعادة لا يأتي من وجود شيء معين في حياتنا، وإنَّما من فهمنا للعالم بطريقة معيَّنة.

الشكل الأول من السَّعادة هو بالتَّحديد، الطريقة التي ينظر بها معظمنا للسَّعادة. وهي ما يقضون معظم وقتهم في السَّعي لتحقيقه. أمَّا الشكل الثاني فيتطلب منَّا بذل المزيد من الجهد، لكنَّه يَبْقَى أمراً غير قابل للتّلف. أي أنَّه يمكن أن ينجو من أي خسارة أو مأساة. لذا لا تنظر للسعادة على أنَّها غاية، وإنَّما طريقة حياة يمكن أن يتردد صداها عبرَ كلِّ ما تشعر وتقوم به وتنجزه وتحبه.

إذاً وكما رأينا، يمكن أن تؤثر أمورٌ عدَّة على مستويات السَّعادة لدينا. فإن عاد عليك مقالنا هذا ولو بفائدةٍ واحدة، فاعلم أنَّنا في موقع النجاح. نت سعداءُ جدَّاً من أجلك.

المصدر




مقالات مرتبطة