ما هو ASMR؟ وما هي فوائده وأضراره؟

غالباً ما شاهدنا جميعاً أو شَكَت لنا واحدة من أقاربنا أنَّ طفلها الرضيع لا ينام إلا عندما تعبث بشعره أو تتمتم له أغنية بصوت هامس أو تمرر يديها على وجنتيه وظهره، وقد نكون نحن البالغون نحنُّ في قرارة أنفسنا إلى تلك الأيام التي كانت فيها أمهاتنا يمسحن شعورنا ويحكين لنا قصة قبل النوم بأصواتهن العذبة اللطيفة ويكررن على مسامعنا عبارات الحب والسلام لتسري نشوة الأمان في أجسادنا ونخلد إلى نوم عميق في أحضانهن الدافئة ينسينا كل متاعب النهار.



إنَّ نشوة الأمان والاسترخاء هذه قد استطاع أشخاص بالغون الوصول إليها بعيداً عن أحضان أمهاتهم وتهويداتهن، وذلك عن طريق مقاطع فيديو منتشرة على "يوتيوب" يدعون بأنَّها تشعرهم بدغدغة تبدأ في مؤخرة رؤوسهم، ثم تسير إلى أسفل أعمدتهم الفقرية وأطرافهم، وإنَّ مقاطع الفيديو هذه تستخدم ما يسمى تقنية (ASMR) وتُعنوَن باسمها، فما هو (ASMR)؟ وما هي فوائده وأضراره؟

ما هو (ASMR)؟

إنَّ تسمية (ASMR) هي اختصار لمصطلح (Autonomous Sensory Meridian Response)، وتعني الاستجابة الحسية الزوالية الذاتية، ولها تسميات عديدة مثل استجابة القنوات الحسية الذاتية، ونشوة الدماغ، ودغدغة الدماغ، ومساج الدماغ، ودغدغة العمود الفقري، وكل هذه التسميات تصب في صلب محاولة إيجاد توصيف دقيق لاستجابة الجسم للمؤثرات الموجودة في مقاطع الفيديو لهذه التقنية التي يغلب عليها طابع الهدوء والهمس وادعاءات اللمس.

إنَّ (ASMR) أو إيسمار باللغة العربية أو "إيه إس إم آر" هي تقنية للاسترخاء عُرفت في الآونة الأخيرة، فإنَّها تمثل - حسب وصف الملايين من الناس - الإحساس الجسدي بوخز لطيف مسالم وغير مؤذٍ يجتاح الجسد كاملاً بعد اندلاع شرارته في أسفل فروة الرأس كأنَّما قام أحد بتدليكها ودغدغتها بلطف، ويأتي شعور (ASMR) جراء مشاهدة المستخدمين لمقاطع فيديو معينة تتضمن أصواتاً هادئة وهامسة كالهمس البشري أو التربيت أو النقر على شيء محدد أو طي المناشف وتمسيدها.

أجمع كل الأشخاص الذين اختبروا شعور الاستجابة الحسية الزوالية الذاتية بأنَّه يبدأ على شكل وخز لطيف ينشأ في فروة الرأس ثم يمتد على طول العمود الفقري ليصل في بعض الأحيان إلى الأطراف، ووصف المستخدمون عينهم هذا الشعور بأنَّه شعور مريح وممتع ومحفز للاسترخاء.

في عام 2010 كانت تسمية نشوة الدماغ هي الأكثر شعبية في التعبير عن إيسمار (ASMR)، الأمر الذي أثار خلطاً في كون إيسمار محفزاً للمشاعر الجنسية وفق آراء بعض المستخدمين، ولكنَّ القسم الآخر منهم رفض هذه التهمة رفضاً قاطعاً وأصر على كون إيسمار (ASMR) مرتبطة بالاسترخاء فقط، ومن هنا بدأ انقسام إيسمار (ASMR) إلى فروع، منها ما اختص بالتحفيز الجنسي وسمي "إيسماروتيكا"، وهذه التسمية مشتقة من "إيسمار" و"أروتيكا".

شاهد بالفيديو: 10 أمور مذهلة تحدث للجسم عند الاسترخاء

تاريخ (ASMR):

بدأ موضوع إيسمار (ASMR) بالظهور إلى النور عام 2007 حين شارك مستخدم على منتدى تابع لـ "ستيدي هيلث" الصحي مشاعر اختبرها في طفولته وعاد إلى استرجاع الشعور بها عند التعرض لمجموعة عشوائية من الأحداث والأصوات المشاهدات، وإنَّ هذه المشاعر تتشابه مع الشعور الذي يبعثه تمرير أصابع اليد على جلده.

لقد فوجئ المستخدم بالردود على موضوعه التي تناول معظمها تجارب مماثلة تبعث على الشعور ذاته، الأمر الذي تسبب في اتساع رقعة المناقشات وانتقالها إلى منتديات ومنصات أخرى، ليتم تأسيس مجموعة على "ياهو" بهذا الشأن عام 2008، ومدونة عام 2010 تحمل تسمية "المشاعر التي لا تسمية لها".

في عام 2010 وتحديداً في اليوم 25 من شهر شباط/ فبراير قامت "جينيفر ألن" بإنشاء صفحة على "فيسبوك" تدعى (ASMR)، ولقد كان ذلك نتيجة الانتشار الواسع لهذا المفهوم بعد تداوله بين آلاف المستخدمين على موقع "ريديت" القابع دوماً وراء أيَّة شهرة إلكترونية.

من الجدير بالذكر أنَّ ظاهرة إيسمار (ASMR) قد تم التطرق إليها من قِبل الكاتبة "فيرجينيا وولف" في روايتها "مسز دالاوي" حين تحدثت عن التأثير الذي يحدثه صوت عميق لرجل ومشاعر الدغدغة التي تشبه الموجات المتدفقة والتي أثارها في عقلها وانتقلت إلى عمودها الفقري، الأمر الذي يثبت أنَّ هذه الظاهرة ليست معاصرة؛ إنَّما لها امتدادات في التاريخ.

إقرأ أيضاً: الدماغ البشري: الآلة العظيمة بين الحقائق والخرافات

ما الذي يحدث في أثناء تجربة إيسمار (ASMR)؟

غالباً ما تظهر في فيديو إيسمار (ASMR) سيدات بملامح هادئة تكون أعمارهن في سن الإنجاب، ويحرص صناع إيسمار (ASMR) عموماً على إثارة محفزات تحقق استجابة قوية عند المتلقي تتشابه مع استجابته للمس الخفيف أو لمس شعره، ويحرص صناع إيسمار (ASMR) على إثارة محفزات بصرية أيضاً تتضمن تحريك اليد ببطء والمراقبة والتحديق، إضافة إلى استخدامهم المحفزات الصوتية كالصوت الهادئ والتمتمة الناعمة اللطيفة والنفخ والعلك وحف الأشياء ولمسها بلطف أو تقطيعها بحنان، وأيضاً النقر الهادئ بالأظافر.

يحرص صنَّاع إيسمار (ASMR) على إبداء اهتمام شخصي للمشاهد وتبديل طرائق تقديم إيسمار (ASMR) حرصاً على تجنيبه الملل، فيقومون أحياناً بتأدية بعض الأدوار مثل المعالج الفيزيائي والطبيب ومصفف الشعر الذي يعتني بزبونه ويوجه له اهتماماً خاصاً.

إنَّ استجابة الإنسان الذي يتابع إيسمار (ASMR) تكون على شكل تنشُّط في مساره البيولوجي وتحديداً المتعلق بسلوك الانتماء الذي يشعره بالعودة في الزمن إلى مراحل الطفولة؛ حيث لمسات الأم الحانية واللطيفة والطبطبة الناعمة والهمس واللمس والاحتضان والعبث بالشعر، هذا النوع من الاهتمام الذي يحرص الوالدان على تقديمه لأبنائهم بدوافع فطرية تشعرهم بالأمان والدفء، وغالباً ما يتم استخدامه من أجل تهدئة الطفل وحمله على الاسترخاء والنوم.

إنَّ محفزات إيسمار (ASMR) من صوت خفيف وهمس ولمس تتشابه مع السلوكات التي يقوم بها الأفراد الذين تربط بينهم علاقات ثقة قوية، وهذه السلوكات والمحفزات ينتج عنها إفراز لكل من هرمونات الدوبامين والأوكسيتوسين والإندورفين والسيروتونين، فلكل هرمون من هذه الهرمونات تأثير في الجسد نوضحه كما يأتي:

  • يكون هرمون الإندورفين الذي تسببت محفزات إيسمار (ASMR) في إفرازه مسؤولاً عن الشعور بالسعادة والارتعاش، كما يكون مسؤولاً عن الشعور بالاسترخاء والراحة والنعاس.
  • يكون هرمون الأوكسيتوسين مسؤولاً عن الشعور بالانتماء أو ما يسمى دواء الحب، وفي حالة العلاقة بين الأبناء والعلاقات الرومنسية فإنَّه عنصر هام في تعزيز الارتباط، وفي محفزات إيسمار (ASMR) فهو يؤدي دوراً هاماً في رفع حساسية مستقبلات الإندورفين ويساهم في حدوث الارتعاش، وهو المسبب الرئيس لخفض التوتر والإحساس بالراحة والاسترخاء.
  • هرمون الدوبامين هو المسؤول عن التركيز في تجربة إيسمار (ASMR) والرغبة في تجربة هذه المحفزات وتكرار التجربة مرة أخرى.
  • هرمون السيروتونين الذي يتوفر بكثرة في الأدوية المضادة للاكتئاب فهو المسؤول عن مشاعر الرضى التي تلي تجربة إيسمار، وكذلك مشاعر الهدوء والمزاج العالي.

من الجدير بالذكر أنَّ الهرمون المسيطر على الجسد في أثناء تجربة إيسمار (ASMR) هو هرمون الدوبامين، أما الهرمون المسيطر بعد التجربة فهو السيروتونين الذي يترك الإنسان في حالة من الراحة والاطمئنان والمزاج الجيد.

إقرأ أيضاً: 6 طرق طبيعية لزيادة هرمون الدوبامين وتعزيز الصحة النفسية

فوائد إيسمار (ASMR):

تتجلى فوائد إيسمار (ASMR) في التأثيرات الإيجابية التي يتركها في الصحة الجسدية والنفسية للأشخاص الذين يتابعونه والتي يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:

  • تحسين عملية النوم، وهو الهدف من صناعة هذا النوع من المحتوى، فهو يُعَدُّ علاجاً مساعداً لحالات الأرق ومشكلات النوم.
  • تحسين الصحة الجسدية التي تنتج عن تحسُّن عملية النوم.
  • تحسين الصحة النفسية بسبب حث المحفزات الصوتية والبصرية الموجودة في إيسمار (ASMR) على إفراز الهرمونات المهدئة والباعثة على الاسترخاء والراحة والاطمئنان.
  • رفع مستوى الرضى عن الحياة والراحة الجسدية والنفسية.
  • التخفيف من المعاناة مع الاكتئاب والحزن الشديد والأرق.
  • تحسين الحالة المزاجية وصرف التركيز عن الشعور بالألم لساعات عديدة بعد مشاهدة إيسمار (ASMR).
  • إبطاء معدل ضربات القلب بوصفه واحداً من دلائل الشعور بالاسترخاء.
  • رفع رغبة الشخص بالتواصل مع الآخرين.

أضرار إيسمار (ASMR):

إنَّ اضرار إيسمار (ASMR) قليلة وتكاد تكون معدومة، فهو لا يسبب الصداع ولا الإدمان؛ إنَّما تكون أضرار إيسمار (ASMR) متمثلة في جعل الشخص يلجأ إلى الوحدة والانعزال عن الآخرين ليتمكن من سماع المحفزات الصوتية والتركيز في المحفزات البصرية، كما يعيب بعض الناس على إيسمار (ASMR) بأنَّه قد يعوِّد الفرد على الهروب من المشكلات والانعزال للتخفيف عن أعراضها بدلاً من التفكير في وضع حلول لمعالجتها.

شاهد بالفيديو: 10 نصائح للحصول على الراحة النفسية

إيسمار (ASMR) بالعربية:

في البداية كانت محفزات إيسمار (ASMR) موجودة باللغة الإنجليزية، ولقد سطع نجم "ماريا" صاحبة قناة (ASMR) على "يوتيوب" في هذا المجال التي يبلغ عدد متابعيها أكثر من مليون ونصف مستخدم، وزاد من شهرتها لكنتها الغريبة في التحدث بالإنجليزية فهي ليست لغتها الأم؛ وذلك لأنَّها روسية المنشأ، وهذا ما جعل الكثير من مقدمي (ASMR) - وهن نساء في أكثر الأحيان لأنَّ الصوت النسائي أكثر هدوءاً ورقة - يقلدون هذه الخطوة فهم في أغلبهم ينحدرون من بلدان غير ناطقة بالإنجليزية.

وصل صدى محفزات إيسمار (ASMR) إلى البلدان العربية ولمس بعض الناس نتائجها الإيجابية، وهذا دفع صناع المحتوى العرب إلى خوض هذا المجال، ومنهم من اتَّجه إلى تلاوة آيات قرآنية بصوت هامس أو مرافق لصوت تدليك يشبه تدليك فروة الرأس.

في الختام:

إنَّ إيسمار (ASMR) هي تقنية تبعث على الراحة والاسترخاء وتساعد على النوم وتعمل على أساس إنشاء محفزات صوتية وبصرية تثير دغدغة ووخزاً خفيفاً في مؤخرة الرأس يسري في أنحاء العمود الفقري لاحقاً، وهذا يذكِّر الإنسان بشعور الحميمية والدفء الذي اختبره في طفولته وبين أحضان والديه، وعلى الرغم من الفوائد التي تُحدثها محفزات (ASMR) في تهدئة المستخدمين، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ الجميع يستطيع استشعار لذَّتها، فصوت الهمس المهدئ لبعض الناس قد يكون مدعاة لاستفزاز بعضهم الآخر.




مقالات مرتبطة