ما هو الإدمان؟ وهل يمكن التعافي منه؟

نحن نستخدمُ مصطلح الإدمان كثيراً في حياتنا اليومية، فكلما أحببنا شيئاً وتعلقنا به نقول إنَّنا قد أصبحنا مدمنين عليه، فهل الأمر بهذه البساطة فعلاً؟ وهل يستطيع المدمن التعبير بكل ذلك الوضوح عن إدمانه؟ أم أنَّنا نستخدم هذا المصطلح جزافاً ودون فهم حقيقي لمعناه وتبعاته؟



يعتاد جسم الإنسان في الواقع على نوع من العادات أو الأدوية أو النشاطات لدرجة يصبح من الصعب جداً التخلي عنها، معتقداً أنَّ كل حياته متوقفة عليها، وهذا ما يسمى الإدمان الذي يحتاج إلى كثيرٍ من الشجاعة والقوة لتخطيه والتغلب على تبعاته الجسدية والنفسية، فما هو الإدمان؟ وهل يمكن التعافي منه؟ هذا المقال مخصص للإجابة عن هذه الأسئلة والعديد من الأسئلة الأخرى التي تراودك.

ما هو الإدمان؟

الإدمان مرض سلوكي نفسي ينطوي على استسلام الشخص جسدياً ونفسياً لعادة معينة أو دواء أو سلوك، وقد يشعر المدمن أنَّ الحياة متوقفة على الشيء الذي أدمنه نفسياً وجسدياً، وهذا يجعل التفكير في تركه شبه مستحيل؛ إذ يؤثر الإدمان في حياة الشخص اليومية تأثيراً كبيراً ويؤثر في وظائفه الحيوية المختلفة وفي عمل دماغه وفي أسلوب حياته وطريقة تفكيره، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى كثيرٍ من المشكلات والأضرار الجسدية والنفسية والاجتماعية تبعاً لنوع الإدمان ونطاق تأثيره.

لقد تم التأكيد من خلال العديد من الأدلة على أنَّ السلوكات المسببة للإدمان تتشابه من حيث السمات الحيوية العصبية المركزية، فيكون تأثيرها في مسارات الدماغ التي تتعلق تعلقاً رئيساً بالتعزيز والمكافأة المتضمنة الناقل العصبي المسؤول عن الإحساس بالسعادة وهو الدوبامين، وبهذا فإنَّ هذا الإدمان يجعل الدماغ يشعر بالمتعة والراحة، وهذا يدفع الشخص إلى تكرار هذا السلوك لارتباطه عنده بالشعور بالسعادة.

يستطيع المدمن دائماً إيجاد المبررات التي تبرر تكرار الفعل أو النشاط الإدماني وتحفزه على القيام به، على الرغم من إدراكه بشكل مباشر أو غير مباشر لتبعاته وعواقبه السيئة التي تؤثر في حياته وفي عائلته وأصدقائه تأثيراً سلبياً.

يعد إدمان الكحول أو المخدرات أكثر أنواع الإدمان شيوعاً وخطراً، إلا أنَّ الإنسان قد يدمن أيضاً بعض أنواع السلوكات والنشاطات التي تؤثر في حياته تأثيراً سلبياً كإدمان ممارسة الجنس أو إدمان لعب القمار أو التسوق أو الطعام، وطبعاً من الصعب تحديد الأسباب النفسية والعضوية التي تدفع شخصاً ما إلى الإدمان بشكل دقيق.

أسباب الإدمان:

من الصعب جداً الحديث عن أي حل أو علاج لأيَّة مشكلة مهما كانت قبل البحث في أسبابها، وكذلك بالنسبة إلى الإدمان، فقبل الإجابة عن سؤال هل يمكن التعافي من الإدمان؟ علينا أولاً أن نتعرف إلى أسباب الإدمان، فقد ترجع أسباب الإدمان إلى عدد كبير من العوامل بعضها بيئي وبعضها الآخر وراثي أو نفسي، ومن الممكن أن يجتمع أكثر من مسبب معاً، وسنتعرف فيما يأتي إلى كل مسبب من المسببات على حدة:

إقرأ أيضاً: الآثار السلبية لتعاطي المخدرات على الفرد والمجتمع

1. العوامل البيئية المسببة للإدمان:

ظروف الشخص والبيئة التي يعيش فيها من أكثر العوامل تأثيراً في شخصيته وطريقة تصرفاته، ولنتخيل معاً شخصاً يعيش ضمن بيئة مفككة ويعاني من حياة اجتماعية سيئة، أو يتعرض لاعتداء جسدي أو جنسي بشكل مستمر ولا يمتلك القدرة على الدفاع عن نفسه.

كل هذا في الحقيقة سيدفع الشخص للبحث عن طريقة للتخفيف من وطأة وثقل هذه الظروف الصعبة عليه، وخاصة أنَّ مثل هؤلاء الأشخاص لن يكونوا متمتعين بالصحة النفسية الكافية واللازمة لضبط توازنهم أو شحن أنفسهم لمواجهة ما يحيط بهم وما يتعرضون له، فتجدهم يذهبون إلى الحلول الأسهل بنظرهم التي تجعلهم يغيبون عن واقعهم ويفقدون الوعي والإدراك تجاه ما يحيط بهم لو لساعات قليلة، فيختارون الكحول أو المخدرات أو حتى الانغماس في اللذة الجسدية بوصف هذه السلوكات أسلوباً للهروب وعدم المواجهة.

بذلك ومن خلال المثال السابق يمكن حصر العوامل البيئية التي يزيد وجودها من احتمال إصابة الشخص بالإدمان - علماً أنَّ هذا الاحتمال يتضاعف في حال كان الشخص المعرض لهذه العوامل مراهقاً - فيما يأتي:

  • العلاقات الاجتماعية السيئة والضعيفة.
  • الأسرة المفككة أو المسيطرة أو المهملة.
  • تعرُّض الشخص خلال تاريخه لاعتداء جسدي أو عنف مستمر لفظي أو جسدي أثَّر في نظره للناس من حوله وأفقده الثقة بهم.

شاهد بالفيديو: كيف تتصرّف إذا اكتشفت أنّ ابنك مدمن على التدخين؟

2. العوامل الوراثية المسببة للإدمان:

العوامل الوراثية تسرِّع من حدوث الإدمان، فمجرد البدء بتناول المواد التي يمكن أن تسبب الإدمان يصبح احتمال الإدمان عليها كبيراً، ويرجع هذا إلى الصفات الجينية التي ساعدت على تطوير الإدمان وتسريع حدوثه.

3. العوامل النفسية المسببة للإدمان:

التعرض للمشكلات النفسية الصعبة كحالات فقدان أشخاص عزيزين، أو المرور بمشكلات وتجارب عاطفية صعبة أدت إلى توتر الشخص وتعرضه للأزمات النفسية والاكتئاب، كل هذا يجعل من احتمال اختيار الشخص لطريق الإدمان كبيراً، فكما ذكرنا آنفاً ومن خلال حديثنا عن فيزيولوجيا الإدمان رأينا كيف ترتبط سلوكات الإنسان الإدمانية بالشعور بالمتعة والسعادة، وهذا ما يبحث عنه بطبيعة الحال الشخص الذي يمر بأزمات نفسية، ولأنَّ هذا الشعور بالمتعة مؤقت يلجأ الشخص إلى تكراره بشكل دائم وغير إرادي وباستسلام كبير لتلك الراحة والهروب من المشاعر الصعبة.

توجد عدة أمور يجب مراعاتها تجنباً للإدمان، فمن الهام جداً تجنب تناول الأدوية المسببة للإدمان، وفي حال الضرورة يجب إشراف الطبيب شخصياً على الجرعات والمواعيد، كما يجب الانتباه إلى أدوية الأطفال والمراهقين وإلى الجرعات المحددة ومواعيدها، وبالنسبة إلى المراهقين قد يكون للرفاق وسلوكاتهم دور كبير في انجرارهم نحو الإدمان، لذلك لا بد من توفر التوعية الدائمة واللازمة لأبنائنا المراهقين بشأن مخاطر الإدمان، إضافة إلى ضرورة مراقبة تصرفاتهم وسلوكاتهم وحالتهم النفسية.

ما هي أعراض الإدمان؟

للإدمان العديد من الأعراض التي تدل على إصابة الشخص به، وفيما يأتي سنذكر أهم أعراض الإدمان:

  1. الحاجة الكبيرة إلى تناول المادة المدمن عليها، وقد تكون هذه المادة دواءً أو كحولاً أو مخدرات، وتتفاوت الأوقات التي يطلبها الجسم حسب درجة الإدمان ومدى تطوره لدى الشخص، فمن الممكن أن يشعر بالحاجة إلى تلك المواد يومياً، ومن الممكن أن يطلبها أكثر من مرة خلال اليوم الواحد.
  2. بعد فترة من الإدمان تصبح الكمية التي يتناولها الشخص غير قادرة على إعطائه نفس الشعور، وهذا ما يدفعه إلى زيادة الكمية بسبب انعدام تأثير الكمية السابقة.
  3. الخوف الشديد من انقطاع المادة المدمن عليها، وهذا ما يدفع المدمن إلى تخزين كميات كبيرة منها، فمثلاً قد تجد منزل المدمن على الكحول مليئاً بعبوات الكحول المختلفة، ومن الجدير بالذكر أنَّ المدمن قد يتغاضى عن شراء المواد الأساسية له كالطعام والملابس ليشتري المادة الدمن عليها.
  4. تعطيل حياته وتحولها إلى حالة من عدم الوعي وكأنَّه مغيَّب عن كل ما يجري من حوله وبعيد عن الجميع وليست لديه أيَّة رغبة بالإنجاز؛ وهذا ما يسبب تراجعه في دروسه إن كان طالباً أو مهامه إن كان عاملاً أو موظفاً، ناهيك عن تحوله لشخص عنيف جداً وغير قادر على ضبط تصرفاته وخاصةً في حال تأخَّر عن تناول الجرعة المعتادة.
  5. الانعزال عن الجميع وعدم الرغبة بالتواصل حتى مع المقربين منه.
  6. ظهور كثير من الأعراض الجسدية عليه نتيجة نظام الحياة غير الصحي الذي يعيشه كالشحوب ونقصان الوزن، وحتى قد يصل الأمر إلى تضخم الكبد والطحال، ناهيك عن المشكلات النفسية الأخرى من قلق وتوتر وخوف واكتئاب.

شاهد بالفيديو: كيف تتعامل مع مدمن المخدرات؟

هل يمكن التعافي من الإدمان؟

بداية وقبل الحديث عن أيَّة خطوة نحو الشفاء والتعافي من الإدمان يجب على المدمن نفسه أن يرغب بالشفاء، وعلى المحيطين به والأشخاص المقربين منه أن يدعموه ويقدموا له كل ما يلزم من حب ليصبح لديه حافز للشفاء والعودة إلى الحياة الواقعية، لأنَّه كما أصبح واضحاً لدينا فإنَّ المدمن يعيش حالة هروب من واقعه ليصل إلى مرحلة من عدم الوعي والإدراك، وبعد ذلك لا بد من عرض المدمن على طبيب نفسي، فالطبيب وحده القادر على تشخيص حالة الإدمان.

إقرأ أيضاً: أسباب تعاطي المخدرات وآثارها وطرق التخلّص منها

تشخيص الإدمان:

يتم تشخيص الإدمان من قِبل الطبيب النفسي عن طريق الخطوات الآتية:

  • تقييم شامل لحالة المدمن من خلال طرح مجموعة من الأسئلة على المدمن لمعرفة تفاصيل تخص تاريخ الإدمان والمواد التي يدمن عليها وغير ذلك من التفاصيل.
  • إجراء فحوصات طبية للدم والبول، وتعد هذه الخطوة هامة للعلاج أكثر من كونها خطوة تشخيصية.

بالنسبة إلى السؤال الذي تم طرحه منذ البداية "هل يمكن الشفاء من الإدمان؟"، يوجد العديد من الأساليب العلاجية المساعدة للتخلص والشفاء من الإدمان نهائياً، ويمكن تلخيص هذه العلاجات بما يأتي:

1. العلاج الدوائي:

يتضمن هذا العلاج صرف أدوية مضادة للتخفيف من الأعراض المصاحبة لعملية ترك الإدمان، إضافة إلى الأدوية المساعدة على النوم والمخففة للقلق والتوتر وما إلى ذلك.

2. العلاج المعرفي السلوكي:

قد يتم اتباع هذا العلاج وحده، ولضمان نتائج أفضل يمكن أن يتصاحب مع العلاج الدوائي؛ إذ تساعد هذه الجلسات المدمن على فهم نفسه أكثر وفهم الأسباب التي أدت إلى إدمانه، وهذا يساعد المريض على تجاوزها بشكل أسرع ويحميه من الانتكاس فيما بعد.

3. العلاج في المصحة:

في حالات الإدمان الشديدة والمتأخرة من الممكن أن يدخل المريض إلى مصحة، وذلك لضمان خضوعه للعلاج حتى يصل إلى مرحلة الشفاء النهائي.

في الختام:

في نهاية مقالنا بقي أن نذكركم أنَّ ظروف الحياة الصعبة مهما بدت قاسية وفوق طاقتنا على الاحتمال يمكننا مواجهتها والتغلب عليها، وهذا يحتاج منا فقط إلى القوة والشجاعة، فالهروب أياً كان نوعه ليس حلاً، وخلاف ذلك تماماً قد يسبب الهروب نتائج كارثية ليس على الشخص نفسه؛ بل حتى على المحيطين به، وهذا ينطبق تماماً على الأشخاص الذين ذهبوا وراء الإدمان لغاية التخفيف من أعبائهم الجسدية والنفسية فتحولت حياتهم إلى كارثة حقيقية.




مقالات مرتبطة