ما مدى تأثير أفكارنا وكلماتنا على حياتنا

إذا كان -الكون- مُصمَّماً وفقاً لقاعدةٍ هامّة: "لا يمكن لشيءٍ من الخارج أن يُغيّر حالتك، لأنَّ التّغيير يبدأ من الدّاخل دوماً". فالسؤال إذاً: لماذا نُفضِّل الخضوع إلى الألم لسنواتٍ طويلةٍ، على أن نجلسَ جلسةَ مواجهةٍ مع مشاعرنا السّلبيّة؟ ألا تستحق حياتنا منّا أن نجلس مع أنفسنا وقتاً أطولَ لإخراج كل مشاعرنا السّلبيّة؟



وبالحديث عن المشاعر السّلبيّة: نرجوا منكم الإجابة عن هذه الأسئلة:

  • كم عدد المرات التي شعرتَم فيها أنّ كلمات الآخرين تؤثّر على حالتكم النّفسيّة؟
  • كم سمعتم من كلماتٍ في صِغَرِكُم، ما تزال آثارها قابعةً في تفاصيل حياتكم لغاية اللّحظة؟
  • كم من الكلمات ساهمت في تعديل حالتكم النّفسيّة عندما كنتم فيها في قمة الألم؟ وكم من أخرى حطّمتكم وأنتم في غاية السّعادة؟
  • كم من كلمات عزّزت ثقتكم بأنفسكم وبأجسادكم وأرواحكم، وأُخرى زعزعت ارتباطكم بكلّ شيء؟
  • كم من قضايا، خَسِرت أهميّتها، لأنَّها نوقشت بكلماتٍ ضعيفةٍ؟
  • كم من رسالةٍ، أضاعت هدفها، لقصورٍ في كلماتها؟
  • كم أفسدنا مواقفَ في حياتنا لأنّ كلماتنا لم تكن مدروسة؟

دعونا نخوض سويّاً في هذا المقال الممتع، لنكتشف مدى تأثير أفكارنا وكلماتنا على حياتنا.

انتظارك لشيءٍ ما، دليلٌ على عجزك:

يُساهم الأمر الآتي من الخارج في ازدياد حالتك سوءاً؛ فأيّاً كان هذا الأمر، فهو لن يُغيّر ما أنت عليه. فعندما يكون الشخص تعيساً من الدّاخل، فلن يُغيّر حالته الدّاخلية حدوث أمرٍ إيجابيٍّ في حياته، وإنَّما سيزيدها سوءاً فيصبح أكثر تعاسة. وبالمقابل، عندما يكون الشخص سعيداً، فإنّه سيزداد سعادةً عند حدوث أيّ أمرٍ له.

إذاً: الأشياء الخارجيّة لن تُغيّر ما أنتَ عليه، لأنّ التّغيير الحقيقي يبدأ من الداخل.

على سبيل المثال: ألم ترَ أشخاصاً سعداء رغم قلّة مواردهم. ومن جهة أخرى، أناساً غير مستمتعين رغم ضخامة مواردهم، مُنتظرين حصول شيءٍ خارجيّ ليُغيّر حالتهم الشّعوريّة؟ لذا وبدلاً من هذا الانتظار المُرهِق والمُتعب للأعصاب، يقوم الإنسان السّعيد باستخراج الأمر الإيجابي من كلّ شيء، شاعراً بالنّعم الغنيّة، مُكوّناً بذلك مشاعر مريحة تنعكس إيجاباً على كلّ جانبٍ من جوانبِ حياته.

نعم، إنّه المتحكّم بمشاعره وأفكاره.

يبقى الكثير من الأشخاص في حالةٍ سلبيّةٍ، لاعتقادهم أنّ الخروج منها أمرٌ صعبٌ للغاية، مُتمسكين بأفكار وهميّة تعرقلهم، غير واعين أنّ الحياة كلّها مبنيّةٌ على الأفكار، وبتغييرها تتغيّر الحياة.

عندما نعي أنّنا مفصولون عن أفكارنا، وأنّنا لسنا كياناً واحداً معها، عندها سنتأكّد أنّ باستطاعتنا التّحكم فيها وتغييرها، لكنّ هذا الأمر يتطلّب التّدريب المستمر.

على سبيل المثال: يشبه تدريبنا ونحن صغار على الكتابة وتحكّمنا بالقلم تدريبنا من أجل السيطرة والتّحكم في أفكارنا إلى حدٍ كبير، فكلاهما يحتاجان إلى الوقت والجهد؛ لكن بمجرّد الإتقان يتحوّل الأمر إلى مَلكَة حقيقيّة.

بعد اكتشافنا أهميّة البدء من الدّاخل للتحكّم في أفكارنا وحياتنا، لننتقل الآن إلى الحديث عن الكلمات.

كلمةٌ واحدة تساوي الحياة:

عندما تُقال الكلمات بطريقةٍ صحيحة، فإنّها تُغيّر تفكير شخصٍ ما، وتَقلب ما يُؤمن به. حيثُ يمكن باستخدامها الارتقاء بشخصٍ من الحضيض وجعله ناجحاً جداً، أو تدمير سعادة آخر. فتغيرٌ طفيفٌ في اختيار الكلمات، قد يعني الفرق بين قبول شخصٍ لرسالتك أو رفضها، فأحياناً يكون لدى الشخص شيءٌ جميلٌ لقوله، ولكنّه يُفسِده نتيجة انتقائه كلماتٍ خاطئة.

وهنا سأقصُّ عليكم قصّة شابٍ ذكيّ وطموحٍ قضى حياته ساعياً لإرضاء والده ذو الطّبيعة القاسية، والذي لم يَهِبه يوماً مشاعر الفخر به، وبدلاً من تقدير إنجازات فلذة كبده، عدّها طبيعيّةً وليست بتلك الأهمية.

اجتاز الشّاب امتحان الثّانوية العامة بمعدّلٍ ممتاز، وسرعان ما هاتفَ والده ليخبره الخبر السّعيد، إلّا أنَّ ردة فعل الأب كانت مُخيّبةً للآمال، فقد قال أنّه مشغول، وأنّه سيُكلّمه لاحقاً.

مشغول؟ كانت هذه الكلمة هي الفيصل في حياة هذا الشّاب التي انقلبت رأساً على عقب؛ فغزت المُخدرات والكحول والرّفقة السّيئة حياته، وانتهى به الأمر ميتاً بجرعةٍ زائدةٍ من المخدرات. وعندما سُئل قبل موته: " لماذا يُدمِّر حياته بهذا الشّكل؟"، كان جوابه: "إن كان أقرب الأشخاص لي، لا يكترث ولا يفتخر بي، فما نفع حياتي كلّها؟".

وبالمقابل، إليكم قصّة شاب طائش ومُراهق وفوضوي وتحصيله العلميّ ضعيف، فقد رسَبَ في الثّانوية العامة، وسُجن لارتكابه مواقف صبيانيّة مجنونة، وعندما زارته والدته في السّجن، نظرت إليه والدموع في عينيها وقالت: "بُنيّ، أريدك أن تكون رجلاً أفضل".

وبعد الإفراج عنه، استقبله والده وقال له: "بُني، لقد رسبتَ في الامتحان واعتُقلتَ من قبل الشرطة، لذا أريدكَ أن تباشر العمل على الفور"، فهزّ الابن رأسه موافقاً، فطلبَ الأب من صديقه المساعدة لكي يعمل ابنه في شركته. وافق صديقه على ذلك بعد رؤيته للشاب، والنّظر إليه بتمعّن قائلاً: "إنّي أرى فيكَ شيئاً ما، لكن لا أعرف ما هو". وبعد مُضيّ سنةٍ على عمله في الشّركة، قرّر العودة إلى دراسته الثّانوية من جديد، فاستطاع اجتيازها والتّخرج من الجامعة أيضاً.

نستطيع أن نلاحظ من هاتين القصّتين مدى تأثير الكلمات في حياتنا، فما كانَ الشّاب في القصة الثانية ليتمكّن من النجاح لولا وجود أشخاص عظماء في حياته يُتقِنون "فنّ الكلمة"، ويَعونَ تأثيرها الكبير على الإنسان.

إقرأ أيضاً: تأثير التفكير الإيجابي وفوائده في حياتك

تأثير نمط اللّغة على العواطف:

يوجد حقيقةٌ مفادها: "ما إن تُغيّر قاموس كلماتك المُعتادة -أي الكلمات التي تستخدمها باستمرار لوصف العواطف التي تختبرها في حياتك- حتى تُبدّل طريقة تفكيرك وشعورك ومعيشتك".

على سبيل المثال: حدث موقفٌ ما، مع ثلاثة أشخاص، وتعلّق بخسارةٍ ماليّةٍ كبيرةٍ للأطراف الثلاثة، لذا اختلفت استجابة كلّ واحدٍ منهم عن الآخر، بين استجابةٍ عنيفةٍ جداً للأول، ومتوسطة العنف للثّاني، وهادئة للثّالث.

الأمر المُثير للاهتمام، اختلاف الكلمات المُستخدمة من قبل كلٍّ منهم لوصف التجربة المشتركة بينهم، حيث قال الأول واصفاً حالته الشّعورية نتيجة الموقف: "أنا أستشيط غضباً"، أمّا الثاني فقال: "أنا غاضبٌ ومنزعج"، في حين عبّر الثّالث بقوله: "أنا مُتضايقٌ بعض الشيء"، والمُلفت أنّ استجاباتهم كانت مماثلة للغتهم.

يدفعنا هذا المثال إلى اكتشاف حقيقةٍ مفادها: "يمكننا تغيير مشاعرنا حيال التجربة التي نخضع لها، بمجرّد تغيير أسماء أحاسيسنا"، وهو ما يُسمى "كسر النّمط"، حيث يستطيع الشخص كسر نمطه الانفعاليّ بتغيير كلماته وجعلها أقلّ حدّة، مما يُخفّف من حدة انفعاله.

إقرأ أيضاً: الاستجابات الأربع للأخبار الجيّدة حسب غابل Gabel

القاموس التحويلي:

لدينا جميعاً نفس الأحاسيس، لكنّ الطريقة التي ننظّمها بها -أي الكلمات والقوالب التي نستخدمها لها- هي ما يصوغ تجربتنا.

تُصَبُّ الإحساسات في قوالب مختلفة تسمى "كلمات"، ونظراً لميلنا إلى اتخاذ قرارات سريعة، فبدلاً من استخدام كلّ الكلمات المتوفّرة والعثور على أدقّ وأنسب الأوصاف؛ فإنَّنا كثيراً ما نُقحِم تجربتنا في قالبٍ مُحبِطٍ يسلبننا القوة. ثمّ نُكوِّن بعد ذلك كلمات مُفضّلة نعتاد عليها: فتكون عبارة عن قوالب تُشكِّل خبرتنا في الحياة.

ولسوء الحظ فإنّ معظمنا لا يقوم بتقويمٍ واعٍ لتأثير الكلمات التي اعتدنا على استخدامها منذ حداثتنا. تحدث المشكلة حين نصبّ باستمرارٍ أيّ شكلٍ من الأحاسيس السلبيّة في الكلمات، أي القالب الذي يحمل اسم "أستشيط غضباً"، "مكتئب"، "غير مستقر". وفي اللحظة التي نضع فيها القالب حول تجربتنا فإنّ الاسم الذي نطلقه عليها يصبح هو نفسه تجربتنا، وما كان يمكن أن يسمى "بعض التّحدي" يُصبح اسمه "مُدمّراً". وهذا هو جوهر القاموس التّحويلي، أي أنّ الكلمات التي نلصقها بتجربتنا تصبح تجربتنا كلها. لذا علينا أن نختار الكلمات التي نستخدمها في وصف وضعياتنا العاطفيّة بوعي، وإلا فإنّنا سنعاني من عقوبة خلق المزيد من الألم بما يفوق ما هو مُبرَّرٌ أو مناسبٌ للحالة.

فإذا كانت الكلمات التي تستخدمها تخلق لديك حالات تسلبك القوة، فعليك أن تتخلّص منها وتستبدلها بتلك التي تمنحك القوة.

فمثلاً، كان هناك زوجان تتّسم علاقتهما بالانفعال العاطفي، وكانا يصلان في بعض الأحيان إلى ما يُسمى "مجادلات حادّة إلى حدٍ كبيرٍ"، لكنّهم بعد اكتشافهم قوّة الكلمات ومدى تأثيرها على التجارب، قرّرا تسمية الأحاديث "بأنّها مناقشات نشطة"، وقد غيّر هذا الأمر من منظورهم لتلك الأحاديث. إذ إنّ للمناقشات النّشطة قواعد تختلف عن قواعد المجادلة، ولكلٍّ منهما حدّة عاطفية مختلفة.

يكسُر الاستعمال الفعّال للقاموس التحويلي الأنماط غير المُجدية، ويدفعنا إلى الابتسام، ويُنتِج مشاعر مختلفة تماماً، ويُغيِّر حالاتنا، ويسمح لنا أن نطرح أسئلة أكثر ذكاءً.

انتقاء التعبيرات المجازية:

لكلّ شخصٍ تعابيره المجازيّة المختلفة عن غيره، فيجد بعض الأشخاص أنّ الحياة "اختبار"، فإمّا أن تحظى بالمكانة الأولى وإمّا أن تخسر، وليس هناك أمرٌ وسط بين هذين الأمرين. هل تتصوّر مدى الضغط والتوتر الذي يولّده تبنِّي هكذا تعبيرٍ في حياة هؤلاء؟ إذا كانت الحياة اختباراً فقد تكون شاقة، فقد يلجأ الشخص للمداهنة (الغش مثلاً)، أمّا بالنسبة إلى بعضهم الآخر، فالحياة عبارةٌ عن منافسة. وفي حين قد يكون هذا ممتعاً، غير أنّه يعني أنّ هنالك أشخاصٌ آخرين عليك التغلب عليهم، كما يعني أنّه لن يكون هناك إلا فائزٌ واحد.

الحياة بالنسبة إلى بعضنا لعبة، فكيف يمكن لهذا التّشبيه أن يُلّوِن منظورك للحياة؟ قد تكون بذلك الحياة مُسليّة، فقد تحتوي بعض المنافسة، وقد تكون فرصة للّعب والمُتعة. أمّا البعض الآخر فيقول: "إن كانت الحياة لعبة فلابدَّ أن يكون فيها خاسرون". ويتساءل البعض:"هل تتطّلب الحياة الكثير من المهارة؟" يعتمد كلّ هذا على القناعات التي تلصقها بكلمة "لعبة"، ولكنّك بهذه الصورة المجازية تضع سلسلة من المُرشحَات التي ستؤثّر على أسلوب تفكيرك والطريقة التي تشعر بها إزاء الحياة.

لابدّ لنا أن نعدّ الحياة شيئاً مُقدّساً، إذا كانت هذه الصورة المجازية لك عن الحياة فهي تعني أنَّ لديك احتراماً كبيراً لها، أو قد تظن أنّها لا تسمح لك بالكثير من التّسلية. ماذا إن نظرت إلى الحياة على أنَّها هِبَة؟ ستجدها عبارة عن مفاجأة وشيءٍ مسلٍّ له خصوصيته. أمّا إذا نظرت إليها على أنَّها حركةٌ راقصة، فسيكون هذا دافعاً لك للحركة والنّشاط. وستكون الحياة شيئاً جميلاً تمارسه مع الآخرين، شيئاً يتمتّع بالرّشاقة والإيقاع والفرح.

أيّ من هذه الصور المجازية يمثّل الحياة بالنسبة إليك؟ ربّما كانت جميعها مفيدة في أوقات مختلفة؛ حيث أنّها تساعدك على فهم ما تحتاج للقيام به لكي تُحدِث تغييراً. غير أنّ عليك أن تتذكّر أنّ جميع الصور المجازيّة ذات فائدة في موضعٍ ما، ولكنّها تحدّ من إمكانياتك في مواضع أخرى.

ما عليك إلّا أن تُدرِك أنّ تغيير صورة مجازية واحدة، يمكنه أن يُحوِّل الطريقة التي تنظر بها إلى مجمل حياتك.

الخلاصة:

تكمنُ الحياة بين أفكارنا وكلماتنا، وبمراقبةٍ واعيةٍ لكليهما نصل بجدارةٍ إلى التّميّز والنجاح.




مقالات مرتبطة