ما هو البودكاست؟ وما هي فوائده وأشهر منصاته؟
في الدقائق المطوَّلة التي نقضيها في القيادة أو الأعمال المنزلية، تكون أذهاننا بحاجة إلى الانشغال بشيء ما، فندير إبرة الراديو بحثاً عما يهوِّن علينا انتهاء مهلة أداء هذه المهام، وفي كثير من الأحيان نصادف برامج إذاعية هادفة وممتعة لكنَّ قسماً منها يكون قد فاتنا، ولا يمكن إعادة الاستماع له من أي مصدر آخر، فنحصل على معلومات ناقصة.
وانطلاقاً من هذه الحاجة ظهر مصطلح جديد في حياتنا اسمه الـ "بودكاست" (Podcast)؛ ويكون عبارة عن برامج إذاعية صوتية يمكن الوصول إليها في أي وقت، تستطيع أن تملأ أوقاتنا بما نريد معرفته دون أن نتفرغ تفرغاً تاماً لعملية المعرفة؛ إذ يكفي أن ننصت فقط، وسوف نتناول في هذا المقال تعريف مفهوم الـ "بودكاست" وفوائده وأشهر منصاته.
ما هو الـ "بودكاست" (Podcast)؟
يمكن تعريف مفهوم الـ "بودكاست" (Podcast) على أنَّه مرادف لمصطلح التدوين الصوتي، وهو التطور الرقمي والتقني للبرامج الإذاعية التي تُبَث على الراديو، ويمكن تعريف الـ "بودكاست" أيضاً على أنَّه بث صوتي على شبكة الإنترنت، يتيح للمستخدم الاشتراك به والحصول على خدمة سماع البث الصوتي في أي وقت على الموقع، كما يمكِّنه من تنزيل الملفات الصوتية وتخزينها على هاتفه الذكي أو حاسوبه الشخصي للاستماع لها بشكل متكرر في حال عدم إمكانية الوصول إلى الإنترنت، أو في أثناء فترات الانتظار في المطارات أو في أثناء القيادة أو في أي وقت يختاره.
إذاً؛ إنَّ الـ "بودكاست" هو واحد من وسائل الإعلام الرقمي حديثة العهد، ويكون عبارة عن مجموعة من الملفات الصوتية التي تتحدث عن موضوعات مختلفة، ويمكن إنتاج سلسلة منها بهدف تغطية جوانب موضوع ما بشكل موسع.
ويتشابه الـ "بودكاست" مع البرامج الإذاعية العادية من ناحية التطرق إلى الموضوعات المختلفة، ويشترط مثلها وضوح النطق وسلامته، واستخدام نبرة تجذب المستمع، بالإضافة إلى ضرورة عرض الموضوعات عرضاً شيِّقاً يثير اهتمام المنصت ويحرِّض فضوله، ويتوخى الدقة والبساطة في تقديم المعلومة إليه؛ فإنَّ الـ "بودكاست" هو ملفات صوتية تتناول موضوعات مختلفة، قابلة للاستماع في أثناء الوجود على الموقع، وقابلة للحفظ على الأجهزة الشخصية للوصول إليها في أي وقت.
تاريخ الـ "بودكاست" (Podcast):
يعود تاريخ الـ "بودكاست" إلى مطلع القرن الحالي، وتحديداً في نهاية عام 2004، وهو يلاقي في الغرب رواجاً وانتشاراً أكثر منه في البلاد العربية؛ إذ يكون الإنترنت فضاءً أكثر حرية من التلفزة والإذاعة التقليدية، وفيه يجد المستمعون محتوىً أكثر تنوعاً وثراء، ونشير إلى أنَّ مصطلح الـ "بودكاست" أقدم من الإنترنت؛ إذ كان يمكن توزيع الملفات الصوتية ونشرها قبل وجوده.
وعلى الصعيد العربي، بدأ الـ "بودكاست" يتقدم إلى الصدارة أواخر عام 2008 مترافقاً مع ظهور الألعاب ومجتمعات التدوين، ولكنَّه عاد إلى الخلفية مع تصدُّر مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب إلى الواجهة، واستمر تراجعه حتى عام 2015 حين برزت الحاجة إلى وسيلة حرة تتيح لصناع المحتوى التعبير عن أنفسهم تعبيراً أكثر استقلالية وانفتاحاً، ليكون الـ "بودكاست" هو الكفة الراجحة التي أصبحت الآن الوجهة التي يسعى إليها معظم صناع المحتوى على اختلاف مستوياتهم وموضوعاتهم.
وأما عن الأصول اللغوية لكلمة "بودكاست" ( Podcast) فهي مقتبسة من كلمتين؛ (POD) المستوحاة من جهاز شركة "آبل" (ipod) و(CAST) المستوحاة من كلمة إذاعة (broadcast)، وأطلق هذا المصطلح الصحفي البريطاني (Ben Hammersley) في صحيفة الغارديان، وأول تطبيق يدعم الـ "بودكاست" هو تطبيق (ITunes) الذي أُطلق في عام 2005 من قِبل شركة "آبل".
موضوعات الـ "بودكاست":
تتنوع موضوعات الـ "بودكاست" بحسب تنوع اهتمامات وشخصيات المدونين؛ فمنها ما يختص بالحديث عن السياسة، ومنها ما يناقش في الدين، وكذلك يوجد الكثير من الـ "بودكاست" الذي يتناول في حلقاته موضوعات التكنولوجيا، واللغات، والاقتصاد، والطب، والفن، والكتب، والروايات، والأفلام، والألعاب، وغيرها من الموضوعات التي تجذب الاهتمام الإنساني وتُصنِّفه إلى فئات من المستمعين.
ولقد اختص بعض الـ "بودكاست" بتقديم الآراء الشخصية ليتحول إلى مدونات صوتية شخصية تمثل رأي أصحابها في مجالات الحياة المختلفة، كما اختص قسم منه بالنكات والمحتوى الترفيهي المسلي.
فوائد الـ "بودكاست" (Podcast):
بوصفه وسيلةً إذاعية رقمية تكون فوائد الـ "بودكاست" (Podcast) حصيلة لاجتماع مصدرين للفائدة؛ الأول هو الفائدة الإذاعية، والثاني هو فائدة الانتشار عبر الإنترنت، وبناءً على فوائد الـ "بودكاست" أصبح الخيار المميَّز بالنسبة إلى الشركات والعلامات التجارية وحتى للأفراد الراغبين في تسويق أعمالهم ونظرياتهم وأفكارهم.
شاهد بالفيديو: 7 مواصفات للمتعلم السمعي
من فوائد الـ "بودكاست" نستعرض ما يأتي:
فوائد الـ "بودكاست" بالنسبة إلى المدونين والعلامات التجارية:
يُعَدُّ الـ "بودكاست" أسلوباً تسويقياً ناجحاً؛ فهو يستطيع تعريف الناس بأفكار المدون أو العلامة التجارية، وجذبهم إليه، وتحويلهم إلى عملاء فعليين أو متابعين دائمين، كما أنَّه قادر على تعزيز الثقة بين العميل وشركته عن طريق استعراض نقاط قوَّتها وإنجازاتها، وتقوية العلاقة بين المدون والمستمعين بفضل تفاعلهم مع المحتوى الذي يقدمه.
ومن فوائد الـ "بودكاست" أنَّه ينشئ مجتمعاً متجانساً من العملاء حول العلامات التجارية، وأنَّه يستطيع إكساب المدون شهرة بين الناس بأقل تكاليف، فهو عن طريق إتقانه للمهارات الخطابية وقواعد التوجه نحو المستمعين وأساليب طرح المعلومات وتقديمها، يستطيع جذب أكبر عدد من الناس بفضل ترشيحات الآخرين، وبفضل تقديمه لمحتوى يتلاءم مع ميولهم واهتماماتهم ويلبي تطلعاتهم تجاه المادة المسموعة.
ومن فوائد الـ "بودكاست" أيضاً أنَّه يمنح المدون هامشاً من الحرية، يتناول فيه الموضوعات التي تُفرَض عليها آلاف الأسوار على المنصات الأخرى، فيتطرق إليها مهدِّماً الهالة المخيفة حولها، ويساهم في توعية الناس تجاهها، ويساعد الـ "بودكاست" في إنشاء رابط حميمي وقوي بين المدون والجمهور بفضل استخدام المدون لصوته؛ لأنَّ الصوت والنبرة أبلغ من الكلام المكتوب؛ وهذا يساهم في إيصال الفكرة إيصالاً أوضح وأسهل.
ويلبي الـ "بودكاست" متطلبات البحث الصوتي، الذي يُعَدُّ وسيلة واعدة في المستقبل من وسائل استخدام محركات البحث على الإنترنت، والذي يُعَدُّ الوجهة التي تسير باتجاهها التطورات التقنية التي تعمل عليها كبرى الشركات.
ولا ننسى أنَّ المحتوى المقدَّم في الـ "بودكاست" يمكن الاستفادة منه في تحسين محركات البحث وتوجيه الزوار نحو المواقع المستهدفة، فضلاً عن المعلومات القيِّمة التي تُنشَر بأسلوب الـ "بودكاست" والتي يمكن الاستفادة منها والاستناد إليها في صناعة محتويات أخرى بصيغ مختلفة كالفيديو والمحتوى المكتوب.
فوائد الـ "بودكاست" بالنسبة إلى المستمع:
من فوائد الـ "بودكاست" بالنسبة إلى المستمع أنَّه يقدم له طريقة مثالية لملء وقته بشيء مفيد أو ممتع، ويخفف حجم الوقت المهدور بغير فائدة؛ ذلك لأنَّ الـ "بودكاست" يتيح للمستمع الإصغاء إلى المحتوى الصوتي في أثناء القيادة أو في المطار أو في الميترو.
ونفس الأمر بالنسبة إلى النساء الغارقات في المهام والمسؤوليات، فهو يقدم لهنَّ المحتوى الذي يتلاءم مع اهتماماتهن ليكون متاحاً للاستماع في أثناء قيامهن بواجباتهن المنزلية، فيرتفع مستوى الإنجاز لديهن، ليكون إنجازاً على المستوى العملي والفكري في آنٍ واحد.
ويساعد الـ "بودكاست" المستمع على تعلُّم مهارات جديدة، والغرق في مجالات التفكير التي لم يتطرق لها سابقاً؛ وهذا يتسبب في توسيع مداركه، وزيادة وعيه ونضجه نتيجة اطلاعه على آراء الآخرين وتجاربهم، ومن فوائد الـ "بودكاست" أنَّه يبقي الدماغ في حالة النشاط والتعلم، فيبتعد بذلك عن الخمول والكسل، كما أنَّه طريقة للتثقيف الشخصي والتعلم الذاتي.
إذ يستطيع الإنسان الراغب في تعلُّم مجال ما كالتسويق مثلاً، الاستماع للعديد من الـ "بودكاست" التي أنشأها مدونون خبراء في هذا المجال في أثناء قيامه بعمل آخر أو في وقت خاص ومتفرغ للعملية التعليمة، كما يوجد أنواع من الـ "بودكاست" مخصصة للتأمل وتشجيع المستمع على الاسترخاء والتفكر في نفسه وما حوله.
أشهر منصات الـ "بودكاست" (Podcast):
بعد التطرق إلى فوائد الـ "بودكاست" والدور الهام الذي يقوم به والمستقبل الذي ينتظره، سوف نتعرف معاً إلى أشهر منصات الـ "بودكاست" التي تقدم خدمة استضافة المواد الصوتية للمدونين، وتقدم التسهيلات للمستمعين في الحصول على آخر التحديثات وميزات الاستماع المباشر أو التحميل للاستماع لاحقاً.
من أشهر منصات الـ "بودكاست" نذكر ما يأتي:
منصة "ساوند كلاود":
وهي من أشهر منصات الـ "بودكاست" المستخدَمة على نطاق واسع من قِبل الموسيقيين والفنانين، وتتيح هذه المنصة للمستمعين تحميل مقاطعهم الصوتية مجاناً، كما تتيح لمدوني الـ "بودكاست" رفع ملفاتهم الصوتية والتي تكون موسيقية وغنائية غالباً، لتكون متاحة للاستماع والتحميل.
موقع "بودكاست" (Podcast):
ويُصنَّف من أشهر منصات الـ "بودكاست"، ويقدم خدمات لمنشئي الـ "بودكاست" تعينهم على إنشاء المحتوى الخاص بهم بسهولة، إضافة إلى ميزات نشره وتوزيعه وإدارته، فهو مجاني بشكل تام بالنسبة إلى المنشئين، بالإضافة إلى تعاونه مع تطبيقات مجانية للنشر والتوزيع مثل (Apple iTunes Store) و(Google Play).
موقع (Anchor):
والذي يُعَدُّ أيضاً من أشهر منصات الـ "بودكاست"، والذي يركز على البث الصوتي باستخدام أجهزة الموبايل، لكن يمكن الولوج إليه عبر واجهة الويب من أجل إجراء التعديلات على الملفات الصوتية، ومن إيجابيات هذا الموقع سهولة التحرير للمواد المسموعة، ووجود النظام الإعلاني المدمج، وقابلية تحديث الملفات باستمرار وإضافة ميزات جديدة، أما سلبياته فتكمن في صعوبة تغيير عنوان البريد الإلكتروني في موجز (Rss) الخاص بالمستخدم.
في الختام:
وإنَّ خدمة التدوين الصوتي أو الـ "بودكاست" تُعَدُّ ثورة في الخدمات في وقتنا الحالي، فهي قد أصبحت الطريقة التي تمكِّن المستخدمين من استغلال أوقات فراغهم وساعات انتظارهم في سماع محتوى غني ومفيد، كما أنَّها وسيلة تعبيرية بالنسبة إلى المدونين أكثر قرباً وبلاغة من الكتابة؛ وذلك لأنَّها تستخدم نبرة الصوت وتردداته في دعم المحتوى والتوكيد عليه، حتى إنَّ الشركات قد لاحظت أهميته، وأصبحت تركز عليه بوصفه أسلوباً من أساليب نشر المحتوى المعرفي والترفيهي والدعائي.