ما مفهوم العلاقة الزوجية الناجحة وما الذي يعيق وصولنا إلى شريك الحياة؟

عندما يتحوَّل الزواج من كونه إضافةً جميلة في حياة الإنسان وتجربةً من تجارب حياته، إلى هدفٍ أساسيٍّ يُمثِّل الحياة بأسرها؛ لابدَّ وأن تسأل السؤال التالي: "كيف تحوَّل الزواج من أمرٍ مساعدٍ على التطوير والتجديد في الحياة، ومن فرصةٍ حقيقيةٍ للمشاركة الفعَّالة الغنيَّة؛ إلى هاجسٍ ومصدر قلقٍ وتوترٍ وهدفٍ عظيم تتوقَّف عنده كلُّ مشاريع الحياة وحيويَّتها ورونقها، وتصبح من دونه الحياة مُشوَّهةً وناقصة؟



تُرَى هل نحن بالفعل أنصاف بشرٍ وبحاجة إلى مَن يُكمِّلنا؟ وهل فكرة أنَّنا ناقصو سعادةٍ وهناءٍ وبحاجةٍ إلى آخر يُتمِّم لنا حالة السعادة وينتشلنا من حزننا وضياعنا؛ صحيحة؟ هل ينقلنا الزواج إلى حالة سلامٍ ورضا وهدوء؟ أم أنَّ السلام يُعاش في الداخل أولاً، ولا علاقة للزواج به؟ وهل تنحصر رسالة الإنسان في تجربة زواجه وتأسيس العائلة؟ أم أنَّ الرسالة أكبر وأعمُّ وأشمل؟ وهل الأشخاص غير المتزوجين أكثر تعاسةً من المتزوجين؟ أم أنَّ القضية أعمق من هذا بكثير؟

نحن في أمسِّ الحاجة إلى الخوض في مفهومٍ يشغل بال الكثيرين، ويأخذ الجزء الكبير من طاقتهم وسعيهم؛ وهو: شريك الحياة. فلنصل سوياً إلى اكتشاف النظرة الأكثر منطقيةً للموضوع من خلال هذا المقال.

هل مفهوم العلاقة الناجحة ناضجٌ في عقولنا؟

تتلخَّص العلاقة الناجحة بين الطرفين في عقول أغلب البشر بالاتفاق على التّفاصيل الظاهرية للحياة المشتركة مِن: مهرٍ ومنزلٍ ورضا الأهل والقبول المجتمعي بالعلاقة، وبما يحقِّقه الشخص من مواصفاتٍ مناسبةٍ من: تعليم، ودخلٍ مادي، ومستوى اجتماعي، ومظهرٍ خارجي. لكن في الحقيقة، لا يسمو هذا التصوُّر مُطلقاً إلى مفهوم العلاقة الناجحة الحقيقي، ويكون مصدره منظومة الخوف لدى الإنسان، إذ تجد الشخص يبحث عن الزواج من منطلق العمر، حيث يشعر أنَّه تقدَّم في العمر، وأنَّ الزَّواج أصبح لزاماً عليه؛ لأنَّه وفقاً للعُرف المجتمعي فإنَّ الزَّواج مُقيَّدٌ بسنٍّ معيَّنة، وإن بلغ الشخص الثلاثين ولم يخطو هذه الخطوة، فهذا يثير الكثير من الدهشة والاستنكار؛ أو قد تجده يُفكِّر في الزواج خوفاً من الوحدة، حيث يعدُّ الزواج بديلاً أفضل من وحدة الإنسان، والسؤال هنا: "كيف سيكون شكل العلاقة المبنيَّة على الخوف من الوحدة أو المُنقادة بنظرة المجتمع ومعاييره القاصرة؟"

يُدرِك القليل من الناس المفهومَ الناضج للعلاقة الناجحة، فيندفعون إلى الزواج من مبدأ أنَّ كلَّ شريكٍ مُكتملٌ وغنيٌّ بذاته، وأنَّهما وُجِدا لكي يرفعا من وعي بعضهما، وصولاً إلى حالةٍ طاقيَّةٍ مُثلى تُضفِي غنىً على كلِّ نواحي الحياة. على عكس المُقتنِعين بمفهوم العلاقة العادية، فتجدهم يتبنَّون مبدأ "النصف الحلو"، والفارس المُنتَظرالمُنقِذ الذي سينتشلهم من حالة الحزن ويأخذهم إلى حالة السعادة المنشودة، فيبنون رغبتهم من مبدأ نقصٍ ذاتي، ويعيشون حالة انتظارٍ قاتلة.

هل نُعِيق وصولنا إلى شريك الحياة؟

تحتلُّ الكثير من الأفكار والسلوكات عقولنا وحياتنا، مؤدِّيةً إلى اضطرابٍ وتشويشٍ في طاقتنا، ينعكس سلباً على علاقتنا في حال كوننا مرتبطين، أو على حالة جذب شريك الحياة في حال كوننا غير مرتبطين.

1. ضبابية النيَّة من العلاقة:

إنَّ معرفة النية من العلاقة من أهمِّ وأعمق ركائزها، فعلى الشخص أن يعي أنَّ نيَّته هي أن يعيش ذاته الحقيقية لحظةً بلحظة، وأنَّه يُنشِد التطور ورفع الوعي من علاقته مع الطرف الآخر؛ ويتطلَّب هذا وعياً عميقاً بميكانيكيَّة العلاقة الناضجة، فإذا كان كلُّ طرفٍ من الطرفين عبارةً عن دائرة، سيكون النضج بتقاطع هاتين الدَّائرتين مع الحفاظ على استقلال كلٍّ منهما، أي خلق ثلاث طاقات: طاقة كلٍّ من الطرفين، وطاقةً ثالثةً ناتجةً عن تقاطعهما؛ وبالتالي تُولِّد العلاقة الناضجة إثراءً عميقاً لكلِّ نواحي حياة الإنسان؛ لأنَّ طاقة الشخص أصبحت ثلاث طاقاتٍ متحدةٍ للوصول إلى وعيٍ أعلى وهدفٍ أعلى. بينما يكون شكل العلاقات الأخرى غير الناضجة إمَّا دائرتين منفصلتين من دون أيِّ تقاطع فيما بينهما، كما في حالة الزواج الشكلي عندما يكون الزوجان جسدان في منزلٍ واحد، دون أيِّ اتصالٍ طاقيٍّ وروحيٍّ فيما بينهما؛ أو دائرتين متحدتين بحيث أصبحتا دائرةً واحدة، كما في حالات التعلق الشديد التي يغدو فيها كلُّ طرفٍ مُنصَهراً في الآخر، بحيث تغيب مساحة كلِّ شخصٍ وطاقته، ويصبحان طاقةً واحدةً عوضاً عن ثلاث طاقات.

إقرأ أيضاً: 13 علامة تُشير إلى أنَّك قد وجدت نصفك الآخر

2. صعوبة تعرية النفس:

تأتي العلاقة النَّاضجة لكي تُعرِّيك وتطهِّرك من الأفكار السلبيَّة عن ذاتك أو عن الزواج أو عن الجنس الآخر، فتبدأ عيشَ حالاتٍ من الحبٍّ والاستفزاز معاً. في الحقيقة، تعدُّ الصفات التي تحبُّها في الطرف الآخر مرآةً لصفاتك الإيجابيَّة التي تملكها، أمَّا سبب استفزازك من الطرف الآخر هو أنَّه يُثِير جانبك المظلم؛ لذا تأكَّد أنَّه في كلِّ مرَّةٍ تُستَفَّز فيها أنَّ هناك مكاناً ما في داخلك أنتَ ترفضه. على سبيل المثال: عندما تُستَفَز إن قال لك شخصٌ "أنت كسول"، فاعلم أنَّك بحاجةٍ إلى بلوغ مرحلة التطهير الروحي، وذلك يكون بالانفراد مع ذاتك وترديد هذه الكلمة على نفسك، والإحساس بالجزء الذي يرفضها، هكذا حتَّى تشفِّر الحكم تجاه هذه الكلمة من داخلك، وتصل حينها إلى حالة الحياد النفسي، أي تختفي حالة الاستفزاز عند توجيه هذه الكلمة إليك، وتتحوَّل بعد ذلك إلى مصدر قوةٍ، كأن تُجِيب من يوجِّه إليك هذه الكلمة: "نعم، في الحقيقة أنا كسولٌ في بعض الأماكن من حياتي، لكنَّ هذا الشيء لا يقلقني، إذ لا يضرُّ بعض الكسل".

يعدُّ وصولك إلى حالة التناغم الذاتي، بحيث تَعِي نقاط قوتك وتعشقها، وتُواجه مناطق استفزازك وتُطهِّرها بالتقبل والحياد؛ هامَّاً جداً قبل دخولك في علاقةٍ مع الطرف الآخر؛ لأنَّ ذلك يساعدك في أن توازِنَ طاقتك، وتصل بالتالي إلى شريك حياةٍ واعٍ ومتَّزن. سيجذب مَن يعيش في طاقةٍ مشوشةٍ دون وعيٍ لذاته الحقيقية إلى حياته شريك حياةٍ ذو طاقةٍ مشوشةٍ أيضاً، ولن تكون نتائج العلاقة إيجابية.

يكمن السعي الحقيقي في اكتشاف ذاتك والغوص في أفكارك المُعرقِلة والمُشوِّشة لطاقتك، فقد يكون لديك أفكارٌ سلبيةٌ عن الزواج، كأن تجد أنَّ الزواج مسؤوليةٌ صعبةٌ ومُرهِقةٌ للغاية، وأنَّ تربية الأطفال مهمَّةٌ شاقَّة؛ أو أفكارك عن ذاتك، كأن تشعر أنَّك لا تصلح لأن تكون زوجاً صالحاً أو أباً صالحاً؛ أو أفكارك عن الجنس الآخر، كأن تشعر الأنثى مثلاً أنَّ الرجل كائنٌ يصعُبُ التعامل معه، أو لا يمكن الوثوق به؛ أو قد يشعر الرَّجل أنَّ الأنثى صعبة المِراس وشخصيةٌ معقدةٌ لا يمكن فهمها.

إذاً، على الإنسان التعمق في خفايا روحه وأفكاره، والعمل على تقبُّلها، ومن ثمَّ نقلها إلى الجانب المُضيء الإيجابي.

3. غياب الرؤية:

يرتدي أغلب الأشخاص أقنعةً خلال فترة التعارف، فتتحوَّل من فرصةٍ لاكتشاف شخصية الآخر ومدى إمكانيَّة التناغم والانسجام لخوض مشروع الزَّواج معه، ومن مرحلة صدقٍ وصراحةٍ وشفاقيَّةٍ مُطلقة؛ إلى مرحلة مُجاملاتٍ وبُعدٍ عن العفويَّة والتلقائية، ونزهاتٍ من باب التسلية على مدار الساعة، وأحاديث سطحيةٍ لا تمتُّ إلى العمق بصلة.

تُفعِّل هذه الحالة اختيار الشريك غير المناسب؛ لأنَّ معايير العلاقة الناجحة غير موجودة، حيث تعدُّ الرؤية من أهمِّ المعايير التي يجب مناقشتها في بداية التعارف، فمن الهامِّ جداً أن تعرف ما هي قيم الشخص الذي تنوي الارتباط به، وإلى أيِّ مدىً تنسجم معاييركم الخاصَّة بتربية الأطفال، وإلى أيِّ حدٍّ يمكن التناغم في مفهومكم حول المشكلات، وهل تتشابهون في إيجاد المشكلة تحديَّاً لرفع وعيكم في الحياة.

يحتاج الطرفان إلى حوارٍ عميقٍ وجديٍّ للتوصل إلى رؤيةٍ لشكل حياتهما مستقبلاً.، وتتطلَّب هذه العملية الكثير من الصدق والشفافيَّة والالتزام بحقيقة أنَّ الهدف من العلاقة هو التطور ورفع الوعي للوصول إلى غنى ووفرةٍ وإثراءٍ في كلِّ مناحي الحياة. وليس الهدف هو "الوصول إلى شخصٍ يُسعِدني"، حيث يُدرِك الشخص الناضج أنَّه مكتملٌ بذاته، وأنَّه يريد شريك الحياة من موضع قوةٍ واكتفاء وليس من موضع ضعفٍ وحاجة.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح مهمة تساعدكِ على اختيار الزوج المناسب لكِ

4. تحويل الزواج إلى هدف:

يقع الكثير من الأشخاص في فخ جعل الزواج هدفاً في حياتهم، فتجدهم في حالة تعطيلٍ لكلِّ مشاريع حياتهم ريثما تحلُّ عليهم بركة الزواج، أو يرغبون بالزواج بشدَّةٍ كبيرةٍ وبمشاعر حاجةٍ مُلحَّة؛ ممَّا يجعلهم يُصدِّرون طاقة فقرٍ إلى الكون، ويُبعِدون عنهم شريك الحياة المناسب، فهم غير واعين أنَّ الزواج يأتي خلال طريق سعيهم إلى تحقيق أهدافهم، ورسالتهم؛ فليس الهدف من السعي هو الزواج، بل إضافةٌ إيجابيةٌ إلى الحياة.

فعلى الإنسان أن يصل إلى حالة تحييد المشاعر تجاه الزواج، بحيث يشعر أنَّه يعيش حالة رضا وسلامٍ وتقبُّلٍ مع ذاته، ويصبُّ كامل تركيزه وطاقته في طريق تحقيق رسالته ودوره في الحياة، وليس في حالة انتظارٍ قاتلة. فإن حصل خلال طريق حياته على شريك حياة، فهذا أمرٌ جيِّد؛ وإن لم يحصل، فهذا أمرٌ جيِّدٌ أيضاً.

لا يصنع الزواج سعادة الإنسان، بل هو تجربةٌ من تجارب الحياة قد يخوضها الإنسان وقد لا يخوضها، وعلى الإنسان أن يتحرَّر من الأفكار البالية القاصرة الخاصة بالزواج مثل: أنَّ الزواج مرهونٌ بسنٍّ معيَّنة، أو أنَّ عدد الذكور قليلٌ لذلك على الأنثى أن تتنازل وترضى بأيِّ شخصٍ يمنُّ عليها بالارتباط بها؛ وذلك لأنَّ الحياة مليئةٌ بالفرص، والله كريمٌ وغنيٌّ جداً؛ لذلك كلُّ ما علينا فعله هو السعي في طريق أهدافك بحبٍّ ووعي، واستشعار طاقتنا الإيجابيَّة بأنَّنا أشخاصٌ نستحق الأفضل في كلِّ شيء، بما في ذلك شريك الحياة الأفضل.

5. انتظار تغيير الآخر:

لكلِّ مَن يعيش علاقة ارتباط، أو مَن سيعيشها؛ لا تنتظر تغيُّر الطرف الآخر، فإن كنتَ تشعر أنَّك في مستوى وعيٍ أعلى من مستوى وعي شريكك، فلا تبدأ مهاجمته ورفضه وإطلاق الأحكام السلبية عليه؛ لأنَّك بذلك لن تحصل على النتيجة المرجوة، وستزيد الأمر سوءاً. وبدلاً من ذلك، عليك الوصول إلى حالةٍ من تقبُّل الآخر بحبٍّ وصدقٍ ونيَّةٍ سليمة، وعندما تبدأ هذه العمليَّة ستشعر بحالةٍ من تحييد المشاعر، وسيرتفع التردد الطاقي لديك، وهنا إمَّا أن ترتفع طاقة شريكك بالشكل الذي يدعمك في مسيرة وعيك؛ أو أن يبتعد عنك أكثر، وتزداد الهوَّة بينكما، وعندها لا تقلق، فلن يكون الانفصال عنه نهاية العالم؛ لأنَّه لن يكون شريك الحياة المناسب لك.

إقرأ أيضاً: أهمية الزواج وطرق توطيد مشاعر الحب بين الزوجين

الخلاصة:

اعلم أنَّ أفكارنا أساس طاقتنا، وطاقتنا أساس ما يحصل لنا من أحداث؛ لذلك راقب أفكارك عن الزواج، وأعد تقويمها في الاتجاه الصحيح، وامضِ في طريق أهدافك بصدقٍ وشغفٍ، واثقاً من أنَّ اللَّه غنيٌّ كريم، وأنَّك تستحق أفضل شريك. وثِق أنَّ طاقة الغنى تجذب كلَّ إيجابيٍّ إلى حياتك، وأنَّ الحياة لا تُعطِي مُحتاجَاً، فانتبه إلى نوع الطاقة التي تبثُّها في الكون.

 

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة