لماذا يعتقد البعض أنَّ الأرض مسطَّحة؟

على الرغم من أنَّ الأدلة العلمية تؤكد أنَّ الأرض كرة تدور حول الشمس، إلا أنَّ بعض الأشخاص ما يزالون يعتقدون أنَّ كوكبنا مسطَّح، ووسائل التواصل الاجتماعي تؤدي دوراً في الترويج لذلك.



إذا قمت بكتابة «الأرض المسطَّحة» في (Google) فستنضم إلى مجموعة من الأشخاص الذين ساعدوا على مضاعفة مصطلح البحث ثلاث مرات على مدار العامين الماضيين، وفي الواقع وجد استطلاع أجرته (YouGov) مؤخراً أنَّ نحو ثلثي الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً يعتقدون أنَّ الأرض مستديرة.

على الرغم من فكرة أنَّ الأرض مسطَّحة قد فقدت مصداقيتها علمياً، لكن يبدو أنَّ هناك إيماناً متزايداً بنظرية المؤامرة؛ إذ يعتقد ثلث الأمريكيين الذين استُطلعت آراؤهم أنَّ الأرض مسطَّحة، وهي تحصل على قوة جذب أكثر من بعض المؤامرات الأخرى الموجودة هناك، مثل الكيميائيات (التي تقترح أنَّ الخط الكثيف الطويل الذي تخلفه الطائرة خلفها يتكون في الواقع من عامل كيميائي أو بيولوجي).

ما يزال الاهتمام بمعظم هذه النظريات مستقراً، ولكنَّ حركة الأرض المسطَّحة تتزايد لا سيما في أمريكا، ولديها بعض المؤيدين البارزين؛ من لاعبي كرة السلة إلى الموسيقيين ومغني الراب إلى مضيفي التلفزيون المشاهير الذين يؤمنون بنظرية الأرض المسطَّحة، إذن ما الذي يسبب اهتماماً متجدداً بشيء تم دحضه علمياً على مدار 2000 عام الماضية؟ وماذا تقول عن وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف أثبتنا أنَّ العالم مستدير في المقام الأول؟ تابعونا.

تقريب العالم:

من المنطقي أن يعتقد الناس أنَّ الأرض كانت مسطَّحة كما تقول رسامة الخرائط بجامعة "ملبورن" "شاندرا جاياسوريا"، فقد كانت السفن تبحر نحو الأفق وغالباً لا تعود أبداً، وهؤلاء الأشخاص الذين تُركوا في الخلف لم يكن لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات خارج مجتمعاتهم، و"كانت وجهة نظرهم أنانية ومركزية جغرافياً، ولقد عاشوا في قرية كانت مركز وجودهم"، و«كلما ابتعدوا عن القرية التي سافروا إليها، أصبحت البيئة أكثر عدائية».

أثبت الفلاسفة اليونانيون أنَّ الأرض كانت مستديرة منذ القرن الثالث قبل الميلاد، لكن لم يتم قبولها عموماً حتى القرن الخامس عشر، وقد تم إجراء التقديرات العلمية الأولى لمحيط الأرض من قِبل عالم الرياضيات والجغرافي اليوناني "إراتوستينيس" في عام 240 قبل الميلاد، وأشار إلى أنَّه في اليوم 21 من شهر حزيران/ يونيو من ذلك العام في بلدة تسمى "سيين" (بالقرب من أسوان الحديثة)، يمكن رؤية انعكاس الشمس في بئر عميق، وهذا يعني أنَّها كانت تحلق فوقها مباشرة.

لكن في "الإسكندرية" على بعد نحو 800 كم وشمال "سيين" مباشرة تقريباً ظهر نفس اليوم، كانت زاوية الشمس نحو 7 درجات أو 1 إلى 50 من الدائرة، فإذا كانت الأرض مسطَّحة فعلاً، فستكون الزاوية متطابقة في كلا المكانين.

تضيف السيدة "جاياسوريا": «من هذا، خلص إلى أنَّ محيط الأرض يجب أن يكون 50 ضعف المسافة بين "سيين" و"الإسكندرية"»، و«هذا أعطاه رقماً قريباً جداً من المحيط الفعلي كما نعرفه الآن».

إقرأ أيضاً: 6 ظواهر غامضة في المجموعة الشمسيّة

في عام 150 بعد الميلاد وضعت أطروحة "بطليموس" الجغرافية نظاماً ثورياً لتخصيص الإحداثيات معبراً عنها بدرجات من خطوط العرض والطول لمواقع حول العالم، فقد خصص عالِم الرياضيات والفلك هذه الإحداثيات لأكثر من 8000 مكان في جميع أنحاء العالم المعروف، وعلى الرغم من أنَّ العديد من القياسات لم تكن دقيقة، إلا أنَّ مفهوم "بطليموس" «إحداثيات رسم الخرائط العالمية» - المستخدم حتى يومنا هذا - استند إلى نظرية أنَّ الأرض كانت وما تزال مستديرة.

تقول "جاياسوريا": «على الرغم من أنَّ خريطة "بطليموس" الأصلية لم تنجُ، فقد أُعيد اكتشاف النص نحو عام 1300 بعد الميلاد وتمكَّن رسامو الخرائط من إعادة إنشاء الخريطة»، إضافة إلى ملاحظات الشمس وظلالها، تقول السيدة "جاياسوريا" إنَّ العديد من العلماء عبر التاريخ استمروا في جمع الملاحظات والأدلة على أنَّ الأرض كروية بما في ذلك:

  1. أنَّنا نرى الجزء العلوي من صاري السفينة قادماً إلى الميناء وليس السفينة بأكملها.
  2. أنَّ جميع الكواكب والأجسام السماوية الأخرى هي كرات.
  3. خلال خسوف القمر، ظل الأرض على القمر منحنٍ.

عدم الثقة بالخبراء:

لماذا على الرغم من الأدلة العلمية الدامغة على أنَّ الأرض «كروية منحرفة» - كرة سُحقت عند أقطابها وتورمت عند خط الاستواء - تكتسب حركة الأرض المسطَّحة قوة جذب في القرن الواحد والعشرين؟ جزئياً ووفقاً لمحاضرة كلية الثقافة والاتصال الدكتورة "جينيفر بيكيت" يرجع ذلك إلى تحول عام نحو الشعبوية وعدم الثقة في آراء الخبراء ووسائل الإعلام الرئيسة.

تقول الدكتورة "بيكيت": «يتعلق الأمر بقوة المعرفة، وهذا الانعدام المتزايد للثقة فيمن عددناهم ذات يوم حراس المعرفة مثل الأكاديميين أو الوكالات العلمية أو الحكومة»، وفي هذا النوع من البيئة "يصبح من السهل أن تكتسب المناظر الهامشية ذات مرة قوة جذب، ولديك مجموعة من الأشخاص حولك الذين يعيدون تأكيد إيمانك باستمرار".

تشير الدكتورة "بيكيت" أيضاً إلى أنَّ الحركة المزدهرة تتحدث عن كيف يمكن لما يسمى بـ «المؤثرين» على وسائل التواصل الاجتماعي الآن أن يكون لهم نفوذ أكثر من خبير في هذا المجال، وتقول الدكتورة "بيكيت": «هذا غالباً لأنَّهم يميلون إلى أن يكونوا رواة قصص أفضل»، وهناك عنصر من الأصالة يعتقد الناس بسذاجة أنَّه شخص حقيقي وصادق، لذلك يجب أن يكون ما يقوله صحيحاً.

spherical Earth

النظام الإيكولوجي للأرض المسطَّحة:

تشير الدكتورة "بيكيت" إلى أنَّ مجتمع الأرض المسطَّحة يستخدم العديد من منصات التواصل الاجتماعي بطرائق متميزة ومتداخلة من أجل إنشاء نوع من النظام البيئي حول معتقداتهم؛ إذ «يصبح (Youtube) مركزاً للمحتوى، ويصبح (Facebook) متجراً إدارياً شاملاً لهذا المركز، ويقوم (Twitter) باستمرار بدفع الرسائل».

تقول مشبهةً (Youtube) بنوع من القنوات الوثائقية البديلة للأرض المسطَّحة: "إنَّه وحش مثير للاهتمام؛ إذ يمكنهم الحصول على برنامجهم التلفزيوني اليومي أو الأسبوعي بنفس الطريقة التي نذهب بها إلى ديفيد أتينبورو"، وأيضاً تقول الدكتورة "بيكيت" إنَّها أداة وسائط اجتماعية أقوى من (Facebook) أو (Twitter) لأنَّها منصة «عالية السياق»؛ إذ يمكن للمستخدمين بث أنفسهم بشكل فوري يفتقر إلى النصوص المدروسة أو المنصات القائمة على الصور.

"إنَّه نوع من الشعور وكأنَّك تستطيع الوصول بشكل مباشر إلى "ديفيد أتينبورو" بعد مشاهدة أحد أفلامه الوثائقية، كالقدرة على إجراء محادثة معه ثم جعله يرد في الحلقة التالية على مخاوفك أو تساؤلاتك"، فهل تعلم أنَّ بعض الناس يعتقدون أنَّ شعار الأمم المتحدة هو في الواقع «خريطة أرضية مسطَّحة».

بخلاف التلفاز يمكنك على (Youtube) البحث عن مقاطع الفيديو لأشخاص يتفقون مع وجهة نظرك للعالم - أو في هذه الحالة، الأرض - إذ تقول الدكتورة "بيكيت" نظراً لأنَّنا نعتمد اعتماداً متزايداً على وسائل التواصل الاجتماعي للترفيه؛ فقد أصبح لدينا «تأثير المدمنين»؛ نبحث عن الجرعة التالية من الغضب أو السعادة أو غيرها من المشاعر القوية.

من السهل جداً أن تنتشر المعلومات المضللة في هذه البيئة؛ إذ يؤيد العديد من أصحاب الأرض المسطَّحة فكرة أنَّ شعار الأمم المتحدة هو في الواقع خريطة أرضية مسطَّحة على سبيل المثال، ولكنَّ السيدة "جاياسوريا" تضيف أنَّ مظهر الشعار هو نتيجة طريقة «لإسقاط» كرة ثلاثية الأبعاد على سطح ثنائي الأبعاد، ونظراً لعدم وجود «طريقة مثالية لإبراز كرة ثلاثية الأبعاد على سطح ثنائي الأبعاد»؛ ينتج رسامو الخرائط خرائط باستخدام «إسقاطات» مختلفة لاستخدامات مختلفة، فشعار الأمم المتحدة هو إسقاط خاص يتمحور حول القطب الشمالي.

إقرأ أيضاً: 16 معلومة لا تعرفها عن الفضاء الخارجي

الحصول على حقائق للتفكير النقدي:

يبقى السؤال لماذا هذه النظرية ما تزال قائمة في عام 2018 في مواجهة العلم وحتى الأدلة الفوتوغرافية؟ حسناً، يعود ذلك أيضاً إلى التفكير النقدي في المعلومات الموجودة هناك، وخاصة عبر الإنترنت.

«انظر، الأرض المسطَّحة» في الواقع هكذا عبارة توظف الشك الديكارتي؛ فهذه فكرة فلسفية مفادها أنَّ العالم خارج الذات يخضع لعدم اليقين كما تقول الدكتورة "بيكيت"، في إشارة إلى طريقة التفكير المتشكك التي شاعها "رينيه ديكارت" الفيلسوف وعالِم الرياضيات والعالِم الفرنسي.

لكن أود أن أقول إنَّ أفضل طريقة لإجراء بحثك حول ما إذا كانت القصة صحيحة هي الذهاب إلى وسائل الإعلام الرئيسة، والذهاب إلى تلك الوكالات العلمية ومعرفة ما يقولونه؛ إذ تقول الدكتورة "بيكيت": «الأكاديميون أكاديميون ليس لأنَّنا نحاول سحب الصوف فوق أعين الناس، لكن لأنَّنا نقضي الكثير من الوقت في التدريب والتفكير بعمق في هذه القضايا»، و"كما تعلم، لقد بُذل الكثير من الوقت والعمل والجهد لإدامة فكرة أنَّ الأرض كرة أرضية، فهذه علامة على أنَّها كذلك".

في الختام:

إنَّ نظرية الأرض المسطَّحة هي دليل دامغ على مدى سطحية عقول بعض البشر وعلى عدم قدرتهم على فهم الوقائع والنظر بموضوعية إلى الأشياء المسلَّمة على الرغم من كثرة الإثباتات، ويكفي القول إنَّه حتى وإن أرسلت بعضاً من معتنقيها إلى الفضاء وأريته كروية الأرض فسيقول لك هذا خداع بصري، فتخيل يا رعاك الله!




مقالات مرتبطة