ما الذي يفعله من يتمتعون بالقوة الذهنية حين تفاجئهم الحياة؟

من المدهش أنَّ مع نمونا نرفض أشياء كنَّا نظن أنَّنا لا نستطيع العيش دونها، ثمَّ نرغب في أشياء لم نكن نعرف أنَّنا نريدها أصلاً، تستمر الحياة في قيادتنا باتجاهات ما كنَّا لنسلكها أبداً لو كان الأمر بيدنا؛ فلا تخف، تحلَّ بالإيمان وثِقْ بأنَّ كل شيء سيكون على ما يرام، لا تدع توقعاتك لما ينبغي أن تكون عليه الحياة تعميك عن جمال الحياة التي تعيشها.



بالطبع إذا كنت تواجه صعوبة في التحلي بالإيمان وبلوغ مستوى توقعاتك فاعلم أنَّك لست الوحيد؛ فمعظم الناس يواجهون هذه المشكلة أيضاً ويعملون بجد للتخلي عن توقعاتهم والعيش في الحاضر وتقبُّله وإعادة توجيه تركيزهم إلى الأشياء الصحيحة.

تخيَّل أنَّ لديك برتقالة ناضجة تقشرها بلهفة وتتناول قضمة، تعرف بالفعل طعم البرتقال الناضج، ومن ثمَّ عندما تكون تلك البرتقالة أحمض قليلاً ممَّا كان متوقعاً ستصاب بخيبة أمل وتبتلعها وتشعر بأنَّك حُرِمت التجربة التي توقعتها، أو ربَّما يكون طعم البرتقالة طبيعياً تماماً دون شيء مميز على الإطلاق، حينها يمكنك ابتلاعها دون التوقف لتقدير مذاقها، ثمَّ تنتقل إلى اللقمة العادية التالية.

في السيناريو الأول خيَّبَت البرتقالة أملك لأنَّها لم تلبِّ توقعاتك، وفي الثاني كانت عادية جداً لأنَّها حققت توقعاتك بالضبط.

هل تلاحظ المفارقة؟ إمَّا أنَّ البرتقالة غير لذيذة أو هي غير لذيذة بما فيه الكفاية، وهكذا يعيش معظمنا حياتَهم غير سعداء؛ لهذا السبب نشعر بالإحباط وخيبة الأمل ونفتقر إلى الحماسة حيال كل شيء تقريباً؛ لأنَّه لا يوجد شيء يلبي توقعاتنا حقاً.

الآن تخيل الآتي: تخلَّص من توقعاتك المتعلقة بطعم البرتقالة، تخيل أنَّك لا تعرف طعمها ولا تتوقعه؛ لأنَّك لم تتذوقها من قبل، وبدلاً من ذلك أنت فضولي حقاً وغير متحيز ومنفتح لمجموعة متنوعة من النكهات الممكنة؛ تتذوق البرتقالة وتنتبه حقاً ستلاحظ العصارة، وملمس اللب، والنكهات اللذيذة والحلوة في فمك، وجميع الأحاسيس المعقدة الأخرى التي تتولد لديك حين تمضغ.

أنت لم تكن تعرف كيف سيكون مذاق هذه البرتقالة؛ لكنَّك الآن تدرك أنَّها مختلفة عن البقية، وهي رائعة بحد ذاتها، حينها ستكون التجربة جديدة تماماً وجديرة بالاهتمام؛ لأنَّك لم تتذوق هذه البرتقالة من قبل؛ هذه نتيجة طريقة التفكير دون توقعات.

يمكن بالطبع استبدال أيِّ حدث أو موقف أو علاقة أو شخص أو فكرة في حياتك تخطر ببالك بالبرتقالة، إذا عاملت أيَّاً من هذه الأمور بتوقعات عن كيف يجب أن تكون فسوف يخيب ظنُّك دائماً أو ستكون عادية جداً وغير مثيرة ولا تستحق التذكر، وستنتقل بعدها إلى خيبة الأمل التالية أو تجربة الحياة المملة التالية، وهكذا دواليك حتَّى تعيش معظم حياتك عالقاً في حلقة لا نهاية لها من التجارب التي لا تحبها أو بالكاد تلاحظها.

شاهد بالفيديو: 7 طرق للحفاظ على القوة الذهنية

طريقة ذهنية أقوى للتفكير وعيش الحياة:

أكثر ما يؤرق الناس هو التوقعات الخاطئة، في الواقع معظم ما نصفه بأنَّه من أكبر مشكلاتنا هو نتيجة مباشرة لكيفية تفاعلنا مع الحياة يومياً، بالطبع نحن نواجه في بعض الأحيان مآسي كبيرة يجب أن نتحملها، لكن في معظم الأحيان المأساة الحقيقية الوحيدة هي ضعف تفكيرنا وسلوكنا الناتج عنه في اللحظة الراهنة.

الحل هو تمرين قوتك الذهنية التي تتمثل بالمرونة الداخلية، وتلك ليست مهارة نملكها منذ الولادة؛ بل يمكنك تطويرها من خلال الممارسة اليومية، وهذا ليس أمراً سهلاً؛ لكنَّ النتيجة تستحق الجهد.

يبدأ كل شيء بتقبُّل اللحظة الحالية والتركيز عليها تركيزاً كاملاً، حتَّى عندما تكون الظروف جيدة نسبياً فإنَّ أحد أصعب التحديات التي نواجهها في الحياة هو ببساطة أن نعيش اللحظة الراهنة، لكن بصرف النظر عن وضعنا في كثير من الأحيان نُلهي أنفسنا بأي شيءٍ لا معنى له مثل الطعام والتسوق والتلفزيون والأخبار والشبكات الاجتماعية وألعاب الفيديو والهواتف الذكية وما إلى ذلك؛ أي إنَّنا دائماً نفعل شيئاً يمنعنا من التركيز الكامل على الحاضر.

إنَّنا نميل إلى الهروب من أنفسنا ومن العيش في الحاضر إلى العمل أو التمرين أو غيرها من الأمور، في الواقع سيبذل معظمنا جهوداً كبيرة لتجنب البقاء وحدنا في بيئة لا تحوي مشتتات انتباه؛ لذلك نوافق على الوجود مع أيِّ شخص تقريباً لتجنب الشعور بالعزلة؛ لأنَّ وجودنا وحدنا يجبرنا على معاملة مشاعرنا الحقيقية من الخوف والقلق وعدم اليقين والإحباط والحسد وخيبة الأمل وما إلى ذلك، وعندما تواجه الأوقات العصيبة تخرج الأمور عن نطاق السيطرة.

من ناحية أخرى يفهم الأشخاص الأقوياء ذهنياً أنَّ العثور على السلام والسعادة في الحياة لا يعني أن يعيشوا حياة خالية من الضوضاء والتحديات والعمل الجاد؛ بل يعني أن تكون وسط هذه الأشياء كلها في حين تحافظ على تركيزك في ذهنك والهدوء في قلبك.

يتعلق الأمر بالتخلي عن توقعاتك عن كيف كان من المفترض أن تكون عليه الأمور ومواجهة تحديات اللحظة الحالية بحضور واتزان؛ لذا ابدأ اليوم بملاحظة ما يجري حولك بفضول ودون إصدار أحكام، وتوقف عن تجنب العيش في الحاضر، وواجه مشكلاتك الحالية، ثمَّ ركز على ما تشعر به حقاً ولا تُلهِ نفسك بأيِّ شيء، لكن بدلاً من ذلك حاول أن تعي ما تشعر به ثمَّ رحب به وتقبله، ابتسم وأَعِر مشاعرك اهتمامك الكامل:

  • لاحظ ما تشعر به جسدياً، أين مصدر الشعور؟ وما هي صفاته المميزة؟
  • لاحظ التوتر أيضاً الذي يسببه هذا الشعور في جسدك وفي ذهنك.

حاول إرخاء الأجزاء المتوترة من جسدك، ثمَّ استرخِ ذهنياً، افعل ذلك من خلال التركيز على أنفاسك، أغمض عينيك واستنشق الهواء واشعر به داخلك، ثمَّ أخرجه، وكرر التمرين حتَّى تشعر بمزيد من الاسترخاء.

في هذه الحالة من الاسترخاء، ابحث عن مساحة هادئة داخل ذهنك، ثمَّ:

  • اسمح لنفسك بإعادة اكتشاف الجانب الإيجابي في داخلك الذي يوجد في كل لحظة.
  • اسمح لنفسك بإعادة اكتشاف المزايا الأساسية لهذه اللحظة بالذات التي تكون متاحة دائماً لك متى أردت التركيز عليها.
  • استمتع بالسلام الداخلي الذي تتركه هذه الاكتشافات البسيطة.

هذه هي ممارسة التخلص من التوتر وقبول اللحظة كما هي، وتقبُّل نفسك كما أنت، يمكنك تطبيقها في أيِّ وقت وأينما كنت، يمكنك التدرب على التركيز على الجانب الإيجابي في الآخرين أيضاً وفي تحدياتك وعلاقاتك وعملك، حتَّى عندما لا تسير الأمور كما هو مخطط لها تماماً يمكنك تكوين عادات يومية صحية للحد من التوتر غير الضروري في حياتك وإعادة اكتشاف السلام والفرح والحب الموجودين داخلك حين تركز عليهم دائماً.

إقرأ أيضاً: 10 طرق للحفاظ على القوة الذهنية

في الختام:

لا تضع مزيداً من الوقت في انتظار أوقات أفضل في المستقبل، قدِّر ما أنت عليه الآن وأنَّك قطعت شوطاً طويلاً وما زلت تتعلم وتنمو، وكن ممتناً للدروس التي تعلمتها واستفد منها لعيش أفضل حياة الآن.




مقالات مرتبطة