ليس بالضرورة أن تصبح هواياتك مصادر دخل إضافي

إحدى المفاجآت اللطيفة التي ظهرت خلال جائحة فيروس كورونا هي ممارسة العديد من الناس -وأنا واحدة منهم- هوايات جديدة وعشوائية؛ فإذا تصفَّحت الانستغرام (Instagram)، متَّعتَ ناظريك بالكثير من الحدائق المنزلية، والأثاث المعاد استخدامه بطريقة جديدة، والطرائق الرائعة في صناعة المعجنات، والأشكال التطريزية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المُدَوِّنَة "باتيا بريثوايت" (Patia Braithwaite)، والذي تحدثنا فيه عن هوايتها في الحياكة.

لقد بدأت خلال الأشهر الخمسة الماضية تحضير أطباق المعكرونة من الصفر، وحاولت تعلم فن صنع الملصقات؛ كما أنَّني أخذت دروساً في الكتابة، وتعلَّمت فنون الخَبز، وأطلقت نادي كتاب مع صديق لي على تطبيق بامبل (Bumble)؛ كما قد جال في خاطري تعلم لغة جديدة؛ إلَّا أنَّني لم أستطع الالتزام بأيٍّ من هذه الهوايات حتى أرسلت صديقتي إليَّ عدة حياكة؛ وبعد معاناة دامت لساعات في تعلم مبادئ الخياطة، كنت قد اقتربت من صنع شيء شبيه بالوشاح.

بدأت الأمور تتصاعد بسرعة منذ تلك اللحظة، حيث تحولت بكرتان من الخيوط إلى عشرة بكرات، وأصبح لدي إبر خياطة بأحجام مختلفة؛ كما كنت أعمل على مشروع خياطة على الأريكة، وواحد آخر على السرير؛ ومع كل مجموعة من الملابس الرثة وكل غرزة إبرة، كنت أبني شخصيتي الجديدة، وأصبحت شخصاً يعرف كيفية الحياكة.

بدأت من هنا تتراءى لي أحلام في مساحات خيالي، كأن أفتح متجراً على موقع إتسي (Etsy)، وأبيع الوشاحات المخاطة بشكل رديء لملايين المعجبين، وأنشئ مجتمعاً إلكترونياً يضم الفتيات السوداوات البارعات في الخياطة (Black girls who knit).

لكن جال في خاطري بين شرائي لفافة الصوف الأولى والصراع مع تصميم سترة كنت أعمل عليها أنَّه لا ينبغي عليَّ أن أحول هوايتي إلى وظيفة ثانية، وسوف أشارك حكمتي هذه معك: "إذا كنت متحمساً للغاية بشأن هوايتك الجديدة التي بدأتها خلال الجائحة، فإنَّني أتوسل إليك أن تقاوم الرغبة بتحويلها إلى عمل إضافي جديد".

إقرأ أيضاً: 7 أسباب تدفعك للتفكير في البحث عن عمل إضافي

دعنا نبدأ الحديث بفكرة بديهية: يحاول الكثير منَّا في خضم جائحة عالمية الحفاظ على تماسكه فقط، وتعدُّ ممارسة هوايات عشوائية في هذا الوضع فكرة جيدة بشكل موضوعي؛ إذ توجد ضغوطات كبيرة نتعرض إليها في الوقت الحالي، بالإضافة إلى خطر احتمال الإصابة بمرض فعلي؛ لذا في حال وجدت نشاطاً يساعدك على قضاء الوقت بطريقة مريحة، لا تحرم نفسك منه عبر تحويله إلى عمل.

قبل أن أستأنف الحديث أكثر، ينبغي أن أشير إلى أنَّ عدم ممارسة أي هواية يعدُّ أمراً صحياً أيضاً، إذ يعني مجرد اجتيازك اليوم بنجاح أنَّك قد حققت إنجازاً حقيقياً؛ ولكنَّك إذا بدأت ممارسة هواية مثل الحياكة أو العزف أو حل الألغاز أو صنع المعجنات أو الاستمتاع بمشاهدة الطبيعة، فيعدُّ هذا إنجازاً عظيماً أيضاً.

شاهد بالفيديو: 12 عادة صغيرة تقودك إلى حياة أكثر سعادة

تُظهِر الأبحاث أنّّ ممارسة نشاط تستمتع به خلال إجازتك كفيل بتحسين مزاجك، ومنحك شعوراً أكبر بالرضا، وتقليل التوتر؛ كما تتضاعف هذه الفوائد عند ممارستك هواية يدوية.

لقد نشر موقع سيلف (Self) سابقاً النتائج المثمرة للعلاج عن طريق نشاط ربط العُقَد (therapeutic knot-tying)، وهو نشاط لا يسفر عنه أي شيء عملي؛ لكن في دراسة أُجرِيت في عام 2013، وشملت 3.545 شخصاً حول العالم، أفاد 82% من المشاركين أنَّ ممارسة هواية الحياكة جعلتهم يشعرون بدرجات متفاوتة من السعادة (كحالي تماماً)، كما ذكر 39% منهم أنَّ الحياكة ساعدتهم في تنظيم أفكارهم.

وإليك خلاصة القول: إنَّ ممارسة هواية ما أمرٌ مفيدٌ للغاية، حتى قبل أن تقدِّر سعر أوشحتك في السوق.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح للتغلب على هموم الحياة

هل تريد مزيداً من الأسباب المقنعة؟ حسناً، لن أخبركَ سوى الصدق: لا يتقن  بعضنا هوايته الجديدة بدرجة كبيرة؛ وإنَّني لا أعلم بشأن وضعك الخاص، ولكن عندما أرسل إلى عائلتي صوراً للسترة التي أعمل عليها، فإنَّني أتلقى الكثير من الإطراءات؛ كما أنَّهم يطلبون مني أن أرسل إليهم أعمالي كهدايا؛ فهل يعني هذا أنَّني بارعة فيما أفعل؟ أم أنَّهم يقولون هذا لأنَّ نيتهم حسنة، ويحاولون فقط تشجيعي كي أستمر بممارسة شغفي الجديد؟ وإن كنت بارعة فعلاً بقدر ما تُظهِر الوجوه التعبيرية المشجِّعة التي ترسلها إليَّ أمي، فهل يعني هذا أنَّ شخصاً لا يعرفني سيدفع ماله الذي جناه بكد تعبه مقابل إحدى السترات التي حِكتُها؟

هناك لحظات في حياتنا يجب أن نستجمع قوانا فيها لنتمكن من المضي قدماً؛ ولكن من ناحية أخرى، هناك لحظات لا تتطلب منَّا أكثر من بضع ساعات نداعب فيها خيوط الصوف؛ وتكمن حكمة وراء معرفة الفارق بين الحالتين.

إذا كنت بارعاً فعلاً في هوايتك الجديدة، فدعني أهنئك؛ ولكن مع ذلك، ينبغي عليك أن تعيد التفكير قبل إنشاء أي عمل؛ رغم أنَّني أعترف بأنَّ العمل هام جداً، ويعدُّ كسب دخل إضافي فكرة جيدة في ظل هذه الظروف المربكة.

يرجع أصل ثقافة العمل الإضافي الدؤوب (Hustle Culture) التي تعدُّ سبباً رئيساً لحالة الإنهاك التي تصيب الناس، إلى الفكرة التي تزعم أنَّ العمل الإضافي المجهد هو الطريق الذي يؤدي إلى الضمان المالي.

لذا، إذا كان تحويل شغف الطبخ لديك إلى مهنة إضافية في مجال خدمة تقديم الطعام سيساعدك في دعم نفسك، فافعل في هذه الحالة ما يتوجب عليك فعله؛ ولكن إذا كنت تمتلك وقت الفراغ والوسائل اللازمة للحياكة أو صناعة المعجنات أو الخياطة أو أي نشاط آخر، ففكر في أنَّ متعتك هذه تُعدُّ شكلاً من أشكال اهتمامك البحت بنفسك، وتذكر دائماً أنَّك عندما تحول سلواكَ هذه إلى مهنة، لن تظل هذه الهواية بالضرورة نشاطاً يندرج تحت فكرة العناية بنفسك؛ إذ توجد إشارات عديدة تُظهِر أنَّ قيمتنا تأتي من قيمة إنجازاتنا.

ماذا سيحدث إذاً إذا تحديت هذه المقولة عبر ممارسة نشاط معيَّن لمجرد قضاء الوقت؟ أو إذا قررت تعلُّم شيء جديد لمجرد فكرة القيام بشيء جديد؟ أو إذا اكتسبت مهارة جديدة لأنَّها بكل بساطة تشعرك بالسعادة؟

صحيح أنَّ منزلك سيفيض بحِرَفٍ متوسطة الجودة، ولكنَّها ستكون سبباً في خلق نسخة أكثر سعادة من نفسك؛ لذا، مارس هوايات جديدة، ثمَّ اتركها عند شعورك بالملل، ومارس الأشياء التي تبهج قلبك ويحبها أصدقاؤك وعائلتك دون أن تحولها إلى عمل تجاري؛ فهواية تجلب لك السعادة، خير من كسب بعض المال الإضافي.

 

المصدر




مقالات مرتبطة