ما هو الإيجو؟ وما هو الفرق بينه وبين الأنا الحقيقية؟ وكيف نتخلص منه؟

"لا تسمح لي صورتي الاجتماعية بالقيام بهكذا أمر، وإن كنت أحبُّه"

"هل ستجعلني أرتدي هذه الملابس البسيطة، ألا تعرف من أنا؟"

"أنا البروفيسور فلان الفلاني، الأول على مستوى الوطن العربي في تحفيز الناس وحلِّ مشكلاتهم النفسية والاجتماعية، ولديَّ الملايين من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي"،

"لا تضحك بصوتٍ مرتفع، ألا تخشى من نظرة الناس إليك؟"

"أنا أعتذر عن النقاش معك، فأنتَ لستَ بمستوى إدراكي ومعلوماتي نفسه"،

"كيف تستقبلين هكذا نماذج بسيطةٍ في منزلنا، ألا تعرفين من أنا وقدري الكبير في المجتمع؟".



نسمع الكثير من الجمل كهذه في حياتنا اليومية، فلطالما التقينا بمَن هم أسرى الصورة الاجتماعية والمقام العلمي والشكل الخارجي، إلى أن نَسُوا أن يعيشوا ذاتهم الحقيقيَّة، ونَسُوا مَن هم.

سنناقش في هذا المقال الغني فكرة "الإيجو" (EGO)، وماهيته، وألمه، والفارق بينه وبين الأنا الحقيقيَّة، وكيف نتخلَّص من الإيجو المُدمِّر.

هل لفظُ "أنا" لفظٌ سيِّئ؟

يُجادل الكثير من رجال الدين على فكرة أنَّ "الأنا" كلمةٌ غير محمودة، وذلك تحت شعار "أعوذ باللّه من كلمة أنا"، ويعدُّونها من أعمال الشيطان، مع العلم أنَّ رسول اللّه قال: "أنا النَّبي لا كذب"؛ في حين أنَّه مِن الهامِّ جداً أن يعرف كلُّ إنسانٍ مَن هو، وأن يُعرِّف عن نفسه بكلمة "أنا"، مع ضرورة تبيان مقصده من هذه الكلمة، وطريقته في التَّعبير عن نفسه. وهنا يكمن الفارق بين الأنا والإيجو.

ما الفارق بين "الأنا" و"الإيجو"؟

تعني لفظة "الأنا": الذات الحقيقية، في حين يعني "الإيجو": الذات الزائفة؛ فعندما أقول: "أنا المهندس فلان الفلان، أنا من آل كذا، بيتي في المكان الفلاني ومساحته كذا"، تُعبِّر هذه الجمل عن الإيجو.

فإن كنتَ ترى نفسكَ أنَّك: اسمك، وجنسك، وجنسيتك، وبيتك الفخم، وسيارتك الفارهة؛ فأنتَ لديك "إيجو"، أي صورة زائفة عن ذاتك الحقيقية. وإن كنتَ راغباً بمعرفة "ذاتك الحقيقية"، فتخيَّل نفسك "ميِّتاً"، حيث أنَّ الشخص الذي سيقابل اللّه هو "أنتَ الحقيقي"، وعندها لن يكون هناك مكانٌ لممتلكاتك، أو شهاداتك العلمية، أو مظهرك الخارجي.

إقرأ أيضاً: 5 مشاكل تتسبب لك بها المثالية

هل يتألَّم مَن لديه "إيجو"؟

  • دعونا نُناقِش بدايةً منشأ "الإيجو"؛ حيث تُعدُّ التربية مِن أقوى الوسائل المُساهِمة في نشوئه، فعندما يقول الأب لابنه: "لا تفعل كذا، وإلَّا فإنَّ الناس سيقولون عنك كذا"، وتقول الأم لابنتها: "ارتدِ هذا الزِّي، وعندها ستنالين إعجاب الآخرين"، فإنَّهم يُحوِّلون أطفالهم بطريقة التربية هذه إلى أَسْرَى لنظرة المجتمع، وعبيدٍ لاهثين إلى إرضاء الآخرين؛ ممَّا يُبعِدهم عن ذاتهم الحقيقيَّة وعمَّا يحبِّون فعلاً. كما تُعدُّ وسائل الإعلام، بما فيها من ترويجٍ للأمور الشكلية، واهتمامٍ بالقشور على حساب الجوهر؛ وكلاً من البيئة المحيطة والتجارب الحياتيَّة للإنسان - أسباباً أساسيَّةً لنشوء الإيجو.
  • يجذب مَن لديه "إيجو" عكس ما يريد إلى حياته، وتطغى السلبية على حياته، ويبتعد عنه كلُّ أمرٍ يريده. فيتبنَّى مَن يعيش الإيجو ثقافة "الأخذ" من الآخر، أي أنَّه لا يُعطِي بدون مقابل؛ وتراه دائماً في حالة انتظارٍ للفائدة المرجوَّة من الآخر. كما يتعلَّق مَن يعيش الإيجو بالأشياء بصورةٍ مَرَضِيّة، مُعتقداً أنَّ سعادته تكمن في حصوله على شيءٍ ما، أي أنَّه يجد نفسه أنَّه سيصل إلى ذاته من خلال هذا الشيء؛ ممَّا يسبِّب له حالةً من الألم والانتظار والتوتر والرفض.
  • يكون الشخص الذي يعيش الإيجو إنساناً عصبيَّاً وقليلَ الصبر، فإن انتقده شخصٌ ما أو وجَّه إليه كلمةً سلبيَّة، فسيثور غضبه وينفعل ويضطرب نفسياً. في حين أنّه لو عَرِفَ "صورته الحقيقيَّة"، وأنَّ ما يهمُّ هو صورته أمام اللّه وليس أمام الناس، وأنَّ لدى كلِّ شخصٍ من البشر وجهة نظرٍ خاصة؛ فعندها لن ينفعل ولن يثور، وسيبقى هادئاً مُطمئنّاً.
  • سيتألَّم الأب الذي لديه "إيجو" ومُتعلِّقٌ بابنه كثيراً بطريقةٍ مَرَضيَّةٍ لدرجة أنَّه يريده بجانبه طوال الوقت، إن أصاب ولده مكروه؛ وعوضاً عن ذلك، لو أنَّه وعى أنَّه وابنه عبادٌ للّه، وأنَّهما كلاهما في اختبار الحياة، لكن بأدوارٍ مختلفة؛ عندها سيخفُّ كثيراً التعلُّق المرضي، وسيعي فكرة أنَّ ابنه ليس ملكاً له، بل هو زميله في الاختبار.
  • ستتألَّم الأم التي تعاني من "الإيجو" من تصرُّفات ابنها الطفولية، فهي تريده أن يتصرَّف كالبالغين، غير مُدرِكةٍ أنَّ الإنسان الواعي هو مَن يحتوي الآخر ويُحسِن التعامل مع كلِّ مستوىً من الوعي البشري، فاللّه له حكمته في جعل الإنسان يتطوَّر من خلال مراحل عدَّة من الطفولة إلى المراهقة، ثمّ البلوغ والرُّشد؛ وذلك بمثابة إشارةٍ إلى أنَّ كلَّ شيءٍ يأتي بالتراكم والصبر والتأني والتجربة.
  • مَن لديها "إيجو" وتريد أن تخسر وزناً من أجل الحصول على رضا الآخرين، عندها ستبقى في حالةٍ من الضِّيق النفسي والتوتر، إلى أن تصل إلى النتيجة المرجوَّة، أي أنَّها أصبحت عبيدة "الميزان"، فهو الذي يسعدها، وهو الذي يُحزِنها، وتُوقِف أي عملٍ لها ريثما تخسر وزنها؛ لأنّها رافضةٌ لجسدها. في المقابل، تقوم الإنسانة التي لديها "الأنا الحقيقية"، والتي تحبُّ نفسها في جميع حالاتها؛ بالالتحاق بنادٍ رياضي وتخسر وزنها، وهي تعيش مشاعر إيجابية، بالتوازي مع قيامها بكلِّ شيءٍ مفيد، فهي لا تجد حرجاً من تقديم برنامجها التلفزيوني حتَّى إن كان لديها وزنٌ زائد، فهي أنفقت الخير والإيجابيَّة والقوَّة، وواثقةٌ أنَّ اللّه سيُرجِع لها أموراً إيجابيةً بمقدار ما أنفقت.
  • العالِم الذي يعيش "الإيجو" يتباهى بعلمه، ويستخدمه من أجل انتقاد الآخرين والاستهزاء بقدراتهم والتشكيك في معلوماتهم، مُشهِّراً بأسمائهم. وبالمقابل، إنَّ العالم الذي يعيش "الأنا الحقيقيَّة"، ويعلم أنَّ العِلْمَ بحر، وأنَّه مهما تعلَّم فسيبقى طالب علمٍ؛ سيتعامل مع الآخرين برحابة صدرٍ وهدوء، وسيكون مرناً مع جميع مستويات الوعي، ومُستمِعاً جيداً، ولن يستهزأ بأفكار الآخرين، بل على العكس سيأخذها في عين الاعتبار لعلَّها تُضِيف إلى علمه وثقافته. سيعيش العالِم الأول في حروبٍ واضطراباتٍ وسلبيةٍ مطلقة، في حين سينعم العالِمُ الثاني بالهدوء والسكينة والطُّمأنينة.
  • العاشق الذي يحيا بالإيجو، عاشقٌ يحبُّ نفسه فقط، فتراه يُقيِّد الطرف الآخر، ويُشكِّك فيه، ويغار عليه غيرةً عمياء تحت شعار "الحب"؛ في حين أنَّ الحب الحقيقي يكمن في منح الطرف الآخر الحريَّة والثِّقة المُطلقة. اسأل نفسك: "هل تحب الطرف الآخر إرضاءً لرغبتك في الحب ولإشباع غرورك ولاختبار المُتعة والمرح؟ أم أنَّك ترى في الطرف الآخر شراكةً حقيقيةً وتقاطعاتٍ فكريَّةً وروحيًّة؟".

طاقة الإيجو طاقةٌ مُدمِّرة للشخص، اسأل نفسك دوماً: "مَن أنا؟ هل أنا جسمي وشكلي الخارجي؟ هل أنا علمي وشهاداتي؟" عندها تصل إلى الأنا الحقيقية، وحينها ستكون في أعلى اتصالٍ مع اللّه. خُذ نفساً عميقاً بعد إغماض عينيك، وراقب نفسك، هذا النَّفس هو "أنتَ الحقيقي".

إقرأ أيضاً: من أنا... ولماذا أعيش؟

كيف إذاً نفخر بإنجازاتنا دون الوقوع في فخ "الإيجو"؟

تُقدِّم إنجازاتنا الحقيقية قيمةً مُضافَة إلى الناس، والمجتمع، والعالم. أمَّا شراء منزلٍ فخمٍ أو سيارةٍ أو الحصول على عددٍ كبيرٍ من المتابعين على الفيسبوك؛ فلا يُطلَق على أيٍّ منها مصطلح إنجاز.

تهتم "الذَّات الحقيقية" بالقيمة، ويفخر الإنسان بصورته أمام اللّه؛ في حين تهتمُّ "الذات المُزيَّفة" بنظرة المجتمع وأحكامه، وتفتخر بالشكليات والمظاهر.

كيف أنسف "الإيجو"؟

1. العطاء بدلاً من الأخذ:

تقول دراسةٌ أنَّ 50% من شركات الأعمال تخسر في أول سنةٍ لها، وتُغلِق 80% من الشركات بعد 5 سنوات من تأسيسها. فما السبب؟

يكمن السبب في الهدف من إنشاء الشركة، فمَن هدفه الربح فقط، سيفشل حتماً؛ في حين أنَّ الشخص السَّاعي إلى تقديم خدمةٍ وقيمٍة سينجح حتماً.

يتبنَّى الشخص الذي يعيش "الإيجو" مفهوم "الأخذ"، مُنتظراً الفائدة من الآخر، فيعيش حياته بالحزن في حال عدم تقديم الآخرين له. بينما يَعِي مَن يفكِّر في "الذات الحقيقية" خصلة العطاء، فتجده يُعطِي دون انتظار المقابل، فما يهمُّه هو نظرة اللّه، ويَعلَم تماماً أنَّ اللّه سيُرجِع له هذا الخير بشكلٍ من الأشكال، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، [سورة سبأ: الآية 39].

2. الابتعاد عن الانتقاد والسّخرية:

يعيش الإيجو على الصورة المُزيَّفة، كأن يشعر شخصٌ ما أنَّه أفضل من فلان، وأكثر وعياً منه، فيُعطِي الحق لنفسه بانتقاده والاستهزاء به، وتبدأ بعدها موجات الحروب والنزاعات. يعيش مَن يُفكِّر في "الذات الحقيقية" مرحلة التقبُّل والوعي الإيجابي، فيُقدِّر جميع الناس، ويتعاطى بمرونةٍ مع كلِّ شرائح الوعي، ويبتعد عن كلِّ ما هو سلبي، وينشر الهدوء والرَّاحة أينما حل، ويُقدِّم القيمة بدلاً من الحرب.

3. الحفاظ على الطَّاقة الحقيقية ومراقبة أفعالنا:

خلقنا اللّه في أحسن تقويم، وكرَّمنا، فقد سجدت الملائكة للإنسان، أي إلى "الذات الحقيقيّة"، فطاقة الإنسان طاقةٌ جبَّارةٌ وغير محدودة. لكن تتحوَّل هذه الطَّاقة الرَّائعة إلى طاقةٍ تدميريَّةٍ في حال دخول "الإيجو" إلى الإنسان؛ لذا علينا مراقبة أفعالنا جميعها، كأن نسأل أنفسنا بعد كلِّ عملٍ نقوم به: "ما هي نيَّتنا من هذا العمل؟ هل كانت نيَّة التَّفاخر والتَّظاهر؟ أم نيَّة الفائدة والقيمة؟".

إقرأ أيضاً: كيف يمكن رفع الطاقة؟ من كتاب المفاتيح العشرة للنجاح لإبراهيم الفقي

الخلاصة:

يُعظِّم الإيجو "الأنا الزائفة"، ويُعزِّز ثقافة الأخذ، ويطلب المُقابل لكلِّ شيء، ويُفقِدنا الهدوء والراحة والسكينة؛ في حين تُعظِّم "الأنا الحقيقية" صورتنا أمام اللّه، وتُركِّز على القيمة والعطاء، وتمنحنا التوازن والسلام.

فيعود القرار في تبنِّي أيٍّ منهما إليكم، تبعاً إلى نوع الحياة الراغبين بها.

 

المصادر: 1 ، 2




مقالات مرتبطة